كرد سوريا يدرسون اللغة الأم دون اعتراف... وبأجندة سياسية

الكردية تغطي جميع المراحل التعليمية وفريق خبراء يحاول التخلص من «منهج التلقين»

الطالبة مزكين دلو تمسك كتاب الرياضيات بعد ترجمته إلى لغتها الأم الكردية (الشرق الأوسط)
الطالبة مزكين دلو تمسك كتاب الرياضيات بعد ترجمته إلى لغتها الأم الكردية (الشرق الأوسط)
TT

كرد سوريا يدرسون اللغة الأم دون اعتراف... وبأجندة سياسية

الطالبة مزكين دلو تمسك كتاب الرياضيات بعد ترجمته إلى لغتها الأم الكردية (الشرق الأوسط)
الطالبة مزكين دلو تمسك كتاب الرياضيات بعد ترجمته إلى لغتها الأم الكردية (الشرق الأوسط)

على منصة مرتفعة في ساحة إعدادية «شجرة الدر» للبنات في بلدة «الدرباسية» الحدودية مع تركيا، وقفت المديرة «ستيره أيو» لتردد الشعار اليومي بلغتها الكردية الأم: Roj baş (صباح الخير بالعربية)، ومن بعدها تردد الطالبات بصوت عال: Roj baş Mamoste (صباح الخير أستاذة)، إيذاناً ببدء الفصل الثاني من العام الدراسي الحالي.

من بين 1770 مدرسة، تُدرس هذه الإعدادية المنهاج الكردي منذ مطلع 2016 بعدما اعتمدت «الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق» سوريا الكردية بصفتها لغة رسمية إلى جانب العربية والسريانية، وطبقته تدريجياً على جميع المراحل التعليمية في مدن وبلدات الدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية والقحطانية وغيرها من مناطق الغالبية الكردية التابعة لمحافظة الحسكة، إضافة إلى عين العرب «كوباني» ومنبج، الواقعتين بريف حلب الشرقي، وبعض مدارس الرقة، شمال البلاد، التي يرتادها تلاميذ وطلبة من القومية الكردية.

تقول ستيره أيو، التي تشرف على نحو 400 طالبة في «شجرة الدر»، إن الطالبات يتعلمن اليوم ألف باء الكردية ونطقها السليم، ويدرسن العلوم المختلفة بهذه اللغة على نحو لم تكن هي نفسها تتمتع به خلال التسعينات، حينما كانت تتلقى الدروس بغير لغتها الأم.

«كنت أدرس باللغة العربية عند والدي الذي كان مدرساً قبل 3 عقود. كان من المحزن أن أتحدث معه بالعربية في المدرسة، ونعود إلى لغتنا الكردية في المنزل (...) في الحقيقة كنت أواجه صعوبة في فهم الدروس بغير لغتي الأم»، تقول ستيره.

اليوم في إعدادية «شجرة الدر»، تُلقى المحاضرات باللغة الكردية، وبين أيدي الطالبات كتب ومطبوعات بلغتهن الأم. تشعر ستيره بالغبطة وهي تصف مشهداً نادراً بالنسبة لها: «صرنا نتحدث الكردية في كل مكان».

المدرسة بيريفان حسين مدرسة اللغة الكردية تعطي دروسها بلغتها الأم (الشرق الأوسط)

لغة محظورة

على مدى عقود حُرم كرد سوريا، البالغ عدهم نحو مليوني ونصف نسمة، من القراءة والكتابة بلغتهم الأم، وبعد تولي نظام حزب «البعث» الحاكم السلطة بسوريا في سبعينات القرن الماضي بلغت ذروة سياساته العنصرية عندما منع الرئيس الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار الأسد؛ الكرد من التحدث بلغتهم الأم في المدارس والدوائر الحكومية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

مع انسحاب القوات النظامية من أنحاء كثيرة من سوريا بداية عام 2014، توفرت للكرد فرصة لتشكيل إدارات ذاتية في 3 مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية: الجزيرة السورية، عفرين، وعين العرب «كوباني» بريف حلب.

