إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

بين استمرار تأثير «النخب» في الأولى... ونفوذ الجيش في الثانية

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
TT

إضاءة على حصيلتي الانتخابات الأخيرة في إندونيسيا وباكستان

شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)
شعارات وإعلام من حملة الانتخابات الباكستانية (آ ف ب)

شهدت كل من إندونيسيا وباكستان، وهما أكبر دولتين إسلاميتين من حيث عدد السكان، إذ تضمان 33.8 في المائة من سكان العالم المسلمين، انتخابات عامة خلال فبراير (شباط) المنصرم، شارك فيها ما يقرب من 320 مليون ناخب مؤهلين للتصويت. إندونيسيا أكبر أرخبيل في العالم، والدولة التي تضم أكثر من 270 مليون نسمة، تعد ليس فقط أكبر دولة إسلامية وصاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا، وإنما باتت أيضاً ثالث أكبر دولة ديمقراطية في العالم - بعد الهند والولايات المتحدة - إثر العملية الإصلاحية عام 1998 التي أنهت حكم الرئيس سوهارتو. وكان الأخير قد ظل على رأس السلطة لأكثر من ثلاثة عقود. وفي المقابل، يعيش في باكستان ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم، وهي أيضاً تتمتع بموقع استراتيجي في جنوب آسيا. بيد أنه بالإضافة إلى اقتصادها المتدهور، خضعت البلاد منذ تأسيسها عام 1947 لفترات طويلة من الحكم العسكري.

في إندونيسيا حقق المرشح برابوو سوبيانتو انتصاراً ساحقاً بأكثر من 60 في المائة من إجمالي الأصوات، ما رجّح أن يكون الرئيس المقبل. أما في باكستان فتأخر الحسم واستمر الغموض لبعض الوقت مع تنازع ثلاث قوى رئيسية السواد الأعظم من المقاعد. وهذا قبل اتجاه الحزبين الموصوفين بـ«العائليين»، أي «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» وحزب الشعب الباكستاني، للتحالف في تشكيل سلطة اتحادية جديدة ضد القوة الثالثة التي يشكلها مناصرو الرئيس السابق عمران خان. والمفهوم أن هذا يعني تولي شهباز شريف من «الرابطة» رئاسة الحكومة وانتخاب آصف زرداري من حزب الشعب رئيساً للجمهورية.

للعلم، هذه ليست المرة الأولى التي يتفاهم فيها الحزبان الغريمان تقليدياً، ذلك أنهما توافقا ضمن تحالف في أعقاب الإطاحة بحكم عمران خان في أبريل (نيسان) 2022 وتوليا الحكم لنحو 16 شهراً. ويومذاك تنحى جانباً نواز شريف الزعيم البارز لـ«الرابطة» ورئيس الحكومة ثلاث مرات، تاركاً المنصب لأخيه الأصغر شهباز.

عمران خان (آ ف ب)

إرث الحكم العسكري

لكل من إندونيسيا وباكستان تاريخ مشترك من الديكتاتوريات العسكرية لعقود من الزمن. إذ بقيت إندونيسيا تحت ديكتاتورية الجنرال سوهارتو لمدة 32 سنة، كما ظلت ديمقراطية ناشئة لأكثر من 25 سنة حتى الآن، وإن كانت من الناحية الدستورية دولة علمانية تقوم على فصل بين الدين والدولة. ثم إنه في حين يضطلع البرلمان (الهيئة التشريعية) الإندونيسي بدور ثانوي نسبياً في صنع القرار، تقع سلطة صنع السياسات على عاتق الرئاسة.

غورجيت سينغ، وهو سفير سابق للهند في إندونيسيا يرى أنه «رغم العملية الانتخابية الحيوية، ما زال القادة السياسيون والتجاريون والعسكريون يهيمنون على الديمقراطية في إندونيسيا، وجل هؤلاء ممن جمعوا ثرواتهم خلال 32 سنة من حكم سوهارتو. وفقط تحت ضغط شعبي هائل، اتفق هؤلاء على إضفاء الطابع الديمقراطي، لكنهم وضعوا القواعد الانتخابية لتحقيق هدفين: خلق حواجز مجحفة أمام دخول لاعبين جدد مع ضمان المنافسة العادلة فيما بينهم».

