ترقب إيراني... وروسيا والصين تحضّان على تهدئة التوترات

طهران استدعت سفير بريطانيا احتجاجاً على «اتهامات»

طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)
طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)
TT

ترقب إيراني... وروسيا والصين تحضّان على تهدئة التوترات

طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)
طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)

قالت روسيا إن توترات الشرق الأوسط تتصاعد، مشددة على الحاجة إلى خطوات لتهدئة المنطقة بدلاً من زعزعة الاستقرار، بينما حذّرت حليفتها الصين من «دوامة انتقام»، وذلك فيما بدت طهران تترقب الرد الأميركي، استدعت الخارجية الإيرانية السفير البريطاني؛ احتجاجاً على اتهام جماعات مرتبطة بإيران بشنّ هجوم أدّى إلى مقتل 3 عسكريين أميركيين.

وتعهد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس، بأن تتخذ الولايات المتحدة «جميع الإجراءات اللازمة» للدفاع عن قواتها بعد هجوم بطائرة مسيّرة في الأردن، نفذه مسلحون متحالفون مع إيران، وذلك رغم تأكيد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها لا تسعى إلى حرب مع إيران.

وقال بايدن إن إيران «مسؤولة» عن تزويد أسلحة للهجوم في الأردن بدون أن يوضح ما إذا كان سيستهدف مباشرة الأراضي الإيرانية مثلما يطالب به قسم من الطبقة السياسية في واشنطن.

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحافيين: «لا نرحب بأي أعمال تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وزيادة حدة التوتر، خصوصاً في ظل الاحتمال الكبير لحدوث صراع».

وأضاف: «لن نرحّب باستمرار مثل هذه الأعمال، بغض النظر عن الجهة الصادرة عنها. مستوى التوتر مرتفع الآن ونحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات لتهدئة الموقف. وهذا ما سيمنع انتشار الصراع».

وكان الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، قد أبلغ وكالة «تاس» أن موسكو وواشنطن «لا تجريان أي حوار بشأن سوريا في الوقت الحالي».

وقال المسؤول إن الولايات المتحدة «تصعّد النشاط الإرهابي» في سوريا، مشيراً إلى أن المصدر الرئيسي لهذا النشاط «يقع حالياً في منطقة التنف التي يبلغ طولها 55 كيلومتراً، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة».

وتابع لافرنتييف أن «التدريب النشط لمقاتلي المعارضة السورية المسلحة وداعش متواصل هناك، ومن ثم يتم إرسالهم إلى الأراضي السورية بمهام معينة». وأضاف: «لا يوجد حوار بشأن سوريا، لكن آلية فك الاشتباك بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا سارية المفعول» وتابع: «الاتصالات مستمرة، ولكن من خلال هذه الآلية فقط بين قائد مجموعتنا في سوريا، وقيادة ما يسمي (التحالف الدولي)».

في بكين حذّرت، الخارجية الصينية من «دوامة انتقام» في الشرق الأوسط بعدما توعّدت الولايات المتحدة بالرد على هجوم بطائرة مسيّرة أدّى إلى مقتل عسكريين أميركيين على الحدود السورية - الأردنية، واتّهمت فصائل مدعومة من إيران بتدبيره.

وأكد الناطق باسم الخارجية الصينية، وانغ ونبين، «أخذنا علماً أيضاً بأن إيران أعلنت أنه لا علاقة لها بالهجوم» حسبما أوردت «رويترز».

وأضاف: «نأمل بأن تبقى جميع الأطراف المعنية هادئة وتحافظ على ضبط النفس؛ لتجنّب السقوط في دوامة انتقام، وتجنّب مزيد من التصعيد والتوتر الإقليمي». وتابع أن «الوضع في الشرق الأوسط حالياً معقّد وحساس للغاية».

لندن تطالب بخفض التصعيد

في تلك الأثناء، حضّ وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، إيران على استخدام نفوذها على الميليشيات، بما في ذلك الحوثيون في اليمن؛ لخفض التصعيد في المنطقة.

وقال شابس على منصة «إكس»: «نواصل العمل مع الولايات المتحدة؛ لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط».

وردّت واشنطن على الهجمات التي استهدفتها خلال الأشهر الماضية في سوريا والعراق بسلسلة ضربات في العراق استهدفت مجموعات موالية لإيران.

وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أمس، إن بريطانيا «تدين بشدة» هجمات الطائرات المسيّرة، التي قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن جماعات مدعومة من إيران نفذتها. وقال سوناك، في تصريحات صحافية، «نحن قلقون، وسنحث إيران على السعي لتهدئة التوتر في المنطقة». وأضاف: «نقف بقوة مع حلفائنا لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وهو ما نواصل العمل لأجله».

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني للصحافيين: «نعتقد أن الهجوم نفذته جماعات متشددة مدعومة من إيران تنشط في سوريا والعراق، وهو ما يتماشى مع التقييم الأميركي».

وأضاف: «مستمرون في استخدام كل قدراتنا سواء الدبلوماسية أو غير الدبلوماسية لتهدئة التوترات في المنطقة»، مشيراً إلى هجمات على سفن في البحر الأحمر أدت لمشاركة بريطانيا في تنفيذ ضربات ضد حركة الحوثي في اليمن.

دور الجمهورية الإسلامية في دعم «المقاومة» يزداد أهمية في ظل تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية

وزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف

احتجاج... ودعوة لحل سياسي

في طهران، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها استدعت السفير البريطاني لإبلاغه «احتجاج طهران الشديد» على اتهامات لندن.

جاء في بيان الوزارة: «عقب استمرار اتهامات النظام البريطاني في حق الجمهورية الإسلامية، تم استدعاء سايمون شيركليف السفير البريطاني في طهران إلى وزارة الخارجية (...) بعد ظهر اليوم، وتم إبلاغه باحتجاج بلادنا الشديد»، دون تحديد سبب الاحتجاج؛ وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وخلال اللقاء وصف المدير العام للوزارة المكلف أوروبا الغربية «اتهامات السلطات البريطانية بأنها لا أساس لها» وأدانها «بشدة». وذكر المصدر نفسه أنه أدان «الأعمال التخريبية» التي تقوم بها لندن «ومصيرها الفشل»، وفق ما ذكرت وكالة «إرنا».

ويأتي ذلك غداة اعلان لندن وواشنطن فرض عقوبات على شبكة ايرانية تتهمها العاصمتان بالارتباط بحكومة طهران، مكلفة استهداف وتصفية صحافيين منشقين ومعارضين ايرانيين.

وذكرت وكالة (إرنا) ان المسؤول الايراني ابلغ السفير البريطاني ان مثل هذه العقوبات «غير شرعية».

من جانب آخر، انتقدت وزارة الخارجية الإيرانية، تصريحات الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، حول «دور إيران في المنطقة».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن تصريحات ستولتنبرغ «عارية من الصحة». ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن المتحدث قوله إن «المزاعم المطروحة من قبل ستولتنبرغ، أشبه بالفكاهة المُرّة»؛ مضيفاً أن «السياسة المبدئية لطهران كانت ولا تزال قائمة على تعزيز العلاقات مع دول الجوار وفي إطار حسن التعامل والاحترام المتبادل». وأضاف: «رفض التدخل الأجنبي شكّل على الدوام أحد الثوابت البديهية في سياسة إيران الخارجية».

وقبل ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، على منصة «إكس»، إن «البيت الأبيض يعلم جيداً أن الطريق لإنهاء الحرب والأزمة الحالية في المنطقة، سياسية»، في وقت دعا فيه سلفه محمد جواد ظريف، إلى دور إيراني في «دعم (جبهة المقاومة) في ظل تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية»، المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

 وإذ تحاشى عبداللهيان التعليق على مقتل الجنود الأميركيين مباشرة، قال: «هناك دبلوماسية نشطة جارية حالياً من أجل إيجاد حل سياسي للحرب القائمة في قطاع غزة وتداعياتها الإقليمية».

أتى ذلك، بعدما نشرت وسائل إعلام إيرانية تفاصيل من رسالة مبعوث إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، إلى سفير فرنسا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن.

