مصر ودول عربية تتوسع في الإنزال الجوي لإغاثة الفلسطينيين

السيسي وبايدن بحثا خلال اتصال هاتفي جهود «التهدئة» وإنفاذ المساعدات

طائرتا مصر والإمارات خلال توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة (المتحدث العسكري المصري)
طائرتا مصر والإمارات خلال توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة (المتحدث العسكري المصري)
TT

مصر ودول عربية تتوسع في الإنزال الجوي لإغاثة الفلسطينيين

طائرتا مصر والإمارات خلال توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة (المتحدث العسكري المصري)
طائرتا مصر والإمارات خلال توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة (المتحدث العسكري المصري)

لجأت دول عدة بينها مصر إلى الإنزال الجوي لشحنات الإغاثة بوصفه وسيلة لتخفيف معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، لا سيما مع تعذر وصول المساعدات إلى مناطق عدة في القطاع. وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية نفذت القاهرة بالتعاون مع الأردن والإمارات وفرنسا والبحرين وسلطنة عمان عمليات إسقاط جوي للمساعدة، ضمن جسر جوي أطلق عليه اسم «طيور الخير».

وتزامن الجسر الجوي مع استمرار تدفق المساعدات عبر معبر رفح البري، في حين أعادت مصر التأكيد على موقفها المطالب بـ«حتمية الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة إزالة كل المعوقات التي تحول دون تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية بصورة كاملة ومستديمة إلى قطاع غزة، ورفض أية محاولات تستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم».

وفي هذا السياق، تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي جو بايدن، «تناول الجهود المشتركة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة للتهدئة في قطاع غزة، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتبادل المحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية»، وفق إفادة متحدث الرئاسة المصرية، أحمد فهمي.

إنزال جوي للمساعدات في قطاع غزة (المتحدث العسكري المصري)

وشدد السيسي على «ضرورة التوصل لوقف فوري ومستديم لإطلاق النار، يتيح نفاذ المساعدات الإنسانية بالشكل الكافي والملائم، بما يحقق تحسناً حقيقياً في الأوضاع بالقطاع»، محذراً من «خطورة استمرار التصعيد العسكري، واستهداف المدنيين»، ومؤكداً «إدانة مصر الكاملة لاستهداف المدنيين العزل بالمخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية».

وثمَّن الرئيس الأميركي الجهود المشتركة للدفع تجاه التهدئة التي «تعد أولوية في الوقت الحالي لاستعادة الاستقرار في الإقليم»، معرباً وفق متحدث «الرئاسة المصرية» عن «تقديره الجهود المصرية المكثفة سواء على المسار السياسي الهادف للتهدئة، أو من خلال دورها القيادي المحوري في عملية إدخال المساعدات الإغاثية لأهالي غزة عبر منفذ رفح».

وأكد السيسي وبايدن «ضرورة تجنب توسع الصراع بالمنطقة»، واتفقا على استمرار التشاور والتنسيق لضمان استعادة السلم والأمن بالإقليم».

طائرة تنزل المساعدات الإنسانية إلى غزة (المتحدث العسكري المصري)

وفي سياق إنفاذ المساعدات، نفذت مصر والإمارات عملية إسقاط جوي ثالث للمواد الإغاثية ضمن الجسر الجوي لنقل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. ووفق إفادة للمتحدث العسكري المصري، غريب عبد الحافظ، الخميس، فإن «عدداً من طائرات النقل العسكري المصرية والإماراتية نفذت أعمال الإسقاط الجوي ليلاً (مساء الأربعاء) لعشرات الأطنان من المساعدات والمواد الإغاثية العاجلة للتخفيف من الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها الفلسطينيين في شمال غزة». وقال المتحدث العسكري المصري إن «المساعدات تضمنت كميات كبيرة من المواد الغذائية والأدوية والاحتياجات العاجلة التي أُسْقِطت جواً بمناطق متفرقة من شمال القطاع والتي تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية نتيجة استمرار العمليات العسكرية».

