غبريال أتال أصغر رئيس للحكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية

يرى معلقون أن إيمانويل ماكرون «استنسخ تجربته الخاصة»

ماكرون يعين غابرييل أتال رئيساً للوزراء
0 seconds of 25 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:25
00:25
 
TT
20

غبريال أتال أصغر رئيس للحكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية

غبريال أتال في باحة قصرماتينيون الثلاثاء (رويترز)
غبريال أتال في باحة قصرماتينيون الثلاثاء (رويترز)

ثمة تشابه، بعيداً عن العمر والانتماء السياسي، بين الرئيس إيمانويل ماكرون والرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران. كلاهما فاز بالرئاسة لولايتين، لكن الأول وصل إلى قصر الإليزيه في سن الـ65 عاماً، فيما الثاني في سن التاسعة والثلاثين. الأول، عين الوزيرة أديث كريسون، مايو (أيار) 1991، في عهده الثاني، رئيسة للحكومة، وذلك للمرة الأولى في التاريخ. إلا أن التجربة لم تدم طويلاً إذ انتهت بعد 11 شهراً. وماكرون فعل الشيء نفسه مع تعيين الوزيرة إليزابيث بورن رئيسة للحكومة وقد بقيت في منصبها 20 شهراً، وقدمت استقالتها لماكرون وبناءً على طلبه، عصر الاثنين.

وميتران جدد عام 1984 من خلال الطلب من الوزير لوران فابيوس أن يشكل حكومة جديدة. وكان فابيوس البالغ وقتها من العمر 37 عاماً أصغر رئيس حكومة عرفته الجمهورية الفرنسية الخامسة التي أسسها الجنرال ديغول في عام 1958. وذهب ماكرون أبعد من ذلك مع تعيين غبريال أتال، وزير التربية، رئيساً للحكومة وهو في سن الـ34 عاماً. وبذلك يكون ماكرون قد تفوق، في هذه الناحية، على سلفه الكبير بأن ساهم في تجديد الجسم السياسي.

ويذهب عدد من المعلقين السياسيين في باريس إلى اعتبار أن الرئيس الحالي «استنسخ تجربته الخاصة» إذ انتخب رئيساً للجمهورية في عام 2017 وهو في سن التاسعة والثلاثين، وكان بذلك أصغر رئيس يصل إلى قصر الإليزيه.

الرئيس ماكرون وإليزابيت بورن: الطلاق، في صورة تعود لـ18 يونيو الماضي بمناسبة الاحتفال بذكرى نداء الجنرال ديغول للفرنسيين لمقاومة الألمان الغزاة (أ.ب)
الرئيس ماكرون وإليزابيت بورن: الطلاق، في صورة تعود لـ18 يونيو الماضي بمناسبة الاحتفال بذكرى نداء الجنرال ديغول للفرنسيين لمقاومة الألمان الغزاة (أ.ب)

منذ العام الماضي، الذي كان قاسياً بالنسبة لماكرون سياسياً واجتماعياً، لما شهدته فرنسا من مظاهرات واحتجاجات بسبب إقرار قانون تعديل سن التقاعد وقانون الهجرات، وكلاهما أحدث انقسامات عميقة في المجتمع، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، دأب الرئيس الفرنسي على القول إنه يريد إعطاء «زخم جديد» لولايته الثانية (من خمس سنوات) التي لم ينقض منها سوى 21 شهراً. من هنا، فإن اختياره وزير التربية، الشاب الديناميكي، المتمتع بشعبية تخطت شعبيته الخاصة وشعبية السياسيين كافة يعد خياراً صائباً. وفي الأشهر الأخيرة، بدأ نجم أتال يلمع بقوة وبدأ النظر إليه على أنه «الحصان الرابح» لماكرون الذي سيخوض السباق الرئاسي مكانه في عام 2027، باعتبار أن الدستور يمنعه من الترشح لولاية ثالثة. كذلك أراد ماكرون أن تترأس الحكومة الجديدة شخصية شابة وشعبية قادرة على مواجهة الانتخابات الأوروبية في شهر يونيو (حزيران) المقبل، حيث تبين استطلاعات الرأي أن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي يرأسه جوردان بارديلا الذي لم يتخط سن الـ28 عاماً، سيكون الفائز الأكبر فيها. وستكون لائحة الحزب الانتخابية بقيادة بارديلا.

