لماذا يُقبل المصريون على «الفضة»؟

سبائك من الفضة (رويترز)
سبائك من الفضة (رويترز)
TT

لماذا يُقبل المصريون على «الفضة»؟

سبائك من الفضة (رويترز)
سبائك من الفضة (رويترز)

بمجرد أن تحصلت الأربعينية «إيمان» (مدرسة)، على مبلغ مالي قيمته 30 ألف جنيه، نصيبها في «جمعية» كانت قد اشتركت فيها مع زملائها في المدرسة (وسيلة ادخار جماعية)، فكرت في شراء جنيهات ذهبية، غير أنها فوجئت بأن المبلغ الذي اقتطعته من راتبها على مدار شهور بات لا يشتري سوى جنيه واحد من الذهب، غير أن صديقة لها نصحتها بشراء «سبائك الفضة» للتحوط من انخفاض قيمة الجنيه وتذبذب أسعار الذهب في مصر.

وقالت إيمان لـ«الشرق الأوسط»: «قمت بشراء ثلاث سبائك من الفضة بمقدار 750 غراماً في نوفمبر الماضي (تشرين الثاني) بقيمة 29 ألف جنيه»، ومع ارتفاع المعدن «المنسي» باتت قيمتها الآن أكثر من 33 ألف جنيه.

يبدو أن الفضة أصبحت تشارك الذهب في كونها ملاذاً للمصريين لتفادي انخفاض قيمة الجنيه وسط توقعات مرتقبة بمزيد من التخفيض.

ويشير تقرير نشرته وكالة «رويترز»، قبل يومين، إلى إقبال المصريين على شراء معدن الفضة بديلاً للذهب الذي شهد ارتفاعاً في الأسعار وصفه مراقبون بـ«غير الواقعي»، وأضاف التقرير أن ثمة اتجاهاً بين المصريين لتحويل الأموال الورقية (بعد انخفاض قيمة الجنيه لأكثر من النصف منذ الربع الأول في 2022) إلى قيمة استثمارية بشراء الذهب والعملات الأجنبية والعقارات، غير أن أصحاب الأموال المحدودة نسبياً وجدوا في الفضة سبيلاً للتحوط.

عزا جورج ميشيل، نقيب الجواهرجية في مصر، الإقبال على شراء الفضة، إلى حالة «الفوضى» التي تعم سوق الذهب بالتوازي مع انخفاض قيمة العملة الورقية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حالة الإقبال طالت السبائك الفضية، وليس المشغولات، لأن قيمتها تناسب صغار المستثمرين، وفي الوقت عينه ترتفع القيمة بشكل تصاعدي تزامناً مع ارتفاع الذهب والفضة عالمياً، من ثم الفضة باتت ملاذاً آمناً للاستثمار في مبالغ مالية محدودة». وأردف: «الاتجاه للفضة ليس ظاهرةً حديثةً، منذ قرابة عام شهدت سوق الفضة رواجاً ملحوظاً ربما لا يذيع صيته على شاكلة الذهب».

وشهدت أسعار الفضة ارتفاعاً مشهوداً على مدار العام الماضي، بعدما وصل سعر غرام الفضة النقية عيار 999 إلى 46.27 جنيه، بزيادة ضعفين مقارنة بسعر الغرام في مطلع عام 2023، الذي سجل 18.68 جنيه. وعلق ميشيل بالقول: «ظل قطاع الفضة مهملاً لفترة طويلة، ظناً بأنه لا مجال للاستثمار فيه، لكن على مدار العام الماضي شهدت السبائك حركة بيع وشراء على خلفية ارتفاع السعر العالمي». فيما عدَّ نقيب الجواهرجية هذه الحالة بمثابة حراك للسوق رغم تراجع الإقبال على المشغولات.

ويعدُّ محمد فوزي، تاجر فضة يمتلك عدة محال في القاهرة، خصوصاً في منطقة الحسين وخان الخليلي الشهيرة بصناعة الفضة، أن الغلاء وانخفاض قيمة الجنيه أعادا للفضة قيمتها، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل سنوات قريبة كانت صناعة الفضة تتهاوى على نحو دفع ببعض التجار خارج السوق، غير أن التبعات الاقتصادية لانخفاض قيمة الجنيه وتذبذب سوق الذهب وجها الأنظار نحو الاستثمار في سبائك الفضة».

