«المهرجان اللبناني للكتاب» ينطلق الخميس متحدياً الأزمة المالية ومخاطر تمدّد الحرب

خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
TT

«المهرجان اللبناني للكتاب» ينطلق الخميس متحدياً الأزمة المالية ومخاطر تمدّد الحرب

خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)

ينطلق «المهرجان اللبناني للكتاب»، في دورته اﻟ41، الخميس المقبل 29 فبراير (شباط) 2024 في بلدة أنطلياس اللبنانية، ويستمرّ حتى 10 مارس (آذار). عام جديد تنظّم فيه «الحركة الثقافية - أنطلياس» معرضها الوطني السنوي، متحدية الظروف الاقتصادية الصعبة التي ما زال يعانيها لبنان ومخاطر تمدد الحرب الدائرة في جنوب البلاد.

يُفتتح المهرجان عند الساعة الرابعة بعد ظهر الخميس المقبل بتوقيت بيروت. ويفتح المعرض أبوابه كل يوم من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء ويستمر 11 يوماً. ويحتوي المهرجان على 3 محاور؛ «معرض (بيع) الكتب، وتكريم الشخصيات الثقافية، وتواقيع كتب صادرة حديثاً».

يتوقّع الدكتور عصام خليفة، أمين إعلام المهرجان، في حديثه ﻟ«الشرق الأوسط»، أن تكون دورة هذا العام واعدة، ويتحدّث عن أهمية استمرار تنظيم المناسبة الثقافية الوطنية في ظل الظروف الحالية، قائلاً:

«من خلال استمرارنا بالمهرجان السنوي والتكريم رغم المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، نحن نواجه مشروع انهيار الدولة اللبنانية والأزمة المالية، ونواجه الجريمة المنظّمة التي تواجهنا، ونظام الحرب الذي ما زال قائماً ضدنا، ونقف بوجه القمع. نقاوم كل هذا الوضع بالثقافة. هذه هي الرسالة التي نقدّمها».

صورة الدعوة للمشاركة ﺑ«المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (الحركة الثقافية - أنطلياس)

تشجيعاً للشباب على القراءة

في الجانب الخاص ببيع الكتب، تشارك دور نشر مختلفة بالمهرجان، وتبيع الكتب مع خصم بنسبة 30 في المائة. وفي المهرجان أيضاً معرض كتب للأطفال. ووفق د. عصام خليفة، «أقنعت الحركة الثقافية كثيراً من دور النشر بأن تنظم بازاراً بأسعار شبه مجانية لكتب تريد الدور تصريفها. نجحت تجربة البازار السنة الماضية، لذا سنعمل بازاراً هذه السنة أيضاً. عدد كبير من كتب البازار يبلغ سعره دولاراً واحداً فقط».

ويضيف خليفة: «يهم المهرجان من خلال هذه الحسومات أن يعيد التواصل بعد القطيعة بين الشباب والكتاب بفعل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».

لا تقبل الحركة الثقافية مساعدات مالية من أي جهة، وتعتمد في تمويلها على الإيجارات التي تدفعها لها دور النشر لحجز مساحات لها في المعرض السنوي. هذه الإيجارات تؤمّن للحركة استقلاليتها، بحسب خليفة.

وتحدّث خليفة عن الصعوبات التي واجهها المهرجان اللبناني للكتاب في السنوات الأخيرة نتيجة جائحة «كورونا» (بدءاً من عام 2020)، التي تزامنت تقريباً مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، وأشار إلى أنّ الجائحة أوقفت المهرجان السنوي سابقاً لعام ونصف عام. يقول: «السنة الأولى لـ(كورونا) بدأت بمهرجان الكتاب، لكن جاءت آنذاك الأوامر الحكومية بالإغلاق بسبب الوضع الصحي نتيجة الجائحة، فأغلقنا المعرض في منتصفه. السنة الماضية عدنا لتنظيم مهرجان الكتاب، وكانت العودة مشجعة. السنة تجربتنا أوسع. المساحة المتاحة للعرض أكبر».

ندوات تناقش القضايا الوطنية

بموازاة معرض الكتب، تنظّم الحركة الثقافية أنشطة كثيرة. تُقام ندوات وحفلات تكريم لأعلام الثقافة.

