هل تذكرون ما كتبته «الشرق الأوسط» من موسكو في الثامن من يونيو (حزيران) 2015 حول لغز اختفاء طالبة جامعة موسكو التي حاولت الهروب للانضمام إلى «داعش»؟ وهل يتذكر قارئ «الشرق الأوسط» ما عادت وكتبته من موسكو حول اهتمام تنظيم داعش الإرهابي بتجنيد أبناء الذوات في 15 يونيو الماضي؟
ورغم أن القصة كانت تبدو انتهت «نهاية سعيدة» بعودة الابنة الضالة إلى أحضان الوطن الذي رأف بها ولم يُبدَ إصرار على تحريك الشق الجنائي لقصة الهروب، بل وتنازلت جامعة موسكو الحكومية عن إصرارها على فصل تلك الفتاة «نتيجة غيابها الطويل من دون عذر مقبول»، فقد اتضح أن للقصة فصولا أخرى، سرعان ما ظهرت تفاصيلها، ولن تكن بخافية عن أجهزة الأمن والمخابرات التي لم تغفل عن سكناتها وحركاتها منذ عادت إلى أرض الوطن!!
بالأمس أعلنت أجهزة الأمن عن تفاصيل الفصول التالية لهذه القصة المثيرة التي لم تنشرها في حينها، بعد إعلان القبض ثانية على الفتاة متلبسة بارتكاب ما يستوجب المساءلة القانونية والمحاكمة في قضايا تصل فيها العقوبة بالسجن إلى ما يزيد على 15 عامًا في اتهامات أخطرها الاتصال بتنظيمات إرهابية وتهديد أمن الوطن.
أعلنت أجهزة الأمن والمخابرات عن أن فارفارا كارؤلوفا طالبة كلية الفلسفة جامعة موسكو التي كانت الأجهزة الأمنية الروسية والتركية أنقذتها من براثن السقوط في شرك «داعش» حين عثرت عليها وأعادتها إلى موسكو، وكانت على مشارف عبور الحدود التركية السورية. وكانت فارفارا وكما أسلفنا استقلت الطائرة من موسكو دون علم ذويها قاصدة إسطنبول ومنها إلى الحدود التركية – السورية مع نفر يقدر بقرابة العشرين من أبناء روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق.
عادت فارفارا باسمها الجديد «أمينة» الذي كانت اختارته لنفسها بعد سقوطها في غرام أحد عملاء «داعش»، وإن ترأفت بذويها ومحبيها بالتنازل عنه للعودة إلى اسمها السابق. إذن عادت فارفارا «بطلة القصة» إلى أرض مصحوبة بوالدها بافيل كارؤلوفا ذي النفوذ الواسع والقدرة الهائلة على تجييش الأجهزة الأمنية المحلية والأجنبية بحثا عن ابنته التي كانت هربت من روسيا بحثا عن «المجهول» بين صفوف «داعش».
لكن هذا الأب ورغم نفوذه الواسع، يبدو أنه لم يستطع أو لم يكن ليستطيع السيطرة على مشاعر ابنته أو توجيهها في الاتجاه السليم بعد مثل هذه التجربة المريرة. فقد اتضح أن فارفارا أو أمينة سرعان ما اختفت عن الأنظار لتختار لنفسها اسما جديدا وهو «ألكسندرا إيفانوفا» وهو اسم شائع ولقب أكثر شيوعا ظنت أنها بهما تستطيع الذوبان في خضم الملايين ممن يحملن هذا الاسم وهذا اللقب. لكن أعين المخابرات والأجهزة الخاصة لم تكن لتغفل عن مثل هذه الألاعيب الساذجة من جانب مثل هذه العناصر التي كانت أعلنتها من أهم الأخطار التي تهدد الأمن القومي الروسي. ولطالما حاول الأب ومن وقف إلى جواره «لتأكيد أن الفتاة كانت مرغمة على السير في طريق لا تعرف منتهاه، وقد كانت تحت تأثير مخدر تناولته قسرا أو طوعا عن غير علم، في محاولة للحيلولة دون وقوعها تحت طائلة القانون الجنائي الروسي وبما يقيها من شرور وتبعات وملاحقات الأجهزة التي لم تكف عن اقتفاء أثرها ومتابعة خطواتها خشية العودة إلى سابق تصرفاتها والاتصال بتنظيم مدرج ضمن قوائم المنظمات الإرهابية المحظورة في روسيا.