في المقابل، تاريخ باكستان السياسي مليء بالاضطرابات. إذ عاشت في ظل ثلاثة دساتير ومرّت بثلاثة انقلابات عسكرية، ومن بين رؤساء وزرائها الثلاثين، لم يُكمل أي منهم فترة ولاية كاملة مدتها 5 سنوات. كذلك، يحكم الجيش الباكستاني البلاد منذ عام 1947، ويشارك منذ فترة طويلة في السياسة، حتى عندما لا يكون في السلطة بصفة مباشرة. وكان الجنرال برويز مشرف آخر حاكم عسكري باكستاني، حكم من 1999 إلى 2008.

راهناً، تمر باكستان بأزمة سياسية جديدة، وسط استمرار الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي والهجمات الإرهابية المكثفة في المناطق الشمالية الغربية من البلاد. ويذكر أنه في عام 2024، شاب الانتخابات العامة جدل ولغط ومزاعم بأن الجيش زوّر الانتخابات لصالح ائتلاف سياسي بقيادة نواز شريف. وفي هذا السياق، غالباً ما تعلق الصحافية الباكستانية آروز كاظمي على قناتها في «يوتيوب» قائلة: «منذ الاستقلال، شابت الانتخابات في باكستان الخلافات، بما في ذلك تدخل الجيش القوي، ومزاعم واسعة النطاق بالفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية وتزوير الناخبين. لم يزدهر الأساس الديمقراطي الحقيقي في باكستان أبداً، بل دائماً ما غمرته الانقلابات العسكرية، ولا يزال الجيش يحكم البلاد بشكل غير مباشر».

كيف ستتأثر السياسة الإندونيسية؟

خاض 3 مرشحين الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إندونيسيا، هم: برابوو سوبيانتو (72 سنة) الجنرال السابق للقوات الخاصة ووزير الدفاع الحالي - الذي فاز في السباق -، وأنيس باسويدان (54 سنة) الحاكم السابق للعاصمة جاكارتا ووزير التعليم والثقافة السابق والمثقف الإسلامي التقدمي العربي الأصل، وغنجار برانوو حاكم جاوة الوسطى السابق.

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عام 1998، عندما فجّر التأثير المدمّر للأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية واسعة ضد حكم سوهارتو، الذي تولّى السلطة على خلفية عمليات تطهير واسعة ضد الشيوعيين واليساريين عام 1965. وفي مواجهة الاحتجاجات العامة المتزايدة ضد ديكتاتورية سوهارتو، أجبره حلفاؤه العسكريون والسياسيون على الاستقالة. ثم أجريت انتخابات حرة في غضون سنة.

ولقد تنافس 48 حزباً في انتخابات عام 1999، تمكن 21 منها من الفوز بمقاعد في البرلمان. ومع هذا، كان أصحاب الأداء الأعلى هي الأحزاب الثلاثة «المطيعة» الممثلة في برلمان سوهارتو ذي الموافقات الروتينية. أما الفائز الأكبر فكان «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDIP) بقيادة ميغاواتي ابنة أحمد سوكارنو، أول رئيس استقلالي للبلاد (الذي عزله سوهارتو). وحل ثانياً حزب «غولكار» الذي تزعمه سوهارتو وقاده مناصروه. وجاء ثالثاً «حزب التنمية المتحد»، المؤلف من نخب إسلامية تمثل فئات اجتماعية وآيديولوجية مختلفة. والملاحظ هنا تحدر رؤساء إندونيسيا الثلاثة المنتخبين ديمقراطياً منذ عام 1999 من عائلات سياسية أو دينية أو عسكرية قوية، ولقد احتفظوا بنفوذهم في السياسة رؤساء لأحزابهم السياسية.

سنا جفري، الباحثة في برنامج آسيا بـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» تعلق على الواقع بالقول: «على مدى العقدين الماضيين، تنقّلت السلطة في الغالب ضمن هذه النخب، التي تقرّر أحزابها السياسية من يظهر في الاقتراع وما يفعله الفائزون ما بين الانتخابات. وكان جوكو ويدودو، الرئيس صاحب الشعبية الكبيرة في البلاد، أول شخص خارجي يخترق هذه الزمرة. لكنه سرعان ما أدرك أن الدعم الشعبي ربما ساعده على بلوغ قمة السلطة، إلا أن ممارستها في ظل سيطرة نخب عهد سوهارتو تتطلب منه اللعب وفق قواعدها».

