ميانمار: النزاع الدامي مستمر ولا حلّ في الأفق

في الذكرى الثالثة للانقلاب العسكري ضد الرئيسة المنتخبة أونغ سان سو تشي

متظاهرة تحمل صورة الزعيمة المنتخبة أونغ سان سو تشي خلال احتجاج ضد النظام العسكري خارج مكتب «الأمم المتحدة» في بانكوك (تايلاند) الخميس (رويترز)
متظاهرة تحمل صورة الزعيمة المنتخبة أونغ سان سو تشي خلال احتجاج ضد النظام العسكري خارج مكتب «الأمم المتحدة» في بانكوك (تايلاند) الخميس (رويترز)
TT

ميانمار: النزاع الدامي مستمر ولا حلّ في الأفق

متظاهرة تحمل صورة الزعيمة المنتخبة أونغ سان سو تشي خلال احتجاج ضد النظام العسكري خارج مكتب «الأمم المتحدة» في بانكوك (تايلاند) الخميس (رويترز)
متظاهرة تحمل صورة الزعيمة المنتخبة أونغ سان سو تشي خلال احتجاج ضد النظام العسكري خارج مكتب «الأمم المتحدة» في بانكوك (تايلاند) الخميس (رويترز)

دخلت ميانمار (بورما)، الخميس، عامها الرابع من الصراع المدني الدامي الناجم عن انقلاب الأول من فبراير (شباط) 2021، في وقت تواجه المجموعة العسكرية الحاكمة حركة احتجاجية غير مسبوقة.

في العاصمة الاقتصادية، رانغون، كانت الشوارع هادئة أكثر من العادة، وذلك تلبية لدعوات المعارضة إلى التزام المنازل، للاحتجاج بطريقة «صامتة» على حكم العسكريين، حسبما لاحظ مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت موظفة، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، قررت عدم الخروج من منزلها: «أنا سعيدة لعدم وجود كثير من الناس في الشوارع... هذا دليل على وحدتنا ضدّ الانقلاب».

حركة خفيفة في وسط رانغون خلال «الإضراب الصامت» الخميس (أ.ف.ب)

في الشمال، كانت الشوارع شبه مقفرة في بلدة موغوك، المعروفة بمناجم الياقوت واليشم، وحيث وقعت اشتباكات مؤخراً. وقالت امرأة مقيمة في البلدة: «انتقل بعض السكان إلى مدن أخرى مؤخراً بسبب المعارك. الناس خائفون، لكنهم يريدون دائماً إظهار التضامن».

ومدّدت المجموعة العسكرية الحاكمة، الأربعاء، حال الطوارئ لـ6 أشهر، مرجئة مرة أخرى الانتخابات التي وعدت بتنظيمها منذ الانقلاب. وتحت شعار «مكافحة الإرهابيين»، يلاحق العسكريون في ميانمار الناشطين المؤيدين للعودة إلى الديمقراطية في عدة مناطق من البلاد، فيما تتواصل اشتباكات إثنية مستمرة منذ عدة عقود.

عناصر أمنية في أحد شوارع رانغون خلال «الإضراب الصامت» الذي دعت إليه المعارضة الخميس (أ.ف.ب)

ذكرى «قاتمة»

وأدت الاشتباكات إلى نزوح أكثر من مليوني شخص في جميع أنحاء البلاد منذ الانقلاب، بحسب «الأمم المتحدة». وقُتل أكثر من 4400 شخص في حملة القمع، التي أعقبت الانقلاب، وأوقف نحو 25 ألف آخرين، وفق مرصد محلي.

ودعا الأمين العام لـ«الأمم المتحدة»، أنطونيو غوتيريش، الخميس، إلى وضع حدّ للعنف في بورما، «وفتح مجال إلى الانتقال الديمقراطي مع العودة إلى النظام المدني»، حسبما أفاد الناطق باسمه ستيفان دوجاريك، في بيان. ووصف دوجاريك الذكرى الثالثة للانقلاب بأنها يوم «قاتم».

وأكّد قائد المجلس العسكري البورمي، مين أونغ هلاينغ، الأربعاء، في خطاب بثته شبكة «إم آر تي في» الرسمية، بعد صدور البيان، أن الجيش «سيقوم بكل ما يمكن لإعادة الاستقرار» إلى البلاد، متعهداً زيادة الدعم للميليشيات المدنية التي تدعم العسكريين الممسكين بزمام السلطة.

مؤيدو النظام العسكري ضد الجماعات المعارضة في رانغون الخميس (إ.ب.أ)

وكان العسكريون أعلنوا حال الطوارئ في أعقاب الانقلاب، الذي أطاح الزعيمة المنتخبة أونغ سان سو تشي من السلطة، لتبدأ فترة من القمع استهدف أنصار العودة إلى الديمقراطية.

