عوالم مضيئة ومتفاعلة في معرض «الإبداع ينورنا، والمستقبل يجمعنا»

32 فناناً يطرحون أفكاراً مغزولة بالضوء في المعرض الرئيسي لاحتفالية «نور الرياض»

عمل للفنانة صافية المرية (الشرق الأوسط)
عمل للفنانة صافية المرية (الشرق الأوسط)
TT

عوالم مضيئة ومتفاعلة في معرض «الإبداع ينورنا، والمستقبل يجمعنا»

عمل للفنانة صافية المرية (الشرق الأوسط)
عمل للفنانة صافية المرية (الشرق الأوسط)

حي جاكس بالدرعية يحفل بكل ما هو فني، هنا تتوزع أستوديوهات الفنانين، وتشهد على إبداعاتهم ومشاركاتهم وتعاونهم، هنا أيضاً يقام المعرض الرئيسي لاحتفالية «نور الرياض» تحت عنوان «الإبداع ينورنا، والمستقبل يجمعنا» حيث يعرض 32 فناناً من جميع العالم أعمالاً تشغل البصر بالدرجة الأولى لاستخدامها المبتكر للضوء، وعلى مستوى أشمل وأعمق تتعامل الأعمال كلها مع 3 مواضيع رئيسية. هي؛ الكون، والزمان، والترابط. يستكشف من خلالها الفنانون المشاركون ما يربطهم بالكون، وبعضهم ببعض. قبل الدخول لأولى قاعات العرض، يقول المنسق الرئيسي للمعرض نيفيل ويكفيلد: «استخدام الضوء في التكنولوجيا الحديثة يتساوى في أهميته مع ابتكار آلة الطباعة لغوتنبرغ»، ويضيف: «نعيش حالياً في ثورة حقيقية... إنها التكنولوجيا والتواصل. أعتقد أن الضوء هو الحبر الجديد، نحصل على المعلومات عن طريقه».

المنسقة المشاركة مايا العذل تتحدث عن بعض الأعمال في العرض، وتشير إلى أن عدداً كبيراً منها يعتمد على التفاعل مع الجمهور، وهو أمر سنختبره في الداخل (مع كثير من المتعة). ولكن لنحصل على الصورة كاملة لا بد لنا من عبور تلك الستارة السوداء التي تفصل بيننا وبين العرض لنبدأ تجربة الدخول لعوالم مضيئة ومتفاعلة.

رقصة الضوء والظل

يبدأ العرض من قسم «الكون» حيث تحاول الأعمال تجسيد العلاقة بين الشخص والعالم من حوله، سواء أكان ذلك عن طريق عمل متواضع من حيث الحجم أم من حيث الإضاءة الغامرة التي تأخذ بيد المتفرج لاستكشاف أعماق العمل. البداية لعمل بعنوان «قوس بطيء داخل مكعب - 11» للفنان كونراد شوكروس، حيث نرى مكعباً مصنوعاً من الفولاذ معلقاً في ركن من حجرة العرض ليضيئها بخيوط الضوء وظلالها. هنا يحاول الفنان جذب فكر المشاهد لأبعد من ذلك التأثير البصري الممتع ليدفعه للتأمل خارج حدود الإدراك البشري لفضاءات بعيدة وتخيلات مستقبلية، قد يحقق الناظر ما يأمل فيه الفنان، ولكن العمل مبهج بصرياً بما يكفي للاستمتاع وتأمل تلك الرقصة اللامتناهية بين خيوط الضوء وظلالها، وربما في ذلك الكفاية للزائر المتعجل.

