استمرار الهدوء بين الفصائل العراقية والولايات المتحدة يمهد الطريق للسوداني لترميم العلاقة مع واشنطن

رئيس الوزراء يريد العودة لاتفاقية «الإطار الاستراتيجي» بين البلدين

من لقاء السوداني وهاريس في ميونيخ بألمانيا (رويترز)
من لقاء السوداني وهاريس في ميونيخ بألمانيا (رويترز)
TT

استمرار الهدوء بين الفصائل العراقية والولايات المتحدة يمهد الطريق للسوداني لترميم العلاقة مع واشنطن

من لقاء السوداني وهاريس في ميونيخ بألمانيا (رويترز)
من لقاء السوداني وهاريس في ميونيخ بألمانيا (رويترز)

للأسبوع الثاني على التوالي، لم تنفذ الفصائل العراقية المسلحة أي هجمات ضد الجنود الأميركيين الموجودين، في القاعدتين العراقيتين: «عين الأسد» غرب العراق، و«حرير» قرب أربيل في إقليم كردستان.

ورغم أن المعلومات التي يجري تداولها بين الأوساط المقربة من تلك الفصائل، تشير إلى أن عملية التهدئة تمت بعد زيارة قام بها إلى بغداد الأسبوع الماضي قائد «فيلق القدس» بـ«الحرس الثوري» الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، فإن مصادر أخرى عليمة، أكدت أن عملية التهدئة تمت بناء على حراك قاده رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، من خلال سلسلة لقاءات مع قادة الخط الأول من القيادات الشيعية ضمن «الإطار التنسيقي».

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (أرشيفية - وكالة الأنباء الرسمية)

المصادر المقربة من أوساط الفصائل وطهران، تميل إلى التأكيد أنه «تمّ الاتفاق على التهدئة بعد إعلان كتائب (حزب الله)، (وهي من أهم الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران)، تعليق عملياتها ضد المصالح الأميركية سواء في العراق أو سوريا، رغم تلقيها ضربة قوية تمثلت بمقتل أحد قيادييها البارزين، أبو باقر الساعدي، في قلب بغداد»، لكن مصادر سياسية أخرى ترى، في سياق ما هو متداول في الأروقة السياسية، أنه لو كانت عملية التهدئة تمت بترتيب من قاآني لكانت شملت فصيلي «النجباء»، و«سيد الشهداء» اللذين كانا أعلنا رفضهما للهدنة التي أعلنتها الكتائب، وأكدا أنهما سيواصلان عملياتهما، وطالبا «الكتائب» بالالتحاق بهما، رغم الإعلان عن «تفهم ظروفها».

عناصر «الحشد الشعبي» العراقي الموالي لإيران يزيلون أنقاض غارة أميركية في القائم على الحدود العراقية - السورية (أرشيفية - أ.ب)

المصادر تؤكد رغم ذلك، أن «التهدئة تمت بعد زيارة لم يعلن عنها، قام بها قاآني إلى بغداد، وأبلغ خلالها تلك الفصائل، أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها، أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية، أو حتى الانتقام المباشر من إيران»... والواضح أن التهدئة سارية المفعول على الجميع، رغم الاعتراضات السالفة الذكر.

وفي سياق مختلف، وطبقاً لمصدر سياسي عراقي تحدّث لـ«الشرق الأوسط» طالباً عدم الإشارة إلى اسمه، فإن «ترتيبات الهدنة تمت بناء على اتخاذ رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني مواقف حادة حيال ما يجري، لا سيما أنه بات يهدد أمن العراق واستقراره، في حال تكررت تلك الضربات». وأشار إلى أن «السوداني أبلغ الجميع بالحاجة إلى التهدئة كي يستطيع مواصلة التفاهم مع الأميركيين في إطار اللجنة العسكرية الثنائية التي بدأت اجتماعاتها منذ نحو أسبوعين للتفاهم على كيفية تنظيم العلاقة بين العراق والتحالف الدولي، وفي المقدمة منه، الوجود العسكري الأميركي في العراق».

قاآني الذي زار بغداد أبلغ الفصائل الموالية لطهران أنه يتعين عليها «أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها، أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية، أو حتى الانتقام المباشر من إيران».

مصادر عراقية

وأوضح المصدر السياسي، أنه «تم التواصل مع الإيرانيين بهذا الشأن عن طريق زعامات شيعية لها علاقة معهم، لمنح الحكومة الفرصة الكاملة للتفاهم مع التحالف الدولي والوجود العسكري الأميركي الذي لا يمكن أن يتم دون مفاوضات يمكن أن تأخذ وقتاً».

 

ويربط المصدر نفسه، «بين جدية السوداني في الانتقال بالعلاقة مع دول التحالف الدولي من المظلة التحالفية العامة، إلى العلاقة الثنائية، وبين رغبة إيران في عدم توسيع الصراع في الوقت الحالي، والتي تلتقي في ذلك مع رغبة الإدارة الأميركية الديمقراطية بعدم التصعيد أيضاً».

