بإعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إطلاق مهمة «الحماية البحرية الأوروبية» في البحر الأحمر المسماة «أسبايدس»، وهي كلمة من اللغة اليونانية القديمة تعني «الدرع»، تفجرت الأسئلة بشأن دلالات الخطوة وتوقيتها، والأهم تبعاتها المرتبطة بتعامل الحوثيين مع السفن الأوروبية.
وكتبت فون دير لاين، الاثنين الماضي، على منصة «إكس»، أن أوروبا «ستعمل على حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر بالتنسيق مع شركائها الدوليين». في إشارة الى الولايات المتحدة التي تعمل، منذ شهر ديسمبر (كانون الأول)، بالتعاون مع بريطانيا، على ضمان سلامة السفن في خليج عدن والبحر الأحمر.
وتتشكل المهمة الأوروبية من قطع بحرية تابعة لفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، فيما رفضت إسبانيا المشاركة فيها. ووزعت المسؤوليات كالتالي؛ لليونان قيادة العملية على المستوى الاستراتيجي، ولإيطاليا قيادة القوة على المستوى التكتيكي. واختيرت مدينة لاريسا اليونانية لتكون مقراً للقيادة. وتلخص المهمة 3 كلمات: «المواكبة والمراقبة وربما الحماية».
وثمة فارق رئيسي بين المهمتين الأنغلو أميركية، والأوروبية، إذ إن الثانية تلزم «موقفاً دفاعياً» فقط، بمعنى أنها لن تقوم، كما تفعل الأولى، بتنفيذ ضربات عسكرية بالمسيرات أو بالطائرات القتالية ضد المواقع الحوثية في الداخل اليمني.
وتفيد قواعد الاشتباك الخاصة بها أن المتاح لها هو مراقبة ما يجري، والدفاع عن نفسها وحماية السفن المارة في البحر الأحمر . لكن ليس من المسموح لها إطلاق النار بشكل استباقي، بل في حال تعرضها فقط لهجمات من قبل مسلحين والدفاع عن السفن التي تحميها.
أول الغيث
ما كادت المفوضية الأوروبية تعلن إطلاقها رسمياً حتى باشرت «المهمة» عملها في اليوم التالي (20 فبراير - شباط)، كان أول الغيث أن أسقطت فرقاطتان تابعتان للبحرية الفرنسية «لانغدوك والألزاس» مسيرتين أطلقتا من الأراضي اليمنية، التي يسيطر عليها الحوثيون، وفق ما أعلنته وزارة الدفاع الفرنسية.
ونقطة انطلاق المسيرات الحوثية غالباً ما تكون بمحيط مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر. ومجدداً، أعلنت هيئة الأركان الفرنسية، الخميس، أن فرقاطة متعددة المهام تابعة لها «رصدت نفس النوع من التهديد (السابق)، واشتبكت مع طائرتين مسيّرتين ودمرتهما» ليل الأربعاء ــ الخميس.
وأكدت باريس، في بيان صدر قبل يومين، أن الإجراءات التي تقوم بها قطعها العسكرية «تسهم في الأمن البحري، من قناة السويس إلى مضيق هرمز، وتدعم حماية حرية الملاحة». مضيفة أن العملية العسكرية التي ينفذها الاتحاد الأوروبي لتأمين الشحن التجاري في البحر الأحمر تسعى إلى نفس الهدف.
أهداف وتكلفة
ثمة أسئلة تطرح بالنسبة للمهمة الأوروبية، فمن ناحية، تعدّ مصادر دفاعية أوروبية في باريس أن إطلاقها يعد «أمراً بالغ الأهمية» من زاوية أنه يظهر أن دول الاتحاد الأوروبي «عازمة على تأكيد وجودها في البحر الأحمر وخليج عدن، وأنها حريصة أيضاً على حرية الملاحة في البحر الأحمر، كما في غيره من المضائق والبحار».
إذن، هناك هدفان؛ سياسي وأمني، لمسارعة الأوروبيين للحاق بالمهمة الأنغلو أميركية التي انطلقت نهاية العام الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، تقوم هذه القوات الأميركية البريطانية، إلى جانب حماية السفن التجارية ومواكبتها وإسقاط المسيرات التي تستهدفها، بتوجيه ضربات للمواقع الحوثية بهدف إضعافها وتدمير قواعدها ومسيراتها، وخصوصاً توجيه رسائل رادعة لها.
بالمقابل، فإن الطرف الحوثي الذي يؤكد أن هدفه الأول منع وصول السفن المتجهة إلى إسرائيل تعبيراً عن التضامن مع غزة، لا يبدو «مرتدعاً»، بل العكس هو الصحيح، لأنه أخذ يستهدف القطع البحرية الأميركية والبريطانية، وهو يعتبر أن مصالح البلدين (الولايات المتحدة وبريطانيا) أصبحت «أهدافاً مشروعة» لضرباته.
من هنا، فإن ثمة قناعة تقول إن وصول القطع الأوروبية «لن يغير من واقع الأمور شيئاً»، وأن الهجمات الحوثية سوف تتواصل. وثمة أسئلة تطرح حول قدرة الحوثيين على تحديد مواقع سير السفن وحول كميات المسيرات التي يتصرفون بها وكيفية استخدامها، إذ يبدو أكثر فأكثر أنهم أصبحوا أكثر دقة في استهداف السفن التجارية والقطع البحرية.
والقناعة الغربية تفيد أن إيران هي «المشغل الحقيقي» لجهة توفير المسيرات والتدريب على استخدامها وتوفير الإحداثيات الخاصة بالسفن التجارية والقطع البحرية العسكرية وربما المشاركة في إطلاقها.
يمتد انتداب المهمة الأوروبية لعام واحد يمكن تمديده. والسؤال المطروح في العواصم الأوروبية يتناول ما إذا كان الحوثيون سيعاملون القطع البحرية الأوروبية كما بدأوا بمعاملة القطع البحرية الأميركية والبريطانية لجهة استهدافها مباشرة واستهداف السفن التابعة لبلدان الاتحاد الأوروبي. السؤال مطروح. والإجابة عليه، من طرف الحوثيين، لن تتأخر.