هل تستطيع روسيا مواصلة تحمل تكلفة حربها على أوكرانيا؟

إسقاط أفدييفكا كلف الكرملين 15 ألف رجل وخسائر باهظة في المعدات

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع الرئيس فلاديمير بوتين (أ.ب)
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع الرئيس فلاديمير بوتين (أ.ب)
TT

هل تستطيع روسيا مواصلة تحمل تكلفة حربها على أوكرانيا؟

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع الرئيس فلاديمير بوتين (أ.ب)
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع الرئيس فلاديمير بوتين (أ.ب)

عادت أخبار الحرب الأوكرانية - الروسية، لتحتل حيزاً مهماً في صدارة الأخبار العالمية، بعد التقدم الميداني الذي أحرزته القوات الروسية على جبهات القتال، في الآونة الأخيرة. ومع توالي سقوط العديد من المدن والبلدات الأوكرانية، بعد سيطرة القوات الروسية على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية، عشية مرور سنتين على بدء ما تصر موسكو على تسميته «عملية خاصة»؛ تصاعدت التحذيرات الأوكرانية من احتمال أن يؤدي تراجعها في ظل استمرار النقص الذي تعانيه في إمداداتها العسكرية والبشرية، إلى إحداث تحول في المواجهة، ستكون له عواقب كبيرة، ليس فقط عليها، بل على القارة الأوروبية برمتها.

جانب من الدمار جراء القصف على مدينة دونيتسك (أ.ب)

بيد أن تكلفة «الإنجازات» التي تحققها القوات الروسية، تطرح أيضاً تساؤلات عن مدى قدرة روسيا على تحمل هذا النوع من التكلفة البشرية والعسكرية، لتحقيق مكاسب صغيرة في ساحات المعركة. وبحسب تقديرات (تختلف باختلاف الطرف الذي يتحدث عنها)، فقد كلفت السيطرة على مدينة أفدييفكا، القوات الروسية خسارة ما يقرب من 15 ألف رجل.

ومنذ بداية الحرب قبل سنتين، أصيب أو قُتل مئات الآلاف من الجنود الأوكرانيين والروس، بمن في ذلك عشرات الآلاف من الروس العام الماضي في معركة السيطرة على مدينة باخموت، شرق أوكرانيا، ومارينكا إلى الجنوب، في يناير (كانون الثاني)، بعد قتال عنيف ومزيد من الخسائر. بيد أن معركة إسقاط أفدييفكا، كانت من بين الأكثر تكلفة. وتشير تقديرات لا يمكن التحقق من صحتها بعد، من محللين عسكريين ومدونين موالين لروسيا ومسؤولين أوكرانيين، إلى أن موسكو فقدت فيها عدداً أكبر من القوات، مقارنة بما خسرته خلال 10 سنوات من الحرب في أفغانستان في الثمانينات. وبحسب الأرقام الروسية عن تلك الحرب، فقد قُتل نحو 15 ألف جندي سوفياتي.

سكان يتلقون مساعدات غذائية وزعتها منظمة خيرية مموّلة من بريطانيا في سلوفيانسك بإقليم دونيتسك أمس (أ.ف.ب)

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن روب لي المحلل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، قوله إنه «على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها روسيا في أفدييفكا، فإنها لا تزال تتمتع بميزة القوة البشرية على طول الجبهة ويمكنها مواصلة الهجمات في اتجاهات متعددة».

وذكرت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء أن قواتها أحرزت مزيداً من التقدم في شرق أوكرانيا بالسيطرة أيضاً على‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬قرية سيفيرني قرب أفدييفكا. وقالت الوزارة في بيان إن القوات الروسية استولت على سيفيرني وتمكنت من «احتلال مواقع ومراكز أفضل من الناحية الاستراتيجية»، وشنت هجمات على تجمعات للقوات الأوكرانية والعتاد العسكري بالقرب من ثلاث مناطق سكنية أخرى.

عنصران من الدفاع المدني يتعاملان مع حريق شب في محطة قطار بمنطقة كوستيانتينيفكا بإقليم دونيتسك الأحد (أ.ب)

وجاء الاستيلاء على أفدييفكا بعد قتال على مدى أشهر، وهو أول مكسب كبير لروسيا منذ السيطرة على مدينة باخموت‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬المدمرة في مايو (أيار) الماضي. وأضافت وزارة الدفاع أن القوات الروسية دمرت أيضاً دبابة من طراز «أبرامز» زودتها بها الولايات المتحدة. وقال مسؤولون روس إنها أول ضربة من نوعها منذ أن بدأت واشنطن في تزويد أوكرانيا بهذه الدبابات في سبتمبر (أيلول) الماضي. وبعد النجاحات الكبيرة التي حققتها أوكرانيا في صد الجيش الروسي في عام 2022، عانت من انتكاسات في الشرق في الآونة الأخيرة؛ إذ شكا جنرالات من نقص الأسلحة والذخيرة. وتسيطر روسيا على نحو خُمس الأراضي الأوكرانية المُعترف بها دولياً. وأكد الجيش الأوكراني الاثنين انسحابه من قرية لاستوشكين بالقرب من أفدييفكا، قائلاً إن هذه الخطوة ستساعده على كبح تقدم القوات الروسية غرباً.

