ترقب إيراني... وروسيا والصين تحضّان على تهدئة التوترات

طهران استدعت سفير بريطانيا احتجاجاً على «اتهامات»

طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)
طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)
TT

ترقب إيراني... وروسيا والصين تحضّان على تهدئة التوترات

طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)
طالبا مدرسة يمشيان أمام لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في قلب العاصمة طهران اليوم (أ.ف.ب)

قالت روسيا إن توترات الشرق الأوسط تتصاعد، مشددة على الحاجة إلى خطوات لتهدئة المنطقة بدلاً من زعزعة الاستقرار، بينما حذّرت حليفتها الصين من «دوامة انتقام»، وذلك فيما بدت طهران تترقب الرد الأميركي، استدعت الخارجية الإيرانية السفير البريطاني؛ احتجاجاً على اتهام جماعات مرتبطة بإيران بشنّ هجوم أدّى إلى مقتل 3 عسكريين أميركيين.

وتعهد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس، بأن تتخذ الولايات المتحدة «جميع الإجراءات اللازمة» للدفاع عن قواتها بعد هجوم بطائرة مسيّرة في الأردن، نفذه مسلحون متحالفون مع إيران، وذلك رغم تأكيد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها لا تسعى إلى حرب مع إيران.

وقال بايدن إن إيران «مسؤولة» عن تزويد أسلحة للهجوم في الأردن بدون أن يوضح ما إذا كان سيستهدف مباشرة الأراضي الإيرانية مثلما يطالب به قسم من الطبقة السياسية في واشنطن.

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحافيين: «لا نرحب بأي أعمال تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وزيادة حدة التوتر، خصوصاً في ظل الاحتمال الكبير لحدوث صراع».

وأضاف: «لن نرحّب باستمرار مثل هذه الأعمال، بغض النظر عن الجهة الصادرة عنها. مستوى التوتر مرتفع الآن ونحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات لتهدئة الموقف. وهذا ما سيمنع انتشار الصراع».

وكان الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، قد أبلغ وكالة «تاس» أن موسكو وواشنطن «لا تجريان أي حوار بشأن سوريا في الوقت الحالي».

وقال المسؤول إن الولايات المتحدة «تصعّد النشاط الإرهابي» في سوريا، مشيراً إلى أن المصدر الرئيسي لهذا النشاط «يقع حالياً في منطقة التنف التي يبلغ طولها 55 كيلومتراً، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة».

وتابع لافرنتييف أن «التدريب النشط لمقاتلي المعارضة السورية المسلحة وداعش متواصل هناك، ومن ثم يتم إرسالهم إلى الأراضي السورية بمهام معينة». وأضاف: «لا يوجد حوار بشأن سوريا، لكن آلية فك الاشتباك بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا سارية المفعول» وتابع: «الاتصالات مستمرة، ولكن من خلال هذه الآلية فقط بين قائد مجموعتنا في سوريا، وقيادة ما يسمي (التحالف الدولي)».

في بكين حذّرت، الخارجية الصينية من «دوامة انتقام» في الشرق الأوسط بعدما توعّدت الولايات المتحدة بالرد على هجوم بطائرة مسيّرة أدّى إلى مقتل عسكريين أميركيين على الحدود السورية - الأردنية، واتّهمت فصائل مدعومة من إيران بتدبيره.

وأكد الناطق باسم الخارجية الصينية، وانغ ونبين، «أخذنا علماً أيضاً بأن إيران أعلنت أنه لا علاقة لها بالهجوم» حسبما أوردت «رويترز».

وأضاف: «نأمل بأن تبقى جميع الأطراف المعنية هادئة وتحافظ على ضبط النفس؛ لتجنّب السقوط في دوامة انتقام، وتجنّب مزيد من التصعيد والتوتر الإقليمي». وتابع أن «الوضع في الشرق الأوسط حالياً معقّد وحساس للغاية».

لندن تطالب بخفض التصعيد

في تلك الأثناء، حضّ وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، إيران على استخدام نفوذها على الميليشيات، بما في ذلك الحوثيون في اليمن؛ لخفض التصعيد في المنطقة.

وقال شابس على منصة «إكس»: «نواصل العمل مع الولايات المتحدة؛ لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط».

وردّت واشنطن على الهجمات التي استهدفتها خلال الأشهر الماضية في سوريا والعراق بسلسلة ضربات في العراق استهدفت مجموعات موالية لإيران.

وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أمس، إن بريطانيا «تدين بشدة» هجمات الطائرات المسيّرة، التي قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن جماعات مدعومة من إيران نفذتها. وقال سوناك، في تصريحات صحافية، «نحن قلقون، وسنحث إيران على السعي لتهدئة التوتر في المنطقة». وأضاف: «نقف بقوة مع حلفائنا لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وهو ما نواصل العمل لأجله».

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني للصحافيين: «نعتقد أن الهجوم نفذته جماعات متشددة مدعومة من إيران تنشط في سوريا والعراق، وهو ما يتماشى مع التقييم الأميركي».

وأضاف: «مستمرون في استخدام كل قدراتنا سواء الدبلوماسية أو غير الدبلوماسية لتهدئة التوترات في المنطقة»، مشيراً إلى هجمات على سفن في البحر الأحمر أدت لمشاركة بريطانيا في تنفيذ ضربات ضد حركة الحوثي في اليمن.

دور الجمهورية الإسلامية في دعم «المقاومة» يزداد أهمية في ظل تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية

وزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف

احتجاج... ودعوة لحل سياسي

في طهران، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها استدعت السفير البريطاني لإبلاغه «احتجاج طهران الشديد» على اتهامات لندن.

جاء في بيان الوزارة: «عقب استمرار اتهامات النظام البريطاني في حق الجمهورية الإسلامية، تم استدعاء سايمون شيركليف السفير البريطاني في طهران إلى وزارة الخارجية (...) بعد ظهر اليوم، وتم إبلاغه باحتجاج بلادنا الشديد»، دون تحديد سبب الاحتجاج؛ وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وخلال اللقاء وصف المدير العام للوزارة المكلف أوروبا الغربية «اتهامات السلطات البريطانية بأنها لا أساس لها» وأدانها «بشدة». وذكر المصدر نفسه أنه أدان «الأعمال التخريبية» التي تقوم بها لندن «ومصيرها الفشل»، وفق ما ذكرت وكالة «إرنا».

ويأتي ذلك غداة اعلان لندن وواشنطن فرض عقوبات على شبكة ايرانية تتهمها العاصمتان بالارتباط بحكومة طهران، مكلفة استهداف وتصفية صحافيين منشقين ومعارضين ايرانيين.

وذكرت وكالة (إرنا) ان المسؤول الايراني ابلغ السفير البريطاني ان مثل هذه العقوبات «غير شرعية».

من جانب آخر، انتقدت وزارة الخارجية الإيرانية، تصريحات الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، حول «دور إيران في المنطقة».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن تصريحات ستولتنبرغ «عارية من الصحة». ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن المتحدث قوله إن «المزاعم المطروحة من قبل ستولتنبرغ، أشبه بالفكاهة المُرّة»؛ مضيفاً أن «السياسة المبدئية لطهران كانت ولا تزال قائمة على تعزيز العلاقات مع دول الجوار وفي إطار حسن التعامل والاحترام المتبادل». وأضاف: «رفض التدخل الأجنبي شكّل على الدوام أحد الثوابت البديهية في سياسة إيران الخارجية».

وقبل ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، على منصة «إكس»، إن «البيت الأبيض يعلم جيداً أن الطريق لإنهاء الحرب والأزمة الحالية في المنطقة، سياسية»، في وقت دعا فيه سلفه محمد جواد ظريف، إلى دور إيراني في «دعم (جبهة المقاومة) في ظل تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية»، المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

 وإذ تحاشى عبداللهيان التعليق على مقتل الجنود الأميركيين مباشرة، قال: «هناك دبلوماسية نشطة جارية حالياً من أجل إيجاد حل سياسي للحرب القائمة في قطاع غزة وتداعياتها الإقليمية».

أتى ذلك، بعدما نشرت وسائل إعلام إيرانية تفاصيل من رسالة مبعوث إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، إلى سفير فرنسا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن.

وتقول الرسالة وفق وكالة «إرنا» الرسمية إن «طهران ليست مسؤولة عن إجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة».
واحتج إيرواني على رسالة نظيرته الأميركية إلى مجلس الأمن، بشأن تورط إيران في الهجمات ضد القوات الأميركية. وقال إن الرسالة الأميركية «تتضمن إشارات غير مبررة، ولا أساس لها من الصحة». وأضاف: «كما أكدنا سابقاً؛ لا توجد أي مجموعة تابعة للقوات المسلحة الإيرانية، سواء في العراق أو سوريا أو أي مكان آخر، تخضع للسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لجمهورية إيران الإسلامية أو تعمل بالنيابة عنها. لذلك؛ فإن إيران ليست مسؤولة عن إجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة».
كما اتهم إيرواني الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات «غير قانونية، وتنتهك القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة» في سوريا والعراق.