وتقول الرسالة وفق وكالة «إرنا» الرسمية إن «طهران ليست مسؤولة عن إجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة».
واحتج إيرواني على رسالة نظيرته الأميركية إلى مجلس الأمن، بشأن تورط إيران في الهجمات ضد القوات الأميركية. وقال إن الرسالة الأميركية «تتضمن إشارات غير مبررة، ولا أساس لها من الصحة». وأضاف: «كما أكدنا سابقاً؛ لا توجد أي مجموعة تابعة للقوات المسلحة الإيرانية، سواء في العراق أو سوريا أو أي مكان آخر، تخضع للسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لجمهورية إيران الإسلامية أو تعمل بالنيابة عنها. لذلك؛ فإن إيران ليست مسؤولة عن إجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة».
كما اتهم إيرواني الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات «غير قانونية، وتنتهك القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة» في سوريا والعراق.

 إيران «حذرة»

وبذلك؛ عدّت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن إيران «تبدي حذراً، داعية إلى التحرك الدبلوماسي» بعد الهجوم الذي أودى بثلاثة جنود أميركيين في قاعدة في الأردن ونسبته واشنطن إلى فصيل مسلح مدعوم من إيران، محذرة واشنطن التي توعدت بالرد.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإنه مقابل تعهد الرئيس الأميركي بتوجيه رد ملائم على الضربة، فإن طهران حرصت على عدم إصدار أي تصريحات حربية، مفسحة المجال للدبلوماسية، في إشارة إلى ما قاله عبداللهيان، وما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، من أن «الجمهورية الإسلامية لا تريد أن يتوسّع الصراع في الشرق الأوسط».

وانقسمت الصحافة الثلاثاء حول عواقب الهجوم الذي تسبب في تراجع قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار واليورو في السوق السوداء. ودعت صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة في افتتاحيتها بايدن إلى «عدم الانجرار إلى هجوم عسكري مباشر ضد إيران للانتقام لضربة وجهها طرف ثالث»، فإن «ذلك سيؤدي إلى رد متناسب من جانب إيران، مما قد يقود إلى حرب شاملة».
من جهتها، عدّت صحيفة «الشرق» الإصلاحية أن وقوع مواجهة مباشرة «قليل الاحتمال»، مذكرة بأن «طهران وواشنطن أظهرتا في الماضي قدرتهما على ضبط مخاطر نزاع مباشر». كما أن «مفاقمة التوتر في مجمل الشرق الأوسط سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، مما سيضر بجو بايدن مع اقتراب الانتخابات» الرئاسية الأميركية في نوفمبر.
لكن صحيفة «اعتماد» الإصلاحية رأت أنه «من الممكن أن تضرب واشنطن تحت ضغط الجمهوريين أهدافاً محدودة إنما استراتيجية داخل إيران»، ولفتت إلى أن مثل هذا السيناريو سيعني «نهاية الجهود الدبلوماسية بين طهران وواشنطن وسيرفع التوتر إلى مستوى غير مسبوق في الشرق الأوسط برمته».

«جبهة المقاومة»... والانتخابات الأميركية

وفي مؤشر واضح على مخاوف داخلية لإيران من الرد الأميركي، علق وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف على اتهام بلاده بخوض حرب بالوكالة عبر جماعات مسلحة.

وقال ظريف إن «(محور المقاومة) لا يتصرف بالوكالة عن الجمهورية الإسلامية، ويتمتع بالأصالة، كما أن دعم إيران ليس دعماً للوكلاء، وإنما دعم حقيقي». وقال: «(جبهة المقاومة) اتخذت سياسات عقلانية».

وتدل تسمية «محور المقاومة» في أدبيات المسؤولين الإيرانيين على الجماعات التي تربطها صلات آيديولوجية مباشرة بالمؤسسة الحاكمة في إيران، أو تتلقى دعماً مالياً أو أسلحة من «الحرس الثوري» الإيراني.

ودعا ظريف في حديث لصحيفة «وطن أمروز» المتشددة، إلى دور إيراني فعال «في مستقبل فلسطين وغزة». وقال: «ويمكن للجمهورية الإسلامية أن تؤدي دوراً على الساحة السياسية والتفاوضية دعماً للمقاومة».

وتابع ظريف أن «دور الجمهورية الإسلامية في دعم (جبهة المقاومة) يزداد أهمية في ظل تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية». وقال أيضاً إن «إسرائيل تبذل قصارى جهدها لتوسع الحرب أملاً في الزج بأميركا في الحرب، لكن المقاومة تمنع حدوث ذلك، بذكاء».

ولفت المحلل السياسي أحمد زيد آبادي عبر صحيفة «هم ميهن» إلى أنه «من الأرجح أن يضرب الجيش الأميركي قواعد للقوات الإيرانية» خارج الحدود وليس «على الأرض الإيرانية».


