اللبنانيون يحاولون التكيّف مع ضائقتهم المعيشية باختصار أطباق الإفطار

شكاوى من ارتفاع الأسعار... وتحرك رسمي لضبطها

متطوعون يوزعون وجبات سحور رمضانية مجانية في بيروت في أول أيام رمضان لهذا العام (أ.ف.ب)
متطوعون يوزعون وجبات سحور رمضانية مجانية في بيروت في أول أيام رمضان لهذا العام (أ.ف.ب)
TT

اللبنانيون يحاولون التكيّف مع ضائقتهم المعيشية باختصار أطباق الإفطار

متطوعون يوزعون وجبات سحور رمضانية مجانية في بيروت في أول أيام رمضان لهذا العام (أ.ف.ب)
متطوعون يوزعون وجبات سحور رمضانية مجانية في بيروت في أول أيام رمضان لهذا العام (أ.ف.ب)

«التجّار يستغلّون شهر رمضان لرفع الأسعار التي زادت بنسبة 50 في المائة، ونحن لا نزال في بداية الشهر»... هذا ما يؤكده مواطنون لبنانيون في اليوم الأول من شهر رمضان.

فاللبنانيون، الذين أثقل كاهلهم الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردّي بسبب الأزمة المستمرّة منذ أكثر من 3 سنوات، ما زالوا يسعون لإحياء العادات المرتبطة بالشهر الفضيل، وفي مقدمتها اللقاء بالأقارب والأحبّاء على طاولة الإفطار، ويحاولون التكيف مع الأزمة، عبر اختصار الأطباق التي عادة ما كانوا يعتمدونها على موائد الإفطار.

ويعاني اللبنانيون من ارتفاع الأسعار المفاجئ، علماً بأن سعر صرف الدولار لا يزال مستقراً إلى حد ما.

وقد بدأت أسعار السلع الغذائية ترتفع منذ الأسبوع الماضي. ويقول حسّان: «كان سعر كيلو الدجاج 170 ألف ليرة (نحو دولارين) في الأسبوع الماضي، لكن أصبح سعره اليوم 230 ألف ليرة، وارتفع كيلو اللّحم إلى مليون و100 ألف ليرة. أما وجبة الحساء التي كانت بـ40 ألف ليرة، فإنها أصبحت اليوم بـ67 ألف ليرة».

هذه الصورة عن ارتفاع أسعار الخضار، يؤكدها أوسكار فرح، صاحب متجر خضار، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «الأسعار ترتفع كل سنة في الشهر الفضيل، وبلغت هذا العام نسبة 30 في المائة، وهناك أنواع من الحشائش لامست 50 في المائة، لأن الخضار والفتوش أساس على مائدة الإفطار». ويؤكد فرح أن أسعار الفواكه ترتفع في رمضان أيضاً.

وبالأرقام، يقارن فرح الأسعار: «سعر كيلو الخيار ارتفع من 60 ألف ليرة إلى 90 ألف ليرة، وارتفع كيلو البندورة من 40 ألفاً إلى 60 ألف ليرة، والخس من 70 ألفاً إلى 100 ألف ليرة».

ويشير فرح إلى أن الأسعار ترتفع بشكل قياسي في الأسبوع الأول من رمضان، ويُفترض أن تعود إلى معدلاتها لاحقاً، «لأن نسبة الطلب عليها تخف»، لافتاً إلى أنه «رغم ارتفاع الأسعار، يعد الخضار من السلع الأساسية التي لا يتوقف المواطن عن شرائها، ولكن الفرق في الكميّة، فالاختصار هو سيّد الموقف».

ضعف القدرة الشرائية

ومع أن كثيراً من المواطنين اتفقوا على أن الأسعار ارتفعت، فإن نقيب أصحاب السوبر ماركت،​ ​نبيل فهد​، ينفي هذا الأمر، ويؤكّد لـ«الشرق الأوسط» أن مجمل السلع الغذائية تحافظ على أسعارها، ولكن الخضار أكثر السلع تأثراً، في الأسبوع الأول فقط، ولكنها تعود إلى طبيعتها لاحقاً، مطمئناً المواطنين إلى أن أسعار السلع الغذائية لن ترتفع خلال شهر رمضان، وإن ارتفع بعضها إلا أن الارتفاع لن يلحق أصنافاً كثيرة ولن يكون كبيراً. ويضيف: «يمكن التأكد من موقع وزارة الاقتصاد التي تضع أسعار 50 سلعة كل أسبوع».

ويشير فهد إلى أن «عدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الأزمة، يعود إلى القدرة الشرائيّة الضعيفة»، لافتاً إلى أن «الأسعار تختلف بين منطقة وأخرى بطبيعة الحال، وما يحدد الأسعار هو المنافسة التي تعد المعيار الأساس لتحديد مستوى الأسعار، لا سيما في المواد الغذائية».

