هل يتجه العراق إلى «ديكتاتورية الأغلبية»؟

نواب وخبراء: الطرف الأقوى بالمال والسلاح يتمرد على التوافق

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)
قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)
TT

هل يتجه العراق إلى «ديكتاتورية الأغلبية»؟

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)
قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)

راجع نواب وخبراء في علوم السياسة حالة الأحزاب العراقية التي أسست نظام ما بعد صدام حسين، وأشاروا إلى «حالة تفكك» لغالبية التحالفات المكوناتية، بسبب التدخل الخارجي وتصاعد النزعة نحو «ديكتاتورية الأغلبية».

ويقول هؤلاء، الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، إن «التحالفات المكوناتية للشيعة والسنة والكرد لا تبدو اليوم في أفضل حالاتها، بعد مرور 21 عاماً على تأسيس ما يعرف بالعملية السياسية بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية».

وهيمنت النزاعات الدامية والفساد وعدم الاستقرار على العراق على مدى السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003.

ويسود اقتناع عام بين النخبة السياسية أن الحاكم الأميركي المدني هو من كرس نظام المحاصصة بين المكونات لإدارة النظام، بتوزيع السلطات على أساس طائفي وقومي.

ومنذ ذلك الحين، تأسست 6 حكومات وانتخب العراقيون 5 برلمانات بأنظمة اقتراع مختلفة.

وعلى مدار تلك المحطات، اصطفت القوى السياسية على أساس مكوناتي للظفر بمراكز السلطة، لكن الوضع اليوم مختلف تماماً بسبب حالة التفكك داخل تلك المكونات.

محاصصة تاريخية

ويعتقد النائب السابق حيدر الملا أن نظام المحاصصة بدأ بالفعل أيام معارضة صدام حسين، وليس مع بريمر. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مقررات مؤتمر صلاح الدين 1992 ومؤتمر لندن 2002، هي التي طبقها بريمر في العراق بعد 2003، وأهمها قرارا اجتثاث (البعث) وحل الجيش العراقي، وكلاهما تسبب باختلال كبير».

وأضاف الملا أن «نظام المحاصصة فشل فعلياً، حتى إن الاتفاقات بين الكتل السياسية عندما كانت في المعارضة، خصوصاً الشيعة والكرد، لتوزيع المناصب والسلطات فيما بينهم، قد اختلت الآن».

وبناء على هذا، قال الملا: «هناك تغيير قادم حتماً نظراً لاختلال موازين القوى بين الكتل والأطراف السياسية وبالأخص البيت الشيعي».

ورغم أن البيت الشيعي ليس في أفضل حالاته لكنه بسبب ما يملكه من أغلبية سكانية انعكست مجموعة أغلبيات داخل هيكلية السلطات، يحاول ممثلوه التشبث بفكرة الدفاع عن المكون.

مع مجيء بريمر تحولت المحاصصة في العراق إلى آليات للحكم وتوزيع السلطات (أرشيفية - الأوروبية)

بريمر ليس السبب

ويتفق مع الملا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، ياسين البكري، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك مغالطة تاريخية حول ما يعرف بوصفة بريمر لحكم العراق، أو ما صار في التداول العام (المحاصصة)، فتلك الوصفة عراقية تبنتها المعارضة من مطلع التسعينات بسبب نزاع طائفي وقومي له متجذر في تاريخ العراق الحديث».

وتابع البكري: «أكبر دليل على عمق النزاع هو حروب الشمال في الستينات، وقبل ذلك تشكيل مجلس السيادة بعد 14 يوليو (تموز) دليل على هذه المشكلة، فضلاً عن ذلك يمكن عدّ مجلس السيادة بعد 14 تموز 1958، وهو المجلس الذي يقوم مقام رئاسة الجمهورية والمكون من ثلاثة شخصيات سني وشيعي وكردي، معبراً عن تلك الانقسامية السياسية، بالتالي فتلك التوليفة ليست من اختراع بريمر».

ووفقاً للبكري، فإن الإشكالية العراقية تكمن في تطبيق التوافقية؛ لأنه لم يكن خاضعاً لمعايير هذا الشكل من أنظمة الحكم، فضلاً عن عدم تطبيق الفيدرالية وحصرها في إقليم كردستان، ما تسبب بإخلال بالتوازن الفعلي للقوى السياسية.

وأكد البكري أن عدم التوازن «جعل الطرف الأقوى (سلطوياً ومالياً وفي التسليح)، يذهب باتجاه إفراغ فكرة التوافق والفيدرالية من محتواها والاتجاه نحو مركزة السلطة وخطاب الأغلبية، فضلاً عن التلاعب بإعدادات المكونات عبر شقها بالإغراء أو التهميش».

