هجمات البحر الأحمر تثير مخاوف بشأن عائدات قناة السويس المصرية

بعد إعلان «ميرسك» الدنماركية تحويل مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح

الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تؤثر على قناة السويس (أرشيفية - رويترز)
الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تؤثر على قناة السويس (أرشيفية - رويترز)
TT

هجمات البحر الأحمر تثير مخاوف بشأن عائدات قناة السويس المصرية

الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تؤثر على قناة السويس (أرشيفية - رويترز)
الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تؤثر على قناة السويس (أرشيفية - رويترز)

جدد إعلان شركة الشحن الدنماركية «ميرسك» وقف رحلاتها عبر قناة السويس المصرية، المخاوف بشأن تأثير الهجمات في البحر الأحمر على قناة السويس، التي تعدّ مصدراً رئيسياً للدخل في مصر، فضلاً عن تأثير الهجمات على حركة التجارة العالمية في «ظل زيادة زمن وتكلفة الشحن؛ ما ينذر بزيادات في الأسعار».

وقالت «ميرسك» في بيان صحافي، الجمعة: إن «جميع سفن الشركة التي كان من المقرر أن تعبر البحر الأحمر وخليج عدن ستتحول جنوباً لتدور حول طريق رأس الرجاء الصالح في المستقبل القريب». وأضافت أن «الوضع يتطور باستمرار وما زال (هشاً جداً)، وجميع المعلومات المتوافرة تؤكد أن المخاطر الأمنية ما زالت مرتفعة المستوى جداً». وأعربت «ميرسك» في بيانها عن «أملها في التوصل إلى حل مستدام في المستقبل القريب».

وقالت إنها «تبذل كل ما في وسعها للمساهمة في تحقيقه». وحثت الشركة عملاءها «على الاستعداد لاستمرار التعقيدات في المنطقة وحدوث اضطراب كبير في شبكة الشحن العالمية».

ووفق مراقبين، «جاء قرار (ميرسك) الدنماركية ليقلص الآمال بعودة الأمور إلى طبيعتها والتي تزامنت مع إعلان الشركة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحديد مواعيد لمرور سفن الحاويات التابعة لها عبر قناة السويس المصرية خلال الأسابيع القليلة المقبلة». لكن هجوماً على إحدى سفنها الأحد الماضي دفعها للعودة عن ذلك القرار.

وقال خبير الأمن القومي والشؤون الأفريقية المصري، محمد عبد الواحد، لـ«الشرق الأوسط»: إن هجمات «جماعة الحوثي» في البحر الأحمر وإن كانت «رمزية»، فإنها «أربكت المنطقة بالكامل، ليس فقط منطقة البحر الأحمر جغرافياً، بل النطاق الجيو - سياسي للدول المستفيدة منه». وأضاف عبد الواحد، أن التهديدات الأمنية في البحر الأحمر «كان لها تداعيات كارثية على حركة الملاحة والتجارة الدولية، وتسببت في ارتفاع تكلفة الشحن وزيادة مدة الرحلات بعد تغيير مسار الحاويات للدوران حول أفريقيا»، إضافة إلى «تعطل حركة ناقلات النفط المتجهة إلى أوروبا؛ ما ينذر بأزمة كبرى»، لافتاً إلى أن «قناة السويس المصرية بدأت تتأثر تدريجياً بتلك التهديدات مع تراجع معدلات السفن المارة عبرها».

وهو ما أكده أمين عام اتحاد الموانئ البحرية العربية، عصام الدين بدوي، بقوله لـ«الشرق الأوسط»: إن استمرار الهجمات في البحر الأحمر «سيكون له تأثير كبير على الملاحة في قناة السويس»، مشيراً إلى أنه «حتى منتصف ديسمبر الماضي لم تتأثر القناة كثيراً، لكن معدلات العبور تراجعت في الأسبوعين الماضيين».