ماذا تعني الانتخابات بالنسبة لإندونيسيا؟

أما الأكاديمي أديتيا بيردانا فيعد أن انتخابات 2024 «ستضع إندونيسيا على أعتاب تغيير أجيال وشيك. إذ لا تزال النخب القديمة مسؤولة عن اختيار المرشحين، وباتباع التقاليد العريقة لسياسة النخبة المهيمنة، اتخذ العديد منهم تدابير لتوريث قيادة أحزابهم لأبنائهم». وأردف أن لدى إندونيسيا «جميع المكوّنات الصحيحة لجعلها واحدة من أكثر الدول نفوذاً في آسيا، وأيضاً تتمتع بالموارد الطبيعية الضخمة التي لا تحتاج إلا إلى استثمارات أجنبية لربطها والاستفادة منها». ثم أضاف: «(الرئيس الحالي جوكو) برابوو تعهد بمواصلة خطط ويدودو للتنمية الاقتصادية التي استفادت من احتياطات إندونيسيا الوفيرة من النيكل والفحم والنفط والغاز... وقادت أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا خلال عقد من النمو السريع والتحديث الذي وسع بشكل كبير شبكات الطرق والسكك الحديدية في البلاد. ويشمل ذلك مشروع بقيمة 30 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة تسمى نوسانتارا. وهي تعتمد بشكل متزايد على الصين للقيام بذلك».

وهنا استدرك بيردانا ليشير إلى أن إندونيسيا «لا تريد أن تضطر إلى الانحياز لأي طرف في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، مع أن ويدود اقترب أكثر من الصين، وأشار برابوو أيضاً إلى أنه قد يحذو حذوه، برغم أن الموازنة بين المصلحة والاستثمار من الغرب والصين في مشروع العاصمة الجديدة ستشكل تحدياً جدياً».

التحوّل الديمقراطي في إندونيسيا بدأ عندما فجّرت الأزمة المالية الآسيوية معارضة جماهيرية ضد حكم سوهارتو

التاريخ الانتخابي لباكستان

تشكل المشهد الانتخابي الباكستاني عبر فترات متقطعة من الحكم الديمقراطي المتداخل مع الأنظمة العسكرية. ويضطلع الجيش بدور حاسم في السياسة الباكستانية، ويعد القوة الدافعة الرئيسية وراء الانتخابات. وحول هذا الأمر يقول البروفسور سوميت غانغولي، من جامعة إنديانا الأميركية، في كتاب بعنوان «مستقبل داعش»، شارحاً: «لا يمكن لأي مرشح أن ينجح من دون دعم قادة الجيش. وأي شخص يعارض المؤسسة العسكرية يخاطر بالاعتقال أو النفي أو ما هو أسوأ. وطوال ماضي باكستان المضطرب، سيطر الجنرالات العسكريون على الانتخابات وقادوا البلاد في بعض الأحيان بأنفسهم».

وبالفعل، كانت انتخابات الشهر المنصرم مثيرة للجدل، وشابتها مزاعم بتزوير الأصوات، وأسفرت عن تفويض منقسم مع ظهور المرشحين المستقلين من حزب «حركة الإنصاف الباكستانية» بزعامة رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان كأكبر كتلة انتخابية. فوفقاً لتقرير نشرته صحيفة «الفجر» الباكستانية اليومية، فاز المستقلون بعدد 93 مقعداً في الجمعية الوطنية، مقابل 75 لـ«الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز» و54 لـ«حزب الشعب الباكستاني». وللعلم، يستلزم تشكيل الحكومة أن يخرج الحزب بغالبية 33 مقعداً من أصل 265 مقعداً في البرلمان (الجمعية الوطنية).

 

صورة من ختام يوم الاقتراع في إندونيسيا (رويترز)

تحديات متعددة الأوجه

في الحقيقة تواجه باكستان تحديات متعددة الأوجه، بما في ذلك التنشيط الاقتصادي والمخاوف الأمنية والتفاعلات الإقليمية وإصلاحات الحوكمة... وسط توقعات عالية عند الناخبين الآملين بقيادة سريعة الاستجابة، بجانب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والحكم الفعال.

وهنا ترى الكاتبة الصحافية الهدية ميرا باتيل: «على الصعيد الدولي، فقدت باكستان دعم الحلفاء الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، منذ سحبها قواتها من أفغانستان عام 2021، وتضاؤل مساعداتها العسكرية والاقتصادية لإسلام آباد. كذلك ربطت الحكومة الهندية التعامل مع إسلام آباد باعتراف الأخيرة بدورها في دعم الإرهاب (وفق باتيل)، كما تواجه باكستان باستمرار مناوشات عسكرية مع جيرانها إيران وأفغانستان. أما على الصعيد الداخلي، فتواجه البلاد الإرهاب، مع تزايد جرأة (حركة طالبان الباكستانية) في محاولة استهداف مرافق مدنية وعسكرية».