وكمثال عن الندوات التي تُقام في مهرجان الكتاب لهذا العام، يعطي خليفة مثالاً الندوة الأولى في المهرجان، وذلك يوم الافتتاح الخميس 29 فبراير، بعنوان «مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة» (الساعة السادسة مساء). يقول خليفة عن الندوة: «تشارك فيها شخصيات شيعية لبنانية بارزة، ستتحدّث عن الأفكار التي تستقطب الطائفة الشيعية اللبنانية في إطار الوطن اللبناني، وليس الخروج عليه بمشاريع (إقليمية) معروفة الخلفيّة».

الدكتور عصام خليفة الأمين السابق للحركة الثقافية وأمين الإعلام في الدورة الحالية ﻟ«المهرجان اللبناني للكتاب» (متداولة)

من أبرز اللقاءات أيضاً، ندوة بعنوان «لبنان بين النزوح واللجوء، والمخاطر الكيانية والسياسات الوقائية»، تُقام الخميس 7 مارس الساعة الرابعة بعد الظهر بتوقيت بيروت، وندوة أخرى بعنوان «حرب غزة وانعكاساتها على لبنان» الجمعة 8 مارس الساعة الرابعة بعد الظهر، وندوة حول كتاب السفير الأميركي السابق في لبنان دايفيد هيل، الذي صدر بعنوان «الدبلوماسية الأميركية تجاه لبنان 1943 – 2023». ويشارك في تنظيم هذه الندوات خبراء وأكاديميون وسياسيون وإعلاميون.

يقول خليفة عن الندوات التي ينظّمها المهرجان: «ننظّم ندوات حول قضايا الوطن، نستقبل فيها أطرافاً من جهات متنوّعة ليتناقشوا ويتحاوروا على أساس أنّ العنف لا يؤدّي إلى حلّ. أجرينا حواراً بين الأطراف المختلفة خلال الحرب. وعندما كانت الطرق مقفلة آنذاك، كنا نذهب إلى غرب العاصمة بيروت، ونأتي بشخصيات من بيروت الغربية للمشاركة في النشاطات الثقافية، كانوا يمرّون على الحواجز، وكنا نجري حواراً بين كلّ الطوائف. وأجرينا نشاط الهيئات الثقافية في كلّ المناطق اللبنانية، في (تجمّع الهيئات الثقافية)، وقدّمنا مذكّرات، ما أثار ريبة الوصاية السورية على لبنان التي نظرت بتخوّف إلى تحرّكاتنا».

تكريم 8 من أعلام الثقافة

يشارك 78 شخصاً في تكريم 8 من أعلام الثقافة لهذا العام، ويلقي المشاركون كلمات أو شهادات بالمكرّمين.

التكريم، بحسب خليفة، هو للذين أعطوا حياتهم للثقافة: «نقدّم لهم تحية بالمهرجان. المكرّمون لبنانيون من اختصاصات متعددة؛ علمية، تاريخية، أدبية، فنّيّة، موسيقية... إلخ. ونحرص دائماً على تحقيق توازن طائفي بين المسلمين والمسيحيين في عدد الشخصيات المكرّمة في المهرجان».

المكرّمون لهذا العام هم:

أنطوان سيف (مواليد 1944). هو من مؤسسي الحركة الثقافية. أستاذ فلسفة في الجامعة اللبنانية. كان أميناً عاماً وأمين نشاطات في الحركة الثقافية. ألّف ما يقارب 70 كتاباً، وترجم كتباً كثيرة فلسفية وأبحاثاً موسّعة ومقالات، عددها يزيد على مائتين. شارك في أكثر من 120 مؤتمراً وندوة في لبنان والخارج.

لمياء المبيّض بساط (مواليد 1967). بدأت حياتها المهنية لدى مؤسسات مهنية خاصة، ثم مديرة برامج لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا. في عام 2000، سمّتها وزارة المالية الفرنسية لتكون المديرة الوطنية للمعهد المالي والجمركي من الجانب الفرنسي. انتُخبت عام 2016 عضواً في مجلس إدارة الرابطة الدولية لمدارس ومعاهد الإدارة. ساهمت في إصلاح الموازنة العامة اللبنانية وشفافيتها. عززت مركز توثيق المكتبة المالية، ونشرت مجلة متخصصة في شؤون إدارة المال، وأشرفت على إنتاج كثير من الأوراق البحثية والتقارير الدورية.