وسارع ماكرون بتوجيه رسالة عبر منصة «إكس» لرئيس الحكومة الجديدة جاء فيها: «عزيزي غبريال أتال، أنا أعلم أنني أستطيع الاعتماد على طاقتك والتزامك من أجل تنفيذ المشروع الذي أعلنته والخاص بإعادة تسليح فرنسا وإعادة تجديدها»، وذلك في إطار الوفاء لروحية (مشروع) عام 2017 وعنوانه «التخطي والجرأة وذلك في خدمة الأمة والفرنسيين».

إليزابيث بورن تغادر بعد حفل التسليم والتسلم في باحة قصرماتينيون الثلاثاء (رويترز)
إليزابيث بورن تغادر بعد حفل التسليم والتسلم في باحة قصرماتينيون الثلاثاء (رويترز)

صعود نجم غبريال أتال

حقيقة الأمر أن صعود نجم غبريال أتال السريع والاستثنائي في السماء السياسية، يعود الفضل فيه لماكرون شخصياً. وتعود العلاقة بين الرجلين إلى عام 2016 عندما كشف ماكرون عن طموحاته الرئاسية وأطلق حزباً بمسمى «إلى الأمام» الذي تحول لاحقاً إلى «فرنسا إلى الأول» ثم إلى «النهضة». وقبل ذلك، كان أتال منتمياً إلى «الحزب الاشتراكي»، وسبق له أن عمل مستشاراً لوزراء اشتراكيين. وتنقل أتال في مناصب وزارية عديدة، أولها وزير دولة لشؤون في وزارة التربية والشباب ثم وزيراً ناطقاً باسم الحكومة، وقد اختير لهذه الوظيفة الاستراتيجية بسبب مهارته الكلامية وبلاغته. وبعد إعادة انتخاب ماكرون، سمي أتال عام 2022 وزيراً للخزانة في حكومة إليزابيث بورن الأولى ثم وزيراً للتربية في حكومتها الثانية، حيث بقي في هذا المنصب ستة أشهر. وفي هذا المنصب، انتهج أتال خطاً متشدداً، بدءاً باحترام العلمنة ومنع ارتداء «العباءة» للتلميذات في المدرسة باعتبارها مظهراً للانتماء الديني. كذلك، ومنذ الأيام الأولى، طالب المدرسين والمدرسات باستعادة «هيبتهم» داخل الصفوف ومحاربة ظاهرة «التنمر» والتركيز على نقل المعرفة.

غبريال أتال يلقي كلمة خلال التسليم والتسلم مع إليزابيث بورن في باحة «قصر ماتينيون» الثلاثاء (إ.ب.أ)
غبريال أتال يلقي كلمة خلال التسليم والتسلم مع إليزابيث بورن في باحة «قصر ماتينيون» الثلاثاء (إ.ب.أ)

وفي الكلمة التي ألقاها في باحة «قصر ماتينيون»، مقر رئاسة الحكومة، في إطار عملية التسليم والتسلم بينه وبين إلزابيث بورن، أكد أتال أنه يعدُّ أن «قضية المدرسة» هي «أولويته المطلقة» و«أم المعارك»، وأنه ستكون «بوصلته» التي يحملها معه إلى رئاسة الحكومة. وتفيد معلومات شبه مؤكدة بأنه سيحتفظ بوزارة التربية إلى جانب رئاسة الحكومة، نظراً للدور الذي تلعبه في تكوين المواطن والدفاع عن شعار الجمهورية الفرنسية (الحرية، الإخاء والمساواة). وأكثر من مرة، شكر أتال الرئيس ماكرون الذي منحه ثقته، كما شكر رؤساء حكوماته المعاقبين بمن فيهم «العزيزة إليزابيث»، وكلهم ضموه إلى حكوماتهم المتعاقبة منذ عام 2018. ووصف أتال الأخيرة بأنها «ساهمت ببناء مستقبل فرنسا» وعملت «بجد وشجاعة»، لا بل كانت بمثابة «المثال» لوزرائها. وفي إشارته إلى تعيينه في منصبه الجديد، رأى أنه بمثابة «رمز» يعكس «الجرأة والرغبة في الحركة».