وبدورها، قالت وزارة الدفاع الإماراتية، في حسابها على موقع «إكس»، الخميس، «قام بتنفيذ عملية الإنزال الجوي، مساء الأربعاء، طواقم مشتركة من الإمارات ومصر عبر 3 طائرات حملت على متنها نحو 36 طناً من المساعدات الغذائية والطبية على مناطق جباليا وبيت لاهيا، حيث جرى إنزالها بواسطة صناديق مخصصة». وأضافت الوزارة أنه «من المتوقع أن تسرع هذه العملية وصول المساعدات العاجلة للمحتاجين في شمال غزة في أقرب وقت ممكن، بهدف تخفيف معاناتهم، وتقديم الدعم اللازم لهم في هذه الظروف الصعبة».

طائرة مصرية خلال تجهيزها لحمل المساعدات الإنسانية (المتحدث العسكري المصري)

الإنزال الجوي المصري - الإماراتي هو الثالث على التوالي، ونُفّذ، صباح الأربعاء، إنزال جوي من مصر والأردن والإمارات وقطر وفرنسا.

وقال رئيس لجنة «الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري (البرلمان)، أحمد العوضي لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجوء إلى الإنزال الجوي لإيصال المساعدات جاء عقب تعذر إيصالها لبعض المناطق في قطاع غزة»، مشيراً إلى أن «مناطق شمال ووسط القطاع لا تصلها شاحنات الإغاثة التي تدخل عبر معبر رفح». وأوضح أن «عمليات الإنزال الجوي تتكامل مع الدفع بشاحنات الإغاثة عبر معبر رفح البري، كما تتزامن مع استمرار الجهود المصرية الرامية لتحقيق التهدئة، وإنهاء الحرب في غزة».

ووفق العوضي فإن «المساعدات ستتواصل براً وجواً لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني»، وأشار إلى أن «عمليات الإنزال الجوي تتطلب تجهيزات وتحضيرات عدة، إضافة إلى ارتفاع تكلفتها مقارنة بالنقل البري، لكن لا سبيل آخر لإيصال المساعدات إلى بعض المناطق في غزة».

المساعدات الإنسانية في طريقها إلى غزة (المتحدث العسكري المصري)

واتفق معه الخبير العسكري المصري، سمير فرج، في أن «عمليات الإنزال الجوي استهدفت مناطق في شمال ووسط غزة، والتي لا تصلها مساعدات». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المساعدات التي تدخل عبر معبر رفح توزع في جنوب القطاع ولا تصل لشماله»، وأشار فرج إلى أن «اللجوء للإنزال الجوي جاء في ظل استمرار العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام دخول المساعدات».

وذكر موقع «أكسيوس»، الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين أن «إدارة بايدن تدرس إنزال مساعدات إنسانية جواً إلى قطاع غزة». كما ذكرت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الخميس، أن كندا تدرس إنزال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة جواً.

في السياق نفسه، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، جهاد الحرازين، لـ«الشرق الأوسط»، أن «عمليات الإنزال الجوي تأتي في سياق تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين وسط محاولات إسرائيلية لعرقلة دخولها عبر معبر رفح البري، وفي ظل تقارير أممية تحذر من مجاعة وانتشار للأوبئة في قطاع غزة». وأضاف أن «هذه العمليات تحدث بتعاون بين دول عدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل استهداف إسرائيل لقوافل المساعدات، وحتى المدنيين الذين ينتظرونها». وعد الإنزال الجوي «محاولة جديدة لكسر الحصار المفروض على الفلسطينيين».

دخان تصاعد في وقت سابق بعد غارات إسرائيلية على رفح الفلسطينية (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، احتفى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الخميس، بعمليات الإنزال الجوي في قطاع غزة، مطالبين بـ«اعتمادها وسيلة لفك الحصار عن قطاع غزة في ظل صعوبة إدخالها عبر معبر رفح»، لكن فرج أكد أن «استخدام الطائرات في إنزال المساعدات عملية صعبة ومكلفة وعالية المخاطر مقارنة بالشاحنات، كما أن الطائرات لا تستطيع إمداد القطاع بنفس الكميات التي يمكن تحمليها على الشاحنات».