خطّار أبو دياب (مواليد 1956). إعلامي لبناني في باريس. ينشط في راديو «مونتي كارلو»، وقناة «فرانس 24». كاتب بارز في مجلّة «المجلّة»، وله مؤلّفات كثيرة. صاحب شجاعة في عرض مواقفه. يقول عنه عصام خليفة: «لديه من فروسية أهل الجبل (اللبناني)».

الدكتور أنطوان سيف من الشخصيات الثقافية التي يكرّمها «المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (متداولة)

دياب يونس (مواليد 1943). رجل قانون ولغة وعمق وأناقة في الأدب والخطابة. كان مناضلاً طليعياً في الوسط الطلابي حيث تولى رئاسة رابطة الطلاب في كلية التربية بالجامعة اللبنانية سنة 1967. وتسلّم مهمات حساسة في الإدارة العامة. تميّز يونس كقائد شعبي بين الطلاب.

ربيعة أبي فاضل (مواليد 1950). أديب وناقد وأستاذ جامعي. صاحب ضمير مهني. حرص على الحفاظ على المستوى الأكاديمي المرموق في الجامعة. كتب في الصحافة الأدبية والنقد الأدبي، والقصة والشعر والتراث، والأدب الروحي والوجداني.

رفعت طربية (مواليد 1948). أحد أبرز الممثلين اللبنانيين. لعب دور بطولة في عدد كبير من المسرحيات. شارك بأنواع كثيرة من المسرح، وتميّز بأدائه. ورغم أنه لم يدرس المسرح، فإنه تميّز فيه عن طريق الممارسة. تتلمذ على يد منير أبو دبس وكبار المخرجين في فرنسا.

محمد جواد خليفة (مواليد 1961). طبيب، وشغل أيضاً منصب وزير صحة. أستاذ في الجامعة الأميركية، وهو أول من أجرى عملية زرع كبد في منطقة الشرق الأوسط. لديه أبحاث كثيرة. يقول عنه خليفة: «عندما تولى الوزارة، حاول محمد جواد خليفة أن يعمل ضماناً صحياً وعمل مكننة، وحاول ترخيص الدواء، لكنه أُقيل من قبل مرجعيات سياسية».

شربل روحانا (مواليد 1965). أستاذ ماهر على العود. نظم مهرجانات ومسابقات دولية، وحفلات موسيقية وندوات. عُني بمنهج لتجديد تعليم العزف على العود. اعتُمد منهجه بمعظم معاهد الموسيقى في لبنان. كون شربل روحانا من بلدة عمشيت اللبنانية، في قضاء جبيل بمحافظة جبل لبنان، يأتي تكريمه أيضاً تكريماً للبلدة، بما فيها من كفاءات وطاقات.

120 إصداراً جديداً

يشهد المهرجان سنوياً تواقيع كتب جديدة. يستقبل المعرض هذا العام تواقيع ﻟ120 كتاباً جديداً، صادرة باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية. وتتنوّع أنواع الكتب الموقّعة لتشمل المواضيع السياسية والتاريخية والعلمية والأدبية.

يتم توقيع الكتب يومياً من الساعة الثالثة بعد الظهر (بتوقيت بيروت) حتى الساعة التاسعة طوال أيام المعرض، بمعدّل توقيع كتاب كلّ ساعتين. ومن المتوقّع أن يستقطب مجموع التواقيع هذه السنة، كالعادة، آلاف الزوار للمهرجان من الذين يزورون المعرض لشراء الكتب الصادرة.

ويوقّع الدكتور عصام خليفة كتابه الجمعة في 8 مارس من الساعة 5 إلى الساعة 9 مساء (توقيت بيروت)، وعنوانه «أبحاث في تاريخ لبنان وجواره في الفترة الحديثة والمعاصرة».

إصدارات خاصة بالمهرجان

تصدر الحركة الثقافية بين 3 و4 كتب سنوياً عن «المهرجان اللبناني للكتاب» وتوزّعها مجاناً. وتصدر كتاباً ضخماً عن المهرجان السنوي، وكتاباً خاصاً بالندوات السنوية التي تنظمها الحركة، وكتاب أعلام الثقافة، وهو الكتاب الذي تخصصه الحركة الثقافية للتعريف بالشخصيات التي تكرّمها في المهرجان السنوي، يتضمّن الكلمات التي قيلت في تكريم هذه الشخصيات.