مقالات ذات صلة

قائد «الحرس» الإيراني يتوعد بـ«عواقب مريرة» بعد الضربات الإسرائيلية

شؤون إقليمية صورة نشرها الجيش الإسرائيلي لمقاتلة شاركت في ضرب إيران قبل لحظات من إقلاعها (أ.ف.ب) play-circle 00:43

قائد «الحرس» الإيراني يتوعد بـ«عواقب مريرة» بعد الضربات الإسرائيلية

توعَّد قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي، إسرائيل، الاثنين، بـ«عواقب مريرة تتجاوز كل التصورات»، بعد استهدافها مواقع عسكرية إيرانية.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه اليوم

خامنئي يوجّه ضمناً بإعداد رد على إسرائيل

وجّه المرشد الإيراني علي خامنئي، ضمناً، المسؤولين الإيرانيين، بإعداد رد على الضربات الإسرائيلية التي طالت مواقع عسكرية حساسة في ضواحي طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران - واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ف.ب)

وزير الخارجية الإيراني: تلقينا «إشارات» قبل الهجوم الإسرائيلي

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم (الأحد)، إن بلاده تلقت «إشارات» على وقوع هجوم قبل الضربات الإسرائيلية السبت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية لوحة دعائية في ساحة ولي عصر بطهران تحمل صور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان واللواء محمد باقري تحت شعار «من يجيدون الحرب» مقابل صور الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع عبارة «الساعين للحرب» (أ.ف.ب)

إيران تطالب مجلس الأمن الدولي بإدانة الضربات الإسرائيلية

طالبت إيران، الأحد، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعقد اجتماع عاجل لإدانة الضربات الإسرائيلية الأخيرة على الجمهورية الإسلامية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه اليوم

خامنئي: لا ينبغي التضخيم أو التقليل من الهجوم الإسرائيلي

قال المرشد علي خامنئي إن الهجوم الإسرائيلي على إيران «يجب ألا يُضخّم أو يُقلل من شأنه»، لكنه لم يدعُ إلى رد انتقامي مباشر، وألقى ذلك على عاتق المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

إيران تواجه خيارات صعبة في كيفية الرد على الضربات الإسرائيلية

صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)
صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)
TT

إيران تواجه خيارات صعبة في كيفية الرد على الضربات الإسرائيلية

صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)
صورة من فيديو يظهر تصاعد الدخان من موقع عسكري في ضواحي طهران (شبكات التواصل)

قد تحدّد الطريقة التي ستختار بها إيران الرد على الهجوم الجوي الإسرائيلي العلني وغير المسبوق على أراضيها، السبت الماضي، ما إذا كانت ستنزلق المنطقة نحو حرب شاملة أمْ ستبقى عند مستوى من العنف المدمر والمزعزع للاستقرار.

ووفق تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، فإن ضربة بحجم تلك التي وجّهتها إسرائيل إلى إيران سوف تقابَل برد قوي. ومن الخيارات المحتملة جولة أخرى من وابل الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران بالفعل مرتين هذا العام.

الرد العسكري من شأنه أن يسمح للقيادة الثيوقراطية في إيران بإظهار القوة ليس فقط لمواطنيها، لكن أيضاً لحركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان، الجماعات المسلحة التي تقاتل إسرائيل والتي تشكل طليعة ما يسمى «محور المقاومة» في طهران.

ومع ذلك، ما زال من المبكر القول ما إذا كانت القيادة الإيرانية ستسلك هذا الطريق. وقد تقرر طهران عدم الرد بالقوة بشكل مباشر في الوقت الحالي، لأن القيام بذلك قد يكشف عن نقاط ضعفها ويدعو إلى رد إسرائيلي أكثر قوة، كما يقول المحللون.

وقالت صنم فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز «تشاتام هاوس» للأبحاث ومقرّه لندن: «إيران ستقلل من تأثير الضربات، التي هي في الواقع خطيرة للغاية». وأضافت أن إيران «محاصرة» بالقيود العسكرية والاقتصادية، وعدم اليقين الناجم عن الانتخابات الرئاسية الأميركية وتأثيرها على سياسة واشنطن في المنطقة.

