لم تجد عائلة علاء أبو ريالة من سكان مدينة غزة، سوى مجمع الشفاء الطبي، ليكون ملاذاً لهم مع مواصلة العملية العسكرية الإسرائيلية في المدينة، وخروج المستشفى عن الخدمة.
وتحول مجمع الشفاء الطبي، وهو المجمع الطبي الأكبر في قطاع غزة، إلى «ملجأ متهالك»، يقصده كل نازح في شمال القطاع، الذي دمره الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي بعد احتلال استمر نحو الأسبوعين.
وكانت إسرائيل قد احتلت المجمع ثم فجرت بعض أقسامه، وأفرغته من الطواقم الطبية والمرضى، وأرغمتهم على التوجه إلى جنوب القطاع، بعد أن اعتقلت العديد منهم، بينهم مدير المجمع الدكتور محمد أبو سلمية.
وقال أبو ريالة لـ«الشرق الأوسط»، إنه اضطر مؤخراً، إلى مغادرة منزله المكون من طابقين، في حي الشيخ رضوان، والمضي مسافة تصل لنحو 15 كيلو متراً، حتى وصل إلى مجمع الشفاء الطبي، بعدما حدد الجيش الإسرائيلي منطقة غرب غزة، وحي الرمال، القريبة من المشفى، مناطق آمنة.
نزح أبو ريالة مع 17 من عائلته بينهم 12 نساء وأطفال، وتوقع أنه قد يجد بعض الفراش والأغطية في «الشفاء»، لكنه فوجئ أن به آلاف النازحين، بلا ملابس ولا فراش أو أغطية، ولا يجدون بالأساس مكاناً شاغراً يؤون إليه بسبب الطوفان البشري النازح للمجمع. على حد وصفه.
واضطر نجل أبو ريالة إلى البحث عن بعض الأقمشة الملقاة في مجمع مكب نفايات المجمع الطبي، وتنظيفها، ثم استخدم بعض الحديد، وأقام خيمة صغيرة تأوي العائلة في الساحة الخلفية للمستشفى، التي لا زال يوجد بها العديد من القبور التي دفن فيها فلسطينيون ضحايا الهجوم على المستشفى، ولم تتمكن عوائلهم حتى الآن من نقلهم لمقابر رسمية.
وكانت إدارة مجمع الشفاء الطبي قد اضطرت إلى دفن نحو 170 جثماناً، بعضهم مجهولو الهوية، خلال فترة حصار المشفى، وبعد منع قوات الاحتلال من دفنهم في أي من مقابر مدينة غزة.
ولا يجد النازحون إلى «الشفاء» كذلك أي نوع من الخدمات، بما في ذلك المياه المخصصة للشرب.
وقال عادل موسى من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، الذي نزح برفقة والدته وأشقائه وشقيقاته البالغ عددهم 9، منذ نحو الأسبوعين: «لا يوجد مياه للشرب، ولا حتى للوضوء أو الاغتسال وغيره، نمشي مسافات تصل إلى 2 كيلو متر في أفضل الأحوال، حتى نستطيع تعبئة قارورة (جالون 12 لتراً)، من المياه المالحة... لا يوجد بديل».
وبخلاف أبو ريالة، نجح موسى في الحصول باكراً على غرفة داخل قسم التوليد، الذي دمرته قوات الاحتلال عند اقتحامها المجمع الطبي.
وشرح موسى لـ«الشرق الأوسط»، كيف كان محظوظاً في الحصول على غرفة قبل غيره. «كأنك وصلت إلى فندقك في رحلة سياحية». وتابع: «استخدمنا ما تبقى من أسرة وأغطية نجت من القصف وبقيت بحالة جيدة داخل غرف مجمع الشفاء الطبي، من أجل النوم».
لكن تلك الأغطية لا تقيهم بأي حال من البرد القارس. ويضاف إلى ذلك، كما تقول إلهام زغرة، النازحة من أطراف منطقة جباليا البلد عدم توفر أي من المواد الغذائية، سوى بعض الأرز والعدس، مؤكدة أنها تضطر إلى طبخ الأرز، وتكتفي وزوجها وأطفالها بوجبة لمرة واحدة في اليوم.
لكن ليس الجوع ما يقلق زغرة، بل الأمراض التي بدأت بالانتشار بسبب الازدحام في بيئة مليئة بالقمامة والنفايات. وقالت زغرة لـ«الشرق الأوسط» إنها مرعوبة من الأوبئة.
ويكتظ المجمع بالنازحين، على الرغم من أن وزارة الصحة في قطاع غزة، تعمل جاهدة لمحاولة تشغيل بعض أقسامه بعد أن نجحت جزئياً بتشغيل قسم الكلى، وقسم الاستقبال والطوارئ.
ويشكو المصابون من غارات إسرائيلية، من عدم وجود أية مستلزمات طبية تساعد على إنقاذ حياتهم، مما يجعلهم عرضة للخطر. وقال أحد المصابين لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد شيء. لا أطباء مختصين ولا علاجات ولا أدوية ولا مستلزمات».
ورصد مراسل «الشرق الأوسط»، وجود طبيبين فقط، والعديد من الممرضين المتدربين، الذين لا يملكون خبرات التعامل مع إصابات صعبة.