وطبعت الحركة أجزاء ضخمة خاصة بأعلام الثقافة الذين كرّمتهم، ولا تزال تستكمل عملية الطبع، رغم المشكلة المالية. يقول خليفة عن هذه المسألة: «نطبع حسب توفّر الإمكانات. هذه الكتب توزّع مجاناً على زوّار المعرض وعلى كل من يحب القراءة ويطلب هذه الكتب. الحركة الثقافية هيئة لا تبغى الربح».

جانب من برنامج «المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (الحركة الثقافية - أنطلياس)

الثقافة في مواجهة العنف

انطلق «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 1980 خلال الحرب التي شهدها لبنان. يتحدّث خليفة عن دوافع انطلاق الحدث الثقافي السنوي: «كان الشباب اللبناني آنذاك من كل المناطق ومن مختلف الطوائف منشغلاً بالسلاح. لذا هدفنا أن نوجّه الشباب نحو المعرفة لا نحو السلاح. فالمعرفة هي القوة لا السلاح. نهدف للتخفيف من عنف الشباب. نحن مع السلم الأهلي، والوحدة الوطنية بين اللبنانيين. ينسجم المعرض مع هدفنا وميثاقنا، لأننا مع التغيير في الثقافة ومن خلال الثقافة. من خلال الثقافة نغيّر المجتمع، وجوهر الثقافة لا نبقيه نمطاً تقليدياً بل متجدداً علمانياً ديمقراطياً».

«هكذا وُلد المهرجان اللبناني للكتاب. لا يقتصر المهرجان على بيع الكتب، لنحبّب الشباب بالمعرفة، لكن أيضاً تكريماً لأعلام الثقافة بداية في لبنان ثم أيضاً في العالم العربي»، وفق خليفة.

مشروع اعتدال بوجه التطرّف

ينظر المجتمع اللبناني بمختلف طوائفه إلى مهرجان الكتاب باحترام، إذ يوضح خليفة أن ذلك يعود إلى أن المعرض كان يعكس في الحرب وجهة النظر المعتدلة بين الأطراف.

يقول خليفة في هذا الإطار: «نحن واجهنا كل الأطراف المتشنّجة والمتعصّبة بغضّ النظر عن انتماءاتها. كان مقترحنا وطنياً، يجمع بين استقلال لبنان وسيادته من جهة، والانفتاح على العالم العربي من موقع السيادة والاستقلال، والالتزام بالقضية الفلسطينية والعدالة للشعب الفلسطيني في أن تكون له دولته، ولكن ليس على حساب الشعب اللبناني، وضد أن يعمل الفلسطينيون قتلاً واستيطاناً في لبنان».

ويضيف خليفة: «توجُّه حركتنا الثقافية هو التحالف مع العالم العربي، ولكن ضمن سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها. لذا تعاطفت معنا كل الفئات اللبنانية. اعتبرتنا الفئات التي لم تدخل في الحرب والأحزاب أننا سند لها. فحركتنا لم تكن لها أهداف سياسية مباشرة، بل سياستنا وطنية عليا، للدفاع عن حقوق الإنسان اللبناني والعربي».


مقالات ذات صلة

«وجود وغياب»... معرض «كوميكس» مصري يمزج المخاوف بالأحلام

يوميات الشرق المعرض مأخوذ عن كتاب «وجود وغياب» (الشرق الأوسط)

«وجود وغياب»... معرض «كوميكس» مصري يمزج المخاوف بالأحلام

تُعدّ معارض القصص المصوَّرة (الكوميكس) من الفعاليات النادرة في مصر، وتكاد تقتصر على مهرجانات سنوية لهذا النوع من الرسوم المعروف بـ«الفن التاسع».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق عمل للدكتور أشرف سعد جلال (الشرق الأوسط)

أعمال «الأسود والضوء» تحضّ على التأمل

خيط رفيع ربط بين أعمال 50 فناناً فوتوغرافياً يتمثّل في رصد «الأسود والضوء»، وهو العنوان الذي اختاره «نادي عدسة» ليقيم تحته معرضاً بالإسكندرية.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

«السامبورو»... استكشف ثقافة الطعام المزيف في اليابان

من زار اليابان سيتعرف فوراً على «السامبورو»، وهي نسخ من الأكلات والأطعمة اليابانية مصنوعة من البلاستيك بدقة لاستنساخ شكل الطعام الحقيقي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

يسرح المتفرّج في تفاصيل الأعمال فيُخيَّل إليه بأنّ الوهم الذي بحثت عنه الفنانة أصابه أيضاً فيتزوّد بجرعات من الطاقة الإيجابية وبمشاعر النضارة والحيوية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مشاهد من رحلة عبد الله فيلبي إلى عسير عام 1936 (وزارة الثقافة)

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

انطلق «معرض مخطوطات عسير» لاستكشاف قصص الأجداد وتاريخ المنطقة بين طيّات المخطوطات ومن خلال الأجنحة المتنوعة والندوات والجلسات الحوارية المتخصصة.