حتى بينما تشتعل الحروب في الشرق الأوسط، كان الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان يشير إلى أن بلاده تريد اتفاقاً نووياً جديداً مع الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الدولية الساحقة.

بدا أن بياناً صيغ بعناية من الجيش الإيراني مساء السبت قد قدم بعض مساحة المناورة لطهران للتراجع عن المزيد من التصعيد. وأشار البيان إلى أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان أكثر أهمية من أي انتقام ضد إسرائيل.

وكان كلام المرشد الإيراني علي خامنئي، صانع القرار النهائي في إيران، مدروساً أيضاً في تعليقاته الأولى على الضربة، الأحد. وقال إن الهجوم «لا ينبغي المبالغة فيه أو التقليل من شأنه».

استهدفت ضربات يوم السبت بطاريات صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية ومرافق إنتاج الصواريخ، وفقاً للجيش الإسرائيلي. وبهذا تكون إسرائيل قد كشفت عن نقاط ضعف في الدفاعات الجوية الإيرانية ويمكنها الآن تكثيف هجماتها بسهولة أكبر، كما يقول المحللون.

تشير صور الأقمار الاصطناعية التي حللتها الوكالة إلى أن الغارة الإسرائيلية ألحقت أضراراً بمرافق في قاعدة بارشين العسكرية جنوب شرقي طهران والتي ربطها الخبراء سابقاً ببرنامج الأسلحة النووية الإيراني السابق وقاعدة أخرى مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية.

لم يتم ضرب المواقع النووية الحالية. وأكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي ذلك بعد قوله إن «المنشآت النووية الإيرانية لم تتأثر».

نقلت إسرائيل خلال الشهر الماضي معركتها إلى لبنان وقامت بقتل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله كما استهدفت عناصر الحزب في هجوم جريء قامت خلاله بتفجير أجهزة «البيحر» الخاصة بهم. ويقول المحللون أن

«(حزب الله)، حليفها الأقوى ضد إسرائيل، قد تدهور بشكل كبير وعلى طهران أن تأخذ ذلك بعين الأعتبار».

وقد اقترح خبراء إقليميون أن قائمة الأهداف المحدودة نسبياً التي حدَّدتها إسرائيل كانت محسوبة عمداً لتسهيل تراجع إيران عن التصعيد.

وقال يوئيل جوزانسكي، الذي عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وهو الآن باحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن قرار إسرائيل بالتركيز على الأهداف العسكرية البحتة يسمح لإيران «بإنقاذ ماء الوجه».

وقد تكون اختيارات إسرائيل للأهداف انعكاساً على الأقل جزئياً لقدراتها. فمن غير المرجح أن تكون قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية بمفردها وستحتاج إلى مساعدة من الولايات المتحدة، كما قال جوزانسكي.

إلى جانب ذلك، لا تزال إسرائيل تتمتع بالنفوذ لملاحقة أهداف ذات قيمة أعلى إذا ردت إيران - خصوصاً الآن بعد تدمير العقد في دفاعاتها الجوية.

كتب توماس جونو، أستاذ جامعة أوتاوا الذي يركز على إيران والشرق الأوسط الأوسع، إن حقيقة أن وسائل الإعلام الإيرانية قلَّلت في البداية من أهمية الضربات تشير إلى أن طهران قد ترغب في تجنب المزيد من التصعيد. ومع ذلك، فهي عالقة في موقف صعب. وأضاف: «إذا ردت، فإنها تخاطر بتصعيد... وإذا لم ترد، فإنها ترسل إشارة ضعف».

واتفقت فاكيل على أن رد إيران من المرجح أن يكون خافتاً وأن الضربات كانت مصممة لتقليل احتمالات التصعيد. وقالت: «لقد أظهرت إسرائيل مرة أخرى دقتها وقدراتها العسكرية التي تفوق بكثير تلك التي تمتلكها إيران».

لعقود من الزمان، تكهن القادة والاستراتيجيون في المنطقة حول ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب إيران علناً يوماً ما وكيف، تماماً كما تساءلوا عن شكل الهجمات المباشرة من قِبل إيران، وليس من قِبل الجماعات المسلحة بالوكالة.

اليوم، هذا واقع. ومع ذلك، فإن كتاب اللعب على أي من الجانبين غير واضح، وربما لا يزال قيد الكتابة.