 

 

صورة نشرها المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي تظهر السوداني في لقاء سابق مع كبار المسؤولين في القوات المسلحة العراقية والتحالف الدولي (أ.ف.ب)

 

وفي سياق الجهود التي يبذلها للمواءمة بين العلاقة مع واشنطن من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى، تلقى السوداني دعوة جديدة لزيارة واشنطن نقلتها إليه نائبة الرئيس الأميركي كاميلا هاريس في لقائهما على هامش مشاركتهما في منتدى ميونيخ الأمني. وكان تلقى دعوة سابقة للزيارة ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن خلال شهر سبتمبر (أيلول) عام 2023، لكن الزيارة لم تتم من دون معرفة الأسباب... وتأكيد الدعوة على لسان هاريس، أعاد من جديد الإضاءة على العلاقات البينية التي تأثرت بالضربات التي قامت بها الولايات المتحدة والردود الأميركية التي وصفها السوداني بـ«الأعمال العدوانية». غير أن الدعوة، طبقاً للمراقبين السياسيين، تأتي في وقت مهم بالنسبة لرئيس الوزراء، لا سيما بعد تمكنه من تحييد الفصائل عبر هدنة غير معلنة، الأمر الذي يسمح له بإعادة ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة، ودفعها إلى أن تكون ثنائية، وطبقاً لاتفاقية «الإطار الاستراتيجي» الموقعة بين البلدين عام 2008.


مقالات ذات صلة

الإمارات والعراق يؤكدان أهمية إيجاد تسويات سلمية لنزاعات المنطقة

الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ومحمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق (وام)

الإمارات والعراق يؤكدان أهمية إيجاد تسويات سلمية لنزاعات المنطقة

الإمارات والعراق أكدا أهمية إيجاد تسويات سلمية للنزاعات والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ودعم كل ما من شأنه تحقيق الاستقرار والازدهار لشعوبها

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
تحليل إخباري السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)

تحليل إخباري العراق... انكفاء أم خشية من الحدث السوري الجديد؟

رغم تسارع وتيرة الزيارات الدبلوماسية العربية والإقليمية والأجنبية إلى دمشق بعد إطاحة نظام الأسد، خصوصاً في الأيام الأخيرة، ما زالت الحكومة العراقية «مترددة».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يترأس اجتماعاً لقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية في محافظة نينوى (رئاسة الوزراء)

السلطات العراقية تراقب محاولات لتسويق «داعش»

بعد أيام من رفع علم تنظيم «داعش» في إحدى قرى محافظة كركوك شمال بغداد، رصدت القوات الأمنية الاثنين في بغداد عبارات تمجد التنظيم الإرهابي.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عرض عسكري للجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في الموصل مؤخراً (أ.ف.ب)

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

في حين أكدت كتائب «سيد الشهداء»، أحد الفصائل المسلحة المنضوية في «محور المقاومة»، توقف هجماتها ضد إسرائيل، رفض تحالف «الفتح» الذي يقوده هادي العامري حل «الحشد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي المشهداني لدى استقباله السفير السعودي في بغداد (البرلمان العراقي)

المشهداني يدعو إلى تعزيز التعاون بين بغداد والرياض

دعا رئيس البرلمان العراقي الدكتور محمود المشهداني إلى إيلاء التعاون مع المملكة العربية السعودية أهمية قصوى في هذه المرحلة.

حمزة مصطفى (بغداد)

وفود عربية تزور دمشق دعماً لبناء سوريا الجديدة

TT

وفود عربية تزور دمشق دعماً لبناء سوريا الجديدة

القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بصحبة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمّد الخليفي في دمشق 23 ديسمبر 2024 (رويترز)
القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بصحبة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمّد الخليفي في دمشق 23 ديسمبر 2024 (رويترز)

التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، في دمشق، الاثنين، مسؤولين عرباً قدموا تباعاً دعماً للشعب السوري، وناقش معهم الجهود المركزة في الفترة المقبلة، بينهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي يعد أول وزير خارجية عربي يزور دمشق منذ سقوط بشار الأسد. وكذلك كانت مستجدات سوريا محور اتصالات عربية.

وبحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، في اتصال هاتفي، الاثنين، مستجدات الأوضاع على الساحة السورية، اتصالاً بالتطورات السياسية والميدانية الأخيرة، وفق ما جاء في بيان للخارجية المصرية.

وأكد عبد العاطي «أهمية دعم الدولة السورية خلال هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ سوريا الشقيقة، وضرورة احترام سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتمكين مؤسساتها الوطنية من الاضطلاع بدورها، وتبني عملية سياسية شاملة بملكية وقيادة سورية يشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري لاستعادة الاستقرار في أراضي سوريا كافة».

