«درب الحنين»... قصص من أجواء القرية المصرية

«درب الحنين»... قصص من أجواء القرية المصرية
TT

«درب الحنين»... قصص من أجواء القرية المصرية

«درب الحنين»... قصص من أجواء القرية المصرية

عن سلسلة «إبداعات عربية» الصادرة عن منشورات دائرة الثقافة بالشارقة، صدرت المجموعة القصصية «درب الحنين» للكاتب المصري خليل الجيزاوي. تضم المجموعة 21 قصة منها: «الشيخ على نوفل»، و«مسعود الطحان»، و«زهرة الفول»، و«بائع الكعك»، و«فانوس مصباح»، و«وجع المحبة»، فضلاً عن «درب الحنين» التي يحمل العمل اسمه.

تدور القصص في أجواء الريف المصري وترصد ما طرأ عليه من تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية، وإلى أي مدى أثرت على عاداته وتقاليده الشعبية، في هذا الجو تتناثر أسئلة الحنين والطفولة، بعواطفها الإنسانية الجياشة، وكأنها عين تطل على الحداثة، ويتم ذلك من خلال راوٍ يستعيد ذكرياته منذ أن كان طفلاً في الخامسة من العمر مع رموز القرية، مثل المدرسين وشيوخ القرآن في «الكتاتيب» وأرباب المهن المختلفة، مستعيداً ماضياً وشكل حياة، كان الريف خلالها لا يزال يحتفظ ببراءته وبساطته، يزرع ويحصد، وينتج ما يأكله، ولم يتحول بعد إلى عالة على المدينة، وينتظر من الحضر توفير احتياجاته. ومن العلامات الفنية اللافتة في الرواية، سعي المؤلف الحثيث لأن يصنع موازاة سردية مشهدية بلغة سلسة وشيقة لصور ووقائع من هذا الماضي، يستحضرها في النصوص، وكأنها تحث للتو.ومن أجواء المجموعة القصصية نقرأ: «تَشْخَصُ عيوننا في رهبةٍ وخَوفٍ؛ لنتَابعَ حَرَكَات سَيّدنَا الشَيْخ عَلِي نُوفَل السَرِيعَة والمُتَلاحِقَة، مِنْ تَحْتِ إِلَى تَحْتِ، ولا نَجْرُؤْ عَلَى تَدقيقِ النَظَر نَاحِية وَجْهِهِ، مِنْ بَعيدٍ نَرْقُبُ عَصَاهُ الجَرِيد - الطَوِيلَة، والمَفلوقة مُقدمَتُهَا - حَتَّى نَتَفادَى ضَرَبَاتُهَا المُوجِعة فَوْقَ رُؤُوسِنَا، حِينَ يَلْمِحُنَا نَهِمُّ بِاللّعِبِ وَنَنْشَغِلُ عَنْ حِفْظِ الرَّاِتِب اليَّوْمِي الجَدِيدِ الّذِي يُحَدّده لكلّ وَاحِدٍ مِنَّا مِنْ سِوَرِ القُرآنِ الكريم، مَتَى جَاءَ دَوْرُهُ أَمَامَ الشَيْخِ؛ لِيُسَّمِعَ لَنَا رَاتِبَ الأَمْسِ، نَرَى يَدَهُ تَرْتَفِعُ فِي الهَوَاءِ، ويُطَوِّحُ العَصَا عَالِياً، وَعَلَى طُولِ يَدِهِ، وَفِي كُلِّ الاتِجَاهَاتِ، يَجْلِسُ سَيّدَنَا جَلْسَتَهُ التَارِيخِية فِي هَيْبَةٍ وَوَقَارٍ عَلَى المَصْطَبَةِ وَأَمَامَ دَارِهِ، وَنَقْعُدُ بَيْنَ يَدَيْهِ - بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ - مُتربِّعِي اليَدَيْنِ عَلَى الحَصِيرِ، نقرأُ كأنّنَا خلية نحل تعملُ، وحين نسمعُ صوت فرقعة العصا التي نحفظُهَا عن ظهر قلب، سريعاً تميلُ حركة رؤوسنا برقبتنا وبظهرنا، وتزيدُ انحناءة رؤوسنا للأمام وللخلف بحركاتٍ آلية مُتتالية، وتعلو همهمة أصوات أفواهنا؛ لنردّدَ آيات السور القصيرة، تتلفتُ عيوننا يميناً ويساراً، نُتابعُ ترديد القراءة بصوتٍ جماعي مُوحّد ومُنغّم، وراء عَرِيّفِ الكُتَّابِ بأذنٍ واحدةٍ، وكانت الأذنُ الثانيةُ تُحلّقُ هناك بعيداً فوق أسطح الدور القريبة، وتطيرُ مع نسمة العصر الطرية؛ لعلها تلتقطُ أول كلمات آذان العصر التي يُردّدُها الشيخ حمزة البدوي مُؤذن الجامع الكبير بقريتنا الطيبة».


