الجزائر تعرب عن قلقها بعد قرار مالي وقف العمل بـ«اتفاق المصالحة»

اتهمت باماكو بتفضيل «الخيار العسكري» على الحل السلمي

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 من يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 من يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر تعرب عن قلقها بعد قرار مالي وقف العمل بـ«اتفاق المصالحة»

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 من يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 من يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

قالت الجزائر، اليوم (الجمعة)، إن قرار السلطة الانتقالية في مالي إنهاء اتفاق السلم والمصالحة «يحمل مخاطر على مالي نفسه، وعلى كامل المنطقة التي تتطلع إلى السلم والأمن». وجاء ذلك بعد أن أكدت باماكو، أمس (الخميس)، أنه «لم يعد من الممكن الاستمرار في الاتفاق بسبب عدم التزام الموقّعين الآخرين بتعهداتهم، والأعمال العدائية التي تصدر عن الجزائر».

وأفادت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان، بأنها «علمت بأسف بالغ وقلق عميق شجب السلطات المالية اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر». مبرزاً أن شعب مالي «يجب أن يعلم وأن يكون مقتنعاً بأن اللائحة الطويلة من الأسباب، التي قدمت لدعم شجب الاتفاق، لا تنسجم بأي شكل من الأشكال مع الحقيقة والواقع».

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

وأضاف البيان موضحاً: «لم يفت على أحد أن السلطات المالية أعدت لهذا القرار منذ فترة طويلة. ولاحت على مدى عامين مؤشرات تنذر بذلك، تمثلت في انسحابها الكامل تقريباً من تنفيذ الاتفاق، ورفضها المنهجي أي مبادرة لإعادة إطلاق تنفيذ هذا الاتفاق، وتشكيكها في نزاهة الوسطاء الدوليين، وتسميتهما الموقّعين على الاتفاق المعترف بهم كقادة إرهابيين، وطلبها الانسحاب من بعثة الأمم المتحدة في مالي، زيادة على تكثيف مشروعات التسليح التي تمولها بلدان أخرى، واستخدامها مرتزقة دوليين».

وتابع البيان أن «جميع هذه التدابير المنفذة بصورة منهجية مهّدت بعناية الطريق للتخلي عن الخيار السياسي، لصالح الخيار العسكري وسيلةً لحل الأزمة المالية». وعدّت الجزائر قرار السلطة العسكرية الانتقالية التخلي عن الاتفاق «أمراً مؤسفاً وغير مرغوب، وقد ثبت في الماضي أن الخيار العسكري هو أول تهديد لوحدة مالي وسلامتها الإقليمية، كما أن القرار يحمل بذور حرب أهلية في مالي؛ لأنه يبعد المصالحة الوطنية بدلاً من أن يقربها، ويشكل تهديداً حقيقياً للسلم والاستقرار الإقليميين».

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ محمد ديكو رجل الدين المعارض للحكم في مالي 19 من ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

وجاء رد فعل الجزائر بعد ساعات من إعلان المتحدث العسكري باسم الحكومة الانتقالية، العقيد عبد الله مايغا، خلال ظهور له في التلفزيون الحكومي، أنه «لم يعد من الممكن الاستمرار في الاتفاق بسبب عدم التزام الموقّعين الآخرين بتعهداتهم، والأعمال العدائية التي تصدر عن الجزائر»، الوسيط الرئيسي في اتفاق السلام، الذي لم يحقق أي تقدم منذ التوقيع عليه قبل تسع سنوات.

وتحدث مايغا عن «عدم قدرة الوساطة الدولية على ضمان الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتق الجماعات المسلحة الموقعة (على الاتفاق)، على الرغم من الشكاوى التي تقدمت بها الحكومة الانتقالية، عبر رسالة وزير المصالحة والسلم والتماسك الوطني، المكلف اتفاق السلم والمصالحة الوطنية بتاريخ 24 فبراير (شباط) 2023، والموجهة إلى السلطات الجزائرية التي تولت قيادة الوساطة».

من جهتها، قالت «جبهة تنسيق حركات أزواد»، وهي أحد تنظيمات المعارضة المسلحة، إنها «لم تفاجَأ بقرار إنهاء العمل باتفاق الجزائر»، وأكد المتحدث باسمها، المولود رمضان «أننا كنا نتوقع ذلك منذ أن أحضروا (فاغنر)، وطردوا بعثة الأمم المتحدة، وبدأوا أعمالاً عدائية بمهاجمة مواقعنا على الأرض. كنا نعلم أن الهدف هو إنهاء الاتفاق».