ونفت مصر في وقت سابق اتهامات بـ«منعها دخول المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح»، وأكدت في وقت سابق على لسان وزير خارجيتها، سامح شكري، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن المعبر «لم يغلق» من الجانب المصري منذ بدء الحرب.

كما أدانت مصر، الخميس، الاستهداف الإسرائيلي اللاإنساني لتجمع من المدنيين الفلسطينيين العُزل الذين كانوا ينتظرون وصول شاحنات المساعدات الإنسانية في دوار النابلسي شمال قطاع غزة. ورأت مصر في بيان لـ«الخارجية المصرية»، أن استهداف مواطنين مسالمين يهرولون لالتقاط نصيبهم من المساعدات الإنسانية جريمة مشينة، وانتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واستهتار بقيمة الإنسان وقدسية روحه. وطالبت مصر الأطراف الدولية الرئيسية، ومجلس الأمن، لا سيما الدول التي تعوق قدرة المجلس عن المطالبة بوقف إطلاق النار، بتحمل المسؤولية الإنسانية والأخلاقية والقانونية عن وقف الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وتوفير الحماية للفلسطينيين، والضغط على إسرائيل للامتثال لأحكام القانون الدولي، وتحمل مسؤولياتها بوصفها القوة القائمة بالاحتلال، ومحاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات.

مبانٍ مدمرة بسبب القصف الإسرائيلي على مدينة غزة في وقت سابق (أ.ف.ب)

إلى ذلك، تسابق الجهود المصرية والقطرية الزمن من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن إقرار هدنة جديدة في قطاع غزة قبيل حلول شهر رمضان، بما يحول دون تنفيذ إسرائيل لعملية اجتياح عسكري واسع لمدينة رفح.

وإلى الآن، لا تزال جهود إقرار هدنة جديدة في غزة تواجه صعوبات تحول دون وقف ثانٍ للقتال في أعقاب انتهاء الهدنة الوحيدة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي جرى التوصل إليها بوساطة مصرية وقطرية وأميركية. وأكد مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة تواصل جهودها بالتعاون مع الوسطاء في قطر والولايات المتحدة الأميركية من أجل الاتفاق على هدنة قبل رمضان، يجري خلالها تبادل محتجزين من الجانبين».

وذكر شكري قبل أيام أن «بلاده مستمرة في جهودها للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتعزيز تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة». وأكد المتحدث الرسمي باسم بوزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أن وزير الخارجية المصري توجه، الخميس، إلى تركيا للمشاركة في فعاليات منتدى أنطاليا الدبلوماسي. ولفت إلى أن تلك الزيارة تأتي في إطار ما تقوم به مصر من جهود من أجل التعامل مع التحديات والأزمات على الساحتين الإقليمية والدولية، وبهدف نقل الرؤية المصرية لسبل تعزيز السلم والأمن الإقليمي، والتعامل مع التحديات الراهنة، وفي مقدمتها أزمة قطاع غزة.


مقالات ذات صلة

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي مركبات للشرطة الإسرائيلية تعمل أثناء مداهمة في الضفة الغربية... 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

قالت السلطات الإسرائيلية ​اليوم الجمعة إن شخصين قتلا في هجوم نفذه فلسطيني بالطعن والدهس في ‌شمال ‌إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

ندّدت 14 دولة من بينها فرنسا وبريطانيا، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه

«الشرق الأوسط» (باريس)

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، اليوم (الجمعة)، أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان محمد الحداد ومرافقيه، لعدم توفر الإمكانات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات.

