رمضان في السودان... حضر دخان «الذخيرة» حينما غاب «الحلو مر»

اختفاء طقوس بسبب الحرب... و«العصيدة» و«الأبري» الخاسران الأكبران

رمضان في السودان... حضر دخان «الذخيرة» حينما غاب «الحلو مر»
TT

رمضان في السودان... حضر دخان «الذخيرة» حينما غاب «الحلو مر»

رمضان في السودان... حضر دخان «الذخيرة» حينما غاب «الحلو مر»

يستقبل السودانيون شهر رمضان الكريم العام الحالي، بدخان «الذخيرة» الحيّة بدلاً من رائحة ونكهة مشروبهم الرمضاني الأصيل «الأبري» أو «الحلو مر» كما يحلو للبعض تسميته، فيما اختفت مظاهر العادات السودانية الصرفة.

ومع حلول رمضان، وفي ظلّ تحذيرات منظمة الصحة العالمية بالوضع الغذائي والإنساني الكارثي في السودان، فإن أقل من 5 في المائة فقط يستطيعون تناول وجبة كاملة، ونحو 95 في المائة من عامة الشعب يفتقدون القدرة على تجهيز مائدتهم الرمضانية التي اعتادوا عليها كل عام خلال الشهر الفضيل.

ومع ارتفاع الأسعار وشحّ المال، ستختفي عن المائدة السودانية خلال الشهر الكريم، المشروبات الرمضانية، التي تتمتع بنكهة وطعم وفائدة صحية عالية، ومنها «الأبري» أو «الحلو مر»، و«القضيم» و«الكركدي» و«العرديب» و«التبلدي».

ولن يجد المارة من المسافرين في الطرقات والأزقّة، مَن يقطع طريقهم قُبيل مغيب الشمس، ليوقف رحلهم بداعي تناول إفطار رمضان حين يحلّ الوقت، لأنهم هم أنفسهم لن يجدوا من يتفقد أحوالهم ويُقدّم لهم الطّعام بعد أن أصبحوا من بين عداد الجوعى والعطشى، بسبب الحرب التي أفرغت مخازنهم وبيوتهم وحواكيرهم من كل أنواع الطعام والمشروبات والمال وحتى الملابس.

في شهر رمضان الحالي، تغيب رائحة المشروبات الرمضانية عن الأحياء السودانية كما يغيب دخانها المتصاعد في سمائها، إيذاناً بقدوم شهرٍ ارتبط لديهم بطقوس شعبية تميزه عن سائر شعوب الدنيا، ووجدوا أنفسهم مكبلين، ومسجونين بين دخان القذائف ورائحة الموت، وغابت عنهم بشكل تراجيدي كل الطقوس والموروثات السودانية الشعبية التقليدية المرتبطة برمضان، فالحرب قضت على الأخضر واليابس، وأجبرتهم على العيش في وضع مأساوي كارثي على جميع الأصعدة.

أسواق شعبية بأكملها اختفت في مدن السودان وقراه، وهجرها أهلها بسبب الحرب التي أحرقتها وأهدرت منتجاتها، فلا صيحات تملأ المكان، ولا أصوات تعلو أسواقها منادية: «كل شيء بثلاثة جنيه، كل شيء بجنيه»، تردّدها مجموعة من أصحاب البسطات والفرشات في طرقات المدينة والقرية، فلا شيء يُباع أو يُشترى في ظل الحرب.

وعن المائدة الرمضانية للعام الحالي، ستغيب أشهر أكلات السودانيين الذين اعتادوا على طهيها في فترة الصيام وتناولها ساعة الإفطار مثل «العصيدة بالتقلية»، أو «العصيدة بالنعيمية»، أو «الرقاق»، واختفت معها عادة تبادل الطعام مع الجيران، وربما غاب «المسحراتي» أيضاً، الذي لن يجد طبلاً يقرع عليه بعد هذا الدمار الشامل وعمليات النهب والسرقة.


مقالات ذات صلة

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

«الخارجية السودانية»: ندرس المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار

تقتصر المحادثات بين طرفي القتال في السودان؛ الجيش و«الدعم السريع»، على بحث وقف إطلاق النار والعنف في جميع أنحاء البلاد، لتمكين وصول المساعدات.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا مسلّحون من «الدعم السريع» في سنار (مواقع التواصل)

«الدعم السريع» يعلن الاستيلاء على السوكي وإحكام الحصار على سنار

تعد مدنية السوكي واحدة من مدن ولاية سنار الاستراتيجية وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 300 كيلومتر.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الإريتري آسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

أفورقي يفاجئ الجيش بطرد القائم بأعمال السفارة السودانية في أسمرا

«التحول الراهن في الموقف الإريتري، يمكن أن يكون حافزاً لاستعادة الموقف الإريتري لجانب القوى المدنية، إذا ضربنا على الحديد وهو ساخن».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جانب من «سد النهضة» (رويترز)

«سد النهضة»... هل تُضعف «زيادة الفيضانات» موقف مصر والسودان؟

يرى خبراء أن تأثير سنوات ملء السد الإثيوبي «منخفض حتى الآن على مصر والسودان».