وعن ثقة المصريين في الفضة، قال فوزي: «صحيح أننا نتحدث عن سوق تنتعش وسلوك استثماري يتطور بهدف التكيف، غير أن المصريين ما زالوا عالقين بالمعدن الأصفر». وهنا تؤيد «سارة»، شابة عشرينية كانت تشتري مشغولات الفضة من متجر فوزي وتقول «أعشق الفضة كمشغولات، غير أنني أفضل الاستثمار في الذهب، لأن معدلات الارتفاع سريعة ومضمونة، ولم أفكر من قبل في بيع الفضة».

وشهدت سوق الذهب في مصر ارتفاعات قياسية لسعر الغرام على مدار العام الماضي إلى حد حذرت منه شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، وأشارت إلى أن أسعار السوق تشهد تلاعباً بأسعار «غير حقيقية»، غير أن هذا لم يؤثر على إقبال المصريين على شراء الذهب بغرض التحوط. وحسب التقرير السنوي لمجلس الذهب العالمي، ارتفع الطلب على العملات والسبائك الذهبية في مصر 57.8 في المائة بين عامي 2022 و2023، حسب «رويترز». فيما شهد سعر غرام الذهب قفزات غير مسبوقة تسببت في إيقاف التداول أكثر من مرة على مدار الفترة السابقة. ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022 سجل الجنيه الذهب حوالي 11 ألف جنيه، بينما وصل سعره اليوم قرابة 30 ألف جنيه.

وعن توقعاته لمستقبل سوق الفضة وتصدره كخيار للاستثمار، قال نقيب الجواهرجية: «في المرحلة المقبلة ستدخل الفضة منافساً في السوق المصرية، لا سيما وأن ارتفاع الفضة يسير جنباً إلى جنب مع الذهب، من ثم ستمتد الثقة في المعدن الأصفر إلى (ذهب الفقراء)». وأشار: «ما يميز الفضة كسبيل للاستثمار هو أنه معدن يدخل في صناعات عدة مثل الأدوية والطاقة الشمسية وصناعة السيارات».

تشهد مصر موجة غلاء في أسعار السلع، على الرغم من أن بيانات البنك المركزي المصري أشارت إلى تراجع التضخم. وأعلن «المركزي»، الخميس الماضي، انخفاض معدل التضخم الأساسي في مصر إلى 29 في المائة على أساس سنوي في يناير (كانون الثاني) مقارنة بـ34.2 في المائة في ديسمبر (كانون الأول).

فيما شهد سعر الدولار الرسمي استقراراً (الدولار سجل 30.9 جنيه) وسط تأرجح في السوق الموازية عقب الحديث عن قرب التوصل لاتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد بالتوازي مع استثمارات مرتقبة في مناطق سياحية مصرية.


مقالات ذات صلة

الذهب يستقر قبيل بيانات أميركية حاسمة

الاقتصاد سبائك ذهبية في متجر بلندن (رويترز)

الذهب يستقر قبيل بيانات أميركية حاسمة

استقرت أسعار الذهب يوم الجمعة، إذ عوّض ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية تأثير تراجع الدولار، بينما يترقب المستثمرون بيانات تضخم محورية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إنتاج سبائك الذهب في مصنع معالجة في منجم فارفارينسكوي للذهب في كازاخستان (رويترز)

تراجع الذهب مع توخّي المستثمرين الحذر قبل اجتماع «الفيدرالي»

انخفض سعر الذهب يوم الخميس مع إقبال المستثمرين على جني الأرباح، وتوخّيهم الحذر قبل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أساور وقلادات ذهبية معروضة للبيع في محل ذهب في البازار الكبير في إسطنبول (أ.ف.ب)

الذهب مستقر بانتظار بيانات أميركية حاسمة بحثاً عن إشارات خفض الفائدة

استقرت أسعار الذهب، يوم الأربعاء، حيث أبقى انتعاش أسواق الأسهم وثبات عوائد سندات الخزانة الضغط على المعدن الأصفر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق واجهة «بارتريدج جويلرز»... (موقع المتجر)

توجيه تهمة السرقة إلى رجل «ابتلع» قلادة في متجر للمجوهرات بنيوزيلندا

وُجّهت إلى رجل في نيوزيلندا تهمة السرقة بعد أن زُعم أنه ابتلع قلادة من نوع «فابرجيه جيمس بوند أوكتوبوسي» تقدَّر قيمتها بأكثر من 19200 دولار أميركي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار البنك المركزي التركي عند مدخل مقره في أنقرة (رويترز)

«المركزي التركي» يعلن تسهيل لوائح متطلبات الاحتياطي الأجنبي

أعلن البنك المركزي التركي، الثلاثاء، عن قراره باتخاذ خطوات لتسهيل لوائح متطلبات الاحتياطي ومراجعة نسب المتطلبات المتعلقة بالنقد الأجنبي.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
TT

مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)

دعت مصر وقطر، السبت، إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها في قطاع غزة.

وخلال لقاء عقده رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، على هامش انعقاد «منتدى الدوحة»، في العاصمة القطرية، السبت، أكد المسئولان أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي خروقات، إلى جانب التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها.

كما شدد الوزيران على أهمية ضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

وفي كلمته خلال افتتاح «منتدى الدوحة»، أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن اتفاق غزة لم يطبَّق بالكامل، مشيراً إلى استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية.

وقال آل ثاني إن التحديات التي تشهدها المنطقة ليست معزولة عمَّا يشهده العالم من تراجع احترام القانون الدولي.

وأضاف أن «العدالة باتت في كثير من الأحوال غائبة عن مسار القانون الدولي»، مشيراً إلى أن الحلول العادلة وحدها هي التي تصنع السلام المستدام في العالم.

ولفت إلى أن «العالم لا يحتاج إلى مزيد من الوعود، بل يحتاج إلى عادلة تترجم الأقوال إلى أفعال»، مؤكداً أن «غياب المساءلة أحد أخطر مظاهر الاختلال في النظام الدولي الحالي».

وفي حديثه عن الوساطة، شدد على أنها ليست رفاهية سياسية، بل منهج راسخ لدولة قطر، معرباً عن إيمان الدوحة بأن العدالة ليست غاية سياسية فحسب، بل ركيزة أساسية لصون القانون الدولي.

معبر رفح وتهجير الفلسطينيين

وخلال مشاركته في جلسة بعنوان «محاسبة غزة: إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، التزام بلاده بمواصلة جهودها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتثبيت وقف إطلاق النار، ودعم مسار يُفضي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية قائمة على مرجعيات الشرعية الدولية، وبما يحقق الأمن والاستقرار ويحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وقال عبد العاطي إن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظَّم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام». وأوضح أن هذه المرحلة تتطلب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ودون عوائق، والبدء في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، بما يخفف من حدة المعاناة ويعيد الأمل لسكان القطاع.

وشدد الوزير عبد العاطي على أن معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، وأن المشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في خمسة معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها.

ولفت إلى أن خطة الرئيس ترمب تنص على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع.

وبعد لقاء بين وزيري خارجية قطر ومصر على هامش «حوار الدوحة»، ذكر المتحدث باسم الخارجية المصرية تميم خلاف، في بيان صحافي، أن الوزير عبد العاطي أكد الحرص على مواصلة التنسيق الوثيق مع دولة قطر في مختلف القضايا الإقليمية، والبناء على العلاقات الثنائية المتنامية بما يخدم مصالح الشعبين ويدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وانطلقت في العاصمة القطرية، النسخة الـ23 لـ«منتدى الدوحة 2025» بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين وحضور رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم. وتقام جلسات المنتدى تحت شعار: «ترسيخ العدالة... من الوعود إلى الواقع الملموس».

اتفاق غزة لم يطبَّق

وخلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري إنه لا يمكن اعتبار أن «هناك وقفاً كاملاً لإطلاق النار في غزة إلا بانسحاب إسرائيل من القطاع»، مؤكداً «استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية».

ولفت إلى أن الجهود التي بُذلت للتوصل إلى وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مطلوبة لمرحلتي الاستقرار وتأسيس دولة فلسطين، قائلاً: «نحن في مرحلة مفصلية ولم يطبَّق الاتفاق بشأن غزة فيها بالكامل».

وأضاف أن بلاده تؤمن بأن لديها دوراً في استقرار المنطقة والعالم، وتطمح لحل النزاعات بالوساطة.

فوارق الوساطة

أوضح رئيس الوزراء القطري أنه لا يمكن مقارنة جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وأفغانستان بالوساطة بين إسرائيل وحركة «حماس»، مبيناً أن التحدي في جهود الوساطة الأخيرة يتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية بصفتها أحد الوسطاء، كانت تتحدث فقط مع طرف واحد وهو الطرف الإسرائيلي، غير أنها بدأت بعد ذلك الانخراط بالتحدث إلى الجانبين، وهو ما ساعد على إحداث اختراق في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقال: «لكننا لا نعدّه وقفاً كاملاً لإطلاق النار، إلا إذا انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل وتحقق الاستقرار في القطاع، وأصبح بإمكان الناس الدخول والخروج دون عوائق على أرض الواقع».

ونبه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري إلى أن الصراع لا ينحصر في قطاع غزة وحده بل يمتد ليشمل الضفة الغربية، وتطلعات الشعب الفلسطيني لبناء دولته، معرباً عن أمله في تعاون الحكومة الإسرائيلية على تحقيق ذلك.

وحذر الوزير القطري من عودة التطرف في غياب المحاسبة، وقال: «ما لمسناه وجرَّبناه على مر العامين الماضيين، هو أنه في حال غياب المحاسبة وفي حال غياب الإنفاذ، فإن الأمور ستبقى على حالها، وسوف نبقى رهائن في أيدي المتطرفين، وهذا ما نريد أن نتفاداه، وقد شهدنا ولاحظنا أن الجهود التي بذلناها جميعاً لكي نتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار كانت ضرورية ومطلوبة أيضاً للمرحلة الثانية، لإرساء الاستقرار، بينما تكون المرحلة الثالثة هي تأسيس الدولة الفلسطينية».

وحذر من أنه «في حال تمكنت هذه الأجندة المتطرفة من أن تكون لها الغلبة على جهودنا الجماعية في المجتمع الدولي فعلى الجميع أن يقر بأن هناك خطأ ما في الهيكلية أو البنية التي نعمل معها»، معرباً عن اعتقاده بأن الدور الأميركي هو دور رئيسي في هذا السياق، لأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الإنفاذ لكي تضع هذا الحل على المسار الصحيح.

ودعا في إجابة عن سؤال، إلى البناء على المصالح المشتركة لأطراف النزاع كأساس لأي مفاوضات لإرساء السلام والاستقرار، مع أهمية الدبلوماسية الاقتصادية في هذا السياق، لإحداث الازدهار والرخاء الاقتصادي أيضاً.


خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
TT

خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)

ركَّزت الجلسة الحوارية الرئيسية التي شهدها اليوم الأول من «منتدى الدوحة» على تطورات جهود حلّ الأزمة اليمنية، وبحث أبرز التحديات التي تعيق الوساطة وتقوِّض عملية السلام. وعدّ متحدثون في الجلسة الحوارية أن اليمن أمام مفترق طرق بين معوقات سياسية في ظل إعادة تشكيل الإقليم.

وحملت الجلسة الحوارية، التي عُقدت يوم السبت، عنوان: «الوساطة في النزاعات وبناء السلام والقانون الدولي والمساءلة». وشهدت مشاركة الدكتور شائع محسن الزنداني وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، وهانس غروندبرغ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والدكتور عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، وماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات.

تحدث المشاركون خلال الجلسة، عن أبرز المعوقات التي تواجه الملف اليمني اليوم، والذي يشهد تحولات هائلة، وتحديداً بعد حرب غزة الأخيرة، مشددين على أن التعاطي مع اليمن يحتاج لتفكير عميق، وليس الاكتفاء بالتعاطي مع الأحداث الآنية ووليدة اللحظة.

العملية السياسية

أكد المتحدثون أهمية إيجاد الحل السياسي لإنهاء الصراع اليمني، والذي يحتاج لوقف عملية إطلاق النار، ليتم بدء العملية السياسية التي يبدأ الأطراف خلالها بمناقشة كيفية معالجة هذه الصراعات وصولاً إلى حل دائم.

وأوضحوا أن معالجة أبعاد الصراع في اليمن تستدعي مقاربة سياسية شاملة، تبدأ بإرادة حقيقية لدى الأطراف للوصول إلى تسوية دائمة، لافتين إلى أن أي عملية سياسية ذات جدوى لا بد أن تُبنى على حوار شامل يضم مختلف القوى الفاعلة، بما في ذلك المكونات السياسية والاجتماعية والمعارضة الداخلية؛ لضمان تمثيل واسع يرسّخ شرعية أي اتفاق مستقبلي.

وأشاروا إلى أن استمرار غياب الحل السياسي يعني استمرار دوامة الصعوبات والتوترات، ما يجعل الحاجة ملحة لخطوات عملية تعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض.

وتطرقوا إلى أبرز الأبعاد الاقتصادية للصراع، التي أصبحت جزءاً أساسياً من ملف الحل، مبينين أن معالجتها تتطلب توافقاً حول برامج إنعاش اقتصادي وإصلاحات عاجلة تسهم في تخفيف المعاناة وتحسين الاستقرار.

الشراكة والتعقيدات

شدد الخبراء على أن إنجاح العملية السياسية يستوجب إشراك مجموعة واسعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتقديم الدعم للمشاركين بما يمكّنهم من تجاوز الخلافات وبناء أرضية مشتركة.

ولفتوا إلى أن أي حل مستدام ينقذ مستقبل اليمن لن يتحقق ما لم تؤخذ بالاعتبار تعقيدات المشهد اليمني وتوازنات القوى ومعارضة بعض المجموعات، وهو ما يتطلب جهداً منظماً وإرادة سياسية صادقة.

وخلال الجلسة، استعرض المشاركون عدداً من الأحداث والحقبات والمراحل الزمنية التي مرت على اليمن، مؤكدين أن هناك تعقيدات وتحديات تحتاج إلى تفكير عميق للولوج إلى حل سياسي يعيد البناء من جديد.


انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
TT

انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)

أكدت مصر رفض «تهجير الفلسطينيين» من خلال معبر رفح، وذلك بعد ساعات من موقف مماثل عبَّرت عنه دول عربية وإسلامية رفضت «التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر». وبينما تناولت مشاورات بـ«منتدى الدوحة»، السبت، «ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودخول المرحلة الثانية من الاتفاق». توافقت قطر ومصر على سرعة تشكيل «قوة الاستقرار الدولية».

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي خلال «منتدى الدوحة»، السبت، إن «معبر رفح لن يكون بوابةً لتهجير الفلسطينيين، بل فقط لإغراق غزة بالمساعدات الإنسانية والطبية».

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه في الشهر ذاته، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إنه على «حماس» الالتزام بإعادة الرهائن جميعاً، الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعربت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، مساء الجمعة، عن بالغ القلق إزاء التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

وشدَّد وزراء خارجية الدول الـ8، في بيان، على «الرفض التام لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

وأكدوا «ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما تضمَّنته من فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرية حركة السكان، وعدم إجبار أي من أبناء القطاع على المغادرة، بل تهيئة الظروف المناسبة لهم للبقاء على أرضهم، والمشاركة في بناء وطنهم، ضمن رؤية متكاملة لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاعهم الإنسانية».

وشكَّل معبر رفح بُعداً جديداً للتوتر بين مصر وإسرائيل، بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء الماضي، «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيُفتَح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت «هيئة الاستعلامات المصرية» عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين، للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي للسلام».

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أخيراً، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير، المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسراً أو طوعاً فهو خط أحمر بالنسبة لمصر».

بدر عبد العاطي خلال جلسة «إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام في غزة» على هامش «منتدى الدوحة» (الخارجية المصرية)

وشارك وزير الخارجية المصري، السبت، في جلسة بعنوان «محاسبة غزة... إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، على هامش «منتدى الدوحة»، مشيراً إلى أن «معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، والمشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في 5 معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها».

ولفت إلى أن خطة الرئيس الأميركي تنص «على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع»، مؤكداً أن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام».

وفيما يتعلق بـ«قوة الاستقرار الدولية»، دعا عبد العاطي إلى نشر «قوة استقرار دولية على الخط الأصفر في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن على الأرض، لأن أحد الأطراف، وهو إسرائيل، ينتهك وقف إطلاق النار يومياً، لذا فنحن بحاجة إلى مراقبين».

وبحسب مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ستُمنح قوة الاستقرار الدولية «جميع التدابير اللازمة» لنزع سلاح غزة، وتأمين الحدود، ودعم شرطة فلسطينية مدربة، وضمان وصول المساعدات، وحماية المدنيين.

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليونَي فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً.

طفل يقف بموقع قُتل فيه فلسطينيون بغارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش «منتدى الدوحة»، التقى عبد العاطي، رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت، وتطرقت المحادثات بينهما إلى «تطورات الأوضاع الميدانية في قطاع غزة»، حيث أكدا «أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع أي خروقات». وشدَّدا على أهمية «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار».

إلى ذلك دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «مرحلة حرجة» بحسب تأكيد الوسيط القطري، وسط خروقات إسرائيلية متكررة والتفاف على بنود خطة الرئيس الأميركي.

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وتحدَّث رئيس الوزراء القطري، السبت، خلال جلسة نقاش ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، عن أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بـ«مرحلة حرجة»، مؤكداً أن «الوسطاء يعملون معاً لدخول المرحلة التالية من وقف إطلاق النار». كما أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال «المنتدى» أيضاً، السبت، أن المفاوضات بشأن قوة إرساء الاستقرار في غزة لا تزال جارية، بما في ذلك بحث تفويضها وقواعد الاشتباك.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، قال: «هناك إدراك من الجميع بأن هناك خطراً يتهدد خطة ترمب في ظل تلكؤ إسرائيلي في تنفيذ المرحلة الثانية مما يجعل هناك ضرورة للتنبيه واستدعاء تحرك دولي عاجل لدعم مسار الاتفاق»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن تتحرك واشنطن لدعم وجهة النظر العربية حالياً، ووقف أي مناورات إسرائيلية دعماً لاستقرار المنطقة.

في حين أكد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استشعاراً عربياً، لا سيما من الوسيطَين مصر وقطر، بخطورة ما يتم في غزة، وإمكانية أن يتطور الأمر لما يهدد الاتفاق واستقرار المنطقة، مشيراً إلى أن المطلوب تحرك أميركي أكبر بمواعيد محددة وليس أقوالاً فقط.

وأوضح أن المرحلة الحرجة تأتي في ظل 3 سياقات مهمة مرتبطة بالاتفاق، أولها بدء ترتيبات تشكيل مجلس السلام، وثانيها الضغط على الإدارة الأميركية للتعجيل بالمرحلة الثانية، وثالثاً وقف أي تقدم إسرائيلي للالتفاف على خطة ترمب بخطط بديلة.

في حين يتوقَّع المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن يتحرك الوسطاء نحو تفاهمات أكبر مع واشنطن، لإنهاء منغصات المرحلة الثانية المرتبطة بتشكيل القوات الدولية وصلاحياتها ونزع سلاح «حماس»، وفق رؤية تُنفَّذ على الأرض وليس كما ترغب إسرائيل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «توصيف الوسطاء المرحلة الحالية بأنها حرجة، يأتي في ظل استشعارٍ بأن إسرائيل تريد العودة للمربع الأول بعد تسلم رهائنها، وعدم الالتزام بالاتفاق ولا بنوده؛ مما يقوِّض مسار خطة ترمب بالكلية».