سفينة الشحن «غالاكسي ليدر» بعد أن قرصنتها قوارب الحوثيين بالبحر الأحمر في 20 نوفمبر الماضي (رويترز)

وانخفض معدل مرور حاويات الشحن عبر قناة السويس خلال الفترة من 24 ديسمبر وحتى 2 يناير (كانون الثاني) الحالي بنسبة 28 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، حسب تقرير أعدته منصة «بورت ووتش» التابعة لصندوق النقد الدولي بالتعاون مع جامعة أكسفورد. وذكرت المنصة، أن «هذا يتوافق مع تحويل مسار 3.1 من المائة من التجارة العالمية بعيداً عن البحر الأحمر». ووصفت «بورت ووتش» البحر الأحمر بأنه «ممر مهم»، حيث «تعبره أكثر من 19 ألف سفينة سنوياً».

لكن بدوي يرى أن «التراجع الأخير ربما يعود لنهاية عام وبداية آخر، حيث تتم مراجعة تعاقدات النقل»، مشيراً إلى أن «التقييم الفعلي لتأثير تلك التهديدات الأمنية سيكون بحلول منتصف الشهر الحالي»، مؤكداً أن «تحقيق السلام في المنطقة، هو مفتاح الحل لوقف أي هجمات وتهديدات أمنية».

ويمر عبر قناة السويس ما يقرب من ثلث شحنات سفن الحاويات عالمياً، وقد «يكلف إعادة توجيه السفن حول أفريقيا وقوداً إضافياً بما يصل إلى مليون دولار للرحلة الواحدة ذهاباً وإياباً بين آسيا وشمال أوروبا»، بحسب المراقبين.

وكانت شركات شحن كبرى أصدرت تعليمات لسفنها بتغيير مسارها، وتسبب ذلك في ارتفاع أسعار شحن الحاويات بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، حيث ذكر موقع «فريتوس دوت كوم»، وهو منصة متخصصة في حجز البضائع ودفع ثمنها، الأربعاء الماضي، أن «السعر الفوري لشحن البضائع في حاوية طولها 40 قدماً من آسيا إلى شمال أوروبا تجاوز 4 آلاف دولار»، في ارتفاع بنسبة 173 في المائة عما كان عليه قبل منتصف ديسمبر الماضي. وأشار إلى أن «بعض شركات الشحن أعلنت عن أسعار تتجاوز 6 آلاف دولار بداية من منتصف يناير الحالي». وذكرت «ميرسك» الشهر الماضي، أنها فرضت رسوماً إضافية للنقل في وقت الاضطرابات ورسوماً إضافية لموسم الذروة؛ ما يضيف 700 دولار في المجمل على تكلفة سفر حاوية قياسية بطول 20 قدماً من الصين إلى شمال أوروبا.

وكان رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، قد أعلن في وقت سابق الشهر الماضي، أن «55 سفينة حولت مسارها بالفعل للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحتى منتصف ديسمبر الماضي»، لكنه أكد أن «هذه نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة قناة السويس خلال هذه الفترة نفسها».

حاويات شحن خلال مرورها في وقت سابق عبر قناة السويس (رويترز)

ورداً على هجمات «الحوثي»، أطلقت الولايات المتحدة في 1 ديسمبر الماضي عملية «حارس الازدهار» متعددة الجنسيات بهدف حماية حركة التجارة في البحر الأحمر، لكن الكثير من شركات الشحن ما زالت تحول سفنها حول أفريقيا بسبب استمرار الهجمات.

وهنا أشار عبد الواحد إلى أن التحالف العسكري الذي شكّلته الولايات المتحدة «له أهداف أخرى، بخلاف حماية الملاحة في البحر الأحمر، وهو مع جعل عدد من الدول تبدي تحفظات بشأن الانضمام فيه من بينها مصر»، موضحاً أن «التحالف يأتي رغبة من واشنطن ودول أخرى في السيطرة على أهم الممرات المائية في العالم، في إطار الصراع الجيو - سياسي بين أميركا والغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى»، إضافة إلى «رغبة أميركية في إعادة ترتيب الأوضاع في اليمن». وأشار إلى أن «(عسكرة) البحر الأحمر لن تكون مجدية في ردع هجمات (الحوثي)».

ومنذ 18 نوفمبر الماضي، تعرّضت نحو 25 سفينة تجارية كان تبحر في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن إلى هجمات. ودعت 12 دولة «جماعة الحوثي» الأربعاء الماضي، إلى «الوقف الفوري لهجماتهم غير القانونية «على السفن في البحر الأحمر، محذّرة من عواقب ذلك.