أحمد إمبابي (القاهرة )

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
TT

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

18 طفلاً من جنوب لبنان اختارتهم «سيناريو» للتعليم التشاركي والفني لتقديم مسرحية بعنوان «جبل الأمل». الهدف من هذه المبادرة هو دعم هؤلاء الأطفال وتزويدهم بفسحة أمل. فما يعانونه من الحرب الدائرة في بلداتهم وقراهم دفعهم إلى النزوح وترك بيوتهم.

تأتي هذه المسرحية من ضمن برنامج «شو بيلد» (إظهار البناء) الذي بدأته «سيناريو» في 22 يوليو (تموز) الجاري في بلدة الزرارية الجنوبية. فأقيمت التمارين للمسرحية التي ستعرض في 29 الجاري، وتستضيفها مؤسسة سعيد وسعدى فخري الاجتماعية في البلدة المذكورة.

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

غالبية الأطفال يقيمون في البلدة وبعضهم الآخر يأتيها من بلدتي أرزاي والخرايب على الشريط الحدودي. وتشير مخرجة المسرحية ومدرّبتهم زينة إبراهيم، إلى أن فكرة العمل وضعها الأطفال بأنفسهم. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زودناهم بكلمات محددة كي يستلهموا منها أفكارهم. وتتألف هذه الكلمات من حب وسفر وأمل ورحلة ومغامرة واكتشاف... وغيرها. وعلى أساسها كتبوا قصة المسرحية بعنوان (جبل الأمل). وكما تلاحظون ابتعدنا عن استخدام كلمة حرب ضمن المفردات التي عرضناها عليهم».

يتراوح أعمار الأولاد المشاركين ما بين 10 و17 عاماً. خضعوا في برنامج «شو بيلد» إلى 7 جلسات شائقة تركز على اللعب والتمثيل والأداء المسرحي. وتستغرق كل جلسة نحو ساعتين، وذلك على مدى أسبوعين. وتأتي هذه المسرحية لتختتم البرنامج الفني لـ«سيناريو». وتضيف إبراهيم: «هذا البرنامج يوفّر للأولاد متنفساً للتعبير والإبداع، لا سيما خلال هذه الأوقات الصعبة التي يعيشونها في منطقة الجنوب».

تصف زينة إبراهيم هذه التجربة باللبنانية بامتياز. فقد سبق أن قامت ببرامج تعليمية سابقة شملت أولاداً لبنانيين وغيرهم من فلسطينيين وسوريين. وتقول إننا نرى قلقاً كبيراً في عيون أطفال الجنوب. وتتابع: «أكثر ما يخافونه هو أصوات الانفجارات. فهي تشكّل مفتاح الرعب عندهم، ويحاولون قدر الإمكان تجاوزها بابتسامة. وبينهم من كان يطمئنني ويقول لي (لا تخافي إنه ببساطة خرق لجدار الصوت). لا أعرف ما إذا كان تجاوزهم لهذه الأصوات صار بمثابة عادة يألفونها. وقد يكون أسلوباً للهروب من واقع يعيشونه».

تتناول قصة المسرحية رحلة تخييم إلى جبل يصادف فيه الأولاد مجموعة مساجين. وعندما يهمّون بالتواصل معهم يكتشفون أنهم يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكنهم ينجحون في التعبير عن أفكارهم المشتركة. ويقررون أن يمكثوا على هذا الجبل حيث يشعرون بالأمان.

وتعلق المخرجة إبراهيم: «اسم المسرحية استوحيته من عبارة قالتها لي فتاة في العاشرة من عمرها. فبرأيها أن الأمل هو نتيجة الأمان. وأنها ستحارب للوصول إلى غايتها هذه. أما فكرة اللغة غير المفهومة فنشير فيها إلى ضرورة التواصل مع الآخر مهما اختلف عنا».

تروي إبراهيم عن تجربتها هذه أنها أسهمت في تقريب الأولاد بعضهم من بعض: «لقد بدوا في الجلسة الأولى من برنامج (شو بيلد) وكأنهم غرباء. حتى في الحلقات الدائرية التي كانوا يرسمونها بأجسادهم الصغيرة كانوا يحافظون على هذا البعد. أما اليوم فتحولوا إلى أصدقاء يتحدثون في مواضيع كثيرة. كما يتشاركون الاقتراحات حول أفكار جديدة للمسرحية».

أثناء التدريبات على مسرحية «جبل الأمل» (سيناريو)

إضافة إلى التمثيل ستتلون مشاهد المسرحية بلوحات راقصة وأخرى غنائية. وتوضح إبراهيم: «حتى الأغنية كتبوها بأنفسهم ورغبوا في أن يقدموا الدبكة اللبنانية كتحية للبنان».

إحدى الفتيات المشاركات في العمل، وتدعى غزل وعمرها 14 عاماً، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المسرحية تعني لها الكثير. وتتابع: «لقد نقلتني من مكان إلى آخر وزادتني فرحاً وسعادة. وكان حماسي كبيراً للمشاركة في هذه المسرحية التي نسينا معها أننا نعيش حالة حرب».

بدورها، تقول رهف ابنة الـ10 سنوات: «كل شيء جميل في هذا المكان، ويشعرني بالسعادة. أنا واحدة من أبطال المسرحية، وهي جميلة جداً وأدعوكم لمشاهدتها».