عمر البدوي (الرياض)

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي
TT

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي

يعد الكاتب محمود الرحبي أحد أبرز الأصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان. وعلى الرغم من أن بعض رواياته لا تتجاوز 60 صفحة، فهو يراهن «على التكثيف والشحنة الجمالية وجذب القارئ ليكون فاعلاً في النص»، كما يقول. من أعماله الروائية والقصصية «المموِّه» و«صرخة مونش» و«أرجوحة فوق زمنين» و«حديقة السهو»، ووصلت روايته «طبول الوادي» إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» في دورتها الحالية، هنا حوار معه حول تجربته الأدبية:

* في «طبول الوادي»، تستعيد خصوصية مجتمعات ريفية في قرى عمانية تكاد تبتلعها الجبال، كيف جعلت من الأصوات وسيلةً لرسم ملامح البشر والمكان في النص؟

- بالنسبة لرواية «طبول الوادي» التي ترشحت أخيراً إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» للرواية العربية المنشورة في دورتها الحالية، تعمدت اختيار «وادي السحتن»، المكون من قرى عدة وسط الجبال تمتاز بوفرة في الثمار، حتى سميت بـ«مندوس» عمان. و«المندوس» كلمة شعبية تعني الصندوق الثمين، كما اخترت بالمقابل حياً يُعدُّ في تلك الفترة مثالاً للتمازج وتعدد الألسنة والثقافات والطباع وهو «وادي عدي»، وعبر تفاصيل الأحداث نعرف لماذا اختار بطل الرواية «سالم» الحرية مقابل الجاه ومشيخة القبيلة حتى وإن جاع.

اهتممت بالتفاصيل كمقوم سردي، مثل الطرقات التي كانت في ذاك الزمن متربة وخشنة حتى في أحياء المدينة، والقرى كانت رهيبة وشاقة. أتذكر مثلاً أننا كنا لكي نشق بعض الطرق الصاعدة نضطر إلى وضع الحجارة داخل السيارة وقت الهبوط، حتى تحافظ على توازنها ولا تنزلق من المرتفعات. والأصوات هنا قد توحي بكمية الأغاني التي تشتمل عليها الرواية. هناك أيضاً أناشيد بعضها باللغة السواحلية الزنجبارية، ناهيك عن طبول الجوع التي تعرض لها بطل الرواية «سالم»، وقد اختار الحرية مضحياً بكل شيء وخرج من قريته حافي القدمين حاسر الرأس، وفي ذلك دلالة مقصودة.

* ألن يكون صادماً لبعض القراء التعرف على وجه آخر لـ«دول الخليج» من خلال قرى متقشفة يعاني أبناؤها من مستويات متباينة من الفقر والجوع والحرمان؟

- لا يخلو أي مجتمع من مفارقات، ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص. صحيح أن عمان بلد نفطي وعدد سكانه قليل لكنه في النهاية مجتمع متنوع، به طبقات ومستويات، به ثراء فاحش وبه فقر مدقع. ولست في سياق مناقشة الأسباب، إنما يمكن ذكر أمثلة، منذ فترة قريبة مثلاً سمعت عن قريب لي سُرّح من عمله، ولديه أبناء كُثر، التعويض لم يكن يكفيه لإعالة أبنائه، فاضطر إلى السير في الخلاء ليعود من هناك بأشجار يحرقها ليحولها فحماً يبيعه. تحول إلى حطّاب. وهذه الأمور لم نكن نسمع بها إلا في الحكايات.

