هزيمة مدوية للحكومة الفرنسية في المجلس النيابي

أكثرية من نواب اليمين واليسار صوتت ضد مناقشة مشروع قانون المهاجرين الحكومي

صورة عامة  لمجلس النواب في اجتماعه مساء الاثنين (أ.ف.ب)
صورة عامة لمجلس النواب في اجتماعه مساء الاثنين (أ.ف.ب)
TT

هزيمة مدوية للحكومة الفرنسية في المجلس النيابي

صورة عامة  لمجلس النواب في اجتماعه مساء الاثنين (أ.ف.ب)
صورة عامة لمجلس النواب في اجتماعه مساء الاثنين (أ.ف.ب)

أُصيبت الحكومة الفرنسية بهزيمة غير مسبوقة في البرلمان الذي رفض بدء مناقشة مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة حول التعامل مع ملف المهاجرين. فقد صوتت أكثرية نيابية لصالح رفض المباشرة بمناقشته، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بفضل تضافر أصوات المتناقضات، إذ صوَّت اليمين المتطرف واليمين التقليدي لصالح نص تقدمت به مجموعة الخضر باسم الاتحاد الشعبي والبيئي والاجتماعي الجديد اليساري الذي يضم، إلى جانب الخضر، الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وحزب «فرنسا المتمردة» الذي يقوده جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق.

ويشكل ما حصل، مساء الاثنين، ضربة ثقيلة لوزير الداخلية، جيرالد دارمانان الذي وضع كل ثقله وثقل الحكومة ورئاسة الجمهورية لدفع نواب حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل للابتعاد عن اليمين المتطرف وعن اليسار وتوفير الدعم للحكومة. ويعد تصويت اليمين المتطرف ممثَّلاً في حزب «التجمع الوطني» الذي يتمتع بـ88 نائباً إلى جانب اليسار، استثنائياً، إذ إنها للمرة الثانية فقط يحصل أمر كهذا تحت قبة البرلمان. وحصل معارضو المشروع الحكومي على أكثرية من 270 صوتاً، فيما حصل أنصار الحكومة على 265 صوتاً. ولولا الأصوات التي انصبَّت من اليمين التقليدي إلى جانب اليسار واليمين المتطرف لَكانت الحكومة قد حققت مبتغاها ونجحت في دفع البرلمان للنظر في مشروعها الذي مرّ أولاً في مجلس الشيوخ ثم في لجنة القوانين التابعة لمجلس النواب. ويعد ما حصل مفاجأة جدية من النوع الثقيل الذي ستكون له تبعاته لاحقاً على عمل الحكومة وعلى التوازنات داخل المجلس النيابي.

وزير الداخلية جيرالد دارمانان يُلقي كلمة خلال جلسة الجمعية الوطنية الاثنين (إ.ب.أ)

منذ عدة أيام، ورغم جهود دارمانان لإقناع المترددين من حزب «الجمهوريون»، بيَّنت عملية حسابية بسيطة أن الحكومة ليست متأكدة من قدرتها على السير بمشروعها إذا صوَّت اليسار بمختلف تشكيلاته واليمين المتطرف واليمين التقليدي إلى جانب الرفض المبدئي للمشروع الحكومي. ومنذ الانتخابات النيابية الأخيرة ربيع العام الماضي، تجد الحكومة نفسها في وضع صعب، إذ إنها لا تستطيع الركون إلا إلى أكثرية نسبية ولدى كل مشروع قانون جديد، تجد نفسها مضطرة للمساومة وتقديم التنازلات لاجتذاب نواب أحياناً من اليسار الاشتراكي والخضر، وغالباً من اليمين التقليدي؛ الأمر الذي يُعقّد عملها.

كان مفترضاً أن يصل مشروع القانون إلى المجلس العام الماضي، إلا أن عرضه أجل أكثر من مرة لسبب رئيسي متمثِّل بافتقار الحكومة للأكثرية المطلقة في مجلس النواب الذي له الكلمة الفصل في إقرار القوانين من عدمه. ولذا، فإن الوزير دارمانان أمضى، في الأيام الأخيرة، الكثير من الوقت إنْ في مجلس الشيوخ أو في مشاورات مع نواب من حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي لإقناعهم بالتصويت لصالح مشروع القانون. إلا أن الحزب المذكور واصل انتقاداته للمشروع الحكومي ومطالبته بتعديلات كثيرة لجعله أكثر تشدداً لجهة التعامل مع المهاجرين؛ إنْ الواصلين إلى فرنسا أو الموجودين على أراضيها. ووفق الرؤية الحكومية لمشروع القانون، فإن الغرض منه، أولاً، تسهيل ترحيل الأجانب الذين يشكّلون خطراً على السلامة العامة، وثانياً التسريع في البت بطلبات اللجوء المتدفقة على فرنسا، وثالثها تسوية الأوضاع القانونية للآلاف من الأجانب الذين لا يملكون حق الإقامة في فرنسا والعاملين في المهن التي تحتاج إلى يد عاملة أجنبية.

