غزة ولّادة رغم الموت... 20 ألف طفل يخرجون من رحم حرب الإبادة

امرأة نازحة تغسل رضيعاً داخل إحدى الخيم في رفح وسط الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر (أ.ف.ب)
امرأة نازحة تغسل رضيعاً داخل إحدى الخيم في رفح وسط الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

غزة ولّادة رغم الموت... 20 ألف طفل يخرجون من رحم حرب الإبادة

امرأة نازحة تغسل رضيعاً داخل إحدى الخيم في رفح وسط الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر (أ.ف.ب)
امرأة نازحة تغسل رضيعاً داخل إحدى الخيم في رفح وسط الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر (أ.ف.ب)

لا تهدأ آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة، ولا تستكين. ومنذ الهجوم الدامي الذي شنّته الدولة العبرية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على القطاع الصغير المحاصر، سقط آلاف الضحايا، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى والدمار الهائل الذي غير معالمها بالكامل.

لم تخفِ إسرائيل هدفها: التهجير أو الإبادة، فتوعدت منذ اليوم الأول بالقضاء على «حماس» مهما كلف الأمر، ومذاك الحين تدك كل زاوية في قطاع غزة، حتى المستشفيات والملاجئ في مخطط لقتل الفلسطينيين جميعاً، ودفعت بالتوازي السكان من جنوب القطاع إلى الشمال باتجاه رفح مطالبتها مصر باستقبالهم في خطة لتهجيرهم. إضافة إلى منعها دخول المساعدات حتى بات القطاع على شفا المجاعة.

لكن رغم حرب الإبادة ومحاولات التهجير، فإن غزة أظهرت، وبالأرقام، أنها ولّادة. وليس خفياً هوس الإسرائيليين القديم بما يسمونه «القنبلة الديموغرافية»، وتخوفهم من ارتفاع نسبة الولادات لدى الفلسطينيين. ذلك أن عدداً منهم يتنبّأون بنهاية الدولة اليهودية؛ بسبب التكاثر الديموغرافي الفلسطيني، وكان في مقدمة هؤلاء وأولهم البروفسور المعروف إلياهو رابينوفتش.

جدة الطفل الفلسطيني إدريس الدباري الذي وُلد أثناء الحرب وقُتل فيها تبكي خلال تشييعه (رويترز)

أكثر من 30 ألف قتيل مقابل نحو 20 ألف ولادة

ففي القطاع الذي وصل عدد سكانه مع نهاية عام 2023 إلى 2.3 مليون فلسطيني منهم 1.06 مليون طفل دون سن الثامنة عشرة، بحسب «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، ارتفعت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 30 ألفاً و717 قتيلاً و72 ألفاً و156 إصابة منذ أكتوبر 2023، وفق ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في تقريرها الإحصائي لليوم الـ152 من حرب غزة الشهر الماضي.

بالمقابل، رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في يناير (كانون الثاني) الماضي، ولادة نحو 20 ألف طفل في ما وصفته بأنه «جحيم حرب غزة» منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر الماضي. كما صرّحت المتحدثة باسم «اليونيسيف» تيس إنغرام، بأن «طفلاً يولد كل 10 دقائق وسط هذه الحرب المروعة».

وبالتالي، فإن الغزاويات يلدن طفلاً مقابل كل واحد ونصف ضحية.

الأطفال الخدج والنازحون يتعرّضون لخطر فقدان الحياة نتيجة الهروب من نيران القصف والاستهداف المباشر للمستشفيات (يونيسيف)

حمل وولادات في ظروف «أسوأ من جهنم»

وتصف أمهات في غزة تجربتهن مع الحمل والولادة تحت وطأة القصف الإسرائيلي المستمر وما خلّفه من دمار بأنه «فيلم رعب» و«سوّأ من كوابيسنا»، بحسب تقارير عدة أوردتها الصحف المحلية والأجنبية والوكالات.

وقبل «اليوم العالمي للمرأة» الذي يصادف غداً (الجمعة)، تقدّر منظمة الصحة العالمية عدد الحوامل في قطاع غزة بنحو 52 ألف امرأة، قالت إنهن معرّضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وسط الحرب المستعرة.

سندس (26 عاماً) تعرّضت لانفجار أثناء حملها. وخضعت لعملية جراحية في ساقيها ويدها المصابة وتمت ولادتها بعملية قيصرية طارئة في مستشفى الحلو (صندوق الأمم المتحدة للسكان)

وأشارت الأمم المتحدة الشهر الماضي إلى أن 12 مستشفى فقط ما زالت في الخدمة من أصل 36. وفي مستشفى الولادة الإماراتي في رفح التي لجأ إليها نحو 1.5 مليون شخص، لم يتبق سوى 5 غرف للولادة.

وتسببت القيود التي تحمّل الأمم المتحدة السبب لإسرائيل فيها، بتوقف معظم قوافل المساعدات. ووفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن 62 حزمة مساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة تنتظر السماح لها بالدخول عبر معبر رفح.