«قوس بطيء داخل مكعب - 11» للفنان كونراد شوكروس (الشرق الأوسط)

الشاهد والعثمان وتنويعات على الخط العربي

يقف الخطاط الشاب عبد الرحمن الشاهد على مقربة مع عمله «نور على نور» (2023) الذي يجمع ما بين الخط العربي وبين الضوء المتلون، نرى الخط والكلمات ثابتة أمامنا، تمتد على الحائط بجلال معناها، بينما تتغير الإضاءة داخلها لتكتسي بألوان مختلفة. يطرح العمل تساؤلات حول بلاغة تمثيل المعنى بصرياً في النص العربي، الذي يقرأ عادة من اليمين إلى اليسار. يخرج الشاهد عن حدود التصور المألوف، ويستعرض الطاقة الإبداعية للكلمة من خلال تمثيلها بتكوين فني يُقرأ من جميع الجهات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمت الخط بالطريقة التقليدية، وحصلت على الإجازة فيه، ولكن دراستي في العمارة منحتني بعداً آخر». أسأله: «كيف طوّرت من تعاملك مع الخط العربي، وحوّلته لتكوين ولون؟». يقول: «أنا خطاط تقليدي، دراستي للهندسة المعمارية أثرت في تجربتي الفنية، وعرفتني على مواد أخرى أستطيع التعبير بها عن فني إلى جانب الحبر والورق». يشهد العمل على تحول الخطاط عبد الرحمن الشاهد وتغير وسائل التعبير لديه، فعلى الرغم من أن العمل أساسه تقليدي، كتابة بخط الثلث، فإن الفنان استخدم ذلك كقاعدة وحوّله لتصميم ثلاثي الأبعاد عن طريق الحاسوب.

«نور على نور» للفنان عبد الرحمن الشاهد (الشرق الأوسط)

ألاحظ بعض البقع السوداء في بعض المناطق من التكوين الضوئي، يشير هنا إلى أنها بقع الحبر التي تتجمع في قلم الخطاط، وتتسرب في آخر لمسة لها على الورق: «أردت أن أحافظ على هذا التأثير، فهو يظهر تحركات القلم، ويحافظ على الشعور بالعمل اليدوي». يرى الشاهد أن الخط صديق للخامات السائدة في أي عصر، «إذا كان الفنانون يستخدمون الفسيفساء في عملهم، يجد الخط تجسيده الملائم هنا، ولهذا نجد أن الخط دخل في العمارة، وفي الأزياء وغيرها». يرى أن الفن الضوئي يطور فن الخط، ويتحدث عن استخدام دارج للضوء مع الخط في اللوحات الإعلانية للمحلات. تأخذنا هذه الفكرة لأكثر من عمل في المعرض، كلها تلعب على ذات الفكرة. فعلى سبيل المثال نرى عمل الفنان السعودي عبد الله العثمان المعنون «اللغة والمدينة» (2023) المتعدد الوسائط الذي يمثل امتداداً لتجارب الفنان السابقة في توثيق التطور اللغوي والمعماري لمدينة الرياض من خلال تسليط الضوء على اللوحات الإرشادية واللافتات الضوئية المثبتة على واجهات مباني العاصمة والمحلات التجارية وفي الشوارع. المختلف هنا هو أن الفنان يخرج بعمله إلى مساحات أوسع للتعبير عبر الطبقات المختلفة للافتات الضوئية والعبارات المختلفة الموضوع بعضها فوق بعض في تكوين فني جميل.

عمل الفنان عبد الله العثمان «اللغة والمدينة» (الشرق الأوسط)

ومن الخط المضاء إلى لافتات الإعلانات المضاءة التي كانت توضع على مداخل دور السينما الأميركية في خمسينات القرن الماضي، يأخذنا عمل «لوحة مضيئة» (2015) للفنان فيليب بارينو لمجتمع وثقافة مختلفة، ولكنها تتحدث لنا على بعد آلاف الأميال مستخدمة التكوين الفني البسيط والإضاءة كلغة تواصل. سيمفونية النور في أكثر من عمل في المعرض تدهشنا أعمال بحاجتها لنا كمتفرجين، لا تتحرك إلا إذا لمستها يد إنسانية، وعندها تدب فيها الحياة لتبدأ في التخاطب معنا، وتسحبنا لعوالمها الخاصة. من تلك الأعمال «سيمفونية النور» (2023) من أستوديو بادية، حيث ندخل لغرفة مظلمة يحدد سيرنا فيها بعض الخيوط الضوئية المثبتة على الأرض، وفي منتصف الحجرة مجموعة من الطبول التقليدية. عند النقر على الطبول تتحرك الإضاءات المثبتة على الأرض، ويتغير إيقاعها بحسب قوة النقر أو سرعته، الجميل في هذا العمل هو أنه يدخل المشاهد لعالم مختلف، عالم هو البطل فيه. في يوم الافتتاح كان هناك موسيقيون محترفون ينقرون على الطبول، ووقتها كان المشهد مختلفاً، تمثل فيه التراث الموسيقي والفلكلوري للمملكة، ولكن في الزيارة التالية للمعرض لم يكن هناك موسيقيون، وظل العمل بانتظار اللمسة التي تطلقه.