وكانت الجزائر قد اتهمت في العاشر من الشهر الحالي «بلداً عربياً شقيقاً»، قالت: إن «تصرفات عدائية» صدرت منه ضدها، وذلك في اجتماع أمني رفيع، ضم الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، وقادة جهازي الأمن الداخلي والخارجي، ووزراء الخارجية والداخلية والعدل. ولم تذكر من هو «البلد العربي الشقيق» الذي وجّه له الاتهام، ولا فيما تتمثل «تصرفاته العدائية». وفهم مراقبون بأن الأمر يتعلق بتسارع الأوضاع في مالي بعد عملية عسكرية للجيش في معاقل المعارضة المسلحة، التي تطالب بإقامة دولة في الشمال.

سفير الجزائر لدى استدعائه من طرف وزير خارجية مالي نهاية 2023 (الخارجية المالية)

وبين الجزائر ومالي حدود بطول 1300 كلم، تعد هدفاً للجماعات المتطرفة ومهربي السلاح، وشبكات الهجرة غير النظامية وتجار المخدرات.

وكانت العلاقة بين الجزائر ومالي قد شهدت توتراً في الأسابيع الأخيرة، على إثر استدعاء السلطات العسكرية في باماكو سفير الجزائر لديها؛ احتجاجاً على «أفعال غير ودّية من جانب بلاده، وتدخّلها في الشؤون الداخلية» لمالي. وأخذت باماكو على الجزائر عقدها اجتماعات مع المعارضة، واستقبالها الشيخ محمود ديكو، رجل الدين المعروف بتصريحاته النارية ضد السلطة العسكرية الحاكمة. وفي اليوم الموالي، استدعت الخارجية الجزائرية سفير مالي، الذي ذكّرته بقوة بأن المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي «كانت مبنية بصفة دائمة على مبادئ أساسية لم تَحِد، ولن تحيد عنها بلادنا».

ووفق مسؤولين جزائريين، فقد أبدت السلطة العسكرية الانتقالية في الأشهر الأخيرة إرادة قوية في حسم الصراع لصالحها بالقوة، حيث عقدت تحالفاً مع ميليشيا «فاغنر» الموالية لروسيا، التي أمدّت القوات المالية بعتاد عسكري وفني حديث، استعانت به في شن حملة على مدينة كيدال، معقل المعارضة الرئيسي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي واستولت عليها. وعدّ الجزائريون هذا العمل بمثابة ضربة لجهود الوساطة التي يقومون بها، وتوقعوا حينها نسف اتفاق السلام.



مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

في سياق تكثيف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار، ناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي بهدف تقليل تأثيرات وخسائر الحرب السودانية، ودعم الأمن الغذائي بين البلدين.

واستضافت العاصمة المصرية القاهرة فعاليات «الملتقى المصري - السوداني الأول لرجال الأعمال»، اليوم السبت، بعد أيام من انعقاد «المؤتمر الاقتصادي الأول» في السودان، وناقش مسؤولون ورجال أعمال من البلدين فرص التوسع في الشراكات الاقتصادية.

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 13 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء المصري، ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، في كلمته بالملتقى، أن التحديات التي تواجهها مصر والسودان «تفرض التعاون المشترك في مختلف المجالات»، لافتاً إلى حرص بلاده على «دعم السودان لتجاوز محنة الحرب وعودة الاستقرار».

وعدد الوزير المصري مجموعة من الفرص، التي يمكن استثمارها لدفع مجالات التجارة والصناعة والاستثمار في البلدين، منها «ثلاثة محاور للنقل البري، والمواني الجافة على الحدود المشتركة في معبري (قسطل وأرقين)»، إلى جانب ميناء للملاحة النهرية بين بحيرة ناصر (جنوب مصر) إلى وادي حلفا (شمال السودان)، معلناً عن مخطط مصري لمد مشروع خط القطار السريع «أبو سمبل - الإسكندرية» إلى السودان في منطقة «وادي حلفا»، ومؤكداً أن دراسات المشروع «باتت جاهزة للتنفيذ وتتبقى موافقة الجانب السوداني».

ويربط مصر والسودان منفذان بريان، هما معبرا «أرقين»، و«أشكيت» (ميناء قسطل) بوادي حلفا بالولاية الشمالية، ويعتمد البلدان على المعبرين في التبادل التجاري ونقل الأفراد.

