وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس (الثلاثاء) إلى البرازيل، في أول زيارة له إلى هذا البلد منذ توليه منصبه، وتأتي الزيارة بعد أيام من إثارة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا غضب إسرائيل، إثر تشبيهه عمليتها العسكرية في غزة بـ«المحرقة اليهودية»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
ومن المقرر أن يبدأ بلينكن زيارته في برازيليا، ومن ثم يتوجه إلى ريو دي جانيرو لحضور اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، قبل أن يتوقف في الأرجنتين؛ حيث سيلتقي الرئيس الجديد خافيير ميلي.
تعد هذه الزيارة الأولى التي تأتي متأخرة لبلينكن، فرصة لبناء علاقات مع زعيمي الدولتين الأميركيتين اللاتينيتين، كما تمنحه استراحة من رحلاته الصعبة إلى الشرق الأوسط، وإن كانت النزاعات التي تشهدها المنطقة ستتبعه على نحو غير متوقع إلى أميركا اللاتينية، بعد أن دان لولا بشدة ممارسات إسرائيل في غزة، في أعقاب الإعلان عن لقائه مع بلينكن.
وقال الرئيس اليساري المخضرم البالغ 78 عاماً خلال زيارة إلى إثيوبيا لحضور قمة الاتحاد الأفريقي، إن ما يحدث في قطاع غزة «ليس حرباً، إنها إبادة جماعية». وأضاف لولا: «ما يحدث في قطاع غزة مع الشعب الفلسطيني لم يحدث في أي لحظة أخرى في التاريخ. في الواقع لقد حدث: عندما قرر هتلر أن يقتل اليهود».
أثارت هذه المقارنة غضب إسرائيل التي أعلنت أن لولا «شخص غير مرغوب فيه». وقال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إن الرئيس البرازيلي «تجاوز الخط الأحمر».
واستدعى وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس السفير البرازيلي فريدريكو ماير، وفي المقابل استدعت البرازيل سفيرها لدى إسرائيل للتشاور.
وعبرت واشنطن أمس عن رفضها لتصريحات لولا. وقال المتحدث باسم الخارجية ماثيو ميلر للصحافيين: «من الواضح أننا لا نوافق على هذه التصريحات. كنا واضحين جداً لجهة أننا لا نعتقد بحصول إبادة في غزة».
ووصف وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا رد إسرائيل على التعليقات التي أدلى بها الرئيس لولا دا سيلفا بشأن قطاع غزة، بأنه «غير مقبول» و«غير صادق».
وردَّ وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، أمس، على إسرائيل، وقال لـ«رويترز» ووكالة أنباء أخرى خلال قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو: «أن تخاطب وزارة خارجية رئيس دولة من دولة صديقة بهذه الطريقة، هو أمر غير مألوف ومثير للاشمئزاز».
وأضاف: «إنها صفحة مخزية في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية»؛ مشيراً إلى أن إسرائيل تحاول التغطية على ما يحدث في غزة. وقالت البرازيل إنها لا تنوي التراجع عن تصريحات لولا.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، يوم الاثنين، إن إسرائيل «لن تنسى ولن تغفر»، واصفاً تصريحات لولا بأنها «هجوم خطير معادٍ للسامية» وقال إن الرئيس البرازيلي «شخص غير مرغوب فيه في إسرائيل، إلى أن يتراجع عن تصريحاته».
وحصل لولا أمس على دعم من رئيسَي كولومبيا وبوليفيا، وهما دولتان منتقدتان لإسرائيل في أميركا الجنوبية.
وكتب الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو على منصة «إكس»: «في غزة هناك إبادة جماعية، ويتم قتل آلاف من الأطفال والنساء وكبار السن المدنيين بشكل جبان. لولا لم يقل سوى الحقيقة، ويجب الدفاع عن الحقيقة، وإلا فإن البربرية ستقضي علينا».