* في مقابل القرية، تطل المناطق والمدن الأكثر تحضراً، وهى تحتوي، وفق تعبير الراوي، على «الضجيج الذي يُسمع الآن متداخلاً بين العربية والهندية والأفريقية والبلوشية... كيف ترى بعين الروائي هذا «الموزاييك» أو «الفسيفساء» الذي تحمله سلطنة عمان والمجتمع الخليجي عموماً بين طياته؟

- هذا الموزاييك يشكل ثراءً اجتماعياً تنتج عنه تفاعلات يمكن أن يستفيد منها القاص. لو فقط تأملنا تاريخ الأسواق العمانية، لحصلنا على ذخيرة مهمة، ناهيك عن الأغاني، سواء تلك المتعلقة بالأفراح أو حتى الأتراح. المهم هنا هو كيف تعبر عما هو موجود وليس تفصيل ما هو موجود. الكم يعدُّ انحرافاً عن طريق الأدب الذي من سماته البلاغة والاقتصاد. الكاتب الروسي نيقولاي غوغول اختصر في رواية «المعطف» تاريخ الخياطين في روسيا في عمل صغير، كان المعطف هو البطل وليس صاحب المعطف في الحقيقة. لكنه قدم عملاً هائلاً لا يمكن نسيانه. أتذكر حين قرأت «المعطف» أول مرة في التسعينات وكانت منشورةً كاملةً في مجلة «عيون المقالات» بكيتُ بحرقة. ولحظة التأثر الصادقة هذه لا يمكن أن يقدمها لك إلا كاتب عظيم بحجم غوغول.

* جاءت روايتك «المموِّه» قصيرةً إلى حد الصدمة حتى أنها تقع في أقل من 60 صفحة، كيف ترى مسألة «الحجم» وتأثيرها في استقبال وتصنيف الأعمال الأدبية؟

-الحجم عادة ليس مقياساً. رواية «الليالي البيضاء» لدوستويفسكي رواية قصيرة لكن لا تقل أهمية وذكراً عن رواياته الكبيرة. الأهم في هذا السياق هو التأثير. وسواء كُتب على الغلاف رواية أو «نوفيلا»، يظل هذا الأمر يدور في قلة الحجم. ثمة مواضيع من الأفضل تقديمها قصيرة خصوصاً تلك القصص التي تعتمد على اللعب. وحين أقول قصصاً فإنه حتى الرواية كانت تسمى قصة، فالقصة عنصر أساسي في السرد، سواء كان هذا المسرود قصة قصيرة أو رواية.

* هل أردت أن تحرر فكرة السرد الروائي من «المطولات» التي أثقلته مؤخراً أعمال تتجاوز 400 أو 500 صفحة دون دواعٍ فنية؟

- لم أكن أقصد حين كتبت سوى التعبير بأقل الكلمات وأحياناً ألجأ لمجرد الإشارات. حالياً أعكف على نوفيلا بطلها شاب لا يتكلم، انطلاقاً من مقولة لبريخت مفادها أن الذي لا يتكلم لديه كلام كثير ليقوله، وهذا الكثير يعبّر عنه بمختلف حواسه، لا سيما العين وليس فقط الإشارات. قبل أن أكتب رواية «أوراق الغريب» دخلت في دورة للصم مدتها أسبوعان، وذلك لأنه ضمن شخصيات هذه الرواية امرأة خرساء. ورغم أن دورها ثانوي في الرواية، لكن كان من المهم فهم شعورها وطريقة تعبيرها بدقة وإلا أصاب النص نقص مخجل، ليس في عدد الصفحات، وهذا ليس مهماً كثيراً، لكن في الفهم... كيف تكتب عن حالة أو شخصية قبل أن تفهمها؟ هذا أمر في غاية الأهمية حسب وجهة نظري.

* تذهب رواية «المموه» إلى «المسكوت عنه» من خلال تجارة المخدرات وترويجها عبر الحانات... هل تعمدت ذلك وكيف ترى محاذير تناول مناطق شائكة في الرواية الخليجية؟

- طريقة تناولي للمواضيع السردية حذرة جداً، لكنه ذلك النوع من الحذر الذي لا يفرط بصياغة المادة الحكائية بقدر ما يكون في التعالي على مطابقتها حرفياً بالواقع. أستفيد من معطيات الواقع الموجودة والمباشرة لكن في حدود مدى خدمتها للعمل أدبياً. لو كنت أرغب في كتابة موضوع اجتماعي لما التجأت إلى الرواية. كنت سأكتب بحثاً حسب منهج علمي به تفاصيل ومسميات صريحة، لكن كتابة الأدب تتقصد أولاً إمتاع القارئ عبر اللغة والتخييل، ولا يمنع الكاتب أن يستفيد من كل معطيات الواقع وتنوعه طالما أن ما يكتبه يدور في فلك التخيل. وطالما أنه لم يستخدم كتابته لأغراض أخرى مثل تصفية الحسابات مثلاً.