وفد سعودي في دمشق

كان وفد سعودي قد زار دمشق، الأحد، والتقى الشرع، وفق ما قال مصدر مقرّب للحكومة السعودية، الاثنين، لوكالة الصحافة الفرنسية. وأشار المصدر إلى أن المحادثات «ركزت على الوضع في سوريا والقضاء على الكبتاغون وغيرها من الموضوعات».

وكرر الصفدي خلال زيارته دمشق أن بلاده تدعم الشعب السوري في مرحلة انتقالية بعد سنوات من القتل والتشريد والدمار، ليصل إلى مرحلة مستقبلية يكون فيها نظام سياسي جديد يبنيه السوريون، ويحمي حقوق كل السوريين.

تحذير أردني

وحذر الصفدي، في تصريحات نُشرت على «إكس»، من أي اعتداء على سيادة سوريا وأمنها، مشيراً إلى أن التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية هو احتلال جديد يجب أن ينتهي، وإلى ضرورة أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على إسرائيل بألا تعبث بسوريا في هذه المرحلة الانتقالية. وذكّر الصفدي بأن البيان الختامي لاجتماعات العقبة قبل عشرة أيام كان واضحاً بأن الهدف من الاجتماعات هو تنسيق موقف عربي مع المجتمع الدولي من أجل دعم سوريا في بناء المستقبل الذي يكون آمناً مشرقاً لكل السوريين.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق (أ.ف.ب)

كما شدد الصفدي على أن بلاده ستدعم سوريا في الانطلاق لبناء دولة حرة مستقلة منجزة كاملة السيادة لا إرهاب فيها ولا إقصاء، وتلبي طموحات جميع مواطنيها وحقوقهم، معبراً عن استعداد بلاده لمساعدة دمشق في إعادة بناء قدرات المؤسسات الحيوية.

وقال الصفدي إنه اتفق مع أحمد الشرع على التعاون في مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا إلى الأردن، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وعانى الأردن خلال السنوات الماضية بشكل مستمر من عمليات تسلل وتهريب أسلحة ومخدّرات، لا سيّما الكبتاغون، برّاً من سوريا التي شهدت منذ عام 2011 نزاعاً دامياً تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دماراً هائلاً، وأدى إلى نزوح ملايين السكان وتشريدهم داخل البلاد وخارجها.

وفد قطري

كما وصل إلى دمشق، الاثنين، وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمّد الخليفي، على رأس وفد دبلوماسي لإجراء مباحثات مع مسؤولين سوريين، وفق ما أعلن المتحدث باسم الخارجية ماجد الأنصاري بعد 13 عاماً من القطيعة الدبلوماسية. ونشر الأنصاري على «إكس»: «وصل الخليفي إلى دمشق (...) على متن أول طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية تهبط في مطار سوري منذ سقوط نظام بشار الأسد»، مضيفاً أن الوفد سيُجري لقاءات مع مسؤولين سوريين «تجسيداً لموقف قطر الثابت في تقديم كل الدعم للشعب السوري».

وأشار الأنصاري إلى أن هذه اللقاءات تجسد موقف بلاده «الثابت في تقديم كل الدعم للأشقاء في سوريا». وجاء في بيان لوزارة الخارجية القطرية: «تعد هذه الزيارة تأكيداً جديداً على متانة العلاقات الأخوية الوثيقة بين دولة قطر والجمهورية العربية السورية الشقيقة، وحرص قطر التام (...) من أجل النهوض بسوريا والمحافظة على سيادتها». وقال مسؤول قطري لوكالة الصحافة الفرنسية إن فريقاً فنياً للطيران رافق الوفد من أجل «تقييم جاهزية مطار دمشق الدولي لاستئناف الرحلات» بين البلدين. وأكد أن «قطر عرضت تقديم الدعم الفني لاستئناف الرحلات التجارية والشحن، فضلاً عن صيانة المطار خلال المرحلة الانتقالية».

من جانبه قال الشرع إن الدوحة أبدت اهتمامها بالاستثمار في قطاعات من بينها الطاقة في سوريا في المستقبل. وأضاف الشرع أنه دعا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة سوريا.

القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يصافح الوفد القطري في دمشق 23 ديسمبر 2024 (رويترز)

اتصال إماراتي

وفي سياق الاتصالات، أجرى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الاثنين، اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري الجديد أسعد حسن الشيباني، ناقشا خلاله تعزيز العلاقات الثنائية.

وقالت وكالة الأنباء الإماراتية: «ناقش الجانبان سبل تعزيز العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين في المجالات ذات الاهتمام المشترك».

وأضافت أن وزير الخارجية الإماراتي «شدّد خلال الاتصال مع الشيباني على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، كما أكّد موقف دولة الإمارات الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والتنمية والحياة الكريمة، حيث تؤمن دولة الإمارات بأهمية إعادة التفاؤل إلى الشعب السوري الشقيق من أجل مستقبل مزدهر».