انطلاقة المسلسلات السورية تُبشِّر بمتعة المُشاهَدة

تركيبة «متكاملة» تولّد الإبداع المُنتَظر

المسلسلات السورية واعدة (البوسترات الرسمية)
المسلسلات السورية واعدة (البوسترات الرسمية)
TT

انطلاقة المسلسلات السورية تُبشِّر بمتعة المُشاهَدة

المسلسلات السورية واعدة (البوسترات الرسمية)
المسلسلات السورية واعدة (البوسترات الرسمية)

قلّما يخيب الرهان على الدراما السورية المُنتَظرة في رمضان. هذا العام، حيّزُها واسع وسمعتُها عطرة. الأسماء جاذبة، والإنتاجات بمستوى يليق. يمكن للمُشاهد اختيار ما يستميله في الحقل المشرَّع على الوفرة. فالباقة زاخرة، والانطباع الأول يثير الرغبة في مواصلة المُشاهدة. 5 مسلسلات تمرّ على هذه السطور، ويمكن العودة إلى سادس هو «أغمض عينيك» فور مُشاهدته. الأعمال هي: «تاج»، و«ولاد بديعة»، و«العربجي 2»، و«مال القبان»، و«كسر عضم - السراديب».

«تاج»: انطلاقة موفَّقة

إنتاج ضخم، وقصة وإخراج جاذبان. المسلسل حتى الآن، متكامل، يحمل إمكان انتظار أحداثه. لو حُصر بطله تيم حسن ضمن «الوظيفة الوطنية»، لظلَّ مملاً بشخصية البطل القاهر. نصُّ عمر أبو سعدة وكاميرا سامر البرقاوي، حملاه إلى جانبه «الإنساني المخطئ». الشخصية متقلّبة، مستعدّة للانزلاق. فـ«تاج» ملاكم مقامر، مديون، خاسر بقدر ما يُنكر خسائره. يتلّقى اللكمات ويظنّ أنه يسدّدها.

تيم حسن بشخصية الملاكم «تاج»

الكادرات والصورة، مع الأزياء والألوان، تُجسّد سوريا في أربعينات القرن الماضي، وغليان شوارعها وجامعاتها كمسار إجباري للاستقلال. يوفّر المسلسل (إنتاج «الصبّاح إخوان») عوامل تجعل انطلاقته آسرة؛ الحضور المُتقن لتيم حسن وبسام كوسا من أبرزها. تُطرح مسائل الوطنية والخيانة، والخلايا والمجموعات وضريبة الانتماء، وسط أداء يبدو في محلّه لفايا يونان بشخصية «نوران» المنتقلة من زوجة «تاج» إلى زوجة عدوّه «رياض» (كوسا). المال يُهين المرء ويُنزل مرتبته؛ وللمرّة الأولى منذ مواسم رمضانية، نرى تيم حسن بدور المهزوم من الداخل. عودته إلى ذاته مُحتَمل تزامنها مع تحوّلات على أكثر من جهة، فيُصفَّى أشخاص وتَحدُث المواجهة. البطولة أيضاً لجوزيف بو نصار بشخصية الضابط الفرنسي «جول».

بسام كوسا في مشهد من «تاج»

«ولاد بديعة»: حلاوة الانتظار

من الأعمال المُشجِّعة على متابعتها، لثنائي التأليف الدرامي علي وجيه ويامن الحجلي. مسلسل شيِّق، تديره كاميرا رشا شربتجي الماهرة في إضافة البصمات (إنتاج «بنتالنس»). وإنْ كان لا جديد في العنوان العريض (إخوة يتصارعون على الميراث)، فالشطارة في جرَّ هذا «اللاجديد» إلى زوايا جديدة، وخَلْق المحيط المتكامل لولادة الإبداع. ذلك يحصُل، بالحضور التمثيلي، والسياق، وجمال الصورة.

سامر إسماعيل ويامن الحجلي في مشهد من «ولاد بديعة»

فادي صبيح عطر المسلسل بفضائله وهفواته. اقتصار إطلالته على «الزمن الماضي» يرفع مقام التشويق. تُضاف أسماء تؤدّي بجدارة: سلافة معمار بشخصية «سكر»، الملوَّعة والمُفكَّكة، والتواقة إلى طفل. ومعها سامر إسماعيل ويامن الحجلي بدورَي التوأمَيْن «شاهين» و«ياسين». محمود نصر بشخصية شقيقهما «مختار»، الآتي لاستعادة ثروة أبيه المُبعثَرة، مستعدّ لفتح النار على مصراعيها. صراع الإخوة، أولاد «بديعة» (إمارات رزق بدور يُحسَب لها)، يطرح أيضاً إشكاليات الخير والشرّ، والظلم والعدالة، والدم المُتحوِّل إلى ماء. بدايته مُشجِّعة، وانتظاره في أوجه. البطولة أيضاً لنادين تحسين بيك، ونادين خوري، ورامز الأسود، ولين غرّة.

