«سد النهضة»... هل تُضعف «زيادة الفيضانات» موقف مصر والسودان؟

أبو الغيط استنكر «عدم انزعاج» المجتمع الدولي من تصرفات إثيوبيا

جانب من «سد النهضة» (رويترز)
جانب من «سد النهضة» (رويترز)
TT

«سد النهضة»... هل تُضعف «زيادة الفيضانات» موقف مصر والسودان؟

جانب من «سد النهضة» (رويترز)
جانب من «سد النهضة» (رويترز)

أثارت معدلات الفيضانات المرتفعة في إثيوبيا تساؤلات بشأن موقف مصر والسودان التفاوضي في أزمة «السد الإثيوبي»، خصوصاً في ظل زيادة تدفقات المياه في نهر النيل. في وقت استنكر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، «عدم انزعاج المجتمع الدولي من تصرفات إثيوبيا في مشروع (السد)».

ويرى خبراء أن تأثير سنوات ملء السد الإثيوبي «منخفض حتى الآن على مصر والسودان»، غير أنهم «لم يستبعدوا استمرار مخاطر السد في ظل غياب قواعد تنظم عملية التشغيل وإعادة الملء خلال سنوات الجفاف». وطالبوا «بتدخل دولي لإبرام اتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث».

وتشهد إثيوبيا معدلات مرتفعة من الأمطار مع بداية موسم الفيضانات في شهر يوليو (تموز) الحالي، «تصنف بأعلى من المتوسط»، حسب تقديرات خبراء المياه. وتسببت الأمطار الغزيرة في انهيارات أرضية في منطقة جوفا جنوب غربي إثيوبيا. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أخيراً، بأن «حصيلة القتلى جراء الانهيار الأرضي بإثيوبيا وصلت إلى 257 شخصا».

وبدأت الحكومة الإثيوبية عملية الملء الخامس لـ«سد النهضة» مع بداية موسم الفيضانات، التي تستمر حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، وسط توقعات بأن يرفع (الملء الخامس) نسبة التخزين في بحيرة «السد» إلى 64 مليار متر مكعب من المياه، ليصل عند ذروته النهائية إلى 640 متراً، حسب بيانات الحكومة الإثيوبية.

«سد النهضة» أثناء خضوعه لأعمال البناء على نهر النيل في سبتمبر 2019 (رويترز)

خبير المياه الدولي في مصر، نادر نور الدين، عدَّ تأثير سنوات ملء «سد النهضة» على مصر «منخفضاً حتى الآن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «خلال سنوات الملء الأربع الماضية كان معدل الفيضانات فوق المتوسط، باستثناء العام الماضي الذي شهد معدل أمطار منخفضاً»، مشيراً إلى أن «مصر استطاعت التعامل مع تأثيرات الملء من خلال مخزون المياه خلف السد العالي في الجنوب».

وأوضح نور الدين أن هناك «حالة طمأنة في مصر مع معدل الأمطار المرتفع هذا العام»، وأكد أن التأثيرات المنخفضة لسنوات ملء السد الإثيوبي ساهمت في عدم تحويل القضية إلى «صراع وصدام بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا»، وتابع: « هناك اختلافات ما زالت قائمة بشأن قواعد تشغيل (السد) حتى لا تتأثر حصتا مصر والسودان المائية».

واصطدم مسار المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا طوال الأعوام الماضية، بخلافات حالت دون الوصول لاتفاق قانوني ينظم قواعد الملء والتشغيل. وأعلنت القاهرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فشل آخر جولة للمفاوضات.

في غضون ذلك، قال أبو الغيط في تصريحات تلفزيونية، مساء الأربعاء، إنه «لا يوجد احتجاج دولي على إنشاء (سد النهضة) رغم مخاطره على مياه النيل»، مشيراً إلى أن «الأمر الخطير، هو وجود طرف على منبع النهر يتصرف دون أي قيود أو شيء يحكمه قانونياً».