في السياق، قال رئيس مركز «التفكير السياسي»، إحسان الشمري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «وصفة بريمر ساهمت في إنشاء قوى سياسية داخل العراق تعتمد على علاقاتها وانتماءاتها من خارج العراق، إما على أسس مذهبية أو عرقية أو غيرها».

وأضاف الشمري أن «هذه الوصفة قد كونت لنا ديمقراطية زعماء كتل سياسية لا ديمقراطية حقيقية، مما أخل كثيراً بمفهوم الدولة في العراق».


مقالات ذات صلة

السلطات العراقية توضح ملابسات تسليم معارض كويتي إلى بلاده

المشرق العربي الخالدي كما بدا في صورة بثتها «الداخلية الكويتية» على منصة «إكس»

السلطات العراقية توضح ملابسات تسليم معارض كويتي إلى بلاده

أوضحت وزارة الداخلية العراقية ملابسات تسليم معارض كويتي إلى بلاده، بعد الضجة التي أثارتها عملية التسليم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء (رويترز)

تضارب الأنباء بشأن زيارة السوداني إلى إيران

لم يصدر عن الحكومة العراقية رسمياً ما يؤكد زيارة وشيكة إلى إيران يقوم بها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فيما تشير أنباء إلى أنها ستبدأ غداً الخميس

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي تجمُّع عشائري أُقيم في جنوب بغداد مؤخراً (أ.ف.ب)

العراقيون يطوون سنة 2024... وينتظرون توقعات المنجمين للعام الجديد

غالباً ما تأخذ نظريات المؤامرة حيزاً واسعاً من تفكير، بل حتى تطلعات العراقيين لأسباب تتعلق إما بانقسامات سياسية أو مجتمعية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك (يسار) يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني حينها توني بلير بعد لقائهما في 11 مايو 2007 أمام قصر الإليزيه في باريس (أ.ف.ب)

وثائق: شيراك أغضب بريطانيا برفضه عملاً عسكرياً في العراق عام 2003

كشفت وثائق بريطانية، نُشرت الثلاثاء، عن غضب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من الرئيس الفرنسي جاك شيراك بسبب عرقلة عمل عسكري على العراق سنة 2003.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على غلاف تقرير فوق مكتب بمقر «حزب البعث» حيث ينتظر جنود سابقون تسجيل أسمائهم في «عملية المصالحة» في دمشق الاثنين (أ.ب)

حزب «البعث» السوري يتداعى

بعد أيام قلائل من الإطاحة بالرئيس بشار الأسد أعلن «حزب البعث» الحاكم تجميد أنشطته، ما يمثل تغييراً صادماً في حظوظ الجماعة السياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في دمشق... و«شروط» للحكام الجدد لاستئناف العلاقات

قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)
قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)
TT

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في دمشق... و«شروط» للحكام الجدد لاستئناف العلاقات

قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)
قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)

في حين تشهد دمشق انفتاحاً دبلوماسياً كبيراً، بعد نحو 4 أسابيع من سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وصل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، اليوم (الجمعة)، إلى سوريا، في أوّل زيارة مماثلة على هذا المستوى من دول غربية إلى دمشق.

وتهدف الزيارتان لإجراء محادثات مع الحكام الفعليين الجدد، بتكليف من الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن يلتقي بارو وبيربوك معاً قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع.

وأكدت بيربوك أنها تسعى لمساعدة سوريا على أن تصبح «دولة قادرة على القيام بوظائفها وتسيطر بالكامل على أراضيها»، وذلك في بيان صدر قبيل وصولها إلى العاصمة السورية من قبرص.

وقالت إنه رغم «الشكوك» حيال «هيئة تحرير الشام» التي تقود تحالفاً من فصائل معارضة أطاحت بالأسد، مطلع ديسمبر (كانون الأول)، «فعلينا ألا نضيع فرصة دعم الشعب السوري في هذا المنعطف المهم».

وحدَّدَت بيربوك شروطاً للحكام الفعليين الجدد في سوريا لاستئناف العلاقات مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وقالت: «من الممكن حدوث بداية سياسية جديدة بين أوروبا وسوريا، بين ألمانيا وسوريا»، مضيفة أنها تأتي إلى العاصمة السورية رفقة نظيرها الفرنسي، وبالنيابة عن الاتحاد الأوروبي «بهذه اليد الممدودة، ولكن أيضاً بتوقعات واضحة من الحكام الجدد».

ونيابةً عن منسِّقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، تعتزم بيربوك وبارو إجراء محادثات مع ممثلي الحكومة الانتقالية.