وأكدت الوزارة، في بيان على موقع «فيسبوك»، أنه تم الاتفاق مع تركيا على اختيار بريطانيا كجهة «محايدة» لاستكمال الإجراءات الفنية اللازمة بشأن الطائرة التي تحطمت يوم الثلاثاء، بعد نصف ساعة من إقلاعها من مطار أنقرة.

وقالت الوزارة إنه تقرر نقل جثامين القتلى صباح غد إلى مدينة طرابلس.

كانت الطائرة تقل رئيس الأركان محمد الحداد وعدداً من مرافقيه، وكانت قد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية الاتفاق مع السلطات التركية على إرسال الصندوق الأسود للطائرة إلى ألمانيا لضمان التحليل الفني الدقيق.


ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
TT

ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)

في خطوة لافتة تحمل أبعاداً تتجاوز بعدها الدبلوماسي، جاء اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«جمهورية أرض الصومال» دولة مستقلة وذات سيادة، ليُشعل تساؤلات واسعة حول توقيته ودلالاته، خاصة في ظل الصراع المحتدم بين إسرائيل وجماعة الحوثي، والتوتر المتصاعد في البحر الأحمر.

هذا الاعتراف، الأول من نوعه على هذا المستوى، عدّه محللون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، رسالة ضغط مباشرة وطوقاً دبلوماسياً على رقاب الحوثيين، ومحاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ قرب واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم، وسط تباين في تقدير مآلاته بين من يحذّر من ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة، ومن «يقلّل من فرص تحول الخطوة إلى مواجهة مفتوحة».

وأرض الصومال هو إقليم أعلن استقلاله من جانب واحد 1991، ولم تعترف به أي دولة، وتعارض الحكومة الصومالية مطلب استقلال أرض الصومال عنها، وعلى مدار عام 2024، نشبت أزمة بين أديس أبابا ومقديشو بسبب مساعي إثيوبيا لإبرام اتفاق للوجود على المنفذ البحري لأرض الصومال، وسط رفض مصري وعربي، وتدخلت تركيا بوساطة لإيقاف إثيوبيا عن هذا المسار.

تطويق للحوثيين

ويُعد أرض الصومال منطقة جوار لليمن، حيث تقع على الضفة المقابلة لخليج عدن، وتطل على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي عالمي حيوي لعبور الملاحة الدولية بين آسيا وأوروبا، وهذا الممر شهد هجمات صاروخية وطائرات دون طيار من الحوثيين في السنوات الأخيرة، مما أثر على التجارة العالمية وأمن الملاحة، وفق ما يرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، مؤكداً أن الاعتراف مهم وله دلالات.

ويعطي الاعتراف إسرائيل «طوقاً دبلوماسياً في موقع جغرافي يمكن أن يكون بديلاً أو مكملاً لعملياتها في البحر الأحمر، خصوصاً إذا زاد الحوثيون هجماتهم على سفن أو طرق الملاحة»، وفق تقدير بري، موضحاً أن «إسرائيل ترى ذلك ليس فقط فرصة دبلوماسية، بل ركيزة استراتيجية لمراقبة الممرات المائية والإسهام في أمنها، وتعزيز تموضعها ضد النفوذ الإيراني والحوثي والضغط عليهما وتقليل قدرة الحوثيين على تهديد المصالح البحرية الإسرائيلية».

ويؤكد الباحث اليمني، أشرف المنش، ذلك، موضحاً أن اعتراف نتنياهو يأتي في سياق بحث إسرائيل عن قاعدة عسكرية قبالة اليمن لمواجهة ميليشيات الحوثي واعتراض تهديداتها لخطوط الملاحة، وذلك نظراً إلى تمتع «أرض الصومال» بموقع استثنائي يمتد على ساحل بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، وموقع استراتيجي عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي.

ويرى مراقبون أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سيكون له تأثير على باب المندب، وقد يقيّد أي إمدادات تأتي إلى الحوثيين، لكن في المقام الأول سيهدد الملاحة والأمن في البحر الأحمر وسيزيد التوتر.