«سيمفونية النور» 2023 من أستوديو بادية (نور الرياض)

موجات داخلية

في تجربة مماثلة، وفي غرفة أخرى نجد عمل الفنان أرتورو ويبر، بعنوان «موجات داخلية»، حيث نجد مجموعة من الآنية الدائرية بأحجام مختلفة مملوءة بالماء ومنظمة على مائدة مستديرة، المشاهد مدعو لوضع أصابعه في الآنية بالترتيب الذي يريد، وقتها تبدأ نغمات موسيقية في الحدوث. في عمل ويبر يصبح الماء هو الناقل للصوت الداخلي للمتفرج، ليحوله إلى نغمات. يقول أرتورو إن العمل يمكن اعتباره «أداة تمكن الزائر من التواصل مع ذاته. الطريقة التي تعمل بها تعتمد على اللمس، وبهذا يبدأ التفاعل بين القطعة والشخص، كأنما يتصل الماء الموجود في الأوعية بالماء داخلك، بشكل ما يتم إكمال الدائرة». العمل يأخذ المشاهد في رحلة للتواصل مع الجانب الروحي والفني الكامن بداخله من خلال تجربة حسية وسمعية ولمسية تستخدم الماء كناقل لسحب الصوت الداخلي الموجود فيه وتحويله إلى ألحان.

«موجات داخلية» للفنان أرتورو ويبر (الشرق الأوسط)

راشد الشعشعي وقيمة الإنسان

التعليق على المادية وسيطرة الاستهلاك على السلوك البشري يتجسد على نحو إبداعي جميل في عمل للفنان السعودي راشد الشعشعي «براند 16»، وهو من سلسلة أعمال نفذها الفنان للتعليق على القضايا الهامة في عالمنا اليوم. يتحدث الفنان لـ«الشرق الأوسط» عن عمله، ويشرح أنه يتعامل مع موضوع قيمة الإنسان أمام مفهوم منظمة التجارة العالمية، ويضيف: «أصبحت هناك قدسية للماركات والبراندات وتراجع لقيمة الإنسان». يذكر مثالاً أثار تأملاته «تعطلت قناة السويس بسبب جنوح سفينة لأيام، وضجّت وسائل التواصل بالسفينة الاقتصادية التي لم يتأثر كثيرون من تعطلها لأيام، في الوقت نفسه سقطت عمارة سكنية، ولم يذكرها أحد». عمل الشعشعي جاذب جداً وممتع بصرياً، ويمثل طبقات متداخلة من المواد والإضاءات، استخدم الفنان أقفاص حفظ الخضار والفاكهة الرائجة الاستخدام في المملكة، ونسقها على نحو جمالي بديع، واستعان في العمل بملصقات إعلانية تجارية ملونة، بالاقتراب من العمل تتفكك عناصره المختلفة وبدلاً من الصورة العامة الملونة البراقة نصل للعامل الأساسي في الفكرة، السلع الاستهلاكية وبريقها.