وزير النقل المصري خلال كلمته بـ"الملتقى المصري-السوداني" (مجلس الوزراء المصري)

ودعا كامل الوزير المستثمرين السودانيين لتوسيع أعمالهم في السوق المصرية، مشيراً إلى أن حكومة بلاده «مستعدة لإزالة أي عقبات أمام الشركات السودانية للاستفادة من الفرص المتاحة في قطاعات التجارة والقطاعات الإنتاجية»، ومنوهاً بـ«إجراءات تحسين مناخ الاستثمار بمصر لتسهيل تأسيس الشركات، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة».

وأضاف الوزير موضحاً أن «ملتقى رجال الأعمال المصري - السوداني» سيشكل «نواة للشراكة في المجال الصناعي بين البلدين، بما يعزز من التكامل الإقليمي، مع التعاون في مجال الأمن الغذائي».

وشارك في الملتقى وفد حكومي سوداني، ضم وزراء الصناعة والنقل والتموين والنفط والكهرباء، إلى جانب ممثلين من مجتمع الأعمال المصري - السوداني، وروابط الجالية السودانية بمصر.

وحسب تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني، فروا من الحرب الداخلية، إلى جانب آلاف آخرين من الذين يعيشون في المدن المصرية منذ سنوات.

وعدّ السفير السوداني بمصر، عماد الدين عدوي، أن مبادرة انعقاد (ملتقى رجال الأعمال) بين البلدين «تستهدف تدشين شراكة لإعادة الإعمار في بلاده بعد الحرب»، مشيراً إلى أن الشركات المصرية (حكومية وخاصة) «هي الأجدر والأقدر على القيام بعملية الإعمار، وإعادة بناء ما دمرته الحرب».

كما أشار عدوي إلى أن الحرب «أثرت على النشاط الاقتصادي لبلاده، وحدّت من فرص التبادل التجاري»، غير أنه لفت إلى أن «نسب التجارة المصرية - السودانية لم تتأثر كثيراً، إذ حافظت على استقرارها عامي 2022 و2023»، وقال إن من أهداف الملتقى «دفع الشراكة لتحقيق الأمن الغذائي».

وسجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان نحو 1.4 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 1.5 مليار دولار عام 2022، بنسبة انخفاض قدرها 6.4 في المائة، وفق إفادة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر، في مارس (آذار) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

مشاركات واسعة في "الملتقى المصري-السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة" (مجلس الوزراء المصري)

من جانبه، تحدث وزير التموين المصري، شريف فاروق، عما تنفذه بلاده من مشروعات بنية تحتية ولوجيستية، وقال إن تلك المشروعات «تمنح فرصاً للمستثمرين المصريين والسودانيين لتعزيز شراكتهم واستثماراتهم».

بينما أشار وزير التموين والتجارة السوداني، عمر محمد أحمد، إلى تأثير الحرب الداخلية على القطاعات الإنتاجية في بلاده، لافتاً في كلمته بالملتقى إلى «حاجة بلاده لمزيد من الاستثمارات في الأمن الغذائي»، ودعا إلى «تأسيس تحالف استراتيجي اقتصادي تجاري بين البلدين».

وناقش الملتقى ورقتي عمل حول عملية «إعادة الإعمار في السودان»، وفرص «تحقيق الأمن الغذائي بين البلدين»، وقدّر مدير «مركز التكامل المصري - السوداني»، عادل عبد العزيز، حجم خسائر القطاع الاقتصادي في السودان بسبب الحرب بنحو «89 مليار دولار»، من دون احتساب خسائر تدمير البنية التحتية والمنشآت، وقال في كلمته بالملتقى إن السودان «يواجه إشكالية مع المجتمع الدولي، ويعوّل على الشراكة مع الدول الصديقة مثل مصر لتجاوز أي تحديات».

وخلال فعاليات الملتقى، تحدث ممثلون عن المستثمرين ورجال الأعمال بالبلدين، وأشار ممثل مجتمع الأعمال السوداني، سعود مؤمن، إلى أن الملتقى «يروم تكامل جهود البلدين في إعادة الإعمار، وتوفير احتياجات السودان من السلع الضرورية»، منوهاً بـ«رغبة القطاع الخاص السوداني في تدشين تجمعات اقتصادية مع نظرائهم بمصر في مجال الصناعات الغذائية».

كما أشار رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، إلى أن «الزراعة تعد من أكثر المجالات جذباً للاستثمار بالسودان لتوافر المياه والأرض الصالحة»، فيما رأى ممثل مجتمع الأعمال المصري، أحمد السويدي، أن «التصنيع الزراعي أحد المجالات التي يمكن الاستثمار بها في السودان».