العراق: «الانتقام الإيراني» لن يكسر هدنة الفصائل مع واشنطن

مصادر: «الإطار التنسيقي» يسعى لإنجاح زيارة السوداني لواشنطن... لكن أربيل تتوقع هجوماً

مقاتلان من ميليشيا «كتائب حزب الله العراقي» يقفان في موقع غارة جوية أميركية في الحلة بالعراق في 26 ديسمبر 2023 (رويترز)
مقاتلان من ميليشيا «كتائب حزب الله العراقي» يقفان في موقع غارة جوية أميركية في الحلة بالعراق في 26 ديسمبر 2023 (رويترز)
TT

العراق: «الانتقام الإيراني» لن يكسر هدنة الفصائل مع واشنطن

مقاتلان من ميليشيا «كتائب حزب الله العراقي» يقفان في موقع غارة جوية أميركية في الحلة بالعراق في 26 ديسمبر 2023 (رويترز)
مقاتلان من ميليشيا «كتائب حزب الله العراقي» يقفان في موقع غارة جوية أميركية في الحلة بالعراق في 26 ديسمبر 2023 (رويترز)

رغم إدانة فصائل عراقية الضربة الإسرائيلية على مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا، الاثنين الماضي، فإن التعهدات التي أطلقتها بشن هجمات على المصالح الأميركية في العراق لم تحدث فعلياً حتى الآن، ما يعزز قناعة المراقبين باستمرار الهدنة مع واشنطن، التي تستعد لاستقبال رئيس الوزراء محمد السوداني منتصف أبريل (نيسان) الحالي.

والتزمت معظم المنصات الخبرية التابعة للفصائل الهدوء خلال اليومين الأخيرين، بعد عاصفة تهديدات أطلقتها عقب استهداف قنصلية طهران في سوريا.

ومنذ استهداف القيادي في «كتائب حزب الله العراقي» أبو باقر الساعدي ومصرعه بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة قرب منزله في منطقة المشتل ببغداد مطلع فبراير (شباط) الماضي، التزمت الفصائل العراقية المسلحة بخطة تهدئة، ولم تشن هجمات صاروخية على الأماكن والقواعد التي توجد فيها قوات أميركية في العراق.

«كتائب حزب الله العراقي» خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

الهدنة لن تكسر

ويميل مصدر مقرب من «الإطار التنسيقي» إلى «استبعاد عمل عدائي» من الفصائل ضد القوات الأميركية خلال هذه المرحلة رغم لهجة التصعيد التي تفوح من بياناتها عقب استهداف القنصلية الإيرانية، وتلميحها للانتقام.

وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «ما تخشاه الفصائل في هذه المرحلة رد أميركي وإسرائيلي عنيف ومؤذٍ لها هذه المرة، وهو السبب الأكثر حسماً وأهمية ويدفعها إلى مواصلة هدنتها».

لكن الكاتب والباحث نزار حيدر يعتقد أن طهران «تفكر بجدية في الرد على استهداف قنصليتها»، ويعلل ذلك، بالقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «عملية القصف الاسرائيلي الأخيرة في دمشق آلمتها كثيراً وعلى أكثر من صعيد».

ورأى حيدر أن طهران «لن تجرؤ على الرد المباشر من أراضيها لقصف العمق الإسرائيلي، خشيةً من رد الأخيرة المباشر في العمق الإيراني، لذلك ستسعى للرد غير المباشر من خلال وكلائها في المنطقة وأولهم من يطلقون على أنفسهم (المقاومة الإسلامية في العراق)».

وأضاف حيدر أن «هذه الجماعات بدأت تكتيكاً جديداً بقصف إسرائيل مباشرة وعدم التورط مرة أخرى في ضرب المنشآت الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية»، في إشارة إلى عملية قصف مدينة إيلات الإسرائيلية التي زعمت جماعات المقاومة تنفيذها الأسبوع الماضي.

وقال حيدر إن «هذا التكتيك سيستمر على الأقل لحين انتهاء زيارة السوداني المرتقبة إلى واشنطن، خصوصاً أن واشنطن أخبرت طهران مباشرة بأنها لم تكن على علم بحادثة دمشق وأنها لا علاقة لها بالأمر، في مسعى واضح لتجنب انهيار الهدنة بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة والقاضية بوقف هجمات الأخيرة ضد منشآتها في العراق وعموم المنطقة».