في السيارات والحمامات أو على الطريق

وبعد مرور أكثر من 150 يوماً على العدوان الإسرائيلي، ازدادت الظروف سوءاً، وأصبحت الحوامل معرّضات لخطر مركّب ويُجبرن أحياناً على الولادة في مخيمات أو على الطريق، بحسب «الصحة العالمية».

من جهتها، قالت أمل عوض الله، المديرة التنفيذية لجمعية تنظيم وحماية الأسرة الفلسطينية إن «جميع النساء الحوامل معرّضات الآن لخطر الولادة في ظروف غير آمنة، حيث يلدن في السيارات والخيام والملاجئ». وأشارت إلى أنه في المراكز الصحية لا تُقبل أحياناً النساء الحوامل بسبب المرافق المكتظة والموارد المحدودة للغاية.

و حذّرت منظمات أممية، بينها منظمة الصحة العالمية، من أنه «لم يعد هناك مكان آمن للنساء الحوامل للولادة».

إجهاضات وولادات مبكرة

وسجّلت وزارة الصحة في غزة، مئات حالات الإجهاض والولادة المبكرة نتيجة الذعر والهروب القسري تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، محذرة من أن حيوات نحو 60 ألف حامل معرّضة للخطر بسبب غياب الرعاية الصحية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات.

وحذّر المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، من تعرُّض حياة مئات الحوامل والأمهات المرضى والجرحى والأطفال الخدج والنازحين لخطر فقدان الحياة نتيجة الهروب من نيران القصف، والاستهداف المباشر للمستشفيات.

من جهتها، قالت نور بيضون، المستشارة الإقليمية لمنظمة «كير» للحماية والنوع الاجتماعي في حالات الطوارئ إن نسبة زيادة معدل الإجهاض 300 في المائة بين الحوامل في غزة منذ بدء الحرب.

ولادة مبكرة تعرّضت لها رزان غزالة وتظهر في الصورة وهي ترقد إلى جوار ابنتها المولودة حديثاً في مستشفى ناصر بخان يونس (إن بي سي)

وروت إنغرام، بعد عودتها في يناير من زيارة إلى غزة، مشاهداتها عن أمهات نزفن حتى الموت، وممرضة اضطرت إلى إجراء عمليات ولادة قيصرية لـ6 نساء حوامل متوفيات.

وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير الشهر الماضي إن انتشار المراحيض والحمامات غير الصحية يؤدي إلى التهابات المسالك البولية الخطرة على نطاق واسع.

مجاعة وجفاف

ولفتت بيضون إلى أن منظمة «كير» سجلت فقداناً كبيراً للوزن بين النساء الحوامل «بسبب محدودية الوصول إلى الغذاء والتغذية السليمة»؛ ما أدى إلى «سوء الحالة الصحية وأيضاً إلى ضعف صحة الجنين وحديثي الولادة».

ولا تقتصر المخاوف على الولادة نفسها، بل تتعداها إلى تحديات عدة مثل إبقاء الأطفال على قيد الحياة في ظل الحرمان من المواد الأساسية كالماء والغذاء، بحسب منظمة الصحة.

الأطفال في غزة يتشاركون الحضّانات بسبب نقص أماكن الرعاية واستهداف المستشفيات (الأمم المتحدة)

وحذرت «يونيسيف»، الثلاثاء، من «انفجار وشيك» في عدد وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية بقطاع غزة، موضحة أن معدلات الوفيات بشمال القطاع «أعلى بثلاث مرات» من المسجلة في الجنوب.

وأكد المتحدث باسم «يونيسيف» جيمس إلدر، في مؤتمر صحافي بمقر الأمم المتحدة في جنيف، حصول وفيات «بسبب سوء التغذية وهي ستستمر في الارتفاع».

كذلك، قال ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية، إن طفلاً واحداً من بين كل 6 أطفال دون الثانية في شمال القطاع يعاني سوء تغذية حاداً.

وفي حين حذّر القدرة من أن الجفاف وسوء التغذية سيحصدان أرواح آلاف الأطفال والسيدات الحوامل في القطاع، أشار مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية، إلى أنه يصل يومياً ما يقارب 300 طفل لقسم الطوارئ من عمر يوم إلى 12 عاماً، وكلهم يعانون الأعراض نفسها بسبب الجفاف والسوء التغذية.

وأضاف: «ما بين 70 و80 طفلاً جميعهم تظهر عليهم علامات الجفاف».

وحذّر مدير المستشفى من أن أعداد وفيات الأطفال بسبب الجفاف وسوء التغذية ستزداد خلال الفترة المقبلة في حال لم يتم تدارك الوضع الإنساني الصعب.

الطفل ابن السنوات العشر يزن الكفارنة الذي توفي من الجوع في غزة (رويترز)

وقالت وزارة الصحة في غزة إن 16 طفلاً على الأقل تُوفوا بشمال القطاع خلال الأيام القليلة الماضية بسبب سوء التغذية والجفاف، ومنهم الطفل يزن الكفارنة البالغ من العمر 10 سنوات.

والتقطت وسائل الإعلام، صوراً مروعة لأطفال أصابهم الهزال بعيون غائرة ووجوه نحيلة.