مقالات ذات صلة

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته

سوسن الأبطح (بيروت)
ثقافة وفنون مي التلمساني وإيهاب الخراط... وفي الوسط الكاتب أحمد رمضان الفائز بالجائزة

أحمد رمضان يحصد «جائزة إدوار الخراط» الأدبية

بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيله (1926 - 2015)، وفي احتفالية رائعة تليق بعطائه المتنوع المغامر واجتراحه آفاقاً جديدة للكتابة.....

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون  أرسطو

لماذا نقرأ للقدماء؟

أثارت أستاذة الفلسفة آغنيس كالارد البروفيسورة في جامعة شيكاغو في مقالة لها نشرتها «ذا ستون/ نيويورك تايمز» قضية جدوى قراءة أرسطو اليوم

خالد الغنامي
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان
TT

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

يحتلّ موقع سمهرم مكانة مميزة في خريطة «طريق اللبان» العُمانية التي دخلت عام 2000 في قائمة اليونيسكو الخاصة بمواقع التراث العالمي، وهي طريق البخور التي شكّلت في الماضي معبراً تجارياً دولياً ازدهر على مدى قرون من الزمن. بدأ استكشاف هذا الموقع في مطلع الخمسينات، وأدت أعمال التنقيب المتواصلة فيه إلى العثور على مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية، منها بضعة أنصاب حجرية مسطّحة تحمل نقشاً غائراً يمثّل وجهاً آدمياً مختزلاً، تقتصر ملامحه على عينين واسعتين وأنف مستطيل.

يضمّ موقع سمهرم مستوطنة أثرية تجاور خوراً من أخوار ساحل محافظة ظفار يقع في الجهة الشرقية من ولاية طاقة، يُعرف محليّاً باسم «خور روري». يعود الفضل في اكتشاف هذا الموقع إلى بعثة أميركية، أسّسها عام 1949 في واشنطن عالم الآثار وينديل فيليبس الذي لُقّب بـ«لورنس العرب الأميركي». شرعت هذه البعثة في إجراء أول حفريّة في «خور روري» خلال عام 1950، وواصلت عملها على مدى 3 سنوات، وكشفت عن مدينة لعبت دور ميناء دولي، عُرفت باسم سمهرم، كما تؤكد النقوش الكتابية المدونة بخط المُسنَد العربي الجنوبي. من بين أطلال هذه المدينة المندثرة، خرجت مجموعة من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة زُيّن كلٌّ منها بنقش تصويري غائر طفيف يمثّل وجهاً آدمياً ذكورياً، كما يؤكّد الكشف العلمي الخاص بهذه البعثة.

عُثر على حجرين من هذه الحجارة على مقربة من أرضية مبنى من معالم سمهرم، وعُثر على ثالث على مقربة من المعبد الخاص بهذه المستوطنة، ممّا يوحي بأنه شكّل في الأصل جزءاً من أثاث هذا المعبد على الأرجح، كما رأى العالِم فرانك فيدياس أولبرايت في تقرير نُشر في عام 1953. استمرّت أعمال المسح والتنقيب في سمهرم، وتولّتها منذ عام 1997 بعثة إيطالية تابعة لجامعة بيزا، ومع هذه الأعمال، تمّ الكشف عن مجموعة أخرى من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة مشابهة لتلك التي عثرت عليها البعثة الأميركية.

