يستعد النواب في «قوى التغيير» في البرلمان اللبناني لخوض تجربة تنظيمية جديدة غير تلك التي كانت قائمة أثناء فوزهم في الانتخابات النيابية في مايو (أيار) 2022 تضع في الحسبان افتراقهم حبياً بعد أن تعذّر عليهم الاستمرار في تكتل نيابي واحد يسمح بتموضعهم تحت سقف واحد في موقع التباين بمقاربتهم لأبرز الملفات السياسية، وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية، والتمديد لقادة الأجهزة الأمنية، وتعاطيهم مع قوى المعارضة؛ كون أن هناك مجموعة من القواسم المشتركة يمكن أن تؤسس لقيام حوار بلا شروط، بخلاف علاقتهم بالنواب المنتمين إلى محور الممانعة بغياب أي إمكانية للتلاقي.
ومع أن نواب «قوى التغيير» (عددهم 12 نائباً) يُجمعون على إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية؛ تطبيقاً لما نص عليه الدستور اللبناني، وتطبيق القرار الدولي 1701 الذي يحصر التواجد في منطقة جنوب الليطاني بالجيش اللبناني والقوات الدولية (يونيفيل) لتطبيقه، في إشارة مباشرة إلى رفضها شراكة «حزب الله» في الانتشار في هذه المنطقة، فإن توصلها إلى مقاربة موحدة للملف الرئاسي بترشيحها للوزيرين السابقين زياد بارود وناصيف حتي، والنائب السابق صلاح حنين لم تدم طويلاً؛ نظراً لمبادرة البعض ممن ينتمون إلى «قوى التغيير» إلى ضم أسماء جديدة من دون التوافق عليها، ومن أبرزهم رجل الأعمال سليم ميشال إده والأستاذ الجامعي عصام خليفة.
ومع أن ترشيحهم لإده قوبل باعتراض منه وتوجّه باللوم من صاحب الاقتراح النائب ملحم خلف، وتمني حتّي عليهم عدم ترشيحه، فإن بعض النواب بادروا لاحقاً إلى تأييد مرشح المعارضة ميشال معوض، وتحديداً من قِبل وضاح الصادق ومارك ضو، في حين أيد ميشال الدويهي، حنين، في مقابل مبادرة الآخرين لاحقاً إلى تأييد خليفة، ومن ثم بارود، إلى أن استقر 9 نواب من «قوى التغيير» على تأييدهم الوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطعت المعارضة مع «التيار الوطني الحر»، ومعهما «اللقاء الديمقراطي» على تأييده في دورة الانتخابات الأخيرة ضد منافسه مرشح محور الممانعة رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، ما عدا النواب حليمة القعقور، إلياس جرادة، سنتيا زرازير الذين صوتوا لصالح بارود.
لكن الخلاف بين «قوى التغيير» سرعان ما خرج للعلن بعد أن تعذّر عليهم السيطرة على التباين الآخذ في التصاعد حول عدد من العناوين السياسية المطروحة؛ وهذا ما دفع بدويهي، المنقطع منذ فترة عن حضور اجتماعاتها الدورية، واستباقاً للجلسة التشريعية الأخيرة التي صدّقت على اقتراح القانون الرامي إلى التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، للإعلان عن اتفاقه وزميليه الصادق وضو على تشكيل كتلة «تحالف التغيير».
وتلازم إعلان الدويهي باسم زميليه الصادق وضو خروجهم من تكتل «قوى التغيير» مع تأييدهم التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، في حين ارتأى عدد من زملائه مقاطعة الجلسة باعتلائهم المقاعد المخصصة للصحافيين والضيوف المدعوين لحضور الجلسة، بينما قاطعها النائبان إلياس جرادة وحليمة القعقور اللذان يتواصلان مع نواب صيدا - جزين عبد الرحمن البزري، أسامة سعد، وشربل مسعد لتشكيل تكتل نيابي مستقل، بخلاف سنتيا زرازير التي يبدو أنها تغرد وحيدة وهي منقطعة عن حضور الجلسات واجتماعات اللجان النيابية.