واقتصادياً، تواجه الحكومة المقبلة في إسلام آباد واقعاً قاسياً يتمثل باقتصاد مأزوم، حيث من بين 241 مليون باكستاني يعيش حوالي 40 في المائة منهم تحت خط الفقر، كما ارتفع معدل التضخم لأكثر من 30 في المائة، وفقاً للبيانات التي نشرها صندوق النقد الدولي. ويضاف إلى ما سبق أن البلاد تواجه أزمة سداد ديون محتملة، حين أبلغ البنك المركزي عن 24 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية المستحقة بحلول يونيو (حزيران) 2024.

 

برابوو سوبيانتو... مسيرة عسكرية وسياسية

برابوو سوبيانتو، الذي سيحل محل الرئيس الإندونيسي الحالي جوكو ويدودو، هو صهر الديكتاتور السابق سوهارتو. ومن المثير للاهتمام أن برابوو خاض 3 مرات انتخابات الرئاسة بعد فشله مرتين ضد ويدودو.ولكن، هذه المرة، أصبح المنافسون السابقون حلفاء ضمنيين احتضنوه ليرث ويدودز، بل اختاروا نجل ويدودو، جبران راكابومينج راكا (36 سنة)، عمدة مدينة سوراكارتا، مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، ما منحه الغالبية.عموماً لا يميل الرؤساء الإندونيسيون إلى تبني مرشحين، لكن ويدودو الذي استوفى الحد الدستوري للرئاسة المحدد بفترتين، فضّل دعم سوبيانتو على مرشح حزبه السابق لانتخابات 2024.ومع أن برابوو كان خصماً ومنافساً لويدودو في الانتخابات السابقة، عينّه الأخير بعد فوزه وزيراً للدفاع. وبالتالي، منح هذا الشكل من «الائتلاف» الرئيس ويدودو سيطرة شبه كاملة على البرلمان خلال الفترة السابقة. ومن ثم، بناءً على هذا النجاح، باشر ويدودو عملية البحث عن طرق للحصول على فترة ولاية ثالثة من خلال تعديل الدستور. غير أن كثيرين من نخب حزبه «حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي» (PDI - P) أعربوا عن قلقهم، وكانت الرئيسة السابقة ميغاواتي، أول امرأة تتولى رئاسة إندونيسيا، هي التي منعت بشكل حاسم الجهود المبذولة لتعديل الدستور، وأجبرت الحكومة على تحديد موعد الانتخابات في عام 2024.ولد سوبيانتو عام 1951 لواحدة من أقوى العائلات نفوذاً في إندونيسيا، وهو الثالث بين أربعة أولاد. وكان أبوه سوميترو دجوجوهاديكوسومو سياسياً نافذاً ووزيراً في عهدي الرئيسين سوكارنو وسوهارتو. ولقد عمل الأب لأول مرة لدى سوكارنو، بطل استقلال البلاد وتحررها من الاستعمار الهولندي، وأول رؤساء إندونيسيا المستقلة. إلا أن الابن سوبيانتو أمضى معظم سنوات طفولته في الخارج، وهو بالمناسبة يجيد اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية والهولندية.عادت أسرة سوبيانتو إلى إندونيسيا بعد وصول الجنرال سوهارتو إلى الحكم عام 1967. والتحق بالأكاديمية العسكرية الإندونيسية عام 1970، وتخرّج فيها عام 1974. وعلى الأثر خدم في الجيش لما يقرب من 3 عقود. في عام 1076 انضم سوبيانتو إلى «القوات الخاصة» بالجيش الوطني الإندونيسي، المسماة «كوباسوس»، وكان قائداً لمجموعة تعمل فيما يُعرف الآن بتيمور الشرقية. ويُقال إن أوامره، عام 1998، تضمّنت خطف وتعذيب النشطاء المؤيدين للديمقراطية المعارضين لسوهارتو - والد زوجته آنذاك - وأنه كان مسؤولاً عن عدد من انتهاكات الحقوق المدنية في بابوا وتيمور الشرقية. ولكن، رغم محاكمة العديد من رجاله وإدانتهم، فإنه نفى جميع المزاعم، ولم يتعرّض للإدانة.كذلك، مع أن سوبيانتو سُرّح من الخدمة بشكل غير مُشرف عام 1998، لكنه لم يواجه المحاكمة أبداً، بل ذهب إلى المنفى الاختياري في الأردن عام 1998، ثم عاد من الأردن عام 2008، وساعد في تأسيس حزب «غيريندا» (حركة إندونيسيا العظيمة).من جهة لأخرى، كانت لسوبيانتو علاقات وثيقة مع الإسلاميين المتشددين الذين استخدمهم لتقويض خصومه. لكن بالنسبة لانتخابات 2024، طرح سوبيانتو صورة لنفسه أكثر ليونة لاقت صدى لدى عدد كبير من الشباب في إندونيسيا، بما في ذلك مقاطع فيديو له وهو يرقص على خشبة المسرح وإعلانات تظهر عروضاً رقمية تشبه الرسوم المتحركة له وهو يمارس رياضة التزحلق في شوارع جاكارتا.ثم قال في أول خطاب له بعد الفوز: «سنكون... الرئيس ونائب الرئيس والحكومة لجميع الشعب الإندونيسي. سأحكم، مع جبران (لحماية) الشعب الإندونيسي والدفاع عنه بأسره، بصرف النظر عن القبيلة، والجماعة الإثنية، والعرق أو الدين، ومهما كانت الخلفية الاجتماعية. وستكون مسؤوليتنا تجاه جميع الشعب الإندونيسي هي حماية مصالحه».

