إيرين غرازيوسي تسلط الضوء على ثقافة المؤثرين

«الصورة الجانبية الأخرى»... رواية أميركية عن «إنستغرام» الذي «فقد روحه»

إيرين غرازيوسي
إيرين غرازيوسي
TT
20

إيرين غرازيوسي تسلط الضوء على ثقافة المؤثرين

إيرين غرازيوسي
إيرين غرازيوسي

اعترف، مؤخراً، كيفن سيستروم، مؤسس «إنستغرام»، بأن المنصة التي ساعد في إنشائها «قد فقدت روحها». ولّت الأيام التي كان يتبادل فيها الأصدقاء والعوائل الصور بشغف وحماس شديدين. أما الآن، فيسيطر المؤثرون على زمام الأمور. لا أحد حقيقياً. يقول سيستروم على البودكاست في لقاء مع الصحافية كارا سويشر: «إن الأمر مرعب. إنه هذا السباق إلى القاع لمن يمكن أن يكون الأكثر كمالاً».

والواقع أن مايا، بطلة الرواية الأولى لإيرين غرازيوسي المعنونة «الصورة الأخرى» تعكس هذه الحقيقة بالفعل. إنها تفكر في الملفات الشخصية على «إنستغرام» التي تعكس الطموح أكثر من كونها دليلاً على الطموح، وليس انعكاساً للواقع. إن الصفحة الشخصية لإيرين غرازيوسي تقاوم هذا الاتجاه المتسم بقدر كبير من الابتذال والتفاهة.

مايا طالبة محبطة، تركت كلية الدراسات العليا، وهي تعيش في ميلانو مع صديقها فيليبو، الذي كان أستاذاً في الجامعة التي التحقت بها، وكانت علاقتهما بمثابة مواجهة بالغة الحزن (لمايا، بعد وفاة شقيقتها) وأيضاً لفيليبو اليائس. علاقتهما محكومة بالتناقض. يتمنى فيليبو على مايا أن تفعل أكثر من مجرد تناول الحلوى الملونة ومشاهدة أوليفيا بنسون، وهي تتابع برنامج الجرائم على شاشة التلفاز. ومايا تكره أن فيليبو سحبها بعيداً عن باريس إلى مدينة يحظى فيها بالاحترام، بينما هي غير معروفة.

تحصل مايا في نهاية المطاف على وظيفة — أولاً نادلة، ثم مساعدة لأحد المؤثرين وتُدعى غلوريا، وهي مراهقة تملك الملايين من المتابعين على «إنستغرام». تقول غلوريا: «سأحتاج إلى شخص يمكنه مساعدتي في الانتقال بالمجال العام... من أن أكون طالبة في المدرسة الثانوية إلى شيء آخر». وكجزء من الوظيفة، لا توصي مايا بالكتب فقط، بل تكتب الخطب، والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

الكاتبة غرازيوسي، مؤسسة قناة ثقافية على «يوتيوب» وصاحبة مجلة، هي على وجه الخصوص منسجمة مع لغة الإنترنت. وروايتها، التي ترجمتها لوسي راند من الإيطالية إلى الإنجليزية، تصل إلى ذروتها عندما تسلط مايا الضوء على ثقافة المؤثرين. فالأحداث التي ترعاها، والاجتماعات التجارية، والكليشيهات المبتذلة الغامضة عن حب الذات تعد أساساً لأحكامها القاسية والفكاهة اللاذعة. عالم غلوريا مليء بحالات الاحتيال، ومايا تحب أن تكشفه.

تدخل علاقة الزوجين منطقة خطرة عندما تجد مايا نفسها في البداية مهووسة بغلوريا، ثم غارقة في عالمها الخاص. لا يزال هناك تفويض صادر عن مدير غلوريا بشأن موكلها يطاردني: «لا بد أن تعطيها شخصية»، كما تقول لمايا. وهذه هي الطريقة التي تعمل بها، فهي عبارة عن وعاء فارغ. بينما كانت غلوريا تستخرج المزيد والمزيد من مايا، ظللت أنتظر الرواية لتحقق النجاح في إيحاءات الإثارة النفسية. ولكن المخاطر المترتبة على زيادة الاعتماد المتبادل بين مايا وغلوريا لا تكاد تهدأ. تُقسم غرازيوسي الانتباه بين هذه الرابطة الطفيلية، وعلاقة مايا الفاشلة مع فيليبو، وكيف تنعى مايا شقيقتها إيفا.