وتؤكد «جماعة الحوثي»، أنها «ستواصل استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل أو تلك المتّجهة إلى موانئ إسرائيلية، رداً على الحرب المستمرة على قطاع غزة».


مقالات ذات صلة

الضربة الإسرائيلية على إيران... كيف تؤثر في مسار مفاوضات «هدنة غزة»؟

شؤون إقليمية صورة من طهران بعد عدة انفجارات إثر موجات هجومية من إسرائيل (أ.ف.ب)

الضربة الإسرائيلية على إيران... كيف تؤثر في مسار مفاوضات «هدنة غزة»؟

قبيل يوم من انطلاق جولة محادثات في الدوحة، وبعد يومين من لقاءات مصرية بالقاهرة مع «حماس» و«الموساد»، أعلنت «هيئة البث الإسرائيلية» أن الهجوم على إيران انتهى.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قوة من السيارات المدرعة الإسرائيلية في صحراء النقب خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (غيتي)

أرشيف الجيش الإسرائيلي يكشف عن «ممارسات وحشية» منذ النكبة

كشف أرشيف الجيش الإسرائيلي القديم عن أن جنود التنظيمات اليهودية الذين حاربوا في عام 1948 وتسببوا في نكبة الشعب الفلسطيني ارتكبوا جرائم وحشية بكل المقاييس.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا دخان كثيف يتصاعد من ضاحية بيروت الجنوبية عقب قصف إسرائيلي (رويترز)

اتصالات مصرية مكثفة لاحتواء التصعيد في المنطقة

كثفت القاهرة اتصالاتها خلال الساعات الأخيرة، في محاولة لاحتواء التصعيد بالمنطقة، عقب الضربات التي نفذتها إسرائيل ضد مواقع عسكرية في إيران، فجر السبت

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يأمل أن ترفض «حماس» مفاوضات الهدنة

تؤكد أوساط سياسية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما زال متمسكاً في نهجه بإفشال مفاوضات الهدنة والسعي لاستمرار الحرب.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي أطفال فلسطينيون نازحون يجلسون وسط أنقاض مبنى مدمر في حي ناصر شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

إسرائيل تقتل 72 شخصاً بجنوب غزة وشمالها في ليلة واحدة

قال مسؤولون فلسطينيون إن غارات إسرائيلية على مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أودت بحياة ما لا يقل عن 38 شخصاً منذ مساء الخميس، كما تم اقتحام «مستشفى كمال عدوان».

«الشرق الأوسط» (غزة )

مصر: تحقيق في ملابسات «تسمم» طالبات جامعة الأزهر بالأقصر

محافظ الأقصر والأطباء مع الطالبات في المستشفى (محافظة الأقصر)
محافظ الأقصر والأطباء مع الطالبات في المستشفى (محافظة الأقصر)
TT

مصر: تحقيق في ملابسات «تسمم» طالبات جامعة الأزهر بالأقصر

محافظ الأقصر والأطباء مع الطالبات في المستشفى (محافظة الأقصر)
محافظ الأقصر والأطباء مع الطالبات في المستشفى (محافظة الأقصر)

تباشر النيابة المصرية، وكذا جامعة الأزهر، التحقيق في ملابسات «تعرض عدد من طالبات المدينة الجامعية لجامعة الأزهر في مدينة الأقصر المصرية (جنوب البلاد) للتسمم، بعد تناولهن وجبة غذائية في مطعم المدينة»، الجمعة.

ونقلت 89 طالبة بالمدينة إلى مستشفى «الكرنك الدولي»، الجمعة، إثر شكواهن من أعراض غثيان وآلام بالطن، وتلقين العلاج وغادرن المستشفى. وجرى تداول الواقعة بشكل مكثف على «السوشيال ميديا»، خصوصاً مع عدم قدرة أهالي الطالبات على التواصل معهن بشكل سريع لكونهن مغتربات يقمن بعيداً عن عائلاتهن، مما استلزم تحركات سريعة من إدارة جامعة الأزهر، ومحافظة الأقصر لطمأنة عائلاتهن.