«براند 16» للفنان راشد الشعشعي (الشرق الأوسط)

عهد العمودي وضغوط التغيير

الفنانة السعودية عهد العمودي تشارك في المعرض بعملها «من الصعب أن ترى من هنا، 2023»، وهو عمل فيديو يمكن اعتباره رحلة إلى عالم تتلاشى فيه الحدود بين الفن والعلم، حيث يُظهر لنا ما يحدث عندما يتفاعل الضوء والحرارة مع مادة تتفاعل بصرياً، ورسالة فنية من العمودي أن الضوء وسيلة للتحول والتغيير. يظهر على الشاشة رجل يرتدي «ثوباً» يتفاعل مع الحرارة. عندما يتم تسليط الضوء على الثوب، يتغير لونه بحسب درجة الحرارة المُسلّطة عليه. وعندما تنطفئ الأضواء، يلاحظ المشاهد كيف يعود «الثوب» تدريجياً إلى لونه الأصلي كأنه لوحة فنية تتلاشى وتتجدد. يرمز العمل إلى الضغوط التي يواجهها الإنسان وقوته في التغلب عليها.

«من الصعب أن ترى من هنا» 2023 للفنانة عهد العمودي (نور الرياض)

الفنانة تتحدث لـ«الشرق الأوسط» حول عملها: «أردت أن أظهر للعالم الجانب الآخر للتغيير الذي قد لا نراه. الشخص في العمل يمتص التغييرات داخله، لا تتغير التعبيرات على وجهه، ولكن التغيير يتبدى أمامنا في تغير لون الثوب». تحرص العمودي على أن يظل الشخص الماثل أمامنا حيادياً، «لم أرد إظهار أي تفاصيل تدل على شخصيته، لهذا ألبسته نظارات شمسية غامقة، بحيث لا نعرف تفاصيله أو من أي زمن هو، أردت الحفاظ على الغموض».


مقالات ذات صلة

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يوميات الشرق إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يقدّم المعرض وكتابه التعريفي السيرة الذاتية للفنان وكيف بدأ حياته محباً للرسم، واضطراره للعمل في القضاء تماشياً مع رغبة أسرته التي كانت من النخبة الحاكمة لمصر.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق يستطيع الفنّ أن يُنقذ (إكس)

معرض هولندي زوّاره مُصابون بالخرف

لم تكن جولةً عاديةً في المعرض، بل مثَّلت جهداً متفانياً للترحيب بالزوّار المصابين بالخرف ومقدِّمي الرعاية لهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فستان بطراز فيكتوري في معرض «تايلور سويفت... كتاب الأغاني» في متحف فيكتوريا آند ألبرت (أ.ب)

تايلور سويفت تغزو قاعات متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بكتاب الأغاني

تهيمن تايلور سويفت على قاعات متحف عريق مثل «فيكتوريا آند ألبرت» الشهير في لندن الذي يطلق بدءاً من السبت 27 يوليو الحالي عرضاً مخصصاً لرحلتها الغنائية.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق تعرض روميرو فنها الفريد القائم على النباتات (روميرو)

فنانة إسبانية تطبع الصور على النباتات الحية

تعرض روميرو فنها الفريد القائم على النباتات والذي يدفع الجمهور إلى التساؤل حول استهلاكه المفرط للنباتات، كما يُظهر أنه من الممكن إنتاج الفن بطريقة صديقة للبيئة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)

«أحلام إيكاروس» عندما تحترق الأجنحة

المعرض وإن كان موضوع ألعاب الأطفال محوره، فهو أشبه بفخّ لذيذ، نستسلم له بداية، لنكتشف أننا كلّما غصنا في معروضاته، وجدنا أنفسنا نسافر بالذاكرة في اتجاهات مختلفة

سوسن الأبطح (بيروت)

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
TT

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)
«الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)

تحتفل فرقة «الحضرة» المصرية للإنشاد الديني بعيد ميلادها التاسع خلال فعاليات الموسم الصيفي للموسيقى والغناء في دار الأوبرا؛ بإحيائها حفلاً على «المسرح المكشوف» يمتدّ لساعتين، السبت 10 أغسطس (آب) المقبل.

يتضمّن البرنامج مجموعة قصائد تقدّمها للمرّة الأولى، منها «جدّدت عشقي» لعلي وفا، و«أحباب قلبي سلام» للشيخ سيدي الهادي من تونس، وقصيدة في مدح النبي، «يفديك قلبي»، لشاعرة فلسطينية، وفق نور ناجح، مؤسِّس الفرقة الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون الحفل مختلفاً واستثنائياً على جميع المستويات، فهو محطّة لاستقبال عامنا العاشر».