تشكيك في أرقام زيلينسكي

وفي تصريح نادر عن التكلفة البشرية التي دفعتها أوكرانيا من قوتها العسكرية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأحد إن 31 ألف جندي أوكراني قُتلوا، منذ بدء الحرب. وهو ما أثار العديد من الشكوك أيضاً في صحة هذا الرقم، وخصوصاً أن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كانت أشارت نهاية العام الماضي، إلى مقتل ما يزيد على 70 ألف جندي.

ومنذ بداية الغزو، كانت روسيا على استعداد لدفع تكلفة باهظة بشكل خاص للتقدم في منطقة شرق أوكرانيا المعروفة باسم دونباس. ويقول بعض المحللين العسكريين إن السيطرة الكاملة على منطقة دونباس هي الحد الأدنى الذي تحتاجه الحكومة الروسية لتقديم غزو أوكرانيا على أنه انتصار في الداخل. ويضيف هؤلاء أن التكلفة الباهظة للجرحى والقتلى كانت مجرد نتيجة ثانوية لاستراتيجية حققت هدفها إلى حد كبير، على الرغم من خسارة الرجال والعتاد، خاصة مع تضاؤل ​​المساعدات العسكرية الغربية والذخيرة لأوكرانيا، حتى الآن.

شرطي يمر أمام دبابات روسية مدمرة أمام المقر السابق للإدارة الإقليمية لإقليم نيكولايف (د.ب.أ)

وكتب المحلل العسكري الروسي، رسلان بوخوف، الأسبوع الماضي، أن الهجوم على أفدييفكا كان جزءاً من استراتيجية روسية أوسع للضغط على القوات الأوكرانية على طول خط المواجهة البالغ طوله نحو ألف كيلومتر باستخدام الموجات البشرية لإرهاق العدو. ورغم ذلك، قال بوخوف إن «مثل هذه الاستراتيجية مكلفة للغاية بالنسبة للقوات المسلحة الروسية من حيث الخسائر، مما قد يؤدي إلى استنزافها، وهذا بدوره يمكن أن يمنح الجانب الأوكراني زمام المبادرة مرة أخرى».

«وفاة» مدوّن روسي شكك في الحرب

وفي منشور نُشر على تطبيق المراسلة «تلغرام» في 18 فبراير (شباط) الحالي، نقل مدون عسكري روسي مؤيد للحرب عن مصدر عسكري مجهول، زعمه أنه منذ أكتوبر (تشرين الأول)، تكبدت القوات الروسية 16 ألف خسارة بشرية «لا يمكن تعويضها»، بالإضافة إلى 300 مركبة مدرعة في الهجوم على أفدييفكا. وكتب المدون أندريه موروزوف الذي عُثر عليه ميتاً يوم الأربعاء الماضي، أن القوات الأوكرانية تكبدت ما بين 5 و7 آلاف من الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها في المعركة. وأوضح أنه قرر نشر خسائر أفدييفكا لمحاسبة القادة الروس على ما عدّه حملة دموية لا داعي لها. وحذف منشوره بعد يومين، مدعياً في سلسلة من المنشورات اللاحقة أنه تعرض لضغوط للقيام بذلك من قبل القادة العسكريين الروس والدعاية في الكرملين.

وعلى الرغم من خسائرها في أفدييفكا، يتوقع المسؤولون الأميركيون أن تستمر روسيا في الضغط على القوات الأوكرانية عبر أجزاء متعددة من خط المواجهة، على أمل أن تتدهور وحدات كييف. فالهزيمة في ساحة المعركة، إلى جانب انخفاض الروح المعنوية، التي تفاقمت مع فشل الولايات المتحدة في الاستمرار في إمدادها بالذخيرة، قد يمنحان الكرملين الفرصة لاستغلال الوضع على الأرض.

ومع ذلك، قال هؤلاء المسؤولون إن الجيش الروسي ليس لديه نوع من قوات الاحتياط التي يمكنها استغلال الدفاعات الضعيفة التي نتجت عن الانسحاب من أفدييفكا على الفور. وقدرت وكالات الاستخبارات الأميركية أن القيادة العسكرية الروسية كانت تأمل في إنشاء قوة قادرة على تحقيق اختراقات سريعة على الخطوط الأمامية، لكن الخطة تحطمت بسبب الحاجة إلى تعزيز دفاعاتها خلال الهجوم المضاد الأوكراني في العام الماضي.


