«مجلس الحرب» يسحب صلاحيات «الأقصى» من بن غفير ويتبنى «اعتباراته الأمنية»

الوزير المتطرف يستبعد مندوب نتنياهو من جلسات الشرطة حول القدس

نساء مسلمات يسرن بالقرب من قُبّة الصخرة في مجمع  الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، الخميس (أ.ب)
نساء مسلمات يسرن بالقرب من قُبّة الصخرة في مجمع الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، الخميس (أ.ب)
TT

«مجلس الحرب» يسحب صلاحيات «الأقصى» من بن غفير ويتبنى «اعتباراته الأمنية»

نساء مسلمات يسرن بالقرب من قُبّة الصخرة في مجمع  الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، الخميس (أ.ب)
نساء مسلمات يسرن بالقرب من قُبّة الصخرة في مجمع الأقصى في البلدة القديمة بالقدس، الخميس (أ.ب)

بعد الكشف عن قرار سحب مجلس قيادة الحرب في الحكومة الإسرائيلية، الصلاحيات الأمنية على المسجد الأقصى من وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وعدم فرض قيود خاصة على دخول فلسطينيي 48 للصلاة في المسجد خلال شهر رمضان، تبيّن أن المجلس قبل بعض مطالب بن غفير وسيحدد عدد المصلين بـ50 – 60 ألفاً، بدلاً من ربع مليون مصلٍ، في أيام الجمعة في رمضان .

وكانت «القناة 12»، للتلفزيون الإسرائيلي قد كشفت في نشرتها ليل الأربعاء - الخميس، عن أن «كابينت الحرب» قرر اتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الشأن بناءً على توصيات الأجهزة الأمنية، و«عدم فرض قيود واسعة على دخول الفلسطينيين من مواطني إسرائيل إلى المسجد الأقصى».

فلسطينيون خارج المسجد الأقصى بعد اشتباكات تفجّرت مع متطرفين يهود في رمضان يونيو 2016 (أ.ف.ب)

كما تقرر أن الشرطة ستحدد سقفاً لعدد المصلين بناءً على الاعتبارات الأمنية، كما أن القيود الشخصية ستُفرَض «بناءً على معلومات استخباراتية». وبحسب تقديرات (القناة 12)، فإن الشرطة ستسمح في بداية رمضان بدخول نحو 50 - 60 ألف مصلٍ إلى المسجد الأقصى، على أن يتم تقييم الوضع لاحقاً.

بن غفير سارع إلى إصدار بيان دعا فيه نتنياهو، إلى نفي التقرير، وقال: «أتوقع أن ينفي رئيس الحكومة التقرير الذي يفيد بأنه في قضية جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، قرر اتباع مفهوم بيني غانتس القائل بأن السلام يُشترى بالخضوع والاستسلام للإرهاب، ونية نقل الصلاحيات التي يملكها وزير الأمن القومي لـ(كابينت الحرب)».

وأشار تقرير مجلس قيادة الحرب إلى أن هذا القرار، جاء بعد التحذيرات التي أطلقها كبار المسؤولين بجهاز الشرطة الإسرائيلية، من أتباع السياسة التي يدفع بها بن غفير، في المسجد الأقصى، وفرض قيود على دخول المصلين إلى الحرم القدسي خلال شهر رمضان، وأوضحوا أن ذلك قد يؤدي إلى اشتعال الأوضاع الأمنية في القدس والمدن التاريخية في مناطق 48 المعروفة إسرائيلياً بـ«المدن المختلطة».

عودة الاقتحامات الاستفزازية إلى باحة المسجد الأقصى من قِبل متطرفين يهود ديسمبر الماضي (رويترز)

وأوضح كبار المسؤولين في شرطة الاحتلال الإسرائيلي، بحسب القناة، أن الحكومة لن تتخذ قراراً نهائياً بشأن فرض قيود على دخول المصلين من فلسطينيي 48 إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، قبل نهاية الأسبوع المقبل. ووفقاً للمسؤولين، لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن طبيعة هذه القيود المحتملة.

ونقلت القناة عن ضباط كبار في قيادة الشرطة، أنه إذا قررت الحكومة الاستجابة لمطالب بن غفير، فإن «الهدوء الذي يسود المجتمع العربي منذ بداية الحرب في غزة، هو ما يجب أن تدفع صناع القرار إلى الامتناع عن فرض قيود على المواطنين المسلمين في إسرائيل الذين يرغبون في الصلاة بالمسجد الأقصى في شهر رمضان».

لأول وهلة، يبدو أن هناك أزمة متوقعة بين نتنياهو وبن غفير، خصوصاً وأن الثاني، اتخذ قراراً بأن يُستبعد حضور مندوب عن نتنياهو في جلسة قيادة الشرطة التي ستجري نقاشات حول الوضع الأمني في رمضان. ولكن، هناك مَن يحذر من عملية خداع أيضاً في هذا النشر.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تفرض قيوداً على صلاة المسلمين في الأقصى منذ بداية الحرب، بينما اليهود يتاح لهم اقتحامه طيلة الوقت. وقد انخفض عدد المصلين في صلاة أيام الجمعة من 50 ألفاً في الظروف العادية إلى 5 آلاف خلال الحرب، وأعلى حد بلغه الحضور كان 10 آلاف.