يبرز نفاد صبر المؤلفة مع استخدام إيحاءات عديمة المعنى بدلاً من النثر العصبي

تُحاول غرازيوسي ربط هذه الخيوط معاً لإضافة طبقات من التشويق والغموض، ولكن لغتها تكافح من أجل مواكبة متطلبات القصة. هناك اعتماد مفرط على العرض المباشر لنقلنا عبر مختلف المشاهد، مما يقلل من سحر وحدة صوت مايا الساخر في الصفحات الأولى من الرواية، كما أنه يخفف من أي توتر. ويبرز نفاد صبر المؤلفة مع ترك النثر العصبي واستخدام إيحاءات عديمة المعنى مثل: «أحياناً ما يدهشني مقدار التغيير الذي طرأ عليّ، حتى منذ الأسبوع السابق. لا يمكنني أن أقول بالضبط ما هي هذه التغييرات على وجه التحديد».

يكتنف رواية «الصورة الجانبية الأخرى» الغموض وقدر من التخبط، مما يحرمنا من تحديد «الخصوصية» حال إذعانها للعبارات المبتذلة. وفي النهاية، تساءلت عما سيكون مصير فكر مايا، بآرائها المشتتة. كيف يمكن لها أن تشعر عندما تعرف أن حدة علاقتها بغلوريا قد خففت من حدة المشاعر الضبابية نفسها التي سخرت منها ذات مرة. ربما كانت تتغاضى عن الأمر أو بالنظر إلى الطريقة التي يشعر بها كيفن سيستروم الآن تجاه «إنستغرام»، ربما تجد أنه أمر مرعب نوعاً ما.

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

هدى بركات: عنف الحرب الأهلية اللبنانية أعاد تربيتي

ثقافة وفنون هدى بركات

هدى بركات: عنف الحرب الأهلية اللبنانية أعاد تربيتي

لم تتأقلم الكاتبة الروائية هدى بركات مع باريس وغيومها الرمادية وأجوائها الباردة، برغم إقامتها فيها ما يزيد على ثلاثة عقود،

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون مجسم أنثوي من محفوظات متحف قلعة البحرين

وجه أنثوي من قلعة البحرين

تُعد قلعة البحرين من أشهر الحصون التاريخية في الخليج العربي، وتشكّل جزءاً من موقع أثري شُيّد منذ أكثر من 4000 سنة، أُدرج على قائمة التراث العالمي

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون لمى الكناني في دور عزيزة

حكايتا «شارع الأعشى»... مسلسل ينتهي بالدم ورواية بالغناء

اخترت موضوعاً لهذه المقالة جزءاً صغيراً، فعلاً سردياً ربما لم يلفت انتباه كل مشاهدي «شارع الأعشى». جزء مهم لغرض المقالة، ولوجود تشابه بينه وبين عنصر آخر

د. مبارك الخالدي
ثقافة وفنون الإماراتي جمال مطر: محور روايتي يدور حول السلطة ومفهوم العدالة

الإماراتي جمال مطر: محور روايتي يدور حول السلطة ومفهوم العدالة

صدرت حديثاً عن دار النشر الباريسية العريقة «لارماتان»، ترجمة فرنسية لرواية «ربيع الغابة» للكاتب الإماراتي جمال مطر، حملت توقيع المترجمة المغربية وفاء ملاح،

شاكر نوري (دبي)
ثقافة وفنون العُمانية آية السيابي تكتب عن «الحياة في سجنِ النّساء»

العُمانية آية السيابي تكتب عن «الحياة في سجنِ النّساء»

صدرت حديثاً للقاصّةِ والروائيّةِ العُمانية آية السيابي روايةٌ جديدةٌ بعنوان «العنبرُ الخامسُ... الحياة في سجن النّساء»، عن دار «الآن ناشرون وموزعون»، بالأردن.