 إيران «حذرة»

وبذلك؛ عدّت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن إيران «تبدي حذراً، داعية إلى التحرك الدبلوماسي» بعد الهجوم الذي أودى بثلاثة جنود أميركيين في قاعدة في الأردن ونسبته واشنطن إلى فصيل مسلح مدعوم من إيران، محذرة واشنطن التي توعدت بالرد.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإنه مقابل تعهد الرئيس الأميركي بتوجيه رد ملائم على الضربة، فإن طهران حرصت على عدم إصدار أي تصريحات حربية، مفسحة المجال للدبلوماسية، في إشارة إلى ما قاله عبداللهيان، وما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، من أن «الجمهورية الإسلامية لا تريد أن يتوسّع الصراع في الشرق الأوسط».

وانقسمت الصحافة الثلاثاء حول عواقب الهجوم الذي تسبب في تراجع قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار واليورو في السوق السوداء. ودعت صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة في افتتاحيتها بايدن إلى «عدم الانجرار إلى هجوم عسكري مباشر ضد إيران للانتقام لضربة وجهها طرف ثالث»، فإن «ذلك سيؤدي إلى رد متناسب من جانب إيران، مما قد يقود إلى حرب شاملة».
من جهتها، عدّت صحيفة «الشرق» الإصلاحية أن وقوع مواجهة مباشرة «قليل الاحتمال»، مذكرة بأن «طهران وواشنطن أظهرتا في الماضي قدرتهما على ضبط مخاطر نزاع مباشر». كما أن «مفاقمة التوتر في مجمل الشرق الأوسط سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، مما سيضر بجو بايدن مع اقتراب الانتخابات» الرئاسية الأميركية في نوفمبر.
لكن صحيفة «اعتماد» الإصلاحية رأت أنه «من الممكن أن تضرب واشنطن تحت ضغط الجمهوريين أهدافاً محدودة إنما استراتيجية داخل إيران»، ولفتت إلى أن مثل هذا السيناريو سيعني «نهاية الجهود الدبلوماسية بين طهران وواشنطن وسيرفع التوتر إلى مستوى غير مسبوق في الشرق الأوسط برمته».

«جبهة المقاومة»... والانتخابات الأميركية

وفي مؤشر واضح على مخاوف داخلية لإيران من الرد الأميركي، علق وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف على اتهام بلاده بخوض حرب بالوكالة عبر جماعات مسلحة.

وقال ظريف إن «(محور المقاومة) لا يتصرف بالوكالة عن الجمهورية الإسلامية، ويتمتع بالأصالة، كما أن دعم إيران ليس دعماً للوكلاء، وإنما دعم حقيقي». وقال: «(جبهة المقاومة) اتخذت سياسات عقلانية».

وتدل تسمية «محور المقاومة» في أدبيات المسؤولين الإيرانيين على الجماعات التي تربطها صلات آيديولوجية مباشرة بالمؤسسة الحاكمة في إيران، أو تتلقى دعماً مالياً أو أسلحة من «الحرس الثوري» الإيراني.

ودعا ظريف في حديث لصحيفة «وطن أمروز» المتشددة، إلى دور إيراني فعال «في مستقبل فلسطين وغزة». وقال: «ويمكن للجمهورية الإسلامية أن تؤدي دوراً على الساحة السياسية والتفاوضية دعماً للمقاومة».

وتابع ظريف أن «دور الجمهورية الإسلامية في دعم (جبهة المقاومة) يزداد أهمية في ظل تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية». وقال أيضاً إن «إسرائيل تبذل قصارى جهدها لتوسع الحرب أملاً في الزج بأميركا في الحرب، لكن المقاومة تمنع حدوث ذلك، بذكاء».

ولفت المحلل السياسي أحمد زيد آبادي عبر صحيفة «هم ميهن» إلى أنه «من الأرجح أن يضرب الجيش الأميركي قواعد للقوات الإيرانية» خارج الحدود وليس «على الأرض الإيرانية».


مقالات ذات صلة

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

تقرير: إيران تخفي برامج الصواريخ والمسيرات تحت ستار أنشطة تجارية

قالت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إن إيران لجأت إلى قطاعها التجاري لإخفاء تطويرها للصواريخ الباليستية، في خطوة للالتفاف على العقوبات الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».