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب طلب نصيحة بوتين بشأن تسليح أوكرانيا في عام 2017

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال لقاء سابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

تقرير: ترمب طلب نصيحة بوتين بشأن تسليح أوكرانيا في عام 2017

كشف تقرير صحافي أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب طلب نصيحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن تسليح الولايات المتحدة لأوكرانيا في عام 2017.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش (من حسابه في «إكس»)

رئيس البرلمان التركي: لا مفاوضات لحل أزمة أوكرانيا من دون روسيا

أكد رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش ضرورة إدراك أميركا وبعض الدول الأوروبية استحالة نجاح أي مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا من دون روسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة بنيويورك في 25 سبتمبر (أ.ف.ب)

زيلينسكي يستعدّ لطرح «خطة النصر» في اجتماع الحلفاء الأسبوع المقبل

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده ستطرح «خطة النصر» في اجتماع دوري لحلفائها في رامشتاين بألمانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا انفجار في السماء خلال هجوم روسي بطائرة مسيّرة على كييف (رويترز)

إعلانات روسية أوكرانية متبادلة باستهداف بنى تحتية حيوية

كييف تعلن عن هجوم بمسيرات ونشوب حرائق في مستودعات وقود روسية وعن إسقاط 19 طائرة مهاجمة

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (كييف)
يوميات الشرق المراهقة تواجه تهمة القتل غير العمد وهي حالياً قيد الاحتجاز الوقائي (رويترز)

صدمة في الرأس وكدمات ونزيف... مراهقة عائدة من أوكرانيا تضرب جدتها حتى الموت

وُجهت اتهامات لفتاة أوكرانية تبلغ من العمر 14 عاماً انتقلت مؤخراً إلى ولاية فلوريدا الأميركية بصفتها شخصاً بالغاً بعدما ضربت جدتها البالغة من العمر 79 عاماً حتى

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تحريك دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 مراهقين للاشتباه بإعدادهم لهجوم إرهابي إسلاموي

عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)
عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)
TT

تحريك دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 مراهقين للاشتباه بإعدادهم لهجوم إرهابي إسلاموي

عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)
عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

حرك الادعاء العام الألماني دعوى قضائية ضد ثلاثة مراهقين من ولاية شمال الراين-ويستفاليا بتهمة الإعداد لهجوم إرهابي إسلاموي.

وقالت متحدثة باسم محكمة دوسلدورف الإقليمية في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إن المشتبه بهم، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و16عاماً، محتجَزون منذ عيد الفصح، وأمرت المحكمة بتمديد حبسهم الاحتياطي مؤخراً.

وتشتبه السلطات في أن فتاة من دوسلدورف وأخرى من إيزرلون وفتى من ليبشتات ناقشوا خططاً إرهابية عبر تطبيق «تلغرام»، شملت شن هجمات على كنائس أو قاعات المحاكم، أو محطات قطار، أو مراكز شرطة.

وحسب البيانات، أدلى المشتبه بهم بأقوالهم في هذه الاتهامات. ولم تذكر السلطات ما إذا كانوا قد أنكروا الاتهامات أم اعترفوا بها. ووفقاً للمتحدثة، لم تقرر المحكمة بعد ما إذا كانت ستقبل الدعوى، وبالتالي لا يوجد حتى الآن موعد للمحاكمة. وتم فصل القضية المرفوعة ضد مشتبه به رابع من أوستفيلدرن في بادن-فورتمبرغ وإحالتها إلى مكتب المدعي العام في شتوتغارت. وذكرت السلطات في الربيع الماضي أن الخطط تسترشد بآيديولوجية تنظيم «داعش». ووفقاً للدعوى التي حرَّكها مكتب المدعي العام في دوسلدورف، يُشتبه في أن المراهقين أعلنوا استعدادهم لارتكاب جريمة وحضّروا لـ«عمل عنف خطير يُعرِّض الدولة للخطر». وعلمت الشرطة في هاغن في البداية بأمر الفتاة البالغة من العمر 16 عاماً من مدينة إيزرلون، بسبب وجود مؤشرات على أنها أرادت مغادرة البلاد للانضمام إلى تنظيم «داعش» والقتال في صفوفه. ويشتبه في أنها ناقشت هذا الأمر مع الفتاة الأخرى من دوسلدورف. وعند تحليل بيانات هاتفها الخلوي، عثر المحققون على محادثة ثانية نوقشت فيها خطط الهجوم. وحسب مصادر أمنية، لم تكن هناك خطة هجومية محددة بزمان ومكان. وحسب الادعاء العام، فإن أحد المراهقين الثلاثة جمع معلومات عن مراكز الشرطة في دورتموند.

ووفقاً للمصادر الأمنية، ضُبط منجل وخنجر خلال عمليات تفتيش في دوسلدورف. وأشارت المصادر إلى أن والد فتاة دوسلدورف لفت انتباه السلطات من قبل، وحُقِّق معه بوصفه مؤيداً للإرهاب على خلفية جمعه تبرعات لصالح «داعش».