في الوقت الذي تحذّر فيه منظمات دولية من الحملة التي تتعرض لها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كشفت مصادر سياسية وأمنية في تل أبيب عن مخطط يعده الجيش للسيطرة على النشاطات التي تقوم بها الوكالة في قطاع غزة، وتسليمها للإدارة المدنية التابعة له. ومع أن الهدف من هذه الخطوة، بحسب ما يقول الإسرائيليون، هو منع «حماس» من السيطرة على المساعدات، فإن الترجمة العملية لها على الأرض تثير شكوكاً بأن الهدف هو القضاء على الوكالة، ضمن مخطط أكبر يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين من دون تقديم حل جذري لها. وتتضمن الخطة فكرة قيام سلطة فلسطينية «جديدة» تتسلم من إسرائيل حكم غزة.
وقالت تلك المصادر إن الخطة التي يبلورها الجيش تمت بقرار سياسي من حكومة بنيامين نتنياهو، وقد تم تحديدها على أنها مؤقتة. وأضافت: «لكي يمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى (حماس)، يقوم الجيش الإسرائيلي ومحافل دولية بتوزيع المساعدات مباشرة على مواطني غزة». وبحسب صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية، المقربة من نتنياهو، فإن «الجيش الإسرائيلي سيضطر لأن يُعنى أيضاً بالجوانب المدنية في القطاع، الأمر الذي هو غير معني به على الإطلاق. ولكن حسب الاقتراحات الأولية سيُقام مجال إنساني محدد، بداية في شمال القطاع وفي وسطه، وإلى هناك يصل المواطنون الغزاويون» الذين سيستفيدون من المساعدات.
وتابعت الصحيفة: «الموضوع ما زال في مراحل البلورة البدائية»، مشيرة إلى أن ما يطرح من اقتراحات هو في إطار الفحص في الجيش، ولكنه كفيل بأن يتغير، والقرارات بشأنه تؤخذ وفقاً لتعليمات المستوى السياسي. والمهم بالنسبة للجيش، كما أضافت الصحيفة، هو أن المساعدات الإنسانية إلى القطاع ونشاط «الأونروا» برمته يقع حالياً تحت سيطرة «حماس»، وهذا «يُقلق المحافل السياسية والعسكرية العليا في إسرائيل، ويثير انتقاداً جماهيرياً واسعاً».
وكشف المراسل السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كسبيت، عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يطلق من آن لآخر، بالون اختبار حول مستقبل غزة ينطوي على تصفية «الأونروا» وإبقاء قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة. وقال إن آخر هذه الخطط تتم بلورتها مع «مجموعة رجال أعمال». وهي تتم على عدة مراحل؛ أُولاها إقامة حكم عسكري إسرائيلي كامل في غزة يدير نقل المساعدات الإنسانية ويتولى المسؤولية عن العناية بالسكان المدنيين الغزيين «في المرحلة الانتقالية». وفي المرحلة الثانية، التي ستجري بالتوازي، سيتم تشكيل ائتلاف دولي يضم دولاً عربية، وسيكون جزءاً من اتفاق التطبيع الإقليمي الذي تأمل إسرائيل بأن يوقّع لاحقاً. وسيقف هذا الائتلاف خلف إقامة جسم جديد يسمى «السلطة الفلسطينية الجديدة». والموظفون الذين سيعملون مع هذه السلطة يفترض أنهم لا ينتمون إلى «حماس»، وسيتسلمون المسؤولية من إسرائيل عن إدارة غزة، وبهذه الطريقة يتم إلغاء الحكم العسكري. لكن إسرائيل ستبقي لنفسها الحق في العمل الأمني في غزة، في الصيغة التي تعمل بها في الضفة، في كل مرة تكون هناك احتياجات عملية لـ«إحباط الإرهاب» أو لتفكيك «شبكات إرهابية». وفي المرحلة التالية التي لن تحصل إلا بعد أن يستقر قطاع غزة وينجح الجسم الجديد «السلطة الفلسطينية الجديدة»، يجرى إصلاح شامل في «يهودا والسامرة» (أي الضفة الغربية)، يشمل أداء السلطة الفلسطينية وما يتعلق بالمواد الدراسية في جهاز التعليم الفلسطيني، وفيما يتعلق بالتصدي للإرهاب.