*هل خلفيتك كاتبَ قصة قصيرة جعلتك تنحو إلى التكثيف والإيجاز وقلة عدد الشخصيات في أعمالك الروائية؟

- البداية كانت مع القصة وربما قبل ذلك محاولات شعرية بسيطة تحت تأثير قراءات لقصيدة النثر. بدأت الكتابة القصصية في سن مبكرة، نحو 19 عاماً، لكني لم أنشر مجموعتي القصصية الأولى إلا بعد الثلاثين ثم انتظرت 9 سنوات حتى أصدرت المجموعة القصصية الثانية «بركة النسيان». بعد ذاك توالت المجاميع القصصية، وكان ضمنها مجموعة «ساعة زوال» التي فازت بجائزة وطنية مهمة في مسقط، وهي جائزة السلطان قابوس في دورتها الأولى، بالنسبة للرواية فقد اقتحمت ساحتها بشيء من الحذر، بدأت تدريجياً بنوفيلا «خريطة الحالم» التي صدرت عن «دار الجمل»، ثم «درب المسحورة» التي صدرت عن «دار الانتشار»، بعد ذلك كتبت «فراشات الروحاني» وكانت كبيرة نسبياً ومتعددة الأصوات، كتب عنها الناقد المغربي الراحل إبراهيم الحجري دراسة موسعة نُشرت وقتها في مجلة «نزوى».

* بعد صدور مجموعتك القصصية الأولى «اللون البني» 1998 لماذا انتظرت 10 سنوات كاملة حتى تصدر المجموعة الثانية؟

ربما كنتُ مسكوناً أكثر بالقراءة. ورغم أن «اللون البني» لقيت نجاحاً وكُتب عنها بصورة مفرحة فإنني كنت أكتب أيضاً. أتذكر أن مجموعتي الثانية «بركة النسيان» كتبت الجزء الأوفر منها في دكان والدي بمدينة مطرح. كان معي دفتر أنكب عليه للكتابة وقت الظهيرة غالباً على عتبة الدكان حين يقضي أبي قيلولته في مسجد قريب. أحدهم قال لي لاحقاً إنه كان حين يعود من عمله بالسيارة لا يراني إلا منكباً وكان يستغرب. بعد أن أنهيت دراستي ساعدت والدي في دكانه كما كنت أساعده أثناء الإجازات الدراسية إلى أن وجدت عملاً في وزارة التعليم العالي. لذلك يمكن ملاحظة الكثير من الدكاكين في تلك المجموعة القصصية.

لا يخلو أي مجتمع من مفارقات ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص

* حصلت على العديد من الجوائز فضلاً عن الوصول للقوائم القصيرة لجوائز أخرى... كيف تنظر لحضور الجوائز في المشهد الأدبي العربي، وهل تشكل هاجساً ملحاً بالنسبة لك؟

- لم أكتب يوماً لنيل الجوائز، أنا مقتنع أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط، وما عليك سوى العمل. كان أبي (رحمه الله) يقول لي «عليك أن تفتح الدكان صباح أول الناس وتنتظر». وفي هذا دعوة إلى الاستمرارية. بالنسبة للكاتب، عليه أن يقرأ كثيراً وربما أيضاً عليه أن يكتب، أما النشر فيأتي لاحقاً. كذلك الجوائز لا تستجيب بالضرورة لمن يخطط لها.

* أخيراً... ما سر حضور الرواية العمانية بقوة مؤخراً في المشهد الثقافي العربي؟

- ربما بسبب النزوح الجماعي نحو هذا اللون. مرة كتبت مقالاً في موقع «ضفة ثالثة» بعد رحيل عزيزنا القاص والروائي والطبيب عبد العزيز الفارسي، قلت فيه إنه حين كتب أول رواية وصعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» في دورتها الأولى حوّل المشهد من كتابة القصة إلى كتابة الرواية في سلطنة عمان، فاتجه معظم من كان يكتب قصة إلى هذا الفضاء الجديد والمغري. هناك من ظل يراوح مزاولاته بين القصة والرواية وعبد العزيز كان واحداً منهم. وبذلك استطاع الكاتب العماني عموماً أن يساهم وينافس في مسابقات ذات طابع تنافسي عربي، كما حدث مع جوخة الحارثي وبشرى خلفان ومحمد اليحيائي وزهران القاسمي وآخرين في مجالات إبداعية مختلفة.