منذ ذلك الوقت، باتت المناهج في هذه المناطق منفصلة تماماً عن التعليم الحكومي في سوريا، إذ اعتمدت اللغة الكردية بشكل كامل في جميع الدروس، فيما يمكن للطالب المتخرج الالتحاق بكليات ومعاهد خاصة بالإدارة، وفقاً لرئيس هيئة التربية والتعليم بمقاطعة الجزيرة مصطفى فرحان.

يقول فرحان لـ«الشرق الأوسط»، إن نحو 1774 مدرسة مؤهلة، من الأول الابتدائي حتى الـ12 الثانوي بفرعيه الأدبي والعلمي، يرتادها 204 آلاف طالب وتلميذ، يدرسون بثلاث لغات رئيسية، وهي لغات سكان وشعوب المنطقة، العربية والكردية والسريانية.

وفصلت «الإدارة الذاتية» عمليتها التربوية في مناطق نفوذها عن وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة السورية، كما حظرت توزيع المناهج الحكومية في المدارس الخاضعة لها، وألفت مناهج جديدة شملت جميع المراحل التعليمية، بما فيها المراحل الجامعية والمعاهد المتوسطة، لكن الشهادة الصادرة من هيئاتها غير معترف بها من قبل وزارة التربية بدمشق. يقول فرحان: «ربطنا حلقات الإعدادية والثانوية بالجامعات والمعاهد التابعة للإدارة، ليتمكن الطلبة من إكمال تعليمهم العالي».

هناك 3 جامعات تابعة للإدارة الذاتية؛ «روج أفا» في القامشلي بريف الحسكة، و«كوباني» في «عين العرب» بريف حلب، وجامعة «الشرق» في الرقة.

مع ذلك، يشدد المسؤول الكردي على أن النظام التعليمي في مناطق الإدارة سيكُمل مستقبلاً النظام التربوي للدولة السورية. يقول فرحان: «الكردية ستصبح جزءاً من النظام التربوي لأنها لغة مكملة للعربية (...) الحركة الكردية بسوريا كانت تسعى منذ عقود للاعتراف الدستوري باللغة الكردية وتعليمها بالمدارس الرسمية».

تلميذات قبل دخولهن الصفوف الدراسية في مدرسة «شجرة الدر»... (الشرق الأوسط)

«حلم تحقق»

في فصل دراسي داخل مدرسة «شجرة الدر» جلست طالبات يرتدين قميصاً فضي اللون، وهو اللون الرسمي المعتمد لطلبة المرحلة الإعدادية؛ أمام كل طالبة كتاب مطبوع باللغة الكردية وكانت المدرّسة «مايا معيشي» المتحدرة من الدرباسية، تقرأ صفحات من منهج التاريخ، وخلال سردها محطات من تاريخ سوريا والشرق الأوسط عموماً، دونت على السبورة عبارات كردية بأحرف لاتينية.

قبل 15 عاماً، كانت «مايا معيشي» طالبة في المدرسة نفسها، وقضت سنوات تعليمها باللغة العربية، وتقول «كان حلماً لكل كردي الوقوف هنا للتعلم بلغتنا الكردية، حتى الأمس القريب كنت أتعلم بالعربية وأعاني الأمرين من طريقة الفهم وأسلوب المدرس لأنها لم تكن لغتنا الأم (...) كان حلماً وتحقق».

في فصل دراسي آخر، زميلة مايا، المدرسة نيرمين، تعطي مادة الرياضيات باللغة الكردية، رغم أنها درست هذه المادة بالعربية. ومنذ 6 سنوات تمكنت أخيراً من استعمال لغتها الأم بحرية.

لم يكن الأمر سهلاً على نيرمين، التي تقول إن تدريس الرياضيات بالكردية يتطلب ترجمة دقيقة للمصطلحات العلمية من العربية واللاتينية.