ولتبرير الانقلاب، تحدّث العسكريون عن مزاعم تزوير معمّم خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، التي حققت فيها «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» بزعامة سو تشي فوزاً كبيراً. وسجن عدد من أعضائها البارزين.

ومنذ ذلك الحين، تم تمديد حالة الطوارئ مرات عدة، في ظل نزاع واسع النطاق في عدد من المناطق بين الجيش ومعارضيه السياسيين والإثنيين.

ثاني أكبر سجن للصحافيين في العالم

منذ انقلاب 2021، يواجه الجيش النظامي صعوبة في القتال ضد عشرات الميليشيات المسلحة، المكونة من ناشطين شباب مؤيدين للديمقراطية اختبأوا في مناطق مختلفة من البلاد.

وتبدّل الوضع في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) حين قرر «جيش أراكان» و«التحالف الديمقراطي الوطني البورمي» و«جيش التحرير الوطني - تانغ» اغتنام ضعف القوات النظامية لإعادة إطلاق حرب تعود إلى عقود من الزمن من أجل السيطرة على مناطق بأكملها تحتوي على موارد كبيرة.

وأطلقت المجموعات هذه اسم «العملية 1027» على هجومها ضد المجلس العسكري. وسرعان ما حقّق مقاتلوها، المجهزون بقنابل بدائية تطلق بواسطة مسيّرات مدنية معدّلة، النصر تلو الآخر، واستولوا على كثير من القواعد العسكرية ومحاور طرق استراتيجية، خصوصاً للتجارة مع الصين المجاورة.

كهنة بوذيون يحملون أعلاماً دينية يتظاهرون ضد الجماعات المعارضة في رانغون الخميس (إ.ب.أ)

تسبب نجاح «العملية 1027» بانقسامات في صفوف المجلس العسكري المتماسك عادة، وانشقاقات جماعية لجنود فرّوا بالآلاف إلى الهند والصين، ما أثار انتقادات علنية غير مسبوقة من قبل بعض المؤيدين البارزين للنظام.

وأدى اتفاق لوقف إطلاق النار فاوضت عليه بكين، حليفة المجلس العسكري، في مطلع يناير (كانون الثاني) إلى وقف المعارك في ولاية شان.

وبحسب مصادر عسكرية، رفضت الكشف عن اسمها، فإن معنويات الجيش ضعيفة جداً، حتى الضباط.

وذكّرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، بأن وضع حقوق الإنسان في بورما مستمرّ في التدهور.

وقال مفوض «الأمم المتحدة» السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن «التكتيكات العسكرية ركّزت دائماً على معاقبة المدنيين الذين يرى (العسكريون) أنهم يدعمون أعداءهم».

وأحرق المجلس العسكري قرى، ونفّذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة، واستخدم القصف الجوي والقصف المدفعي لمعاقبة المجتمعات الرافضة لحكمه، حسبما تقول منظمات حقوقية ومعارضون.

واستهدف الجيش كذلك وسائل إعلامية، اعتبرها معارضة له، من خلال إلغاء تراخيص البثّ أو سجن عشرات الصحافيين.

وفي عام 2023، صنّفت بورما ثاني أكبر سجن للصحافيين في العالم، بعد الصين مباشرة، مع 43 صحافياً خلف القضبان، بحسب لجنة حماية الصحافيين.

ولم تسفر الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى نتيجة سلمية عن أي تحسن، على الرّغم من مبادرات اتخذتها «الأمم المتحدة» و«رابطة دول جنوب شرق آسيا» (آسيان) التي تنتمي إليها بميانمار.

وبعد وقت قصير على صدور قرار تمديد حالة الطوارئ، أعلنت الولايات المتحدة عقوبات جديدة تستهدف كيانات وأفراداً مرتبطين بالنظام العسكري.