أما رئيس بوليفيا لويس آرسي، فقد أعرب على «إكس» أيضاً عن تضامنه مع لولا الذي «كان يقول الحقيقة بشأن الإبادة الجماعية التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني الشجاع».
وأضاف: «التاريخ لن يغفر لللامبالين بهذه الهمجية».
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بعد أن شنت «حماس» هجوماً غير مسبوق، أسفر عن مقتل نحو 1160 شخصاً في جنوب إسرائيل، معظمهم من المدنيين، حسب تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وأدت الحملة الانتقامية الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 29 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً لآخر إحصاء صادر عن وزارة الصحة في القطاع الذي تديره «حماس».
والرئيس جو بايدن هو الداعم الرئيسي لإسرائيل، وقد استخدمت واشنطن أمس مجدداً حق النقض ضد دعوة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، على الرغم من أنه يعرب عن قلقه بشأن الضحايا المدنيين، ويضغط على إسرائيل للسماح بدخول مزيد من المساعدات.
Met with President @Isaac_Herzog in Munich on efforts to secure the release of hostages and enable an extended humanitarian pause. I underscored the need to achieve lasting peace in the region, with security for both Israelis and Palestinians. pic.twitter.com/YlnubmEHaZ
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) February 17, 2024
صراحة برازيلية
يأتي اللقاء الذي يتوقع أن يجري في أجواء محرجة مع لولا، بعد آمال ببداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والبرازيل، بعد انتهاء ولاية جايير بولسونارو الذي عرف بصراحته كذلك.
وتأتي أول رحلة يقوم بها بلينكن بوصفه وزيراً للخارجية إلى البرازيل بعد أكثر من 3 سنوات من توليه منصبه، وهي فترة انتظار طويلة على نحو غير عادي قبل زيارة الدولة الأكبر من حيث عدد السكان في نصف الكرة الغربي بعد الولايات المتحدة.
لكن إدارة بايدن لم تكن مهتمة بالتعامل مع سلف لولا، اليميني المتطرف جايير بولسونارو، حليف الرئيس السابق دونالد ترمب الذي سخر من العمل المناخي، ويخضع للتحقيق بتهمة محاولة مزعومة لقلب نتيجة الانتخابات.
لولا الذي شغل منصب الرئيس في الفترة من 2003 إلى 2010، سافر إلى واشنطن والتقى بايدن بعد عودته إلى الحكم مطلع عام 2023.
وجمعت بين السياسيين المخضرمين قضية مشتركة تتمثل في إعطاء الأولوية لتغير المناخ وحقوق العمال والقيم الديمقراطية.
لكن لولا أظهر بالفعل اختلافه مع الولايات المتحدة على الساحة الدولية، من خلال موقفه بشأن أوكرانيا. واتهم أوكرانيا وداعميها الغربيين بتحمل مسؤولية جزئية عن الحرب، وليس فقط روسيا التي غزتها قبل عامين تقريباً.
وسيمثل اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو مناسبة نادرة منذ الحرب، سيكون فيها بلينكن في الغرفة نفسها مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
عقد بلينكن اجتماعه الثنائي الوحيد -وإن كان لفترة وجيزة- مع لافروف منذ بداية الحرب في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية مجموعة العشرين، في نيودلهي في مارس 2023.
لم يتم الإعلان عن أي اجتماع في ريو بينما تتحرك الولايات المتحدة لاتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد روسيا، بعد وفاة أليكسي نافالني، المعارض الرئيسي للرئيس فلاديمير بوتين، في السجن.
وسيتوجه بلينكن بعد ريو إلى الأرجنتين للقاء ميلي الذي تولى منصبه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على أساس برنامج ليبرالي مناهض للمؤسسات.
وميلي الذي يقف على طرفي نقيض مع لولا، هو أحد أبرز الداعمين الدوليين لإسرائيل التي زارها في وقت سابق من هذا الشهر.
ووعد ميلي بنقل سفارة الأرجنتين إلى القدس، وهي خطوة لم تتخذها سوى الولايات المتحدة وأربع دول صغيرة.