«التدريس بالكردية تجربة حديثة. كنت أعاني كثيراً في تجهيز المحاضرات، لكن بعد الاستعانة بخبراء اللغة تمكنت من إعطاء المادة بالكردية 100 في المائة».

وعلى ما تقول نيرمين، فإن استخدام الكردية في المناهج خلال السنوات الأولى واجه صعوبات جدية، بسبب قلة المهارات اللغوية وتعدد الأقسام التعليمية والافتقار لمختصين لغويين، لكن الحال تغير بعدما توفر كادر متخصص لجميع المواد والأقسام.

وبدا أن الطالبات في «شجرة الدر» سعيدات بتداول الكردية سواء في الفصول الدراسية أو في مناقشتها مع المدرسات. تقول الطالبة شيلان قادر (13 سنة)، إنها تتعلم بالكردية وتطمح إلى أن تصبح طبيبة، بينما كانت تبتسم وهي تحمل كتاب مادة اللغة الكردية.

«منذ صفوفي الأولى وأنا أحب الكتابة والقراءة بلغتي الكردية، حلمي أن أصبح مدرسة حتى أعلم تلاميذي لغة شعبنا»، تقول طالبة أخرى تدعى ميادة التي تدرس في الصف التاسع، بينما تتحدث زميلتها بالفصل، دلال حسين، عن حبها لمادة الكردية: «لأنها تاريخنا وحضارتنا، وهذه لغتنا الأم التي نحب أن نحافظ عليها».

يستخدم كرد سوريا الأحرف اللاتينية في القراءة والكتابة، بينما تندرج ضمن مجموعة اللغات الهندو – أوروبية في الشرق الأوسط، وضع قواعدها الأمير جلادت بدرخان، حين نشر عام 1932 كتابه المعروف: «الأبجدية الكُردية وأسس القواعد الكُردمانجية»، الذي صدرت طبعته الأولى في دمشق، وما زال يعد مرجعاً لتدريس قواعد اللغة الكردية.

وتعتمد «الإدارة الذاتية» اللهجة الكرمانجية، وهي توازي العربية الفصحى، يتقنها ويفهما جميع الكرد في العالم.

بحسب الإدارة الذاتية، يبلغ الكادر التدريسي في مناطق الجزيرة السورية نحو 17 ألفاً خضعوا لدروات في مؤسسة «اللغة الكردية» التابعة للإدارة، أحد هؤلاء رزكار سليمان محمد، الذي يعمل في إدارة هذه المؤسسة منذ تأسيسها نهاية 2011.

اكتسب رزكار مهارات اللغة في أكاديمية «جلادت بردخان» أكبر جهة كانت تدرس الكردية سراً خلال سنوات حكم نظام «حزب البعث»، وبعد تخرجه في قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق التحق بالكادر التدريسي الكردي لتأسيس «جيل جديد»، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعمل المؤسسة في البحث عن معاني اللغة وتجميع مفرداتها الأصيلة الضائعة، وهي بمثابة قاموس لجميع أبناء الشعب الكردي للعودة إليه عند الحاجة».

ويأمل الخبير الكردي أن تعترف الحكومة السورية بالشهادات الصادرة عن مدارس الإدارة: «لحماية دراسة الطالب الكردي أينما وجد وأينما سافر، هذا مستقبل أبناء البلد ومن حق أي طفل الدراسة بلغته الأم، ونأمل أن تعترف منظمة الأمم المتحدة واليونيسيف بها»؛ خصوصاً بعد أن دخلت الكردية محرك البحث «غوغل».

«مؤسسة المناهج» التابعة للإدارة الذاتية، التي توازي «مديرية الكتب والمطبوعات» بالحكومة السورية، هي من تؤلف وتطبع المناهج المدرسية لجميع المراحل التعليمية، باللغتين الكردية والعربية، وتضم مؤلفين ومختصين بجميع المواد العلمية والأدبية.