وقالت دابني إيفانز، مديرة مركز الطوارئ الإنسانية في جامعة إيموري، لوكالة الصحافة الفرنسية إن الصور الواردة من غزة تشير إلى أشد أشكال سوء التغذية، بما في ذلك «الهزال»، وأضافت: «بدأت أجسادهم تنهار وهم في حالة صدمة».

أطفال غزة مصابون بالهزال (رويترز)

أما آنو نارايان، مستشارة «يونيسيف» لشؤون تغذية الأطفال، فأكدت لوكالة الصحافة الفرنسية أنه من المرجح أن يكون هناك «تأثير مدى الحياة» على بعض الأفراد على الأقل.

ولا يقتصر الخطر على الأطفال والنساء اللواتي اقترب موعد وضعهن، بل جميع النساء الحوامل معرّضات للخطر بسبب نقص الغذاء.

ووفقاً لمنظمة «يونيسيف»، فإن 95 في المائة من النساء الحوامل أو المرضعات يواجهن نقصاً غذائياً حاداً.


مقالات ذات صلة

تجمدوا حتى الموت... البرد يودي بحياة 3 أطفال في غزة

المشرق العربي تسبب القصف الإسرائيلي على غزة في استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم نساء وأطفال (رويترز)

تجمدوا حتى الموت... البرد يودي بحياة 3 أطفال في غزة

توفي 3 أطفال فلسطينيين في الساعات الـ48 الماضية بسبب البرد الشديد، حيث قال الأطباء إنهم تجمدوا حتى الموت أثناء وجودهم في مخيمات غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون خيما قصفتها القوات الإسرائيلية في وقت سابق لدى مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة (أ.ف.ب)

عشرات القتلى والجرحى جراء قصف إسرائيلي في غزة

قال مسعفون في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس إن خمسة أشخاص قتلوا وأصيب العشرات جراء قصف إسرائيلي لمنزل بحي الزيتون بمدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (جماعة «الحوثي» عبر «تلغرام»)

«الحوثيون» يعلنون استهداف إسرائيل بصاروخ باليستي ومسيّرات

أعلن «الحوثيون» في اليمن إطلاق صاروخ باليستي وطائرات مسيّرة على إسرائيل، بعد أيام على هجوم استهدف تل أبيب أصاب 16 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (عدن)
شمال افريقيا أشخاص يتفقدون موقع القصف الإسرائيلي على خيام تؤوي فلسطينيين نازحين من بيت لاهيا (أ.ف.ب)

​«هدنة غزة»: «جمود» يدفع المفاوضات إلى «مصير غامض»

مغادرة الوفد الإسرائيلي الدوحة للتشاور بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة فتح تكهنات بشأن «مستقبل مسار الجمود الحالي» في ظل طلب الوسطاء «التعاون»

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي أبناء هنية الثلاثة: حازم وأمير ومحمد الذين قُتلوا في 10 أبريل الماضي بضربة إسرائيلية على مخيم الشاطئ بغزة (وسائل إعلام فلسطينية)

إسرائيل تكثّف من استهدافها لأبناء قادة «حماس» في قطاع غزة

سبق اغتيال أبناء هنية، مقتل محمد مروان عيسى، نجل نائب قائد «كتائب القسام»، في غارة طالته بشكل مباشر حينما كان برفقة مجموعة من المواطنين في مخيم البريج.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«اليونيفيل»: قلقون إزاء استمرار تدمير إسرائيل للمناطق السكنية جنوب لبنان

آلية عسكرية تتبع قوات «اليونيفيل» في بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
آلية عسكرية تتبع قوات «اليونيفيل» في بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

«اليونيفيل»: قلقون إزاء استمرار تدمير إسرائيل للمناطق السكنية جنوب لبنان

آلية عسكرية تتبع قوات «اليونيفيل» في بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
آلية عسكرية تتبع قوات «اليونيفيل» في بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

أكدت قيادة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، اليوم الخميس، أن «أي أعمال تهدد وقف الأعمال العدائية الهش يجب أن تتوقف».

وقالت «اليونيفيل»، في بيان، «تستمر (اليونيفيل) في حثّ الجيش الإسرائيلي على الانسحاب في الوقت المحدد، ونشر القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان والتنفيذ الكامل للقرار 1701 بوصفه مساراً شاملاً نحو السلام»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأضافت: «هناك قلق إزاء استمرار التدمير الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في المناطق السكنية والأراضي الزراعية وشبكات الطرق في جنوب لبنان، وهذا يشكل انتهاكاً للقرار 1701»، مشيرة إلى أن «(اليونيفيل) تعمل بشكل وثيق مع القوات المسلحة اللبنانية بينما تقوم بتسريع جهود التجنيد وإعادة نشر القوات إلى الجنوب».

وأكدت «اليونفيل» أن البعثة مستعدة للقيام بدورها في دعم البلدين في الوفاء بالتزاماتهما وفي مراقبة التقدّم، ويشمل ذلك «ضمان خلو المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان و(اليونيفيل)، فضلاً عن احترام الخط الأزرق».

ودخل قرار وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ فجر 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتخرق إسرائيل الاتفاق منذ سريانه بشكل يومي.