ولم يشكل إعلان الدويهي عن تشكيل «تحالف التغيير» مفاجأة لزملائه التغييريين، بعد أن انضموا إلى اجتماعات المعارضة ويشاركون في اجتماعاتها، أكانت دورية أم طارئة، ويلتقي وزميلاه الصادق وضو الموفدين، وخصوصاً الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان، وعدد من السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى لبنان، إضافة إلى تواصلهم مع النواب الأعضاء في «اللقاء الديمقراطي»، أو الآخرين ممن ينتمون إلى محور الممانعة، وخصوصاً في الأمور ذات الصلة باجتماعات اللجان النيابية.
ورغم أن انضواء الدويهي والصادق وضو في كتلة «تحالف التغيير»، فإن هذا لم يمنعهم من التواصل على الدوام مع زملائهم في «قوى التغيير» والتفاهم وإياهم حول كل اقتراحات ومشاريع القوانين التي تُدرج على جدول اجتماعات اللجان النيابية، كما أن أبرز مآخذهم على زملائهم التغييريين عدم تعاطيهم بواقعية، وخصوصاً في ما يتعلق بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية؛ لأنه من غير الجائز إقحام المؤسسة العسكرية في شغور في قيادة الجيش، في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إلى تحصين الجيش وتوفير كل الدعم له ليكون على أهبة الاستعداد لإعادة تعويم القرار 1701 والسعي لتطبيقه لمنع أي وجود لسلاح غير شرعي في منطقة جنوب الليطاني كشرط لاستعادة الدولة سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة.
لذلك؛ ليس هناك من خلاف بداخل «قوى التغيير» حول الموقف من سلاح «حزب الله»، لكن أساس التباين يكمن، كما تقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط»، في أن لا مبرر للامتناع عن التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، وبالتالي فإن كتلة «تحالف التغيير»، وإن كانت حديثة الولادة، لا تحبذ إصرار زملائها التغييرين على التعاطي سلباً بالمطلق مع الكتل النيابية الأخرى انسجاماً مع الشعار الذي كانت رفعته المجموعات التغييرية لحظة انطلاق الثورة ضد المنظومة الحاكمة بتحميلها مسؤولية انهيار لبنان اقتصادياً، وإلا كيف يكون للتغييريين دور للانتقال به إلى مرحلة التعافي ما دام أنهم يساوون بين الجميع ويضعونهم في خانة واحدة بدلاً من فتح قنوات التواصل مع بعض الكتل لإنقاذه من وضع اليد عليه من قِبل محور الممانعة؟ وبالتالي، هل من مبرر لخوضنا الانتخابات، ما دام أن لدينا قراراً مسبقاً بأن نبقى في عزلة عن الآخرين في البرلمان؟
وعليه؛ فإن خروج كتلة «تحالف التغيير» من تكتل «قوى التغيير» سيفتح الباب حتماً أمام قيام تكتلات جديدة، وإن كانت الأكثرية تميل إلى تشكيل كتلة قوامها النواب بولا يعقوبيان، إبراهيم منيمنة، فراس حمدان، ياسين ياسين، ملحم خلف، ونجاة صليبا، والأخيران كانا ولا يزالان يتواصلان مع زملائهما التغييرين، بدءاً بالدويهي والصادق وضو، وانتهاءً بالقعقور وجرادة اللذين يستعدان للائتلاف في كتلة نيابية جديدة تجمعهما بالنواب البزري، وسعد، ومسعد.
وفي ضوء مبادرة النواب التغييريين للتموضع في تكتلات نيابية حديثة الولادة، فإن جميعهم باستثناء يعقوبيان، يتحضّرون للدخول في تجربة تنظيمية جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل التحاقهم للمرة الأولى بالندوة النيابية؛ كون يعقوبيان صاحبة خبرة في المعارضة وفي كواليس ومتاهات البرلمان ولديها البال الطويل في خوض معارك ضد المنظومة الحاكمة، وتشكل رأس حربة في خوضها الانتخابات في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية) ضد أعتى منافسيها أكانوا من أحزاب «الكتائب» و«القوات اللبنانية» و«الطاشناق» و«التيار الوطني».