صراعات الحوثيين تهدد بالإضرار بالبن في اليمن

بعد أعوام من توجه المبادرات المجتمعية إلى توسيع زراعته

توجه كثير من الشباب اليمنيين إلى زراعة وتجارة البن بعد اتساع رقعة البطالة الناجمة عن الحرب (رويترز)
توجه كثير من الشباب اليمنيين إلى زراعة وتجارة البن بعد اتساع رقعة البطالة الناجمة عن الحرب (رويترز)
TT

صراعات الحوثيين تهدد بالإضرار بالبن في اليمن

توجه كثير من الشباب اليمنيين إلى زراعة وتجارة البن بعد اتساع رقعة البطالة الناجمة عن الحرب (رويترز)
توجه كثير من الشباب اليمنيين إلى زراعة وتجارة البن بعد اتساع رقعة البطالة الناجمة عن الحرب (رويترز)

بينما بدأ البن اليمني يستعيد سمعته ويحقق انتشاراً خارجياً؛ نتيجة اعتماد مجموعة من الشبان، الذين أصابتهم البطالة، على الاستثمار في زراعته وتجارته، بات صراع الأجنحة الحوثية يهدد بالإضرار بهذا الاستثمار وتراجعه أمام أنواع مستوردة ومهرّبة من البن.

وتقدَّم القيادي الحوثي رشيد أبو لحوم، المُعيّن وزيراً لمالية حكومة الجماعة الحوثية التي لا يعترف بها أحد، بمشروع قرار يتضمن تعديلات قانونية لاستيراد البن، والسماح بتداول المهرب منه في مناطق سيطرة الجماعة.

يبذل مزارعو البن في اليمن جهوداً وأموالاً كبيرة من أجل تحسين جودة المنتج لتسويقه عالمياً (رويترز)

مشروع القرار الحوثي لاقى استنكاراً في الأوساط الزراعية والتجارية، ورفضته حتى قيادات حوثية بوصفه يمثل كارثة وضرراً على البن اليمني.

وعبّر مزارعون وتجار عن رفضهم القرار، محذرين من أنه سيدفع كثيراً من المزارعين إلى اقتلاع أشجار البن، والعودة إلى زراعة نبتة «القات»، بعد أن كانت ظاهرة استبدال الأولى بالأخيرة بدأت تتنامى بشكل ملحوظ خلال الأعوام الماضية، وتبشر باستعادة البن اليمني مكانته وسمعته العالميتين.

واستنكر ناشطون موالون للجماعة الحوثية القرار الذي وصفوه بـ«الكارثي»، وفي بيان صادر عن ما تُعرف بـ«اللجنة التحضيرية لثورة البن»، نددوا بمشروع القرار، الذي قالوا إنه يأتي للإضرار بزراعة وتصدير البن المحلي بدلاً من حمايته.

وعدّ البيان القرار تدميرياً لقطاع البن اليمني، ويهدد أكثر من رُبع مليون أسرة يمنية مصدر دخلها الوحيد هو البن، محملاً القيادي الحوثي أبو لحوم ومَن يقف وراء هذا القرار المسؤولية الكاملة عن نتائجه، ومبدياً سعي اللجنة إلى إلغائه.

محاولات استحواذ

سخرت مصادر في قطاع التجارة في العاصمة المختطفة، صنعاء، من البيان، الذي قال إنه صادر عن جهة موالية للجماعة الحوثية كانت مهمتها الترويج لسياسات الجماعة فيما يخص الزراعة، وما تزعمه الجماعة من مساعيها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهي السياسة التي قامت على استغلال المزارعين ونهب إيراداتهم وتكبيدهم خسائر كبيرة.

أصدرت قيادات في الجماعة الحوثية قراراً باستيراد البن رغم مزاعمها حول الاكتفاء الذاتي وتشجيع المنتجات المحلية (إكس)

وأوضح أحد المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية توجّهت إلى دعم زراعة البن عندما كانت هناك تمويلات دولية في هذا الاتجاه لمواجهة البطالة الناجمة عن الحرب والانقلاب، وهذا التمويل يزيد من إيرادات قطاعات مختلفة تحت سيطرة الجماعة، ويزيد من حجم العملات الأجنبية الواردة إلى مناطق سيطرتها.

وذكر أن هذه التمويلات جاءت عبر عديد من الجهات المحلية والدولية؛ من بينها «وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر»، و«الصندوق الاجتماعي للتنمية»، وتوجّه إلى تشجيع مشروعات تجارة البن وتوعية المزارعين بأهمية زراعته، وتقديم التسهيلات والمساعدات لهم، لتتحقق بالفعل زيادة ملحوظة في زراعة البن في عدد من المناطق.

لكن الجماعة سعت لاحقاً، بحسب المصادر، إلى السيطرة على قطاع تجارة البن، واستغلال المزارعين وأصحاب المشروعات الناشئة لتجارته، وفرضت كثيراً من القيود والشروط عليهم لصالح رجال أعمال وتجار موالين للجماعة أو قادة فيها.

وأنشأت الجماعة الحوثية كياناً باسم «الهيئة العليا للمزاد الوطني للبن» تحت شعارات تغري المزارعين بتقديم منتجاتهم للفوز بتسويقها خارجياً، إلى جانب وحدة البن التابعة للكيان المعروف باسم «اللجنة الزراعية والسمكية».

تنافس وجبايات

انكشف الهدف الحقيقي للمزاد الحوثي، المتمثل في الاستحواذ على تجارة البن واختيار أجود المنتجات وتسويقها في الخارج من خلال قنوات تصدير تحت إشراف قيادات حوثية، حيث أقدمت الجماعة على منع المزارعين من تصدير البن بعد إنشاء المزاد بخمسة أشهر.

قادة حوثيون في اجتماع لإطلاق ما يعرف بـ«المزاد الوطني للبن» بهدف السيطرة على تجارته (إعلام حوثي)

وأعلنت لجنة مصدري البن في الغرفة التجارية الصناعية في صنعاء، منتصف العام الماضي، تعرض مصدري البن لإجراءات تعسفية حوثية، واستحداث إجراءات غير قانونية، والتعدي على شحنات البن المصدرة للتجار وإيقافها، متهمة الجماعة الحوثية بإلحاق الضرر البالغ بقطاع الإنتاج اليمني للبن.

وترجح مصادر مطلعة في العاصمة، صنعاء، أن قرار القيادي الحوثي أبو لحوم يأتي ضمن صراع وتنافس أجنحة وقيادات داخل الجماعة الحوثية، حيث يسعى قادة لا يملكون استثمارات في تجارة وتصدير البن إلى منافسة نظرائهم بالبن المستورد، مستغلين ارتفاع أسعار المنتج المحلي.

إلى جانب ذلك، فإن قيادات في الجماعة وجدت أن الإيرادات التي يمكن تحقيقها من تصدير البن ليست كما كان متوقعاً لها، في حين قد يدر البن المستورد إيرادات أكبر، خصوصاً أن شعبية القهوة في اليمن تقتصر على الأثرياء، مقابل الشاي الذي يعد المشروب الأول في البلد.

أنشأت الجماعة الحوثية كيانات ونظمت فعاليات كثيرة بهدف السيطرة على تجارة البن (إعلام حوثي)

ويشير خبير اقتصادي إلى أن ارتفاع أسعار البن محلياً؛ بسبب جودته وندرته بعد تصدير غالبية الكميات المنتجة منه، زادت من تراجع شعبية القهوة وعدم القدرة على شرائها أو تناولها، وهو ما أدى إلى تراجع الإيرادات الضريبية والجبايات التي تُحصّلها الجماعة من التجار.

ويؤكد الخبير الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته، أن سياسات الجماعة الحوثية وتنافس الأجنحة والقيادات على الموارد والنفوذ، ستؤدي إلى تقويض الإنتاج الزراعي، وتحويل المزارعين من منتجين إلى أتباع يعملون وفق أوامر وتوجيهات قادة الجماعة، وقد يصل الأمر إلى تنازلهم عن أراضيهم، والبحث عن مصادر أخرى للعيش.


مقالات ذات صلة

أميركا تخسر أولى مقاتلاتها منذ بدء ضرباتها ضد الحوثيين

العالم العربي مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

أميركا تخسر أولى مقاتلاتها منذ بدء ضرباتها ضد الحوثيين

أعلن الجيش الأميركي تدمير منشأة للصواريخ ومنشأة للقيادة والسيطرة في صنعاء قبل أن يؤكد تحطم أولى مقاتلاته بالخطأ منذ بدء ضرباته الجوية لإضعاف قدرات الحوثيين

علي ربيع (عدن)
الاقتصاد مجلس الأعمال السعودي - اليمني يعقد اجتماعه في مكة المكرمة ويعلن عن مبادرات استراتيجية (الشرق الأوسط)

تأسيس 3 شركات سعودية - يمنية للطاقة والاتصالات والمعارض لدعم إعادة إعمار اليمن

أعلن مجلس الأعمال السعودي - اليمني التابع لاتحاد الغرف السعودية عن إطلاق 6 مبادرات نوعية لتعزيز التبادل التجاري وتأسيس 3 شركات استراتيجية.

أسماء الغابري (جدة)
العالم العربي جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)

تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

اتهم تقرير دولي حديث مخابرات الحوثيين بالسيطرة طوال السنوات الماضية على المساعدات الإنسانية وتوجيهها لخدمة الجماعة الانقلابية وتعطيل المشاريع الإغاثية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز) play-circle 00:37

صواريخ الحوثيين تزداد خطراً على إسرائيل بعد إصابة 23 شخصاً

باتت صواريخ الحوثيين المدعومين من إيران أكثر خطورة على إسرائيل، بعد إصابة نحو 23 شخصاً في تل أبيب، السبت، جراء انفجار صاروخ تبنت إطلاقه الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من تجمع مسلَّحات حوثيات أثناء حملة تبرع للجبهات أطلقتها الجماعة في صنعاء (إكس)

«زينبيات» الحوثيين يُرغِمن يمنيات على فعاليات تعبوية وأنشطة لصالح «المجهود الحربي»

أرغمت الجماعة الحوثية أخيراً مئات النساء والفتيات اليمنيات في 4 محافظات، على حضور فعاليات تعبوية ذات صبغة طائفية، والتبرع بالأموال لدعم الجبهات.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أميركا تخسر أولى مقاتلاتها منذ بدء ضرباتها ضد الحوثيين

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)
TT

أميركا تخسر أولى مقاتلاتها منذ بدء ضرباتها ضد الحوثيين

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري إس ترومان» مشاركة في مهمة ضرب القدرات الحوثية (أ.ب)

استمراراً للحملة التي يقودها منذ قرابة عام للحد من قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن، أعلن الجيش الأميركي تدمير منشأة للصواريخ ومنشأة أخرى للقيادة والسيطرة في صنعاء، ليل السبت - الأحد، قبل أن يؤكد تحطم أولى مقاتلاته منذ بدء الحملة، بنيران صديقة ونجاة الطيارين.

وتشن الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، إلى جانب الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مساندة الفلسطينيين في غزة، وهي السردية التي تصفها الحكومة اليمنية بالمضللة.

وأفاد سكان صنعاء، حيث العاصمة اليمنية المختطفة، بدوي انفجارات ضخمة جراء الغارات التي ضربت منطقة عطان التي يعتقد أنها لا تزال تضم مستودعات للصواريخ الحوثية، وكذا معسكر الحفا الواقع بالقرب من جبل نقم شرق المدينة.

وأقرت الجماعة الحوثية بتلقي الضربات في صنعاء، وبتلقي غارة أخرى ضربت موقعاً في جبل الجدع التابع لمديرية الحديدة شمال محافظة الحديدة الساحلية، دون الحديث عن آثار هذه الضربات.

ومع وجود تكهنات باستهداف عناصر حوثيين في منشأة السيطرة والتحكم التي قصفتها واشنطن في صنعاء، أفادت القيادة المركزية الأميركية بأن قواتها نفذت غارات جوية وصفتها بـ«الدقيقة» ضد منشأة لتخزين الصواريخ ومنشأة قيادة وسيطرة تديرها جماعة الحوثيين المدعومة من إيران في صنعاء.

وأوضح البيان الأميركي أن القوات نفذت ضرباتها في صنعاء بهدف تعطيل وتقليص عمليات الحوثيين، مثل الهجمات ضد السفن الحربية والسفن التجارية التابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

إسقاط صاروخ ومسيّرات

خلال العملية نفسها، قالت القيادة المركزية الأميركية إن قواتها أسقطت كثيراً من الطائرات الحوثية من دون طيار الهجومية أحادية الاتجاه وصاروخ كروز المضاد للسفن فوق البحر الأحمر، وأشارت إلى أن العملية شاركت فيها قوات جوية وبحرية، بما في ذلك طائرات من طراز «إف 18».

وتعكس الضربة - بحسب البيان - التزام القيادة المركزية الأميركية المستمر بحماية أفراد الولايات المتحدة وقوات التحالف والشركاء الإقليميين والشحن الدولي.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وفي وقت لاحق، قالت القيادة المركزية الأميركية في بيان نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه تم إسقاط إحدى مقاتلاتها من طراز «إف 18» فوق البحر الأحمر، صباح الأحد (بتوقيت اليمن)، عن طريق الخطأ، ما أجبر طياريها على القفز بالمظلة.

في غضون ذلك زعم الحوثيون أنهم أفشلوا الهجوم الأميركي واستهدفوا حاملة الطائرات «يو إس إس هاري إس ترومان» وعدداً من المدمرات التابعة لها باستخدام 8 صواريخ مجنحة و17 طائرة مسيّرة. وبحسب ادعاء المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أسفرت العملية عن إسقاط طائرة «إف 18» أثناء محاولة المدمرات التصدي للمسيّرات والصواريخ، كما زعم المتحدث الحوثي أن حاملة الطائرات «يو إس إس هاري إس ترومان» انسحبت بعد استهدافها من موقعها السابق نحو شمال البحر الأحمر، بعد تعرضها لأكثر من هجوم من قبل القوة الصاروخية والقوات البحرية وسلاح الجو المسيّر التابع للجماعة.

وإذ تعد هذه أولى مقاتلة تخسرها الولايات المتحدة منذ بدء غاراتها على الحوثيين في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، أكدت القيادة المركزية أنه تم إنقاذ الطيارين الاثنين، وأصيب أحدهما بجروح طفيفة بعد «حالة إطلاق نيران صديقة على ما يبدو»، ولا يزال ذلك قيد التحقيق.

سفينة مدمرة في موقع ضربته القوات الإسرائيلية بميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون (أ.ف.ب)

وذكر البيان أن الطائرة المقاتلة من طراز «إف إيه 18 هورنت» كانت تحلق فوق حاملة الطائرات «هاري إس ترومان»، وأن إحدى السفن المرافقة لحاملة الطائرات، وهي الطراد الصاروخي جيتيسبيرغ، أطلقت النار عن طريق الخطأ على الطائرة وأصابتها.

وكانت واشنطن أنشأت ما سمته تحالف «حارس الازدهار» في ديسمبر (كانون الأول) 2023 للتصدي لهجمات الحوثيين البحرية، وإضعاف قدراتهم على مهاجمة السفن، لكن ذلك لم يحل دون إيقاف هذه الهجمات التي ظلت في التصاعد، وأدت إلى إصابة عشرات السفن وغرق اثنتين وقرصنة ثالثة، إلى جانب مقتل 3 بحارة.

ومع تصاعد الهجمات الحوثية باتجاه إسرائيل، وكان آخرها صاروخ انفجر في تل أبيب، وأدى إلى إصابة 23 شخصاً، يتخوف اليمنيون من ردود انتقامية أكثر قسوة من الضربات السابقة التي كانت استهدفت مواني الحديدة ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة (الخميس الماضي) استهدفت إلى جانب المواني محطتي كهرباء في صنعاء.

وفي أحدث خطبه، الخميس الماضي، قال زعيم الحوثيين إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1147 صاروخاً باليستياً ومجنَّحاً وطائرة مسيَّرة، فضلاً عن الزوارق المسيّرة المفخخة.

كما تبنى الحوثي مهاجمة 211 سفينة مرتبطة بمن وصفهم بـ«الأعداء»، وقال إن عمليات جماعته أدّت إلى منع الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر، وباب المندب، والبحر العربي، وعطّلت ميناء إيلات.