هفند إبراهيم هو المسؤول عن هذه المؤسسة، ويحمل إجازة بقسم علم الاجتماع من جامعة دمشق، قبل أن ينضم وآخرون إلى أولى حلقات مؤسسة «رشيد كرد» التي تحولت فيما بعد لنواة مؤسسة «اللغة الكردية» التي انطلقت نهاية 2011 من مدينة عامودا المجاورة لبلدة الدرباسية.

تتحمل هذه المؤسسة عبء تحديث المناهج وتطويرها، ويقول هفند إبراهيم، إنها تخضع للتعديلات بشكل دوري لأنها كلاسيكية وتعتمد على التلقين.

«نعمل على تطوير هذه المناهج عبر إدخال الوسائل والأدوات الحديثة، وتقوية مهارات التفاعل بين الطالب والمدرس (...) خطة التغيير ستستمر حتى عام 2025».

تلميذات داخل صف دراسي يتفاعلن مع درس باللغة الكردية في «شجرة الدر»... (الشرق الأوسط)

أجندة سياسية

ينتقد أكاديميون ومختصون تجربة الإدارة في تدريس اللغة الكردية وأدلجة المناهج وانحيازها لـجهة سياسية، لا سيما نشر صور تمجد شخصيات حزبية ومقاتلين يظهرون بزي عسكري موالين لجهات سياسية، بينما تفتقر المدارس إلى قاعات الدروس الملائمة والمختبرات العلمية والمكتبات المتخصصة.

ورغم الشغف باللغة الكردية، يفضّل قسم من أهالي بلدة الدرباسية، أن يتعلم أبناؤهم في مدارس تعتمد المنهاج الحكومي بدلاً من منهاج الإدارة غير المعترف به، ولهذا الغرض سجلوا قيود أبنائهم بمدارس حكومية في الحسكة أو القامشلي، وافتتحوا دورات خاصة لدى معلمين يعطون الدروس النظامية.

من بين هؤلاء الأهالي سردار (47 سنة)، الذي أرسل جميع أبنائه إلى مدارس الحكومة في الحسكة، ويتلقون دروسهم عبر دورات خصوصية.

يقول سردار: «أنا مع الكردية وكانت حلماً لنا، لكن لا أريد مستقبلاً مجهولاً لأبنائي، فشهادات مدارس الإدارة غير معترف بها (...) الكردية لغة غير رسمية لا في سوريا ولا في أي دولة ثانية».

وترفض هيفي (37 عاماً) هي الأخرى إرسال ابنتيها لمدارس الإدارة بسبب «تدني المستوى التعليمي»، كما تقول: «نحن لا نجيد الكتابة والقراءة بالكردية بشكل سليم، فكيف للمدرس أن يلقن بناتي الكردية».

على مدار عقود اقتصر التدريس الحكومي في سوريا على اللغة العربية بوصفها اللغة الرسمية في البلاد، أضيف إليها لاحقاً في تسعينات القرن الماضي الإنجليزية والفرنسية بوصف كل منهما لغة أجنبية ثانية، ولم تجد اللغات المحلية في البلاد مثل الأرمنية والسريانية والكردية مكانها في المدارس الحكومية، وبينما كانت دور عبادة تدرس الأرمنية والسريانية حُرم الكرد حتى من هذا الامتياز الثانوي.

ولطالما مُنعت اللغة الكردية في سوريا، حتى مع محاولات الحركة السياسية للكرد انتزاع اعتراف دستوري بأحقية تعليمها في المدارس، لا سيما في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية سكانية على أن تكون مفتاحاً لحل قضيتهم العالقة والتعاطي الإيجابي معها.

لكن حداثة تجربة التدريس بالكردية، وصعوبات إدارية تتعلق بالاعتراف الرسمي بالشهادات، إلى جانب تسلل أجندة الأحزاب الكردية إلى مناهج التعليم، ستبقى تحديات تعيق نمو تجربة التعليم بهذه اللغة في منطقة يتحول التنوع فيها إلى بؤرة نزاع ثقافي واجتماعي.


مقالات ذات صلة

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.