يتطلع حرفيو «الشاشية» (الطربوش التقليدي التونسي) واللباس التقليدي في تونس خلال شهر رمضان، إلى التعويض عن سنوات الكساد التي ضربت القطاع في فترة الوباء المرتبط بجائحة كورونا.
ووجه الوباء وتدابير الإغلاق التي رافقته، بدءاً من 2020، ضربة قاصمة لمئات الآلاف من الحرفيين الذين أفلسوا وخسروا أعمالهم تحت وطأة الركود الذي استمر حتى عام 2022.
وبسبب تكدس السلع في المخازن، واجه كثير من أرباب العمل في الأسواق التقليدية دعاوى قضائية بسبب الديون وتداول شيكات بأرصدة بنكية خاوية.
لكن بعد عامين من انحسار الوباء عادت الحياة بقوة إلى أسواق الصناعات التقليدية التي تضج بالحركة في شهر رمضان. وينظر محمد المهدي الذي يدير ورشة لصناعة الشاشية، بتفاؤل إلى المستقبل.
ويقول المهدي، الذي ورث ورشته عن أبيه بسوق الشواشين، لوكالة الأنباء الألمانية: «واجهت السوق كساداً حتى قبل جائحة كورونا. لكن الأضرار كانت مضاعفة في فترة الوباء. والآن نحن بصدد التقاط الأنفاس».
وتقع الورشة التي تعمل منذ أكثر من قرن، في قلب مدينة تونس العتيقة المزدحمة بالزائرين لاقتناء حاجياتهم في شهر رمضان. وهناك تنتشر أيضاً ورش صناعة «البلغة»، الحذاء الجلدي التقليدي، وباعة الأواني النحاسية ومحال المجوهرات.
ويعمل في تونس أكثر 300 ألف حرفي في 75 حرفة مصنفة من قِبل ديوان الصناعات التقليدية، ومن بينها اللباس التقليدي. ورغم أن الإقبال على لباس الشاشية تضاءل بشكل كبير على مر القرون في تونس، فإن المهدي يعول على عائدات شهر رمضان الذي يشهد عادة انتعاشاً في مبيعات اللباس التقليدي.
ويضيف الحرفي وهو عاكف على عملية تلبيد الشاشية: «يزدهر العمل في شهر رمضان لأسباب دينية، لكن ورشتنا تقوم بتصدير الجزء الكبير من الإنتاج إلى الخارج».
وتلقى القطاع دفعة قبل أيام من حلول شهر رمضان مع الاحتفال بـ«الخرجة التونسية» وهو تقليد سنوي يشارك فيه عارضون وجمعيات تهتم بالتراث وفرق إنشاد صوفية للاحتفال باللباس التقليدي.
ويمكن مشاهدة الشاشية منتشرة على نطاق واسع لدى الرجال والنساء في الخرجة وفي المناسبات والاحتفالات الدينية والأعراس بشكل خاص. كما تلقى رواجاً لدى المصلين في المساجد والباعة في الأسواق ومرتادي المقاهي في شهر رمضان.
ويقول رئيس «جمعية تراثنا» زين العابدين بن علي لوكالة الأنباء الألمانية: «التونسيون عادوا إلى اللباس التقليدي. هناك إقبال وطني في الأعراس وفي التظاهرات. لقد نجحنا في ترسيخ هذا».
وأضاف زين العابدين الذي ارتدى الشاشية بلونها الأحمر القرمزي والجبة التونسية البيضاء: «نحن نسعى أيضاً لأن يتم تخصيص يوم عالمي للاحتفال باللباس التقليدي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو). نريد أن تحافظ الشعوب في كل منطقة من العالم على هويتها».
وهناك تضارب بشأن بداية ظهور الشاشية في تونس. يقول مؤرخون إن صناعة الشاشية بشكلها الحالي يعود إلى الأجداد القادمين من بلاد الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في إسبانيا عام 1492... لكن مراجع أخرى تحدثت عن بداية ظهور حرفة الشاشية في مدينة القيروان التاريخية بوسط تونس منذ القرن الثاني للهجرة في التقويم الإسلامي، أي نحو القرن الثامن للميلاد.
وحتى بدايات القرن العشرين تصنف صناعة الشاشية كحرفة الأثرياء لازدهارها في السوق، لكن تراجع الإقبال عليها بسبب التغييرات الثقافية، خاصة في المدن الكبرى.
وقالت ريم بلطي، وهي مصممة أزياء تقليدية، لوكالة الأنباء الألمانية: «عملنا يقوم على تطوير اللباس التقليدي حتى تقبل عليه الأجيال الجديدة. والنتيجة اليوم أنه عاد بقوة في المناسبات وغير المناسبات أيضاً».