رئيس أرض الصومال يهاتف نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

وتسعى إسرائيل لخلق ما يشبه «كماشة» أمنية لمحاصرة النشاط العسكري الحوثي من جهة الشرق الأفريقي، وذلك بعد تحول السواحل الصومالية قبالة اليمن إلى نقاط تهريب نشطة للحوثيين ساعدهم في ذلك تحالفهم الوثيق مع «حركة الشباب الإرهابية» برعاية من «الحرس الثوري» الإيراني، وفق الخبير اليمني أشرف المنش.

ويعتقد رئيس مركز «جهود للدراسات» في اليمن، عبد الستار الشميري، أن الاعتراف من إسرائيل محاولة لوجود أكبر في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والتموضع على ضفة القرن الأفريقي من خلال أرض الصومال وأيضاً الضفة اليمنية من خلال مهاجمة الحوثيين، وهذا سينعكس سلبياً على البحر الأحمر.

في المقابل، قلّل المحلل السياسي من أرض الصومال، عبد الكريم صالح، من المخاوف من العلاقات بين هرغيسا وتل أبيب، مؤكداً أن الاعتراف لن يؤثر على الصراع مع الحوثيين؛ إذ تربط إسرائيل علاقات دبلوماسية بالعديد من الدول العربية والإسلامية والدولية ولم يحقق ذلك شيئاً، مؤكداً أن الاعتراف مهم في سلسلة الاعترافات الدولية ليس أكثر من ذلك.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين بدأت في يوليو (تموز) 2024، فإن عام 2025 شهد زخماً أكبر من الاستهداف في عام 2025، بـ14 استهدافاً على الأقل، وقصف متكرر لميناء الحديدة، قبل الهجوم الكبير الذي استهدف حكومة الحوثي وقيادات عسكرية بارزة لديها في أغسطس (آب) الماضي.

إنشاء القواعد

وفي ضوء ذلك الاعتراف وهذا التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين، لا يستبعد بري أن يتم احتمالات تعاون أمني، وبحث أفكار حول قاعدة أو تعاون عسكري في المستقبل، وهو بمثابة جزء من استراتيجية مواجهة تهديدات الحوثيين.

ويخلص إلى أن وجود عسكري إسرائيلي طويل المدى في أرض الصومال ليس مؤكداً اليوم، لكن القاعدة قد تتوسع إلى تعاون أمني أقوى إذا رأى الطرفان فائدة استراتيجية من ذلك، خصوصًا في مواجهة الحوثيين مقابل زخم الاعترافات.

وعن توقعاته لردود فعل الحوثيين، يعتقد بري أن التهديدات والهجمات من الحوثيين قد تتصاعد بوصفها رد فعل على أي شكل من أشكال وجود عسكري أو تعاون أمني مع إسرائيل قرب السواحل اليمنية، مستدركاً: «لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات رسمية من الحوثيين على كيفية ردهم مباشرة على الاعتراف الصوري فقط الذي لم يشمل التوسيع العسكري بإقليم مثل أرض الصومال».

بنيامين نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

ولا يستبعد أشرف المنش أيضاً -في ضوء التقاء المصالح بين إقليم أرض الصومال الساعي للحصول على اعتراف دولي وإسرائيل- أن تتجه المصالح الإسرائيلية إلى بناء منشأة عسكرية واستخباراتية لـ«تعزيز العمق الاستراتيجي» في القرن الأفريقي.

بينما يؤكد مراقبون أن وجود إسرائيل في الإقليم الانفصالي سيترتب عليه وجود عسكري لا محالة، لأن أي علاقات تسمح بمذكرات تفاهم تشمل نشر قواعد عسكرية وما شابه.

في المقابل، يرى عبد الكريم صالح أن المحادثات والوثائق المتبادلة بين الجانبين لم تتطرق إلى أي مسائل عسكرية. وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنهم سيتعاونون بشكل مكثف مع أرض الصومال في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد، دون أي حديث عن تعاون عسكري أو استخباراتي.