وتدعم «الجامعة العربية» موقف مصر والسودان في قضية «سد النهضة». ودعت الجامعة في يونيو (حزيران) 2021 مجلس الأمن للانعقاد لبحث «خلافات السد الإثيوبي». وأكدت أن «الأمن المائي لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي».

وانتقدت إثيوبيا، في أكثر من مناسبة، طرح مصر النزاع على جامعة الدول العربية، رافضة خروج القضية عن مسارها الأفريقي. ولسنوات رعى الاتحاد الأفريقي مفاوضات ثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، بخصوص نزاع السد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، لكن من دون تحقيق أي اختراق.

فعاليات الدورة الـ159 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في مارس 2023 (الجامعة العربية)

مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق، السفير محمد حجازي، قال إن «الاتفاق القانوني مع الجانب الإثيوبي لم يعد يبحث في قواعد الملء بعد توافد الفيضانات بشكل كبير خلال سنوات الملء حتى الآن»، مشيراً إلى أن القضية أصبحت قاصرة على بحث «قواعد التشغيل وقواعد إعادة الملء خلال سنوات الجفاف».

وأكد حجازي لـ«الشرق الأوسط» أهمية ربط عملية تشغيل السد الإثيوبي مع السدود القائمة في دولتي المصب مصر والسودان، حتى لا تتأثر السياسات المائية لتلك الدول بانخفاض حصتها المائية. ولفت إلى أن عدم التزام الجانب الإثيوبي بتلك القواعد، «سيسبب أضراراً لمصر والسودان». وطالب بضرورة عودة المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا لصياغة منظومة تعاون إقليمي تشمل مشروعات تنموية مشتركة.

وأرجع حجازي تراجع اهتمام المجتمع الدولي بقضية «سد النهضة» إلى رفض بعض الدول الكبرى اتخاذ مواقف بشأن (السد) حتى لا يؤثر ذلك على مصالحها المستقبلية.

وفد مصر خلال محادثات القاهرة بشأن «سد النهضة» في أكتوبر الماضي (وزارة الري المصرية)

أما مدير «البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، فرأت أن القاهرة تحتاج لرؤى ومسارات أخرى للتعامل مع قضية «سد النهضة» بسبب مخاطره على الأمن المائي المصري.

وأكدت لـ«الشرق الأوسط» ضرورة تنظيم حملات دعائية لدى مراكز الضغط العالمية كمراكز الأبحاث والفكر ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، لإظهار تأثيرات نقص المياه على الحياة في مصر، مشيرة إلى أن «إدراك العالم خطورة الفقر المائي على المصريين ضعيف».

وتعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.

وأوضحت أماني الطويل أن مسار التفاوض مع الجانب الإثيوبي «غير مجدٍ، وثبت عدم نجاحه حتى الآن». وقالت إنه يجب التوصل لاتفاق قانوني مُلزم بين الدول الثلاث من خلال ضغوط دولية على الجانب الإثيوبي».


مقالات ذات صلة

الناشط المصري أحمد دومة مهدّد بالحبس مجدّداً بسبب ديوان شعر

العالم العربي دومة خلال توقيع نسخ من ديوانه (حسابه على فيسبوك)

الناشط المصري أحمد دومة مهدّد بالحبس مجدّداً بسبب ديوان شعر

يواجه الناشط المصري أحمد دومة شبح الحبس مجدّداً على خلفية ديوانه الشعري «كيرلي» الذي أُعيد إصداره مؤخراً، بعد بلاغات ضده بتهمة «ازدراء الأديان».

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا وزارة الزراعة المصرية تطلق منافذ متحركة لبيع بيض المائدة بأسعار مخفضة (وزارة الزراعة المصرية)

«غلاء البيض» يؤرق أسراً مصرية مجدداً

أرّق «غلاء البيض» أسراً مصرية مجدداً، وسط «اتهامات للتجار برفع الأسعار»، وتحركات حكومية بالتدخل لحل الأزمة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من انتظام العملية التعليمية في المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)

