نتنياهو «المستفيد الوحيد» من تفكك حزب غانتس

زعيم «الليكود» يحصل مرة أخرى على خشبة نجاة ويؤيد انضمام ساعر إلى مجلس الحرب

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستفيد الأساسي من تفكيك حزب خصمه غانتس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستفيد الأساسي من تفكيك حزب خصمه غانتس (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو «المستفيد الوحيد» من تفكك حزب غانتس

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستفيد الأساسي من تفكيك حزب خصمه غانتس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستفيد الأساسي من تفكيك حزب خصمه غانتس (أ.ف.ب)

مرة أخرى ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في استغلال ضعف منافسيه ويحصل على خشبة نجاة، بالذات من جدعون ساعر، الذي كان سبباً في الهزة التي تعرض لها في السنوات الأخيرة. فقرار ساعر الانسحاب من تحالفه مع بيني غانتس، لن يجدي نفعاً لأحد سوى نتنياهو، بحسب رأي معارضين لرئيس الوزراء الإسرائيلي. ويقول هؤلاء إن خطوة ساعر قد تصبح بمثابة انتحار سياسي له، بالإضافة إلى أنها تشكل ضربة غير سهلة لغانتس.

وساعر هو واحد من القيادات التي كانت واعدة في حزب «الليكود» الحاكم. لكن طموحه اصطدم بقمع نتنياهو كل قائد شاب ينافسه على قيادة الحزب، أو يعتقد أنه يطمح للوصول إلى قيادة الليكود. جرّب ساعر في المرة الأولى منافسة نتنياهو، فوجد نفسه خارج صفوف الحزب وقرّر الاعتزال مؤقتاً، وانشغل في الزواج من نجمة إعلامية شابة. لكنه عاد إلى صفوف «الليكود» مرة أخرى. ومع أنه يتمتع بصفات شخصية جعلته محبوباً، فإنه راح ينافس نتنياهو من الجناح اليميني، وسرعان ما وجد نفسه مرة أخرى خارج صفوف «الليكود»، فأقام حزباً جديداً أطلق عليه اسم «أمل جديد». وفي موقعه الجديد، تسبب ساعر بالأذى لنتنياهو. فقد أقام تحالفاً مع غانتس، وكذلك مع نفتالي بنيت ويائير لبيد، وأسقطوا معاً حكومة نتنياهو، وشكلوا «حكومة البديل» التي تناوب على رئاستها بنيت ولبيد.

بيني غانتس تعرض لضربة قوية بانسحاب جدعون ساعر من التحالف معه (إ.ب.أ)

لكن هذه الرباعية، التي يفترض أنها تضم «كوكبة من كبار السياسيين الإسرائيليين في هذه الحقبة من الزمن»، لم تصمد في الحكم أكثر من سنة ونصف السنة. وأعادها نتنياهو إلى صفوف المعارضة.

وقد حصلت هذه المعارضة على فرصة نادرة لإسقاط الحكومة والعودة إلى الحكم. فقد جاء نتنياهو بخطة مفزعة لتغيير منظومة الحكم، وإضعاف القضاء، وهو ما أثار غضباً جماهيرياً تمثل في احتجاجات على الخطة. ولحقت المعارضة بالغضب الشعبي وخرج الإسرائيليون بأعداد هائلة في الشوارع رافضين سعي الحكومة إلى تمرير خطة رأوا أنها تهدد أركان الديمقراطية. في البداية نزل عشرات الألوف، ثم مئات الألوف في مظاهرات ضخمة، في كل ليلة سبت طيلة 40 أسبوعاً. وبدا أن هذه المعركة ليست ارتجالية والمظاهرات الضخمة ليست عفوية، بل يقودها ويقرر مسارها ما يُعرف بـ«الدولة العميقة» في إسرائيل، وهو تعبير يشمل المؤسسة الأمنية والمؤسسة الأكاديمية والمؤسسات الاقتصادية (رجال الأعمال والبنوك التجارية والبورصة والبنك المركزي) والجهاز القضائي. وأعطت تلك الاحتجاجات صورة أوحت بأن سقوط نتنياهو بات مسألة وقت قصير فقط.

لكن، في ظل هذه الظروف، جاء هجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي عدّته قوى المعارضة «حبل إنقاذ لنتنياهو»، وقال عنه يائير غولان، النائب السابق لرئيس أركان الجيش، إنه «ضرب من رد الجميل. نتنياهو عزز قوة (حماس) وحكمها بغرض إضعاف السلطة الفلسطينية وعرقلة جهود إقامة دولة فلسطينية، و(حماس) شنت حرباً فأوقفت المعركة لإسقاط نتنياهو».

جدعون ساعر (رويترز)

اختار جدعون ساعر وغانتس الوقوف إلى جانب نتنياهو في الحرب، «حتى يفهم العدو أننا في المحن نقف معاً حتى الانتصار»، ولذلك انضما إلى الحكومة. في المقابل، أيّد لبيد الحرب لكن من خارج صفوف الائتلاف. وكان واضحاً لكثيرين أن نتنياهو أدخل معارضيه السابقين إلى مصيدة، وراح يدير الحرب معهما ويسعى بكل قوته لاستمرارها. وفيما تم تعيين ساعر وزير دولة في الحكومة، تمكن نتنياهو من دق إسفين بينه وبين غانتس، إذ اقترح أن يضمه إلى مجلس قيادة الحرب لكن غانتس رفض. وكان واضحاً أن ساعر صار خارج السرب، وأن فض الشراكة بينه وبين غانتس بات قريباً.