وبعد شائعات نفاها إقليم أرض الصومال في 2025، بشأن أن يكون الإقليم إحدى البقاع التي تستقبل الفلسطينيين من غزة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في حسابه على منصة «إكس»، الجمعة، إنه خلال العام الماضي، وعلى أساس حوار شامل ومتواصل تشكّلت العلاقات بين إسرائيل وأرض الصومال. وأضاف: «عقب قرار رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ورئيس جمهورية أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله، وقّعنا على اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل أيضاً تعيين سفراء وافتتاح سفارات»، مؤكداً أن إسرائيل ستكثّف التعاون مع أرض الصومال في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة والصحة.


مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

رفضت مصر إعلان الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة. كما عبّرت عن رفضها «أي محاولات لفرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية».

وجاء الموقف المصري في اتصالات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، الجمعة، مع نظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي. وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الوزراء «الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته»، إلى جانب «دعم مؤسسات الدولة الصومالية الشرعية».

الرفض المصري المدعوم بمواقف دول أخرى، جاء بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، اعتراف إسرائيل رسمياً بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة ذات سيادة، وهي أول دولة تعترف بـ«الإقليم الانفصالي» في الصومال دولة مستقلة.

وقال بيان صادر عن «الخارجية المصرية»، الجمعة، إن الوزير عبد العاطي تلقى اتصالات من نظرائه: الصومالي عبد السلام عبدي، والتركي هاكان فيدان، والجيبوتي عبد القادر حسين عمر، وشددوا على «الرفض التام وإدانة اعتراف إسرائيل»، إلى جانب «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، يعتقد أن دعم إسرائيل «أرض الصومال» «سيفتح الباب لدول أخرى للاعتراف بهذا الإقليم». ورجح أن «تلجأ إثيوبيا إلى تفعيل اتفاقها مع (أرض الصومال)، للحصول على منفذ بحري لها، مقابل الاعتراف الرسمي به دولة».

وسيؤثر الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» استراتيجياً على مصالح الدولة المصرية في جنوب البحر الأحمر، وفق حليمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود إسرائيل في هذه المنطقة سيعني حصولها على موضع قدم في جنوب البحر الأحمر وشماله في إيلات»، مشيراً إلى أن هذا التحرك «سيلقى معارضة شديدة من الدول العربية والأفريقية؛ لأن من مبادئ الاتحاد الأفريقي احترام حدود الدول وعدم المساس بها».

وسبق أن عارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع «إقليم أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي بعد توقيع اتفاق «الشراكة الاستراتيجية» في القاهرة يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

وأكد عبد العاطي، الجمعة، أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول «سابقة خطيرة، وتهديد للسلم والأمن الدوليين ولمبادئ القانون الدولي»، وقال إن «احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول يمثّل ركيزة أساسية لاستقرار النظام الدولي».

كما شدد على «الرفض القاطع لأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضه»، وقال إن «هذا المخطط ترفضه الغالبية العظمى لدول العالم بشكل قاطع».

ولن يغيّر الاعتراف الإسرائيلي الوضعية القانونية لـ«إقليم أرض الصومال» بعدّه جزءاً من أرض الصومال، وفق عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، عصام هلال، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما اتخذته إسرائيل خطوة أحادية تخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي».

ويرى هلال أن الدعم الإسرائيلي للإقليم الصومالي «يعدّ تحولاً دبلوماسياً، سينعكس على توازن القوى في منطقة القرن الأفريقي». وأكد ضرورة «تكثيف الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة».

ودائماً ما تؤكد مصر أن «أمن البحر الأحمر قاصر فقط على الدول المتشاطئة وليس مقبولاً أي وجود عسكري به»، وتكررت هذه التصريحات بعد أن أعلنت إثيوبيا طموحها لإيجاد منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر.

و«إقليم أرض الصومال»، الذي يملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، يحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي، ولا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991.

ووقّع نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال»، عبد الرحمن محمد عبد الله، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد».