«بريسيلا»... امرأة طفلة كبرت في سجن إلفيس المذهَّب

فيلم صوفيا كوبولا يروي سيرة الزوجة السابقة لأسطورة «الروك أند رول»

كايلي سبيني وجاكوب إيلوردي بشخصيتَي بريسيلا وإلفيس بريسلي (شركة الإنتاج A24)
كايلي سبيني وجاكوب إيلوردي بشخصيتَي بريسيلا وإلفيس بريسلي (شركة الإنتاج A24)
TT

«بريسيلا»... امرأة طفلة كبرت في سجن إلفيس المذهَّب

كايلي سبيني وجاكوب إيلوردي بشخصيتَي بريسيلا وإلفيس بريسلي (شركة الإنتاج A24)
كايلي سبيني وجاكوب إيلوردي بشخصيتَي بريسيلا وإلفيس بريسلي (شركة الإنتاج A24)

غالباً ما تُروى حكايات المشاهير من وجهة نظرهم، أما أن تُروى قصة إلفيس بريسلي من خلال عينَي زوجته السابقة وأمّ ابنته بريسيلا بريسلي، فهذا يعني الدخول إلى كواليس سيرة «ملك الروك أند رول»، بعيداً عن بهرجة المسارح وبريق الشهرة. كما يشي عنوان الفيلم، إنها قصة «بريسيلا» التي جلست 13 عاماً في ظلّ إلفيس، قبل أن تخترقه وتخرج إلى ضوئها.

استندت المخرجة الأميركية صوفيا كوبولا إلى السيرة الشخصية لبريسيلا «Elvis and Me» (إلفيس وأنا) الصادرة عام 1985، لبناء السيناريو. لا يجب توقّعُ سيرة كاملة؛ بل جزء من حكاية إلفيس، إذ يبدأ قوس السرد في الفيلم من لقاء الثنائي عام 1959 وينتهي سنة انفصالهما 1972.

في الـ14 من عمرها، تمضي بريسيلا بوليو أياماً وشهوراً مملّة في القاعدة العسكرية الأميركية في ألمانيا؛ حيث مقرّ عمل زوج أمّها الضابط في سلاح الجوّ الأميركي. تجمعها سهرة بشابٍ يؤدّي خدمته العسكرية هناك ويكبرها بـ10 أعوام. شاء القدر أن يُدعى إلفيس بريسلي، وأن يقع في حب بريسيلا من النظرة الأولى.

لم يكن إلفيس قد وصل حينذاك إلى ذروة مجده، إلا أن الإجماع الأنثوي حوله كان كبيراً. من بين كل النساء اختار بريسيلا التي عرفت كيف تواسيه بعد فقدان والدته، وتملأ فراغ أيام خدمته العسكرية.

صورة نشرتها المخرجة صوفيا كوبولا خلال إعدادها سيناريو الفيلم (إنستغرام)

ما بدأ صداقة بريئة بين الاثنين، سرعان ما تحوّل إلى حبٍّ جارف، لم ينتصر عليه البُعد مع مغادرة إلفيس ألمانيا وعودته إلى الديار في ممفيس الأميركية. فبعد مرور أكثر من سنة على رحيله وصمته، ظنّت المراهقة العاشقة أنّ محبوبها قد نسيها، هو الغارق في أمجاده الموسيقية والسينمائية وفي أحضان نجمات هوليوود. إلا أنه أطلّ على حياة بريسيلا من جديد، داعياً إياها إلى مملكته الخاصة «غريسلاند»، رغم اعتراض ذويها.

كل ما في ملامح بريسيلا -التي تؤدي شخصيتها بإبهار الممثلة كايلي سبيني- يوحي ببراءة الطفولة. لكن كل ما في تصرّفاتها يعكس إصرارها على عيش قصة حبها مع إلفيس بكامل تفاصيلها، وكأنها امرأة ناضجة تعرف ما تريد.

تقدّم كايلي سبيني أداءً مميزاً لا سيما في تجسيدها مرحلة المراهقة في حياة بريسيلا (أ.ب)

كوبولا، ذات النفَس النسوي، والتي لا توفّر فرصة سينمائية للإضاءة على شخصياتٍ نسائية أذابتهنّ الوحدة وأحرقهنّ الضوء، تعلّق على تجربة الفيلم، قائلة إن قصة بريسيلا أثارت اهتمامها بشدّة. أما أكثر ما ألهمَ المخرجة فهو، وفق قولها: «وجهة نظر بريسيلا المراهِقة التي كبرت في غريسلاند. لقد عبرت الأنوثة بمختلف مراحلها وسط عالم مضخّم للغاية».

في غريسلاند، عاشت بريسيلا تلميذة في مدرسة الراهبات نهاراً، وشابة مكتملة الأنوثة ليلاً. تبتلع حبوب إلفيس المنوّمة لتغفو، ثم تستعين بعقاقيره لتستيقظ صباحاً وتذهب إلى الصفّ.

في الـ17 من عمرها تركت بريسيلا عائلتها وسافرت للعيش مع إلفيس في غريسلاند (إنستغرام)

خلف قضبانٍ من ذهب، أسرَ إلفيس بريسيلا. ممنوع عليها أن تلهو مع كلبها في الحديقة، لئلّا يلمحها الصحافيون والمعجبون المتحلّقون قرب البوّابة. وإن دخلت إلى مكتب الموظفات لتكسر بعضاً من وحدتها، طردها والده القاسي ومنعها من إلهائهنّ.

تُمضي أياماً طويلة والنجم غائب عن المنزل. تستيقظ على صوره في الصحف وهو يقبّل زميلاته الممثلات. أما حين يعود، فيجعل منها دميته، ويرسم بنفسه صورتها الجديدة منتقياً ملابسها، وأسلوب تبرّجها، ولون شعرها. لكن تسلّطه لا يقف عند حدّ هندام بريسيلا؛ بل ينعكس عنفاً عليها كلّما غلبته نوبات غضبه.

رسم إلفيس بنفسه صورة بريسيلا الجديدة من ملابسها إلى تسريحتها وتبرّجها (إنستغرام)

تحاول كوبولا أن تبقى على الحياد قدر المستطاع، فتلتزم بنسخة بطلة الحكاية. يكتشف المُشاهدون بالتالي إلفيس الحساس والعاطفي والرومانسيّ؛ لكنهم يتعرفون في المقابل على وجهه الآخر؛ النرجسيّ، والمقامر، والمهووس بالسيطرة، والمدمن على الأدوية، وصاحب الاهتمامات الروحانيّة الغريبة... قد لا تروق هذه الصورة المجرّدة من اللمعان لعشّاق الأسطورة. لن يجدوا في فيلم كوبولا ما يذكّرهم بسيمفونيّة باز لورمان اللمّاعة (فيلم «إلفيس» 2022).

تكبر بريسيلا في قفص إلفيس المذهّب، وتكاد أن تفقد الأمل بأن يتزوّجها. ثم بعد 4 سنوات من الانتظار خلف أسوار غريسلاند، تصير الطفلة عروساً، وتحمل بدورها بطفلة سيسمّيانها «ليزا ماري».

من كواليس تصوير فيلم «بريسيلا» في تورونتو - كندا (إنستغرام)

يقدّم الممثل جاكوب إيلوردي أداءً أكثر من مقنع، متسلّحاً بكاريزما لافتة، وبنبرة صوت مخمليّة تنسخ أسلوب إلفيس في الكلام. رغم تَميّزه، فهو لا يسرق الضوء لحظة من بريسيلا. يدرك إيلوردي ويحترم واقع أن الفيلم لها وعنها، يدور حولها وحول تحوّلاتها كافة؛ من مراهقة مطيعة وصامتة في معظم الأحيان، إلى شابّة تعيش مع إلفيس، ثم ترفض التعايش معه.

ببصمتها الخاصة المعروفة بالمونتاج السريع، تقدّم كوبولا تجربة بريسيلا إلى جانب إلفيس. ليست المشاهد القصيرة مترابطة دائماً، ما قد يُشعر الجمهور بالضياع وبالحاجة للعودة إلى المراجع التاريخية، من أجل الاطّلاع على مراحل العلاقة بين إلفيس وبريسيلا. كما أن تفاصيل كثيرة تضيع داخل الفيلم، فلا تتّضح معالم الخدمة العسكرية التي أدّاها الفنان الأميركي في ألمانيا على سبيل المثال، ولا نتعرّف إلى مدير أعماله الكولونيل توم باركر الذي يبقى شخصية غامضة حاضرة عبر الحوار حصراً.

إلفيس وبريسيلا خلال آخر سنوات زواجهما الذي استمر 6 أعوام (إنستغرام)

من أبرز الغائبين عن فيلم «بريسيلا» كذلك، موسيقى إلفيس بريسلي، إذ تستبدل كوبولا بها ألحاناً وأغاني لفنانين آخرين. يبدو الأمر متعمّداً، وذلك بهدف التأكيد مرة جديدة أنّ الفيلم ليس عن مسيرة إلفيس؛ بل عن مذكّرات المرأة التي عاشت معه 13 عاماً. مع العلم بأنّ بريسيلا بريسلي (78 عاماً)، هي المنتجة المنفذة للفيلم، كما أنها كانت منخرطة في إعداده.

رغم هذا الانخراط الشخصي لبريسيلا، ورغم الأداء المُبهر لكايلي سبيني الذي استحقت عنه جائزة في مهرجان البندقية، وترشيحاً إلى «غولدن غلوب»، فإنّ ثمة ما يبدو ناقصاً في بناء الشخصية.

لا تبدو اللحظة التي تحطّم فيها بريسيلا قضبان سجنها الذهبي وتتحرّر من سطوة إلفيس، مبنية على أساساتٍ صلبة، ولا على تمهيدٍ واضح. من الطبيعي نتيجة لذلك أن يخرج المُشاهد من الفيلم محمّلاً بعلامات استفهام كثيرة، ومشحوناً في الوقت عينه بتأثّر كبير بقصة الحب الصادقة التي جمعت بريسيلا وإلفيس.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.