لا شك أن مسار رئيس الحكومة الجديد يختصر قصة نجاح سريع واستثنائي ساهمت بها البيئة التي ترعرع فيها، حيث ولد في عائلة ميسورة. والده، إيف أتال، وهو يهودي تونسي، محامٍ، ولكنه أيضاً منتج سينمائي، وأمه ماري دو كوريس، أرثوذكسية، موظفة تعمل لصالح شركة إنتاج، تتحدر من أسرة ذات أصل يوناني، من مدينة أوديسا الأوكرانية. ونشأ غابرييل أتال في باريس ودرس في المدرسة الألزاسية التي تعد من أرقى المدارس الخاصة في العاصمة وبعدها انتمى إلى معهد العلوم السياسية في باريس. إلا أنه لم يتمم تأهله العلمي في المعهد الوطني للإدارة الذي تخرج منه غالبية كبار المسؤولين، منهم الرئيس ماكرون، في العقود المنقضية. وفي عام 2017، انتخب أتال نائباً في الانتخابات الأولى التي حصلت بعد فوز ماكرون برئاسة الجمهورية، التي مكنته من الحصول على أكثرية مطلقة وفضفاضة في مجلس النواب. وأعيد انتخابه نائباً في عام 2022. بيد أن هذه الأكثرية لم تتوافر لماكرون في الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي يصعب عمله وعمل حكومته. وسيتعين على أتال أن يبحث عن أكثرية تصوت لصالح مشروعات القوانين التي ستقدمها حكومته إلى البرلمان.

غبريال أتال وراء ماكرون في 1 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)
غبريال أتال وراء ماكرون في 1 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

كثيرة هي الردود التي تقاطرت عقب تعيين أتال، وقد انقسمت، كما هو متوقع، بين مندد ومقرظ. وجاء أعنفها من جان لوك ميلونشون، زعيم «حزب فرنسا المتمردة» والمرشح الرئاسي السابق. وكتب ميلونشون في تغريدة أن «منصب رئيس الحكومة يختفي إذ إن الملك الرئاسي يمارس الحكم مع بطانته... البؤس للشعوب التي يكون أمراؤها أطفالاً».

وأكد أوليفيه فور، الأمين العام لـ«الحزب الاشتراكي»، أن أتال يفتقر لإنجازات حكومية يمكن أن تحتسب له، وأنه تنقل من وزارة إلى وزارة دون أن يترك أثراً. وخلاصته: «بورن أو أتال أو أي رئيس آخر: السياسة نفسها سيتم اتباعها والانتقادات ستكون هي هي».

وتساءلت مارين لوبن عما يمكن أن «يأمله الفرنسيون من رابع رئيس للحكومة وخامس حكومة في سبع سنوات؟... لا شيء... إنهم ينتظرون مشروعاً يجعلهم في قلب أولويات (السياسة) العامة والطريق إلى ذلك يمر في 9 يونيو» أي مع الانتخابات الأوروبية.

أما رئيسة مجلس النواب، يائيل براون - بيفيه، فهنأت أتال وأكدت «القدرة على العمل معاً، بكل ثقة، من أجل مواصلة السير، في الجمعية الوطنية، بمشاريع الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية لخدمة الفرنسيين».

وكتب سيلفان مايار، رئيس مجموعة نواب «النهضة» (الحزب الرئاسي) أن هؤلاء النواب «سيكونون حلفاء موثوقين ومتطلبين للاستجابة للتحديات التي تواجهها فرنسا ومواصلة عملية الإصلاح».

أخيراً، شدد أريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي على أن نواب حزبه سيمارسون «معارضة مسؤولة ومتشددة»، مؤكداً أن فرنسا «بحاجة ملحة للعمل ولنهج مختلف في الحكم» إلى «سياسة تتسم بالوضوح والتشدد».

يبقى أنه يعني انتظار تشكيل الحكومة الجدية لمعرفة التوجهات التي ستسير عليها والجديد الذي سيحمله رئيسها الأصغر من بين كل من سبق أن شغلوا منصبه.


مقالات ذات صلة

بمشاركة ترمب وماكرون وزيلينسكي... الفاتيكان يعد لجنازة البابا فرنسيس السبت

أوروبا تجمُّع المواطنين بساحة القديس بطرس في الفاتيكان بعد وفاة البابا فرنسيس (رويترز) play-circle

بمشاركة ترمب وماكرون وزيلينسكي... الفاتيكان يعد لجنازة البابا فرنسيس السبت

تقام جنازة البابا فرنسيس، صباح السبت المقبل، بساحة القديس بطرس في الفاتيكان بمشاركة حاشدة يُتوقع أن تصل إلى مئات آلاف المصلين.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

بعد تقليص ترمب تمويل الأبحاث... ماكرون يدعو العلماء للعمل بفرنسا

دعا الرئيس الفرنسي العلماء من جميع أنحاء العالم إلى القدوم للعمل في فرنسا أو أوروبا في وقت تبدأ فيه إدارة الرئيس الأميركي تقليص تمويل الجامعات والهيئات البحثية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز)