أغلقت الشرطة الإسرائيلية مدخل الأقصى بعد زيارة وزير الأمن المتشدد إيتمار بن غفير يوليو الماضي (رويترز)

التقرير عن تقييد عدد المصلين في الأقصى في رمضان بحيث لا يزيد على 60 ألفاً، هو أيضاً تعسفي، إذ إن عدد المصلين في أيام الجمعة في رمضان كان يصل في الأيام العادية إلى ربع مليون وحتى نصف مليون، والعدد الجديد يختصره إلى 10 – 20 في المائة فقط.

بن غفير (يمين) خلال ترؤس بنيامين نتنياهو اجتماعاً للحكومة في تل أبيب مستهل يناير الماضي (أ.ف.ب)

وبحسب التقرير، يظهر أن مجلس الحرب قبِل ببعض توصيات بن غفير، حول منع سكان الضفة الغربية من دخول القدس والأقصى. وفي حين طلب بن غفير منعهم تماماً، أوصت شرطة بن غفير بالسماح بدخول سكان الضفة من سن 60 عاماً فما فوق، وأوصى جهاز المخابرات (الشاباك) بالسماح بدخول سكان الضفة من سن 45 عاماً. وفي هذا لم يتخذ قرار واضح بعد، لكن هناك اتجاهاً لتقييد حضورهم بشدة.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (أرشيفية - د.ب.أ)

وكان وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، قد حذّر، الثلاثاء، من «استغلال (حماس) شهر رمضان، مع التركيز على جبل الهيكل (المسجد الأقصى) والقدس، وتحويله إلى مرحلة ثانية من خطتها التي بدأت في 7 أكتوبر، وهو الهدف الرئيسي لـ(حماس)، الذي يتم (تعزيزه) من خلال إيران و(حزب الله)».

وشدد على أنه «لا يجب أن نتيح لهم ذلك، والمعنى هو تهدئة المنطقة بأي طريقة ممكنة، وفي هذا الجانب يجب تقسيم العملية قسمين بسيطين تعرفونهما جيداً، وهما يصنعان التمايُز؛ من هو مخرّب أو يُشتبه به، أو في طريقه إلى ذلك؛ يجب الوصول إليه وإيقافه وتصفيته».

شرطية إسرائيلية تمنع فلسطينية من أداء الصلاة بالمسجد الأقصى نهاية أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن الجيش و«الشاباك»، يطالبان نتنياهو، بإجراء مداولات جديدة حول القيود على دخول المواطنين العرب في إسرائيل إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه خلال شهر رمضان المقبل، ومحاولة تغيير القرار بهذا الخصوص.

وذكر التقرير، أن جهاز الأمن قدم تقريراً، جاء فيه أن «ثمة احتمالاً مرتفعاً لتدهور أمني» في الضفة الغربية، وأنه «في حال تحقق ذلك، ثمة شك أنه سيكون بإمكاننا وقفه، بموازاة القتال وانتشار القوات في جميع الجبهات»، في إشارة إلى الحرب على غزة والقصف المتبادل مع «حزب الله».

زعيم «حماس» إسماعيل هنيّة يتحدث في رسالة متلفزة خلال فعاليات مؤتمر «مؤسسة القدس الدولية» ببيروت الأربعاء (رويترز)

يذكر، أنه في يوم الأربعاء، دعا رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنيّة الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، إلى الرد على تقييد دخول المسلمين بالسير إلى المسجد الأقصى للصلاة في اليوم الأول من شهر رمضان في 10 مارس (آذار) المقبل. وعندما طُلب من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر التعليق على تصريح هنيّة، قال: «الولايات المتحدة ستواصل حث إسرائيل على تسهيل وصول المصلين المسلمين إلى الحرم القدسي خلال شهر رمضان، بما يتفق مع الممارسات السابقة. الأمر لا يتعلق فقط بمنح الناس الحرية الدينية التي يستحقونها، ولكنها أيضاً مسألة ذات أهمية مباشرة لأمن إسرائيل. ليس من مصلحة إسرائيل الأمنية تأجيج التوترات».


مقالات ذات صلة

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

شؤون إقليمية إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل مطالبة فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

تحليل إخباري الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

لبنان: الأوراق المتاحة لفرنسا للرد على إسرائيل لإزاحتها من مساعي الحل ولجنة الإشراف على وقف النار .

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية أظهر استطلاع رأي (الجمعة) ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين في الكنيست المقبل (رويترز)

استطلاع رأي يعزز وضع نتنياهو في إنقاذ حكمه

أظهر استطلاع رأي ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين اثنين في الكنيست المقبل، لكنه يظل بعيداً جداً عن القدرة على تشكيل حكومة.

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.