 

 

شهباز شريف... وتجربة حكم جديدة

ولد شهباز شريف، الأخ الأصغر للزعيم الباكستاني نواز شريف، يوم 23 سبتمبر (أيلول) 1951 في مدينة لاهور عاصمة البنجاب، أكبر أقاليم باكستان وأغناها. وهو سليل أسرة مرموقة لعبت دوراً سياسياً نشطاً في باكستان لعقود، كما أنه متزوج مرتين، وأب لولدين وبنتين من زواجه الأول.تلقى شهباز تعليمه في «الكلية الحكومية» بلاهور، ولاحقاً درس الحقوق في جامعة البنجاب. وخلال عقد الثمانينات دخل حلبة السياسة، وترقى بسرعة في صفوف حزب أخيه «الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز»، ومن ثم شغل لعدة فترات منصب رئيس حكومة إقليم البنجاب. غير أنه قبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة الباكستانية عُرف بوصفه إدارياً قديراً أكثر مما هو سياسي لامع. وبالفعل يصفه العاملون معه والمقربون منه بأنه نشيط ومحب للعمل.وعلى مسرح السياسة العليا يذكر عن شهباز لعبه دوراً بارزاً في الحفاظ لمدة 16 شهراً على الائتلاف غير المتجانس الذي حكم باكستان بعد إطاحة البرلمان حكم عمران خان.

 

 


مقالات ذات صلة

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

حصاد الأسبوع من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع إيشيبا

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)

«الحلم الجورجي» يكسب الجولة ضد «الحلم الأوروبي»

«لقد انتصرت روسيا اليوم في جورجيا... علينا أن نعترف بذلك»... بهذه الكلمات لخّص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تخوض بلاده حرباً مفتوحة مع روسيا منذ 33

رائد جبر (موسكو )
حصاد الأسبوع لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

حققت الهند والصين تقدماً كبيراً على صعيد المناقشات حول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا؛ ما يشير إلى إمكانية لتحسين العلاقات في أعقاب المناوشات التي وقعت بين الجانبين، وأسفرت عن تجميد العلاقات بين العملاقين الآسيويين. هذا التقدّم الكبير المتمثل في الإعلان عن الاتفاق على «فك الاشتباك العسكري»، والذي جاء قبيل انعقاد قمة «البريكس» السادسة عشرة في روسيا، مهّد الطريق للمباحثات الثنائية بين رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جينبينغ. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم أن العلاقات التجارية ظلت عند مستويات قياسية مرتفعة، تضرّرت العلاقات الثنائية في مجالات، بينها الاستثمار والسفر والتأشيرات... ويبقى الآن أن نرى ما إذا كانت العلاقات الثنائية ستتعافى.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)

الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

> على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الصينية - الهندية، رفضت الهند في اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون»، الذي اختتم أعماله حديثاً في باكستان، الانضمام.


أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.