يتكرّر النقش التصويري على هذه الأنصاب التي احتار أهل الاختصاص في تحديد وظيفتها، ويتمثّل بوجه آدمي مجرّد هندسياً إلى أقصى حد. اختُزلت ملامح هذا الوجه بعينين لوزيّتين واسعتين، وأنف مستطيل رفيع. خلت هاتان العينان الفارغتان من حدقتيهما، كما غابت عنهما الرموش والحواجب، فظهرتا على شكل مساحتين بيضاويتين حُدّدتا بخط ناتئ رفيع وبسيط في وضعية المواجهة. كذلك، ظهر الأنف على شكل مثلّث عمودي طويل يحدّده خط مماثل. يعود هذا الوجه ويظهر على واجهة مجمّرة مخصّصة لحرق البخور، عثرت عليها البعثة الإيطالية خلال عام 2014، إلى جانب مجمّرتين تتبعان الطراز المألوف المجرّد من النقوش. ويتميّز هذا الوجه بظهور حاجبين مقوّسين يمتدان ويلتصقان عند أعلى مساحة الأنف المستطيلة.

خرجت من موقع سمهرم مجموعة كبيرة من المجامر والمباخر، غير أن هذا الوجه المجرّد لا يظهر على أي منها، كما أنه لا يظهر على أي من عشرات المجامر التي عُثر عليها في نواحٍ عدة من جزيرة العرب الشاسعة. في الواقع، يتبع هذا الوجه طرازاً ارتبط على نحوٍ واسع بشواهد القبور، وعُرف باسم «المسلّة ذات العينين». خرج العدد الأكبر من هذه المسلّات من محافظة الجوف التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من صنعاء، وخرج عدد آخر منها من وادي بهيان في محافظة حضرموت. تجاوز هذا الطراز حدود جنوب الجزيرة العربية، وبلغ شمالها حيث ظهر في واحة تيماء في منطقة تبوك، وقرية الفاو في الجنوب الغربي من الرياض، كما تؤكّد شواهده التي كشفت أعمال التنقيب عنها خلال العقود الماضية.

حمل هذا الطراز طابعاً جنائزياً لا لبس فيه، وتمثّلت خصوصيّته بهذا الوجه التجريدي الهندسي الذي ظهر على شواهد قبور فردية، كما تشير الكتابات المنقوشة التي تسمّي أصحاب تلك القبور. يصعب تأريخ هذه المسلّات بدقة، نظراً إلى غياب أي إشارة إلى تاريخها في الكتابات المرفقة، والأكيد أن هذا الطراز الجنائزي ظهر في القرن الثامن قبل الميلاد، وشاع على مدى 5 قرون. يحضر هذا الوجه في سمهرم، ويشهد هذا الحضور لدخوله إقليم عُمان في مرحلة تلت فترة انتشاره في جنوب الجزيرة وفي شمالها، فالدراسات المعاصرة تؤكد أن ميناء سمهرم شُيّد في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، وارتبط بمملكة حضرموت في زمن نشوء التجارة البحرية وازدهارها في المحيط الهندي، وظلّ ناشطاً حتى القرن الخامس للميلاد، حيث تضاءل دوره وتلاشى تدريجياً نتيجة اندحار مملكة حضرموت.

حضر هذا الوجه التجريدي في سمهرم حيث ظهر على عدد من المسلّات، وانطبع بشكل استثنائي على مجمرة تبدو نتيجة لذلك فريدة من نوعها إلى يومنا هذا. خرج هذا الوجه في هذا الموقع العُماني عن السياق الجنائزي الذي شكّل أساساً في جنوب جزيرة العرب، وحمل هُويّة وظائفية جديدة، وتحديد هذه الهوية بشكل جليّ لا يزال يمثّل لغزاً وتحدّياً للباحثين في ميدان الآثار العُمانية.