«الشرق الأوسط» ( الدمام)

جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

جمعة اللامي
جمعة اللامي
TT
20

جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

جمعة اللامي
جمعة اللامي

لم يأتِ رحيل المبدع العراقي جمعة اللامي في السابع عشر من هذا الشهر مفاجئاً لمعارفه ومحبيه. إذ لم تحمل السنوات الأخيرة الراحة له: فقد سكنه المرض، وتلبدت الذاكرة بضغوطه، فضاع كثير من الوهج الذي تميزت به كتاباته. وتجربة جمعة اللامي فريدة؛ لأنه لم يكن يألف الكتابة قبل أن يقضي سنواتٍ عدة سجيناً في عصور مضت. لكنه خرج من هذه أديباً، وصحافياً متميزاً.

ربما لا يعرف القراء أنه شغل مدير تحرير لصحف ومجلات، وكان حريصاً على أن يحرر الصحافة من «تقريرية» الكتابة التي يراها تأملاً بديعاً في التواصل بين الذهن واللغة. خرج من تلك السنوات وهو يكتب الرواية والقصة. وكانت روايته «من قتل حكمت الشامي» فناً في الرواية التي يتآلف فيها المؤلف مع القتيل والقاتل. ومثل هذه المغامرة الروائية المبكرة قادت إلى التندر. فكان الناقد الراحل الدكتور علي عباس علوان يجيب عن تساؤل عنوان الرواية: من قتل حكمت الشامي؟ جمعة اللامي. لكن الرواية كانت خروجاً على الرواية البوليسية وإمعاناً في المزاوجة ما بين ماورائية القص وواقعتيه (ما بعد الكولونيالية). وسكنته روح المغامرة مبكراً. وكان أن كتب مسرحية بعنوان «انهض أيها القرمطي: فهذا يومك»، التي قادته أيضاً إلى محنة أخرى، لولا تدخل بعض معارفه من الأدباء والمفكرين. وجاء إلى القصة القصيرة بطاقة مختلفة جزئياً عن جيله. إذ كان جيل ما بعد الستينات مبتكراً مجدداً باستمرار. وكان أن ظهرت أسماء أدبية أصبحت معروفة بعد حين وهي تبني على ما قدمه جيلان من الكتاب: جيل ذو النون أيوب، وما اختطه من واقعية مبكرة انتعشت كثيراً بكتابات غائب طعمة فرمان، وعيسى مهدي الصقر وشاكر خصباك، وجيل عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي، والذين بنوا عليه وافترقوا عنه كمحمد خضير، وموسى كريدي، وأحمد خلف، وعبد الستار ناصر، وعدد آخر. وكان جمعة اللامي ينتمي إلى هذا الجيل، لكنه استعان بهندسة القصة لتكون بنية أولاً تتلمس فيها الكلمات مساحات ضيقة تنوء تحت وقع أي ثقل لغوي. ولهذا جاءت قصصه القصيرة بمزاوجة غريبة ما بين الألفة والتوحش، يتصادم فيها الاثنان، ويلتقيان في الأثر العام الذي هو مآل القص.

وعندما قرر اللامي التغرب وسكن المنفى، كان يدرك أنه لن يجد راحة البال والجسد. لكنه وجد في الإمارات ورعاية الشيخ زايد حاكم الدولة، وبعده عناية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ما يتيح له أن يستأنف الكتابة في الإبداع الأدبي وكذلك في العمود الصحافي. ولمرحلة ليست قصيرة كان «عموده» الصحافي مثيراً لأنه خروج على المألوف، ومزاوجة ما بين العام والشخصي، اليقظة والحلم، المادية والروحانية. وعندما ينظر المرء إلى مسيرة طويلة من الكد الذهني والجسدي فيها الدراية والعطاء، يقول إن الراحل حقق ذكراً لا تقل عنه شدة انتمائه لمجايليه وأساتذته وصحبه الذين لم يغيبوا لحظة عن خاطره وذهنه، كما لم يغب بلده الذي قيَّده بحب عميق يدركه من ألِفَ المنافي وسكن الغربة.

سيبقى ذكر جمعة اللامي علامة بارزة في أرشيف الذاكرة العراقية والعربية الحيّة.

 كانت روايته «مَن قتل حكمة الشامي؟» خروجاً على الرواية البوليسية وإمعاناً في المزاوجة ما بين ما ورائية القص وواقعتيه (ما بعد الكولونيالية)