موسكو تتهم برلين بالتورط مباشرة في الحرب من خلال تزويد كييف بصواريخ «توروس»

موسكو تتهم برلين بالتورط مباشرة في الحرب من خلال تزويد كييف بصواريخ «توروس» وتقول إن الأوروبيين يريدون «استمرار الحرب» في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
شمال افريقيا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (أ.ف.ب)

وزير داخلية فرنسا يدعو إلى «تشديد الضغط» على الجزائر لاستعادة مواطنيها

دعا وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، الخميس، إلى «تشديد الضغط» على الجزائر، واستخدام «أدوات» أخرى إذا استمرَّت في رفض استعادة مواطنيها المطرودين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية ماكرون خلال زيارته معرض «كنوز غزة» في معهد العالم العربي يوم الاثنين ويظهر ممسكاً بخريطة «فلسطين» مرسومة على قماش (أ.ف.ب)

رغم تركيزها على «الاعترافات المتبادلة»... نتنياهو متمسك برفض مبادرة ماكرون

نتنياهو متمسك برفض مبادرة ماكرون رغم تركيزها على «الاعترافات المتبادلة»، والرئيس الفرنسي يواصل مساعيه الدبلوماسية ويكثف اتصالاته تهيئة لمؤتمر يونيو (حزيران).

ميشال أبونجم (باريس)

9 قتلى و63 جريحا في قصف صاروخي روسي استهدف كييف

رجال إنقاذ أوكرانيون يززيلون الأنقاض بعد هجوم صاروخي باليستي روسي لدى كييف في وقت مبكر من يوم الخميس (أ.ب)
رجال إنقاذ أوكرانيون يززيلون الأنقاض بعد هجوم صاروخي باليستي روسي لدى كييف في وقت مبكر من يوم الخميس (أ.ب)
TT
20

9 قتلى و63 جريحا في قصف صاروخي روسي استهدف كييف

رجال إنقاذ أوكرانيون يززيلون الأنقاض بعد هجوم صاروخي باليستي روسي لدى كييف في وقت مبكر من يوم الخميس (أ.ب)
رجال إنقاذ أوكرانيون يززيلون الأنقاض بعد هجوم صاروخي باليستي روسي لدى كييف في وقت مبكر من يوم الخميس (أ.ب)

سقط ما لا يقلّ عن تسعة قتلى و63 جريحا، بينهم ستة أطفال، في قصف صاروخي روسي استهدف كييف ليل الأربعاء-الخميس، بحسب ما أعلنت فرق الإسعاف في العاصمة الأوكرانية.ومنذ استفاقت كييف ليلا على دويّ القصف والحصيلة لا تنفكّ تتزايد، وقد بلغت صباح الخميس وفق فرق الإسعاف «تسعة قتلى و63 جريحا نُقل 42 منهم إلى المستشفيات وبينهم ستة أطفال».

وكان رئيس بلدية كييف أعلن في وقت سابق أنّ القصف الصاروخي الذي استهدف العاصمة الروسية فجر الخميس أوقع قتيلين و54 جريحا على الأقلّ، بينهم أطفال. وقال فيتالي كليتشكو عبر تطبيق تلغرام إنّ «شخصين قتلا في العاصمة» وأصيب 54 آخرون بجروح، بينهم 38 نقلوا إلى المستشفى، وفي عداد هؤلاء «ستة أطفال».

وكانت العاصمة الأوكرانية كييف تعرّضت ومدينة خاركيف فجر الخميس لـ«صواريخ معادية» أسفرت عن سقوط إصابات في قصف اتّهمت في أعقابه الرئاسة الأوكرانية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «لا يملك سوى الرغبة في القتل». وكتبت السلطات العسكرية في العاصمة الأوكرانية على قناتها في تطبيق تلغرام أنّ «كييف تتعرض لهجوم بصواريخ معادية». وأفادت السلطات العسكرية بوقوع أضرار مادية في اثنين على الأقلّ من أحياء المدينة، وحضّت السكّان على الاحتماء في الملاجئ.

وشاهد مراسلون سكّانا يهرعون إلى ملجأ في الطابق السفلي من مبنى سكني بمجرد دوي صفارات الإنذار. ويعود آخر هجوم صاروخي على كييف إلى مطلع أبريل (نيسان) الجاري. وفي خاركيف، أعلن رئيس بلدية المدينة إيغور تيريخوف أنّ «ضربات صاروخية متكرّرة» طالت المدينة، من دون تسجيل سقوط إصابات في الحال.