وزير الداخلية في الوسط وإلى جانبه رئيسة مجلس النواب يائيل براون بيفيه (أ.ف.ب)

المفارقة فيما حصل في البرلمان أن اليسار ينظر إلى مشروع القانون على أنه متشدد وعنصري وتغيب عنه الإنسانية في موضوع التعامل مع الأجانب والمهاجرين الواصلين إلى فرنسا. وفي المقابل، فإن اليمين بجناحيه المتطرف والمعتدل، يراه ضعيفاً وغير كافٍ لمواجهة تدفق الهجرات على فرنسا والتعامل مع أعمال العنف ومع الذين يرتكبونها من الأجانب. والآن، بعد هزيمتها في البرلمان، يتعين على الحكومة أن تختار إمَّا دفن المشروع وسحبه من التداول وإما إعادته إلى مجلس الشيوخ لمعاودة النظر فيه قبل الرجوع مجدداً إلى البرلمان. ومن الخيارات المتاحة أمام الحكومة الدعوة إلى لجنة مشتركة من مجلسي الشيوخ والنواب للاتفاق على نص موحد يُطرح مجدداً على المجلسين. وكما هو واضح، فإن الحكومة تدخل في متاهات التفاوض والمساومة مجدداً وستكون في وضع ضعيف نظراً للطمة التي تلقتها.

بيد أنها ما زالت تملك سلاحاً ردعياً عنوانه طرح الثقة بنفسها، وقد استخدمته رئيستها إليزابيث بورن كثيراً، بما في ذلك لإقرار تعديل قانون التقاعد. لكنَّ بورن التزمت سابقاً بعدم اللجوء إلى المادة 39 التي تتيح لها اللجوء إلى السلاح المذكور.

والمعروف أن الحكومة تسقط حكماً في حال عجزها عن الحصول على ثقة المجلس... وسبق لرئيس الجمهورية أن هدد أكثر من مرة بأن سحب الثقة من حكومته يعني الذهاب مباشرةً إلى انتخابات عامة. والحال أن حزب «الجمهوريون»، بعد أن كان طاغياً طوال عقود، تحت مسميات كثيرة تقلص عديد نوابه إلى 58 نائباً. وإذا جرت انتخابات جديدة، فمن المؤكد أنه سيخسر مقاعد إضافية لصالح حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبن. ولذا، فإن وزير الداخلية، الآتي من صفوف اليمين، سعى إلى استخدام هذه الورقة في الضغوط على حزبه السابق لإحداث انشقاق داخله بحيث يستطيع استمالة العدد الكافي من النواب للوصول إلى الأكثرية المطلوبة. لكنَّ أمراً كهذا لم يحصل. وكان دارمانان قد اعترف صباح الاثنين في حديث إذاعي أن معارضي مشروع القانون أكثر عدداً من مؤيديه. ومن جانبها، قالت رئيس مجلس النواب يائيل براون - بيفيه إنه «سيكون من غير المفهوم أن يحرم البرلمان مناقشة المشروع الحكومي».

زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن خلال جلسة الجمعية العمومية الاثنين (إ.ب.أ)

ولا يُخفي دارمانان رغبته في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2027 وكان يراهن على إقرار القانون الجدي الذي يحمل اسمه لفرض نفسه وتحقيق تقدم على منافسيه. بيد أن مشكلته كانت تكمن في أن اليمين واليمين المتطرف لا يريان أن مشروعه كان متشدداً بشكل كافٍ للتصويت لصالحه، وهما متمسكان بالصيغة التي أقرها مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين. والحال أن لجنة القوانين في مجلس النواب أسقطت تعديلات مجلس الشيوخ وبعض البنود التي تراها غير ملائمة في المشروع الحكومي الأساسي. ويتمثل البند الخلافي الرئيسي في رفض اليمين رغبة الحكومة في تسوية الأوضاع القانونية للعمال المهاجرين الذين يوجدون على الأراضي الفرنسية، ومنذ سنوات، بصفة غير قانونية، وهم يرون في ذلك دعوة واضحة لتدفق مهاجرين جدد ما دامت الحكومة الفرنسية ستعمَد، في وقت من الأوقات، إلى تسوية أوضاعهم. كذلك يرى اليمين أن شروط طرد من يتعين ترحيله عن الأراضي الفرنسية ليست حازمة إلى الحد المطلوب. ثم إن هناك نقاشات قانونية داخل كل مجموعة سياسية، لا بل داخل الأحزاب الداعمة للحكومة، إذ يرى الجناح اليساري أن مشروع القانون يميل يميناً وبالتالي ثمة «تحفظات» لدى بعض النواب عن السير به رغم انتمائهم إلى الأكثرية الرئاسية.