وأفادت وزارة الخزانة الأميركية بأنها ستفرض عقوبات على كيانين «على ارتباط وثيق بالنظام العسكري» و4 أفراد.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي: العالم بعيد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة

الاقتصاد أطفال سوريون بأحد مخيمات اللاجئين على تخوم العاصمة الأردنية عمان (رويترز)

تقرير أممي: العالم بعيد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة

وجد تقرير حديث للأمم المتحدة أن العالم ما زال بعيداً عن المسار الصحيح لتحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة المتفق عليها في عام 2015 مثل معالجة الفقر والجوع

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا وفد من حركة «طالبان» لدى حضوره للمشاركة في منتدى اقتصادي بسان بطرسبرغ في روسيا يوم 6 يونيو (أ.ب)

حكومة «طالبان» تؤكد مشاركتها في الجولة الثالثة من محادثات الدوحة

أكد متحدث باسم الحكومة الأفغانية، الأحد، أن سلطات «طالبان» ستشارك في الجولة الثالثة من المحادثات حول أفغانستان التي تجري في الدوحة برعاية الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كابل)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً أصيب بقصف إسرائيلي في دير البلح الجمعة (رويترز)

إسرائيل تقصف غزة... ومقتل «أسيرين» لدى «حماس»

قصف الجيش الإسرائيلي (الجمعة) قطاع غزة المحاصر والمدمر، فيما دعا زعماء مجموعة السبع إلى السماح لوكالات الأمم المتحدة بالعمل دون عائق.

«الشرق الأوسط» (رفح)
العالم نازحة فلسطينية في مخيم جباليا 8 يونيو (رويترز)

120 مليون نازح قسراً حول العالم

أعلنت «الأمم المتحدة»، الخميس، أن إجمالي عدد اللاجئين والنازحين، الذين اضطروا لترك ديارهم بسبب الحروب والعنف والاضطهاد، وصل إلى 120 مليون شخص حول العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد تتلو بياناً باسم 40 دولة حول اليمن وبجانبها المندوب اليمني عبد الله السعدي (الأمم المتحدة)

40 دولة تطالب الحوثيين بإطلاق العاملين الإنسانيين «فوراً»

طالبت 40 دولة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، بإطلاق المحتجزين من العاملين الأمميين والموظفين في المنظمات الدولية «فوراً» و«بلا شروط»، وسط قلق أممي من التصعيد.

علي بردى (واشنطن)

«الطاقة الذرية» تريد إعادة التواصل مع كوريا الشمالية

صاروخ باليستي تم إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية أمس (أ.ب)
صاروخ باليستي تم إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية أمس (أ.ب)
TT

«الطاقة الذرية» تريد إعادة التواصل مع كوريا الشمالية

صاروخ باليستي تم إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية أمس (أ.ب)
صاروخ باليستي تم إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية أمس (أ.ب)

أعرب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في مقابلة نشرتها صحيفة إزفستيا الروسية الاثنين عن رغبته في إعادة الاتصال بكوريا الشمالية لضمان سلامة منشآتها النووية.

وقال غروسي: «أعتقد أننا بحاجة إلى استئناف التعاون مع جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية»، مستخدماً الاسم الرسمي لكوريا الشمالية.

وخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين كانوا يزورون كوريا الشمالية بانتظام منذ عام 1992 طُردوا من البلاد في أبريل (نيسان) 2009. وفي الشهر نفسه، انسحبت بيونغ يانغ من مفاوضات دولية بشأن برنامجها النووي بدأت عام 2003، قبل إجراء تجربتها الثانية للقنبلة الذرية في الشهر التالي.

وأضاف غروسي لصحيفة إزفستيا: «من المستحيل إعادة كتابة التاريخ. لقد سارت الأمور بالطريقة التي سارت بها. لكنني آمل في أن نتمكن من إعادة الصلات مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، على سبيل المثال في مجال الأمن النووي».

وتابع: «لدى البلاد برنامج نووي طموح جداً يشمل إنتاج الوقود ومعالجة اليورانيوم، والمفاعلات النووية. وأنا لا أتحدث عن الأسلحة النووية، بل عن عدد كبير جداً من المنشآت النووية، وهي الوحيدة في العالم التي لا تخضع لمراقبة».

وأردف غروسي: «لذلك لا أحد - لا نحن في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا الدول المجاورة بما في ذلك روسيا والصين - لا أحد يعرف ما إذا كان يتم احترام الحد الأدنى من معايير السلامة أم لا».

وقال: «لقد بدأتُ في الترويج لفكرة محاولة رؤية المستقبل بنظرة جديدة، دون أن ننسى أن لديهم برنامجاً نووياً يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي. في بعض الأحيان يتعين الاهتمام بقضايا عملية تُعدُّ أيضاً مهمة».

كما دعا غروسي إلى عدم تكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبت في الملف النووي الإيراني مع كوريا الشمالية.

وزادت كوريا الشمالية من عزلتها عن المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة، وقطعت جميع علاقاتها مع جارتها كوريا الجنوبية، وكثَّفت تجارب الأسلحة المحظورة بموجب قرارات الأمم المتحدة، لكنها تتقرب في الوقت نفسه من روسيا والصين.