«السوق السوداء» في مصر... حصار أمني بعد «معالجة اقتصادية»

مدبولي: وجّهنا «الداخلية» بالضرب بيد من حديد

رئيس الوزراء المصري خلال مؤتمر صحافي بالإسكندرية (مجلس الوزراء)
رئيس الوزراء المصري خلال مؤتمر صحافي بالإسكندرية (مجلس الوزراء)
TT

«السوق السوداء» في مصر... حصار أمني بعد «معالجة اقتصادية»

رئيس الوزراء المصري خلال مؤتمر صحافي بالإسكندرية (مجلس الوزراء)
رئيس الوزراء المصري خلال مؤتمر صحافي بالإسكندرية (مجلس الوزراء)

بـ«لغة حادة» غير معتادة، وجَّه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وزارة الداخلية، الخميس، بـ«الضرب بيد من حديد» على يد كل تجار «السوق السوداء» و«الشبكات» التي تسيطر على التحويلات المالية للمصريين بالخارج، واصفاً حالة الاستنفار الحالية ضد «السوق السوداء» بأنها «حرب» لإعادة «التوازن إلى الاقتصاد المصري، والقضاء على سوق العملة».

حديث مدبولي جاء بعد يوم من سماح «البنك المركزي» المصري للجنيه بالانخفاض، وإعلانه التحول إلى نظام صرف مرن وفق «آليات سوق»، بالتزامن مع توقيع مصر برنامج قرض موسع بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.

وأظهرت بيانات البنوك المصرية أن متوسط سعر صرف الجنيه بلغ 49.5 أمام الدولار، بعدما ظل لمدة عام تقريباً، قبل الخفض الأخير لقيمة العملة، عند سعر يقل قليلاً عن 31 جنيهاً للدولار.

وقال مدبولي خلال إشرافه، الخميس، على عملية إفراج عن بضائع تراكمت في ميناء الإسكندرية نتيجة أزمة الدولار: «هناك شبكات معقَّدة في السوق السوداء تشكلت للتعامل مع تحويلات المصريين بالخارج، وتسلم العملات الأجنبية من المغتربين، وتوصيلها إلى ذويهم في مصر»، مشيراً إلى «عدم وجود دولة يمكن أن تسمح بهذا الأمر».

وسجلت تحويلات المغتربين تراجعاً بنحو 30 في المائة في الربع الأول من العام المالي الحالي لتصل إلى 4.5 مليار دولار فقط، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

وخلال الأشهر الماشية اعتمد جزء كبير من الاقتصاد المصري على سعر الدولار في «السوق السوداء»، الذي وصل إلى 70 جنيهاً، مطلع فبراير (شباط) الماضي، وهو ما وصفه محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، الأربعاء، بأنه «مرض» يعكس انعدام الثقة في النظام المالي.

ويشدد مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد صادق، على أهمية «القبضة الأمنية» في التعامل مع «التشكيلات العصابية» التي تتاجر بالعملة، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولات التلاعب بالعملة هدفها الإضرار بالاقتصاد المصري بشكل واضح، الأمر الذي يستلزم يقظة أمنية إلى جانب وعي مجتمعي».

وخلال شهر فبراير الماضي فقط، ضبطت وزارة الداخلية المصرية (929) قضية اتجار بالعملة، بإجمالي يفوق 667 مليون جنيه، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن الوزارة.

وينص القانون المصري على معاقبة من يمارس «الاتجار في العملة» بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز 5 ملايين جنيه أو المبلغ محل الجريمة أيهما أكبر.

وتثق الخبيرة المصرفية والنائب السابق لرئيس بنك مصر، سهر الدماطي، في أن الإجراءات التي أُعلنت حتى الآن، «تمهّد الطريق للقضاء على السوق السوداء»، لكنها «تحتاج إلى مزيد من الإجراءات المكملة خلال الفترة المقبلة»، كما صرَّحت لـ«الشرق الأوسط».

وتطالب الدماطي، بـ«دعم إجراءات توطين الصناعة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بقطاعات عدة رئيسية، والعمل على سد الفجوة الدولارية، وتخفيض الدين العام، وهي أمور جرى الحديث عن بدء إجراءات فعلية لتنفيذها»، لافتةً إلى أن تنفيذ صفقات الطروحات الحكومية، إلى جانب جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية الكبرى، ستكون أمور داعمة لتحقيق «استقرار اقتصادي مستدام».

ونشطت «السوق السوداء» في مصر مؤخراً، منذ مارس (آذار) 2022، مع قرار البنك المركزي تخفيض سعر الجنيه على خلفية تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية، التي أدت لتخارج 23 مليار دولار من السوق المصرية، وفق تصريحات سابقة لوزير المالية محمد معيط.

ويعود تاريخ ظهور «السوق السوداء» في مصر لأربعينات القرن الماضي مع خروج البلاد من «منطقة الإسترليني» ليتواصل نشاطها لسنوات، خصوصاً في أوقات الأزمات والحروب، حتى توحيد سعر الصرف مع بداية الانفتاح الاقتصادي عام 1978، لكن يتجدد ظهورها مع كل أزمة اقتصادية.