أما اليسار فهو حائر ومنقسم على نفسه. فهو من جهة، يريد أن يكون صوته مسموعاً لجهة تمسكه بالقيم التقليدية التي يدافع عنها. لكنه من جهة ثانية يرى أن موضوع المهاجرين وما له من علاقة بأعمال العنف وأحياناً الإرهاب، يدفع الرأي العام الفرنسي باتجاه اليمين، لا بل إلى اليمين المتطرف، وهو لا يريد أن يترك ناخبيه يقرعون أبواب اليمين بجناحيه.


مقالات ذات صلة

حاكم ولاية بافاريا الألمانية يدعو لتغيير جذري في سياسة الهجرة

أوروبا ماركوس زودر رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري المحافظ يتحدث في تجمع انتخابي في 26 أغسطس 2024 بدريسدن شرق ألمانيا (أ.ف.ب)

حاكم ولاية بافاريا الألمانية يدعو لتغيير جذري في سياسة الهجرة

دعا رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، ماركوس زودر، الحكومة الألمانية الاتحادية مجدداً إلى إجراء تغيير جذري في سياسة الهجرة.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شمال افريقيا صورة من الحدود المغربية مع سبتة - إسبانيا 20 مايو 2021 (رويترز)

مئات المهاجرين يسبحون من المغرب إلى جيب سبتة الإسباني

قالت الشرطة المحلية في جيب سبتة الإسباني، إن مئات المهاجرين استغلوا كثافة الضباب وسبحوا من المغرب إلى الجيب، الأحد، وفي وقت مبكر من صباح الاثنين.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)

ليبيا: نشاط متزايد لـ«تجار البشر» براً وبحراً رغم «التعهدات الحكومية»

حالت السلطات الليبية دون غرق عشرات من المهاجرين غير النظاميين في «المتوسط»، كما «حررت المئات» منهم من قبضة «عصابات وتجار بشر».

جمال جوهر (القاهرة)
العالم العربي قوات خفر السواحل اليمنية في محيط باب المندب (أرشيفية - أ.ف.ب)

قتلى ومفقودون بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن

قالت المنظمة الدولية للهجرة، الأحد، إن 13 شخصاً لقوا حتفهم، وإن 14 لا يزالون مفقودين بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن يوم الثلاثاء الماضي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا أفراد من خدمات الطوارئ يحملون كيسًا للجثث بعد غرق قارب شراعي قبالة ساحل بورتيسيلو بالقرب من مدينة باليرمو (رويترز)

​فقدان 7 وإنقاذ 15 بعد غرق قارب قبالة سواحل إيطاليا

ذكرت وسائل إعلام إيطالية أن قارباً يبلغ طوله 50 متراً وعلى متنه 22 شخصاً غرق صباح اليوم قبالة ساحل مدينة باليرمو مما تسبب في فقدان 7 أشخاص

«الشرق الأوسط» (روما)

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

طلب حزب «فرنسا الأبية» اليساري، السبت، من المجموعات البرلمانية الأخرى دعم محاولته، التي يبدو أنها بعيدة المنال، لعزل الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب «إخفاقات خطيرة» في تأدية واجباته الدستورية.

ويدور خلاف بين ماكرون وحزب «فرنسا الأبية» وحلفائه من الخضر والاشتراكيين والشيوعيين؛ بسبب رفضه تسمية مرشحتهم لوسي كاستيه رئيسة للوزراء بعد الانتخابات البرلمانية غير الحاسمة في يوليو (تموز).

ورغم أن تحالفهم «الجبهة الشعبية الجديدة» فاز بأكبر عدد من المقاعد، فإن النتائج لم تمنح أي كتلة الأغلبية في الجمعية الوطنية المنقسمة إلى حد كبير بين اليسار، ووسطيي ماكرون، والتجمع الوطني اليميني.

وكتب نواب «فرنسا الأبية» في مشروع قرار العزل، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «الجمعية الوطنية (المجلس الأدنى) ومجلس الشيوخ يمكنهما، ويجب عليهما الدفاع عن الديمقراطية ضد ميول الرئيس الاستبدادية».

وقالت زعيمتهم البرلمانية ماتيلد بانو إنهم أرسلوا الوثيقة إلى نواب آخرين لجمع التوقيعات. وتواجه أي محاولة لعزل إيمانويل ماكرون من خلال المادة 68 من الدستور الفرنسي عقبات كبيرة، إذ تتطلب موافقة ثلثَي أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مجتمعين.

ويقول حزب «فرنسا الأبية» إن الأمر لا يعود إلى الرئيس «لإجراء مقايضات سياسية»، مشيراً إلى جهود ماكرون منذ يوليو للعثور على رئيس وزراء يحظى بإجماع.

لكن العديد من الخبراء الدستوريين يرون أن دستور الجمهورية الخامسة الذي أقر عام 1958 وكتب على افتراض أن النظام الانتخابي سينتج أغلبية واضحة، غامض بشأن المسار الذي يجب اتخاذه في حال تعطل العمل البرلماني.

وبرر ماكرون رفضه تسمية كاستيه رئيسة للوزراء بقوله إنه من واجبه ضمان «الاستقرار المؤسسي».