سلافة معمار تتألق بشخصية «سكر» في «ولاد بديعة»

«العربجي 2»: انطلاقة صاخبة

يدرك أنه «مُلزَم» بالحفاظ على مستوى الجزء الأول، ويفعل. جزؤه الثاني ينطلق بصخب. حقائق تُكشَف على مرأى أهل الحارة المنقسمة بين طرفَي الصراع: «النشواتية»، ويتزعّمهم «أبو حمزة» (سلوم حداد)، و«درّية» (نادين خوري)، في وجه «عبدو العربجي» (باسم ياخور) والثائرين ضدّ الظلم. المسلسل (كتابة مؤيد النابلسي وعثمان جحى، إخراج سيف السبيعي، وإنتاج «هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية»، وتنفيذ «غولدن لاين»)، يفرض متابعته، فحالته آسرة. تكشف البداية احتدام الأحداث وتصاعُد الإيقاع. «الداية بدور» (ديما قندلفت) لم تنفث سمَّها بعد، ولا شكّ ستفعل. الشخصيات بين نارَين والساحة تشتعل، فلا تُفسح مجالاً للهدوء وضبط النَفْس. البطولة لفارس ياغي، وحلا رجب، وشادي الصفدي، وطارق مرعشلي.

باسم ياخور في كواليس «العربجي 2» (إكس)

نادين خوري بشخصية «درّية» في «العربجي»

«مال القبان»: مسار يتصاعد

الكتابة أيضاً لعلي وجيه ويامن الحجلي المؤدّي شخصية «خير» الميّال لارتكاب السوء. العمل من إخراج سيف السبيعي، وبطولة بسام كوسا وخالد القيش، الشخصيتَيْن المتضاربتَيْن. الأول تاجر، المال أولويته، والثاني قاضٍ، يتمسّك بأخلاق المهنة. مسرح الأحداث سوق خضراوات. وكما يُعرِّف مسلسل «ولاد بديعة» للكاتبَيْن نفسيهما، مُشاهدَه، على دهاليز حِرفة الدبّاغين، يُدخِل «مال القبان» (إنتاج «إيبلا») المُتابع في عالم التجارة، فنشهد على مزادات البصل، وأشكال الاحتكار، والحروب المعلنَة والمضمَرة.

البداية «من الماضي» تتيح فهم الحاضر والخلفية النفسية للشخصيات. تبرز اللبنانية ختام اللحام باللهجة السورية، مقدّمةً الحضور المُعذَّب للأم المغضوب عليها من ابن مُضلَّل. إطلالة سلاف فواخرجي يُرجَّح أن تدفع المسار نحو التصاعُد. البطولة أيضاً للراحل محمد قنوع الذي يُهدَى العمل إلى روحه.

أبطال مسلسل «مال القبان» (البوستر الرسمي)

«كسر عضم - السراديب»: الآتي أعظم؟

أبطال مسلسل «كسر عضم - السراديب»

على عكس «العربجي 2»، لا نشعر بالألفة حيال الجزء الثاني، كأننا لم نتابع جزءاً أول. فالمسلسل غيَّر مخرجه وكاتبه، وبدا أنه «آخر». يطلّ رشيد عساف مواجِهاً فايز قزق بشخصية «حكم الصياد أبو ريان» التي أدّاها بإبهار. هذه المرّة أيضاً، يتكثّف الجبروت على ملامح الرجل الطاغي. تحمل الحلقات المقبلة احتمال أن يسوء الوضع، مع دخول عبد المنعم عمايري على خطّ اللاعبين بالنار. تُطمَر ملفات وتُجمَّد إجراءات، وتُلفلَف تُهم. الكتابة لهلال أحمد ورند حديد، والإخراج لكنان إسكندراني، والإنتاج لـ«كلاكيت». انطلاقته الفعلية لم تبدأ. يُنتَظر منه التفوّق على الجزء الأول، أو أقله الحفاظ على مستواه. دون ذلك لن يُغفَر له.


مقالات ذات صلة

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

يوميات الشرق أتقن جوان رَسْم ملامح «فجر» وقدَّم مشهديات صامتة (مشهد من «تحت سابع أرض»)

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

أتقن الممثل السوري جوان خضر رَسْم ملامح «فجر» في مسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني وقدَّم مشهديات صامتة أغنت الحوار. نطق بعينيه. شخصية مُركَّبة حملت أكثر من تفسير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق في فيلم «نهاد الشامي» تُجسّد جوليا قصّار شخصية الحماة المتسلّطة (إنستغرام)

جوليا قصّار لـ«الشرق الأوسط»: الكيمياء بين ممثل وآخر منبعُها سخاء العطاء

ترى جوليا قصّار أنّ مشاركة باقة من الممثلين في المسلسل أغنت القصّة، ونجحت نادين جابر في إعطاء كل شخصية خطّاً يميّزها عن غيرها، مما ضاعف حماسة فريق العمل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حسن عسيري خلال استضافته المطرب إيهاب توفيق (الشرق الأوسط)

حسن عسيري يستحضر حسَّه الكوميدي في برنامجه «بروود كاست»

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدّث الفنان والمنتج السعودي حسن عسيري عن كواليس برنامجه «بروود كاست».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.