ويقول بن كسبيت إنه في حال نجحت هذه المرحلة أيضاً، وفي الإطار الزمني الذي يتقرر مسبقاً (يدور الحديث عن سنتين حتى أربع سنوات)، توافق إسرائيل على الاعتراف بدولة فلسطينية مجردة من السلاح في مناطق السلطة الفلسطينية، بل تبحث في إمكانية نقل مناطق أخرى لا تحتاج إلى إخلاء مستوطنات فيها إلى سلطة الدولة الوليدة.
ويؤكد بن كسبيت أن هذه الخطة تبلورت سراً في إسرائيل من قبل «مجموعة رجال أعمال». وقد عرضت أيضاً على محافل أميركية رسمية. وبين رجال الأعمال هؤلاء يوجد من هم مقربون من رئيس الوزراء نتنياهو، وأحدهم قريب جداً. ويمكن أن تكون الخطة بالون اختبار من نتنياهو للرد على المبادرة الأميركية لتسوية شاملة في الشرق الأوسط. ومع أن نتنياهو لا يدير هذه الاتصالات بشكل مباشر، بل فقط من خلال وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب منه، رون ديرمر، لكنه يدفع قدماً بالأفكار لكن في شكل يسمح له دوماً بأن ينفي العلاقة المباشرة من خلال القول إن الخطة هي خطة رجال أعمال فقط.
ومعروف أنه بالإضافة إلى هذه الخطة، يعملون في إسرائيل بالتوازي على بضع خطط أخرى لـ«اليوم التالي». فهناك دراسة يجريها منسق أعمال الحكومة في المناطق، اللواء غسان عليان، وهناك خطة أخرى للجيش الإسرائيلي، وخطة أخرى خاصة بجهاز المخابرات «الشاباك».
يذكر أن اللجنة الدائمة المشتركة لعدد من المنظمات الإنسانية بقيادة الأمم المتحدة، حذرت من خطورة ضرب وكالة الغوث، وقالت إن تعليق بعض الدول دعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» سيؤدي إلى كارثة على سكان قطاع غزة. ووصف بيان صادر عن اللجنة، الأربعاء، مزاعم مشاركة بعض موظفي «الأونروا» في أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنها «مروعة».
وأشار البيان إلى أن «الأحداث المؤسفة التي تصاعدت في غزة منذ 7 أكتوبر أدت إلى تشريد مئات الآلاف من الأشخاص ووضعهم على حافة المجاعة». وشدد على أن وكالة الإغاثة الإنسانية الأكبر في غزة «الأونروا» واصلت جهودها رغم نزوح أفرادها ومقتلهم. وأضاف أن «قرار بعض الدول تعليق الدعم المالي لـ(الأونروا) سيكون له عواقب وخيمة على سكان غزة، ولا توجد منظمة أخرى لديها القدرة على توفير حجم ونطاق المساعدة التي يحتاج إليها سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة بشكل عاجل، ونطالب بإعادة النظر في هذه القرارات».
وحذر البيان من أن تعليق الدعم المالي لـ(الأونروا) أمر خطير وسيؤدي إلى انهيار النظام الإنساني في غزة، وسيكون لذلك عواقب بعيدة المدى على الصعيد الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي جميع أنحاء المنطقة.
وفي عمّان، قالت تمارا الرفاعي، المتحدثة باسم وكالة (الأونروا)، إن إجراء تحقيق مستقل في اتهامات لعاملين في الوكالة بالضلوع في هجوم «حماس» على إسرائيل، أمر «مهم للغاية». وقالت الرفاعي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه «من المهم للغاية بالنسبة لنا أن نجري تحقيقاً مستقلاً في هذه الأمور المحددة في الحالات الفردية التي لفتت إسرائيل انتباهنا إليها». وأضافت: «لدينا 33 ألف موظف، جميعهم تقريباً يعملون بجد وملتزمون جداً، وعملوا في الوكالة لسنوات طويلة». وأشارت الرفاعي إلى أن «الأونروا» تسلمت «ادعاءات من الحكومة الإسرائيلية بشأن 12 اسماً في غزة، وكان علينا التحقق من هذه الأسماء في سجلاتنا التي تضم 13000 موظف في غزة، وتمكنّا من مطابقة 8 من هذه الأسماء». وأعلنت «الأونروا»، مساء الجمعة، أنها طردت «عدة» موظفين لديها تتهمهم السلطات الإسرائيلية بالضلوع في الهجوم.