ولذا فلم يمض من الزمن سوى بضعة أسابيع حتى رصدت الأجهزة عودة فارفارا أو أمينة أو ألكسندرا وهي أسماء متباينة لنفس الفتاة التي استمرأت السير في طريق الضلال، إلى سابق عهدها حيث سرعان ما تلقفتها شباك عصابات «داعش» التي تغلغلت في الأوساط الشبابية في روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق بحثا عن ضحيا جدد كثيرا ما تختارهم من «أبناء الذوات» أصحاب المواهب المتميزة سواء في العلوم أو اللغات أو من أصحاب المواهب التخريبية والإرهابية للزج بهم إلى «أتون الحرب».
قالت المصادر الأمنية إن «ألكسندرا إيفانوفا» عادت إلى عهدها السابق رغم أنها كانت تخلت عن الحجاب واختارت لنفسها اسما جديدا. وأضافت أنها سرعان ما وجدت «حبيب القلب» في شخص كلاوس الذي هو في حقيقة الأمر «إيرات» ابن قازان عاصمة تاتارستان وهو أحد مقاتلي «داعش» ممن يتزعمون حملات تجنيد الشباب من روسيا وآسيا الوسطى والبلدان السوفياتية السابقة. قالت إنها راحت تتواصل معه عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما لم يكن بخافٍ عن أجهزة المخابرات التي حرصت على متابعة كل خطواتها في حلها وترحالها منذ سلمتها الأجهزة الأمنية الروسية في نهاية يونيو الماضي لتكون في كنف والدها الذي تعهد بتقويمها ومتابعتها.
ولعله من اللافت أن يجيء الإعلان عن القبض «ثانية» على طالبة جامعة موسكو فارفارا كارؤلوفا في نفس توقيت انعقاد الجلسة الطارئة لرؤساء أجهزة الأمن والمخابرات لروسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق في موسكو ولقائهم مع الرئيس فلاديمير بوتين أول من أمس. وكان الموضوع الرئيسي الذي تصدر جدول أعمال الاجتماع وكذلك اللقاء مع الرئيس الروسي، هو ضرورة التصدي لحملات «داعش» الرامية إلى تجنيد الشباب للانضمام إلى صفوف هذه الفصائل الإرهابية، فضلا عن التأكيد على اهتمام الأجهزة الأمنية بالحيلولة دون عودة العناصر التي كانت رحلت عن الوطن للانضمام إلى هذه التنظيمات الإرهابية ويتراوح عددها بين الخمسة والثمانية آلاف ممن تخشى موسكو وغيرها من العواصم السوفياتية السابقة مما يمكن أن يقترفوه من آثام وجرائم وهو ما حذر منه الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة.
وفي هذا الصدد، نشير كذلك إلى ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية من العثور خلال الأيام القليلة الماضية على عدد من الأوكار التي كان الإرهابيون لجأوا إليها في أطراف العاصمة استعدادا للقيام بعدد من العمليات التخريبية في وسائل النقل العام.
وقالت المصادر الأمنية إن حملة واسعة النطاق تتواصل اليوم في داغستان في شمال القوقاز لتمشيط الجمهورية بعد أن اعتقلت عددا من قيادات الفصائل الإرهابية ومنها نشطاء «حزب التحرير الإسلامي» الذي كان قادته أقسموا يمين الولاء لأبي بكر البغدادي زعيم «داعش»، وأعلنوا عن عزمهم على التواصل معه وتنفيذ ما يصدر عنه من مهام أو تعليمات.
قصة اعتقال طالبة جامعة موسكو.. ونشطاء في داغستان يقسمون بالولاء لزعيم «داعش»
«أمينة» تخلع الحجاب لتتواصل سرًا مع مبعوثي «داعش».. وأجهزة الأمن الروسية تراقب
قصة اعتقال طالبة جامعة موسكو.. ونشطاء في داغستان يقسمون بالولاء لزعيم «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة