تعالى تصفيقُ الحاضرين قبل أن تطأ قدما المغربي حسين عموتة، مدرب منتخب الأردن، قاعة المؤتمرات الصحافية، بعد أن قاد منتخب الأردن إلى نهائي بطولة كأس آسيا للمرة الأولى في تاريخه، بعد أن أسقط «الشمشون الكوري»، وخرج بشباك نظيفة أمام خط الهجوم الأقوى في البطولة.
ابتسم عموتة وبدا في خفايا عينيه بريقٌ من الفرحة الكبيرة، لكنه يريد اللحظة المرتقبة، ذهب الكأس الآسيوية، التي باتت على بُعد خطوات منه، حيث المواجهة الحاسمة في «ملعب لوسيل» المونديالي، مساء السبت.
في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان حسين عموتة في واجهة مدفع الانتقادات الإعلامية، كانت قاعة المؤتمرات الصحافية في العاصمة الأردنية، عمان، قبل لقاء الأخضر السعودي في الجولة الثانية من الدور الثاني للتصفيات الآسيوية، تشهد جدلاً كبيراً، انتقادات لا تهدأ. الصحافة الأردنية تهاجم، لا أحد يسأل، الجميع يتحدث بلغة النقد، وكان عموتة يكتم كثيراً من غضبه، لكنه يجادل ويدخل في نقاشات كثيرة مع الصحافيين، وعن اختياراته للأسماء.
كان ذلك الجدل نتيجة عدد من المباريات التي لم ينتصر فيها منتخب الأردن تحت قيادة عموتة، كانت من بينها خسارة كبيرة أمام النرويج بسداسية نظيفة في مواجهة ودية في أغسطس (آب) الماضي، ثم بدأت التصفيات الأولية المؤهلة، وتعادل أمام طاجيكستان بهدف لمثله، ثم خسر أمام الأخضر السعودي بثنائية أربكت مشهد المستقبل للمغربي الخبير عموتة، لكن الثقة واصلت حضورها من الاتحاد الأردني.
خسر منتخب الأردن قبل بداية البطولة بسداسية في ودية اليابان، بدأ كثير من الحديث يحضر عن إقالة ستحدث في حال وجود نتيجة سلبية للمنتخب الأردني في مستهل البطولة، سداسية اليابان أربكت المشهد أيضاً، وقللت من الطموحات الأردنية قبل بدء البطولة.
سجل «نشامى الأردن» بداية مغايرة في البطولة القارية، رباعية كتبت الحياة الرياضية مجدداً لعموتة على وجه الخصوص، رغم حديث البعض عن كون المنتخب الماليزي ليس مقياساً لوضع الرهان في «نشامى الأردن» أو حتى الحديث عن وضعية عموتة مع المنتخب الأردني.
كان الاختبار الحقيقي الأول في البطولة أمام كوريا الجنوبية، تقدم «الشمشون» مبكراً بهدف عن طريق ركلة جزاء، ثم عادل الأردنيون قبل نهاية الشوط الأول وقلبوا النتيجة في غضون دقائق، وقبل صافرة النهاية حضر هدف التعادل لكوريا الجنوبية بهدف عن طريق الخطأ للمنتخب الأردني، الذي ازدادت طموحاته بعد ضمان كبير للتأهل للدور المقبل.
خسر الأردن أمام البحرين في الجولة الأخيرة، ووُجهت الانتقادات لعموتة بعد إراحته للاعبين، وأنه تجنب مواجهة اليابان، لكن المدرب رفض تلك الاتهامات وأشار إلى أنه أبعد اللاعبين المهددين بالإيقاف عن خوض المواجهة؛ تجنباً لخسارتهم في الدور المقبل.
كانت عودة الأردن أشبه بالجنون في مواجهة العراق، التي كان الأخير قريباً فيها للتأهل حتى الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع، حينما سجل يزن العرب هدف التعادل، قبل أن يضيف نزار الرشدان هدف الفوز بعدها بدقيقتين، ويخطف «نشامى الأردن» بطاقة العبور بعد مباراة ماراثونية أثبتت قدرة كتيبة المدرب عموتة.
تجاوز منتخب الأردن طاجيكستان وعبر إلى دور نصف النهائي للمرة الأولى في تاريخه، وحان الوقت المرتقب أمام كوريا الجنوبية، لكنه عموتة أظهر قدرات وإمكانات عالية لمنتخب النشامى الذي خرج بشباك نظيفة، وحدّ من خطورة الهجوم الأقوى في البطولة، إذ لم يسدد المنتخب الكوري أي تسديدة مباشرة على المرمى في مباراة بكأس آسيا، وهو أمر لم يحدث منذ آسيا 2007 بحسب «أوبتا».
أشهر قليلة فصلت عموتة من كونه على واجهة المدفع وبوصلة الانتقادات الإعلامية، إلى بطل صفق له الجميع فور دخوله قاعة المؤتمرات الصحافية، وهو يواجه الجميع بابتسامة كبيرة ويشير لهم بالتحية.
يصف عموتة نفسه بأنه «أسعد مدرب في القارة أو العالم»، موضحاً: «هذا يوم تاريخي لنا، أنا أؤمن بأنه عمل جماعي».
يتحدث موسى التعمري، وهو ينظر للمدرب عموتة الذي يجلس بجواره على طاولة المؤتمرات الصحافية: «أشكر هذا الشخص، لقد حثّنا على بذل مزيد، إنه شخص عظيم»، ثم يربت على كتفه والمدرب يبادل لاعبه التحية، قبل أن يهدي التعمري الفوز لكل مَن ساندهم من الجماهير العربية والمغربية على وجه الخصوص من أجل المدرب عموتة.
في حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول لاعب منتخب الأردن صالح راتب بعد المواجهة الكبيرة أمام كوريا الجنوبية: «عموتة دائماً لديه إيمان بكل لاعب، ودائماً يسعى لتطورنا، بعض الأوقات تكون لعبت مباراة، وتسجل (هاتريك)، وتجده يطالبك ويتحدث معك بأن لديك المستوى الأفضل، وهذا بهدف تطوير المنظومة واللاعبين».
عموتة البالغ من العمر 54 عاماً، يملك مسيرة تحمل كثيراً من التجارب لاعباً ومدرباً، من بينها تجربته مع نادي السد القطري، حينما قاد الفريق للقب الدوري المحلي، وبطولتي الكأس والسوبر، إضافة لبطولة أمم أفريقيا للمحليين مع منتخب المغرب، إضافة إلى دوري أبطال أفريقيا مع الوداد، وكذلك لقب الدوري المغربي.
بدأ عموتة رحلته مع منتخب الأردن في يونيو (حزيران) الماضي، وقادهم لإنجاز لأول مرة لبلوغ نهائي كأس آسيا، وهو أمر لا يمكن أن يتجاهله التاريخ الرياضي لمنتخب «النشامى»، لكن المهمة لدى عموتة لم تنتهِ بعد، فالعودة بالكأس إلى الأردن خطوة ستعني له كثيراً، وستكون هذه البطولة الحلم، من أكبر الألقاب التي حققها بصفته مدرباً.