وحذر حيدر من إقدام الفصائل على استهداف إسرائيل، ما يعطي الأخيرة ذريعة لضرب العراق ويجعله عرضة لهجمات مباشرة كما يحصل في سوريا منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)

أربيل «مهددة»

من جهته، لا يستبعد كفاح محمود، المستشار الإعلامي لزعيم الحزب «الديمقراطي» الكردستاني مسعود بارزاني، تورط الفصائل المسلحة بمعاودة قصف أربيل مثلما حدث في مرات سابقة.

وقال محمود، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مرحلة من المزايدات ونشر الفبركات وخلق الذرائع ستبدأ الآن، وستكون أربيل عاصمة إقليم كردستان هدفاً لتلك المزايدات».

ولا يستغرب محمود قيام الفصائل بما يصفها بـ«حماقات من هذا النوع»، وتابع قائلاً: «يتذكر الجميع أنه حين غصت المدن الإيرانية بمظاهرات الشعوب الإيرانية مطالبة بإسقاط نظامهم، أمطروا أربيل بـ12 صاروخاً باليستياً على بيت رجل أعمال كردستاني، مدعين أنه مركز للموساد».

وأضاف محمود: «رغم أن الأميركيين نجحوا في الضغط عليهم بعد عمليتين نوعيتين، فإن من المتوقع قيامهم بهكذا مغامرات بالتنسيق مع الحرس الثوري، للتنفيس عن الضغط الذي تسبب به القصف الإسرائيلي في دمشق».


مقالات ذات صلة

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي تضغط باتجاه عدم انخراط الفصائل المسلحة في أي مواجهة إيرانية - إسرائيلية، طالما أنها تجري ضمن قواعد اشتباك بينهما.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني في اجتماع لـ«الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

السوداني طلب من التحالف الحاكم «التحرك بسرعة قبل الحرب»

أكد مسؤول حكومي بارز أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبلغ قادة «الإطار التنسيقي» بتفاصيل شاملة عن «المخاطر المتوقعة على العراق».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني طلب من قادة الجيش العراقي رفع الجهوزية (إعلام حكومي)

«رسالة عسكرية» عن خريطة الأهداف الإسرائيلية في العراق

قالت مصادر موثوقة إن ضباطاً كباراً في الجيش العراقي أبلغوا قادة فصائل بأن الضربة الإسرائيلية باتت أقرب من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)
TT

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

حضّ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كلاً من بريطانيا وإسبانيا وسويسرا على الضغط باتجاه خفض التصعيد في المنطقة، وتجنب إمكانية شمول العراق بالضربة الإسرائيلية المحتملة على إيران، في وقت نفت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران وقوفها وراء مقتل جنديين إسرائيليين في منطقة الجولان السوري المحتل بواسطة طائرة مسيّرة.

السوداني الذي كان أرجأ الأسبوع الماضي زيارة مقررة له إلى المملكة المتحدة بسبب تطور الأحداث في المنطقة بعد التصعيد الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، ومقتل زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، بحث في تحديد موعد جديد للزيارة مع السفير البريطاني في بغداد.

صورة إطلاق سابق لطائرة مسيَّرة من فيديو نشرته «المقاومة الإسلامية في العراق» عبر «تلغرام»

وقال بيان عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي إن الأخير «بحث مع السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتشن تحديد موعد جديد لإجراء زيارة رسمية إلى عاصمة المملكة المتحدة لندن التي سبق أن تأجلت بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة». وإن السوداني «أكد خلال اللقاء ضرورة أن يضطلع المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي بدورهما الأساسي في حفظ الأمن والاستقرار، ولا سيما مع ما يجري في المنطقة من استمرار للعدوان الصهيوني على غزّة ولبنان، والتمادي والإيغال في استهداف المدنيين في حرب إبادة جماعية تستلزم الاستنكار والإدانة من العالم بأسره، وتتطلب احترام القوانين الدولية وعدم تجاوزها من قبل أي جهة».

وكان رئيس الوزراء العراقي واصل جهوده على مدى الأيام الماضية من أجل ممارسة أقصى ضغط على إسرائيل لتجنب التصعيد في المنطقة، فضلاً عن إمكانية توجيه ضربة إلى العراق بعد تزايد احتمالاتها مع إعلان إسرائيل أن جنديين إسرائيليين قتلا بمسيرة عراقية، وهو ما نفته الفصائل المسلحة التي كانت تفتخر بإحداث خسائر في صفوف الإسرائيليين قبل التصعيد الأخير.