وفي الوقت الذي كان يتعرض فيه نتنياهو لانتقادات شديدة في الولايات المتحدة، وتنشر فيه تقارير تتحدث عن قرب نهايته السياسية، واستعداد الإدارة الأميركية لتعزيز قوة حليفه - منافسه بيني غانتس، بشكل علني، اختار ساعر إعلان انسحابه من التحالف مع غانتس. وبذلك حقق نتنياهو مكسباً سياسياً كبيراً، إذ تفكك حزب غانتس، وفقد ثلث قوته البرلمانية (من 12 إلى 8 مقاعد). والتفسير لهذا الانسحاب ركز على الروح اليمينية العقائدية عند ساعر الذي قال: «أريد الانضمام إلى مجلس قيادة الحرب إلى جانب نتنياهو وغانتس، وأكون جزءاً من التأثير على السياسة في ظلّ الحرب على غزة».

واختار ساعر أن يؤكد أنه أشد يمينية من غانتس فقال: «يجب ألا نخفّف الضغط العسكريّ، وألا نبطئ التقدّم في تدمير قوّات (حماس) وحُكمها. ويجب ألا يُسمح لـ(حماس) بالاستيلاء على المساعدات الإنسانية». وأضاف: «أنا أحترم أصدقائي، ممثّلي المعسكر الرسمي في كابينيت الحرب، لكنهم للأسف لا يعبّرون فيها عن الصوت والمواقف والتشديدات التي سأجلبها إلى هناك. صوتنا، صوت اليمين الوطنيّ، ضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى. إسرائيل اليوم بحاجة إلى بديل، إلى يمين وطني».

غانتس ورئيس أركان الجيش السابق غادي آيزنكوت خلال اجتماع بتل أبيب مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (لا يظهر في الصورة) في 8 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

من جهته، سارع نتنياهو إلى الترحيب بخطوة ساعر، وقال إنه يؤيد ضمه إلى مجلس قيادة الحرب. وهو يعد تفكيك حزب غانتس بمثابة تعزيز لمكانته الشخصية، وترسيخ لمعسكر اليمين وائتلافه. ويعتقد نتنياهو كما يبدو أن غانتس لا يستطيع من الآن فصاعداً تهديده بالانسحاب من الحكومة، إذ إن خروجه منها سيبقي نتنياهو على رأس حكومة تستند إلى أكثرية 68 نائباً، بينهم أربعة هم نواب ساعر. وهذا يعني أن خطر فرض الانتخابات المبكرة عليه قد ابتعد.

ولفتت وكالة «رويترز» في تقرير اليوم إلى أن غانتس، المرشح الأوفر حظاً ليصبح رئيس وزراء إسرائيل المقبل، كان قد أزعج بالفعل الشركاء اليمينيين والقوميين المتدينين في الائتلاف الحكومي بزيارة هذا الشهر إلى واشنطن ولندن، التي قام بها دون موافقة نتنياهو. وقال غانتس في كلمة ألقاها في الكنيست اليوم الأربعاء: «لا يمكننا أن نتجاهل أن هناك تحديات في أداء الحكومة»، لكنه دعا إلى الوحدة وحث الأحزاب على «فعل ما هو في صالح إسرائيل». وقال: «عندما تنتهي الحرب، سنجري انتخابات، ويمكن لجميع المرشحين شرح ما يقدمونه وما فعلوه من أجل الدولة خلال هذا الوقت العصيب». ونشرت «القناة 12»، وهي إحدى محطات التلفزيون الرئيسية في إسرائيل، الأربعاء، استطلاعاً للرأي يظهر تزايد التأييد لإجراء انتخابات مبكرة إما على الفور وإما بمجرد انتهاء الحرب في غزة، بتأييد ما يصل إلى 50 في المائة من الناخبين اليمينيين. وواصل حزب «الوحدة الوطنية» بزعامة غانتس، وفقاً للاستطلاع، الحفاظ على تقدمه الكبير مقابل ليكود، مع تقدم غانتس شخصياً 12 نقطة على نتنياهو.


مقالات ذات صلة

تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) يعقد مشاورات مع سكرتيره العسكري اللواء رومان غوفمان (د.ب.أ) play-circle

تقرير: «خيبة أمل» في «الموساد» جراء اختيار نتنياهو لرومان غوفمان رئيساً للجهاز

قُوبل قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعيين سكرتيره العسكري، رومان غوفمان، رئيساً جديداً لـ«الموساد» بخيبة أمل داخل الجهاز

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جنود من الجيش اللبناني ينظرون إلى موقع حانيتا العسكري الإسرائيلي (يسار) وموقع اللبونة، أحد التلال الخمسة التي احتلتها القوات الإسرائيلية منذ العام الماضي (يمين)، من موقع عسكري لبناني في قرية علما الشعب في جنوب لبنان، 28 نوفمبر 2025 (أ.ب)

إسرائيل تشيد بـ«أجواء إيجابية» في محادثاتها مع لبنان

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن المحادثات المباشرة التي جرت الأربعاء بين إسرائيل ولبنان للمرة الأولى منذ أكثر من 40 عاما، عُقدت «في أجواء إيجابية».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مسلحون من حركتي «حماس» و«الجهاد» يعثرون على جثة خلال عملية البحث عن جثث الرهائن القتلى في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تتسلّم جثمان رهينة عبر الصليب الأحمر من غزة

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، أن تل أبيب تسلمت عبر الصليب الأحمر، نعش أحد الرهائن كان جثمانه في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكنيست الإسرائيلي بالقدس 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

تقرير: نتنياهو طالب ترمب بمزيد من المساعدة في مساعيه لنيل العفو

ذكر موقع «أكسيوس» أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب مزيداً من الدعم في مساعيه للحصول على عفو من الرئيس الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.