مدبولي يتفقد البضائع المفرَج عنها بعد توافر الدولار الأميركي (مجلس الوزراء)

ويصف الخبير الاقتصادي، د.كريم العمدة، الإجراءات الحكومية في مواجهة «السوق السوداء» بأنها «بداية في مشوار لا يزال طويلاً» من أجل القضاء على «السوق السوداء».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حاجة لضبط الواردات لمدة عام على الأقل بالإضافة إلى تقنين عمليات استيراد الكماليات بجانب تدبير العملة لمستوردي السلع الأساسية التي تمس المواطن بشكل مباشر»، مؤكداً أن «آثار الإجراءات المتخذة ستستغرق أسابيع من أجل انعكاسها على السوق».

ووفق رئيس الوزراء المصري فإن أولوية الدولة المصرية في توفير العملة الأجنبية تتمثل في «العمل على إتاحة السلع الغذائية بمختلف مشتقاتها، والأدوية، والأعلاف، والمنتجات البترولية، والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج الخاصة».

وأثار الاستنفار الحكومي في مواجهة «السوق السوداء» تفاعلاً شعبياً واسعاً في مصر، إذ تصدر وسم «الضرب_ بيد_ من_ حديد» موقع «إكس» في مصر، على مدار يوم الخميس، مع إبراز تصريحات الوزراء، وسط تفاؤل من المشاركين بتصريحات مدبولي.

وأشاد حساب عبر «إكس» باسم (يوسف) بتصريحات رئيس الحكومة عن «مواجهة جشع التجار في السوق السوداء».

فيما أبدت «أسماء محمد» في تغريدة عبر «إكس»، «تفاؤلها بتحسن الأوضاع الاقتصادية».


مقالات ذات صلة

الدولار يقترب من أعلى مستوى في عامين بدعم من قرار «الفيدرالي»

الاقتصاد أوراق من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يقترب من أعلى مستوى في عامين بدعم من قرار «الفيدرالي»

اقترب الدولار من أعلى مستوى له في عامين، يوم الخميس، بعد أن أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى احتمال تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة في عام 2025.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد أوراق نقدية بالدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يتمسك بمستوياته قُبيل قرار الفائدة الأميركية

استقر الدولار الأميركي يوم الأربعاء، مع انتظار المستثمرين لمعرفة ما إذا كان مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» سيتخذ قراراً بخفض أسعار الفائدة بشكل صارم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد حُزم من الأوراق النقدية بالدولار الأميركي في محل لصرف العملات بالمكسيك (رويترز)

الدولار يقترب من أعلى مستوى في 3 أسابيع

استقر الدولار قرب أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع مقابل العملات الرئيسية، يوم الاثنين، وسط توقعات بأن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار الأميركي (رويترز)

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

تداول الدولار بالقرب من أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل الين، قبيل صدور بيانات التضخم الأميركي المنتظرة التي قد تكشف عن مؤشرات حول وتيرة خفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في مكتب «غولد سيلفر سنترال» بسنغافورة (رويترز)

توقعات باستمرار تألق الذهب حتى 2025 ليصل إلى 2950 دولاراً

مع عودة دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، من المحتمل أن يكون هناك مزيد من عدم اليقين بشأن التجارة والتعريفات الجمركية، مما سيدعم أيضاً سعر الذهب.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
TT

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

قال الجيش الأميركي إنه نفذ غارات جوية دقيقة على مستودع لتخزين الصواريخ ومنشأة للقيادة والسيطرة تديرهما جماعة الحوثي المدعومة من إيران في العاصمة اليمنية صنعاء، بُعيد تبني الحوثيين إطلاق صاروخ على وسط إسرائيل أسفر عن سقوط جرحى.

وقالت القيادة الوسطى الأميركية «سنتكوم»، في بيان، إن القوات الأميركية أسقطت أيضاً خلال العملية طائرات مسيّرة عدة للحوثيين فوق البحر الأحمر إضافة إلى صاروخ مضاد للسفن.

وذكرت القيادة المركزية للجيش الأميركي في بيان أن الضربات تهدف إلى «تعطيل وإضعاف عمليات الحوثيين، ومنها الهجمات على السفن الحربية الأميركية والسفن التجارية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن».

وهزت انفجارات عنيفة العاصمة اليمنية صنعاء، مساء السبت، إثر غارات جوية لمقاتلات التحالف الأمريكي البريطاني. وقال سكان محليون لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إن الغارات استهدفت مواقع عسكرية في جبلي عطان ونقم جنوب وشرق العاصمة صنعاء».

وأكد السكان، تصاعد أعمدة الدخان وألسنة اللهب من المواقع المستهدفة، دون أن يتضح حجم الخسائر.

ولم يتطرق الحوثيون إلى تفاصيل القصف حتى الآن.

وبدأت الغارات الأمريكية البريطانية في اليمن في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، رداً على هجمات الحوثيين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، التي يقولون إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل نصرة لغزة، قبل أن توسع نطاق عملياتها مستهدفة سفناً أمريكية وبريطانية. ومنذ الخميس الماضي صعّد الحوثيون هجماتهم على إسرائيل، ما استدعى الأخيرة إلى شن هجوم جوي على مواني الحديدة، غرب البلاد، ومحطات الطاقة في صنعاء، مخلفاً أضراراً مادية في ميناء الحديدة وتسعة قتلى من العمال وإصابة ثلاثة آخرين.