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يتحدث للصحافيين في مدريد (د.ب.أ)

وفي هذا السياق، بحث السوداني هاتفياً السبت مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إمكانية أن تلعب بلاده، في سياق دورها ضمن الاتحاد الأوروبي، دوراً أكبر لخفض التصعيد في المنطقة. كما بحث مع أول سفير سويسري في العراق دانيل هون بعد قطيعة دامت 33 عاماً مجريات الأحداث في المنطقة.

وفيما رحب السوداني طبقاً لبيان عن مكتبه بسفير الاتحاد السويسري المقيم لدى العراق بعد مباشرته عمله، فإنه أكد أهمية «أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً في وقف ما تقوم به إسرائيل من أعمال ضد المدنيين العزل في غزة وجنوب لبنان، فضلاً عن موقف المجتمع الدولي المطلوب للحدّ من توسعة الصراع في المنطقة، وما يشكله من مخاطر وتهديدات للأمن الإقليمي والدولي».

مخاوف وقلق

وفي الوقت الذي تتصاعد المخاوف من إمكانية حصول ضربة إسرائيلية على إيران قد تشمل أذرعها في العراق التي نشطت خلال الفترة الأخيرة بتوسيع استهدافاتها ضد إسرائيل, فإن نفي أبرز تلك الفصائل، «كتائب حزب الله» و«سيد الشهداء» مسؤوليتهما عن قتل جنديين إسرائيليين بإطلاق مسيرّة من داخل العراق، بدأ يرجح نسبياً فرضية تجنب توجيه ضربة إسرائيلية في الوقت الحالي عل الأقل.

«كتائب حزب الله العراقي» خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وكان المتحدث باسم كتائب «سيد الشهداء» في العراق كاظم الفرطوسي أعلن أن الفصائل المسلحة التي تدخل ضمن عنوان «محور المقاومة» لم «تعلن عن تنفيذ عملية الجولان التي أدت لمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة أكثر من 24 آخرين» قائلاً في تصريحات صحافية إنه لو «لو نفذناها لأعلنا عنها».

وطبقاً للمعلومات التي أفاد بها لـ«الشرق الأوسط» مصدر مطلع مقرب من «الإطار التنسيقي» الشيعي الحاكم، فإن «الجسم السياسي الرئيسي لقوى الإطار تضغط باتجاه عدم انخراط الفصائل المسلحة في أي مواجهة إيرانية ـ إسرائيلية، طالما أنها تجري في ضوء سياسة الفعل ورد الفعل بين الطرفين ضمن قواعد اشتباك بينهما».

وأضاف المصدر أن «قوى الإطار التنسيقي كانت خولت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني القيام بما يلزم لحماية العراق من ضربة قد تتعدى مقرات الفصائل، أو حتى استهداف قياداتها، إلى إمكانية أن تشمل أهدافاً حيوية في العراق ما قد يشلّ الحركة، ويوقف تصدير النفط الذي يعدّ الشريان الحيوي للاقتصاد العراقي».

إلى ذلك، أكد الدكتور إحسان الشمري أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق كان يمتلك فرصة ثمينة لتجنب الحرب من خلال الاعتماد على المسار السياسي والدبلوماسي، وتجنب الانخراط بشكل أكبر بالصراع الذي يدور بين إسرائيل وإيران وأذرعها بالمنطقة، لكن يبدو أن الفرصة ضاعت في ظل مواقف حذرة وغياب المبادرة».

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)

وأضاف أن «التحرك على أسس عاطفية من قبل الحكومة، وأيضاً وقوعها تحت ضغط وتأثير بيئتها السياسية المعروفة بفصائل المقاومة، أظهرا العراق بأنه طرف من الصراع، خصوصاً بعد الاستهدافات من الجماعات المسلحة للداخل الإسرائيلي».

ويقول الشمري، إن العراق «لم يؤيد المبادرات العربية أو ينخرط بها»، مشيراً إلى «أنه كان يفترض بالعراق أن يكون جزءاً من التحالف الدولي للاعتراف بدولة فلسطين الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وداعماً لهذه الخطوة التي تمثل نقطة تحول إيجابي في القضية الفلسطينية بعيداً عن شعارات بعض الدول الإقليمية والجماعات».

ومع تصاعد هجمات الفصائل واعتبار العراق «ضمن محور الأعداء»، يرى الشمري أن «الضربات مقبلة لا محالة، والموضوع لن يرتبط بأذرع إيران، بل يستهدف النظام والطبقة السياسية والجماعات الحليفة لإيران بشكل كامل»، على حد وصفه.