ووجّه شيخ الأزهر، أحمد الطيب، بمتابعة الحالة الصحية للطالبات بعد خروجهن من المستشفى، لمعرفة تداعيات الحادث، فيما زار رئيس جامعة الأزهر، سلامة داود، المدينة الجامعية بالأقصر، السبت، للاطمئنان على الطالبات وعلى سلامة الأغذية المعدة للتوزيع، والحالة الصحية للطالبات بعد خروجهن من المستشفى.

وشدد رئيس الجامعة على جميع العاملين بالمدن الجامعية في الأزهر «ضرورة الالتزام بجميع معايير النظافة والأمان داخل المدن الجامعية، بما يسهم في حفظ أرواح الطالبات»، مؤكداً أنه «لا مكان لمقصر داخل منظومة العمل الجامعية، وسيتم محاسبة المقصر».

وأكد المتحدث باسم جامعة الأزهر، أحمد زارع، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحقيقات جارية الآن بشكل تفصيلي، سواء من جانب إدارة الجامعة فيما يتعلق بتفاصيل وطرق تقديم الطعام للطالبات لمحاولة معرفة سبب المشكلة التي حدثت لهن، أو حتى من جانب الجهات الطبية التي تعمل على الانتهاء من نتائج التحاليل الطبية التي أجريت في المستشفى».

وبحسب بيان جامعة الأزهر، السبت، «جرى الاتفاق مع وزارة الصحة على إبقاء أطباء داخل المدينة الجامعية للطالبات لمتابعة أي حالات طارئة».

رئيس جامعة الأزهر خلال زيارته للمدينة الجامعية بالأقصر ولقاء الطالبات (جامعة الأزهر)

ووفق أحد أطباء مستشفى «الكرنك»، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم ذكر اسمه، فإن التقارير الطبية ستصدر خلال ساعات مع الانتهاء من نتائج العينات التي جرى أخذها من الطالبات، مشيراً إلى أن «الأعراض كانت متشابهة بين الطالبات، والعامل المشترك الوحيد بينهن كان تناول الطعام في المدينة الجامعية».

وبعد وقت قصير من الإعلان عن نقل الطالبات للمستشفى، مساء الجمعة، أكدت جامعة الأزهر، أن أكثر من 500 طالبة تناولن الطعام نفسه، ولم يتعرضن لأي مشكلة صحية.

وبحسب زارع، فإن تحقيقات داخلية ومتابعة تفصيلية للطعام وآلية تقديمه والحصول عليه وتخزينه، يجري مراجعتها في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنهم يعتزمون الإعلان عن النتائج التي سيتم التوصل إليها.

واستغاث عدد من طالبات المدينة عبر حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي من «حالات تسمم»، ووجهن انتقادات لتأخر وصول سيارات الإسعاف لهن والتعامل مع الأعراض التي شعرن بها، وهي الاستغاثات التي جرى تداولها على نطاق واسع في الغروبات المغلقة الخاصة بالطالبات وبعض غروبات المدن المحيطة.

واستبعد المتحدث باسم جامعة الأزهر اتخاذ أي إجراءات تأديبية بحق الطالبات اللاتي ظهرن في الفيديو، مؤكداً أنهم عملوا منذ الدقيقة الأولى لظهور المشكلة في احتوائها ومتابعة الحالة الصحية للطالبات.

وكان محافظ الأقصر، عبد المطلب عمارة، قد زار الطالبات في المستشفى، مساء الجمعة، لمتابعة حالاتهن، مؤكداً أن «سيارات الإسعاف نقلت الحالات التي ظهرت عليها أعراض مشابهة بشكل متلاحق خلال فترة زمنية قصيرة وعقب تناولهن وجبة الغذاء».

كما التقى رئيس جامعة الأزهر، السبت، مسؤولي المدينة الجامعية بالأقصر، وعدداً كبيراً من طالبات المدينة؛ للاطمئنان على صحتهن، والاستماع لهن، ومعرفة مدى الرضا عن الخدمة المقدمة لهن، وعن الوجبات التي يتناولنها ومدى جودتها ونوعيتها وكميتها، مؤكداً حرصه على تقديم أفضل مستوى فيما يتعلق بالإقامة والإعاشة وتجهيزات المطابخ والوجبات الغذائية.