وكان بارو احتفل بالعام الجديد رفقة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو في لبنان مع الجنود الفرنسيين من بعثة مراقبي الأمم المتحدة «يونيفيل» المتمركزة هناك. وبيربوك وبارو هما أول وزيري خارجية من الاتحاد الأوروبي يزوران سوريا منذ سقوط الأسد.

وقالت بيربوك: «لا يمكن أن تكون هناك بداية جديدة إلا إذا أفسح المجتمع السوري الجديد لجميع السوريين (نساء ورجالاً وبغض النظر عن المجموعة العرقية أو الدينية) مكاناً في العملية السياسية، ومنحَهم حقوقاً، ووفَّر لهم الحماية»، مضيفة أن هذه الحقوق يجب حمايتها و«لا ينبغي تقويضها عبر فترات طويلة للغاية لحين إجراء انتخابات أو اتخاذ خطوات لأسلمة نظام القضاء أو التعليم».

وكان الشرع قال مؤخراً إن تقديم مسودة الدستور الجديد قد يستغرق نحو 3 سنوات، ذلك إلى جانب عام آخر لإجراء الانتخابات. وبعد أكثر من 10 سنوات من الحرب الأهلية، أصبحت سوريا مجزَّأة ومنقسمة على أسس طائفية. وحتى بعد سقوط الأسد، تواصل ميليشيات مسلحة متعادية القتال من أجل السلطة.

وأشارت بيربوك إلى الرغبة في دعم سوريا، خلال انتقال سلمي للسلطة والمصالحة في المجتمع، وإعادة الإعمار؛ ذلك إلى جانب المساعدات الإنسانية التي تم تقديمها للشعب في سوريا بالسنوات الأخيرة.

وأكدت بيربوك أنه لا يمكن أن تكون هناك بداية جديدة إلا إذا تمَّت معالجة الماضي وإرساء العدالة وتجنُّب الأعمال الانتقامية ضد فئات من الشعب، مشددة على أنه ينبغي ألا يكون للتطرف والجماعات المتطرفة مكان في سوريا.

وتابعت: «نحن نعرف من أين تنبثق (هيئة تحرير الشام) آيديولوجياً، وما فعلته في الماضي». لكنها أشارت في المقابل إلى أنه يمكن أيضاً رؤية الرغبة في الاعتدال والتفاهم مع جهات فاعلة أخرى مهمة، مضيفة أن بدء محادثات مع «قوات سوريا الديمقراطية» التي يهيمن عليها الأكراد تُعتَبَر إشارة مهمة في هذا الاتجاه.

تجدر الإشارة إلى أن «هيئة تحرير الشام» انبثقت من «جبهة النصرة»، وهي فرع من تنظيم «القاعدة». ورغم أنها تنصَّلت من «القاعدة» وتنظيم «داعش»، فإنه هناك، حتى يومنا هذا، تقارير تفيد بأن قيادة «هيئة تحرير الشام» تقيم اتصالات مع «القاعدة».

وفي ضوء تلك التقارير، قالت بيربوك: «سنستمر في تقييم (هيئة تحرير الشام) من خلال أفعالها. وعلى الرغم من كل الشكوك، يجب ألا نفوِّت الآن الفرصة لدعم الشعب السوري في مفترق الطرق المهم هذا».

وأوضحت بيربوك أن ألمانيا تعمل أيضاً من أجل ضمان عدم تعطيل العملية السورية الداخلية من الخارج، لافتة إلى أن هذا يشمل أيضا احترام السيادة والسلامة الإقليمية من قِبَل جميع الدول المجاورة، وذلك في إشارة واضحة إلى تركيا وإسرائيل المتهمتين بالسعي لتحقيق مصالحهما الخاصة في سوريا.

وذكرت بيربوك أنه قد حان الوقت أيضاً لأن تغادر روسيا قواعدها العسكرية في سوريا.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا كانت واحدة من أهم حلفاء الأسد لسنوات. وعقب ما يقرب من 14 عاماً من الحرب الأهلية، تعرَّضت سوريا للدمار والتلوث إلى حد كبير بالألغام الأرضية وغيرها من الذخائر.

وتعاني البلاد الآن من نقص في القوة العاملة والعمال المهَرة، إلى جانب انكماش الاقتصاد وفقدان العملة لأكثر من 90 في المائة من قيمتها منذ عام 2020، وقد انهارت الخدمات العامة. ويعتمد أكثر من 16 مليون شخص هناك على المساعدات الإنسانية.

ومن المرجَّح أيضاً أن تدور محادثات بيربوك في دمشق حول عودة اللاجئين السوريين من ألمانيا، وهو ما تؤيده الحكومة الانتقالية. ووفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، يعيش حالياً نحو 975 ألف سوري في ألمانيا. وقد جاء معظمهم إلى البلاد منذ عام 2015 نتيجة للحرب الأهلية.