«التقييم الأسبوعي للطلاب»... هل يحدّ من الغياب بالمدارس المصرية؟

تأكيدات من وزارة التربية والتعليم المصرية بـ«استمرار تطبيق نظام التقييم والواجبات الأسبوعية» على الطلاب في المدارس.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الطيران المدني المصري سامح الحفني خلال لقاء عضو مجلس الوزراء السعودي عصام بن سعد بن سعيد (مجلس الوزراء المصري)

السعودية ومصر تعززان التعاون في مجال الطيران المدني

رحّب وزير الطيران المدني المصري بوزير الدولة السعودي والوفد المرافق له، وأشاد بقوة وعمق العلاقات الثنائية الممتدة بين مصر والمملكة العربية السعودية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

القاهرة تتابع ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك

تتابع وزارة الخارجية والهجرة المصرية ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك.

أحمد عدلي (القاهرة )

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
TT

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)

بدأ التونسيون، الأحد، الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها الحماس، مما زاد المخاوف من انعكاس فقدان الحماس على نسبة الاقتراع، مثلما حدث في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية عام 2022 وبداية 2023، حين بلغت نسبة المشاركة نحو 12 في المائة فقط.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9.7 مليون الإدلاء بأصواتهم عند الثامنة صباحاً في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقاً لهيئة الانتخابات.

وبدا أن عدداً كبيراً من المقترعين، في عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة، من الكهول والشيوخ الذين يمثلون نحو نصف الناخبين، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال النوري المصمودي (69 عاماً) في مركز اقتراع في العاصمة: «جئت مع زوجتي لدعم قيس سعيّد، العائلة بأكملها ستصوت له». وعلى مسافة قريبة منه، أفصحت فضيلة (66 عاماً) بأنها جاءت «من أجل القيام بالواجب، والرد على كل من دعا إلى مقاطعة الانتخابات».

في مركز آخر، أعرب حسني العبيدي (40 عاماً) عن خشيته من حصول عمليات تلاعب بالتصويت، لذلك: «قدمت بالتصويت حتى لا يتم الاختيار في مكاني». وتقول الطالبة وجد حرّار (22 عاماً): «في الانتخابات السابقة لم يكن لي حق التصويت والناس اختاروا رئيساً سيئاً. هذه المرة من حقي التصويت».

وأدلى سعيّد بصوته ترافقه زوجته في مركز اقتراع بمنطقة النصر في العاصمة بعد نحو ساعة من فتحه. وأفادت رئيسة المركز عائشة الزيدي بأن «الإقبال محترم للغاية». وتحدث رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي بعد فتح المراكز عن «توافد بأعداد لافتة».

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية «على أقصى تقدير» الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

3 متنافسين

المرشح الرئاسي التونسي زهير المغزاوي يدلي بصوته بأحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

ويتنافس سعيّد (66 عاماً) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاماً)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ 47 عاماً والمسجون بتهم «تزوير» تواقيع تزكيات. ولا يزال سعيّد، الذي انتخب بما يقرب من 73 في المائة من الأصوات، و58 في المائة من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 يتمتّع بشعبية كبيرة لدى التونسيين حتى بعد أن حلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور 5 سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين يتهمونه بتكريس كثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، خاصة حزب «النهضة» الإسلامي الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديمقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في عام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية، بـ«الانجراف السلطوي» في بلد مهد ما سمّي بـ«الربيع العربي»، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى «موعد مع التاريخ»، قائلاً: «لا تترددوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات»، لأنه «سيبدأ العبور، فهبّوا جميعاً إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد».

أحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

حملة باهتة

في الطرف المقابل، حذّر يوم الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي: «في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات... إيّاكم والعبث بصوت التونسيين». وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين، مثلما كانت عليه الحال في عام 2019.

ويعتقد البعض أن الرئيس سعيّد «وجّه» عملية التصويت لصالحه، «ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات»، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب «النهضة» إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات. وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت إلى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قراراً قضائياً بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس يوم الجمعة للتنديد بـ«القمع الزائد». وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف. وتشير إحصاءات منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أن «أكثر من 170 شخصاً محتجزون لدوافع سياسية أو لممارسة الحقوق الأساسية» في تونس.