وعن التأثر بإقفال باب المندب في البحر الأحمر، أكد فهد أن «معلّبات التونا والأرز هما سلعتان يجري استيرادهما من فيتنام وتايلاند والصين، ويجب أن تتأثّرا بموضوع الشحن في البحر الأحمر، ولكن، رغم ارتفاع أسعار الشحن فإنهما حافظا على سعرهما حتى الآن، وإذا لم يرفع المورّد السعر فإن السوبر ماركت لا ترفع الأسعار أيضاً».

مراقبة الأسعار

إضافة إلى ذلك، أكد مدير مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، طارق يونس، لـ«الشرق الأوسط»، أن موضوع الأسعار يطرح دائماً مع بداية شهر رمضان بسبب ارتفاع الطّلب على سلع معينة، خصوصاً على الخضار، لافتاً إلى أن الأولوية في هذا الشهر هي مراقبة الأسعار، علماً بأن هذا الأمر لم يتوقّف طوال السنة، بوصفه جزءاً أساسياً من عمل المديرية.

وبينما أكد يونس أن الأسعار لن ترتفع أكثر من 3 أو 4 أيام حتى تستعيد السوق توازنها، لفت إلى أهميّة «الأخلاقيات»، قائلاً: «لدى التّاجر مسؤولية، لا سيّما خلال الشهر الفضيل، إذ عليه الشعور مع الناس، وتخفيف الأعباء عنهم، بعيداً عن الاستغلال من أجل تحقيق أرباح غير مشروعة وغير قانونية».

وتحدّث يونس عن أهمية الرقابة التي تمارسها مديرية حماية المستهلك، موضحاً أن «هناك للأسف ارتفاعاً في أسعار عدد من السلع، وهذا الأمر له علاقة كبيرة بموضوع الشّحن عبر البحر الأحمر، إضافة إلى موضوع الرسوم التي ارتفعت في مرفأ بيروت وفي المعابر الحدودية مع إقرار الموازنة. وللأسف، هذه العوامل تساعد على ارتفاع الأسعار في شهر رمضان وفي الأيام العادية، ولكن يبقى دور وزارة الاقتصاد مراقبة الالتزام بتطبيق النصوص القانونية والالتزام بمعايير محددة».

تكيّف مع الأزمة

لكن ذلك لا ينفي أن التضخم بات يفوق القدرات الشرائية للمواطنين، حيث تحاول العائلات اختصار بعض الأطباق، تكيفاً مع الأزمة.

وتشكو سارة الضائقة المعيشية التي دفعت عائلتها للاستغناء عن بعض الأطباق على المائدة، في محاولة للتكيف مع الواقع المستجد. تقول سارة: «عائلتي مؤلّفة من 3 أشخاص، ومتطلّبات شهر رمضان لا يكفيها راتبنا، أنا وزوجي، لأن وجبة الإفطار يجب أن تكون متنوعة، من الحساء إلى الفروج، ومن الفتوش إلى الطبق الرئيس والتمور». وتشير إلى أنه على ضوء تراجع قدراتها المعيشية: «بتنا نستغني عن الكبّة والرقاقات، مع كثير من الاختصارات في الحلويات العربية التي تغيب عن طاولاتنا بسبب الوضع المعيشي».

ورغم الأزمات المعيشية، يحاول اللبنانيون استعادة تقاليد اعتادوا عليها في مواسم رمضان الماضية. تقول فاطمة لـ«الشرق الأوسط»: «هذه أول سنة أشعر فيها بأننا عدنا لنعيش الأجواء الرمضانيّة. فبعد جائحة (كورونا) والأزمات التي مرّت على لبنان، ابتعدنا عن (لمّة) العيد. ولكننا اليوم نصطدم بارتفاع وغلاء أسعار السلع الغذائية والأساسية لمائدة الإفطار. ومع ذلك، عدنا لنجتمع، لأن رمضان هو مناسبة جميلة وجمعة الأحباء».


مقالات ذات صلة

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

أكدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلة جديدة بإدخال مدني إليها.

محمد شقير (بيروت)
يوميات الشرق كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور...

فاطمة عبد الله (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

ترحيب لبناني ودولي بتعيين كرم رئيساً للجنة الـ«ميكانيزم»

أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن ترؤس السفير سيمون كرم الوفد اللبناني في لجنة الـ«ميكانيزم» «يشكّل خطوة مهمة في دفع عملها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي «حزب الله» غير راضٍ عن التفاوض السياسي مع إسرائيل... ولن يواجهه

«حزب الله» غير راضٍ عن التفاوض السياسي مع إسرائيل... ولن يواجهه

تفادى مسؤولو «حزب الله» التعليق على قرار «لبنان الرسمي» بتعيين السفير السابق، سيمون كرم، رئيساً للوفد اللبناني بإطار لجنة «الميكانيزم».

بولا أسطيح (بيروت)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.