الفرقة تجمع منشدين ذوي ثقافة صوفية (الشرق الأوسط)

وستقدّم الفرقة مجموعة من أشهر أعمالها السابقة، هي 11 قصيدة مجمَّعة بطريقة «الميدلي»، منها «مدد يا سيدة»، و«أول كلامي بأمدح»، و«جمال الوجود»، و«هاتوا دفوف الفرح»، و«خذني إليك». ذلك إضافة إلى مجموعة من الأناشيد والابتهالات التي يُطالب بها الجمهور، مثل «إني جعلتك في الفؤاد محدّثي»، و«المسك فاح». ومن مفاجآت الحفل، وفق ناجح، استضافة مشايخ لمشاركتهم الإنشاد، منهم المنشد وائل فشني، وعلي الهلباوي، وراقص التنورة المصري - الإسباني المقيم في أوروبا، محمد السيد، الذي سيقدّم فقرة للأداء التعبيري، مصاحبةً لبعض القصائد.

إحياء التراث الصوفي المصري بشكل مختلف (الشرق الأوسط)

ويعدُّ ناجح «الحضرة» أول فرقة مصرية للإنشاد الصوفي الجماعي، التي كانت سبباً لانطلاق فرق أخرى مماثلة لاحقاً: «قدّمت مصر عمالقة في مجال الإنشاد والابتهالات، مثل نصر الدين طوبار، وسيد النقشبندي، ومحمد الهلباوي ومحمد عمران»، مشدّداً على أنّ «الإنشاد خلال الحقبات الماضية كان فردياً، فلم تعرف مصر الفرق في هذا المجال، على عكس دول أخرى مثل سوريا، لكنّ (الحضرة) جاءت لتغيّر ثقافة الإنشاد في البلاد؛ فهي أول مَن قدَّم الذِكر الجماعي، وأول مَن أدّى (الحضرة) بكل تفاصيلها على المسرح».

واتّخذ ناجح عبارة «الحضرة من المساجد إلى المسارح» شعاراً لفرقته، والمقصود نقل الحضرة الصوفية من داخل الجامع أو من داخل ساحات الطرق الصوفية والمتخصّصين والسهرات الدينية والموالد في القرى والصعيد، إلى حفلات الأوبرا والمراكز الثقافية والسفارات والمهرجانات المحلّية والدولية.

جمعت قماشة الصوفية المصرية في حفلاتها (الشرق الأوسط)

تحاكي «الحضرة» مختلف فئات الجمهور بمَن فيهم الشباب، والذين لا يعرف كثيرون منهم شيئاً عن أبناء الطرق أو عن الصوفية عموماً، وفق مؤسِّس الفرقة الذي يقول: «نجحنا في جذب الشباب لأسباب منها زيادة الاهتمام بالتصوُّف في مصر منذ بداية 2012، حدَّ أنه شكَّل اتجاهاً في جميع المجالات، لا الموسيقى وحدها».

ويرى أنّ «الجمهور بدأ يشعر وسط ضغوط الحياة العصرية ومشكلاتها بافتقاد الجانب الروحي؛ ومن ثَم كان يبحث عمَن يُشبع لديه هذا الإحساس، ويُحقّق له السلام والصفاء النفسي».

وأثارت الفرقة نقاشاً حول مشروعية الذِكر الجهري على المسرح، بعيداً عن الساحات المتخصِّصة والمساجد؛ ونظَّمت ندوة حول هذا الأمر شكّلت نقطة تحوُّل في مسار الفرقة عام 2016، تحدَّث فيها أحد شيوخ دار الإفتاء عن مشروعية ذلك. وفي النتيجة، لاقت الفرقة صدى واسعاً، حدَّ أنّ الشباب أصبحوا يملأون الحفلات ويطلبون منها بعض قصائد الفصحى التي تتجاوز مدّتها 10 دقائق من دون ملل، وفق ناجح.

فرقة «الحضرة» تدخل عامها العاشر (الشرق الأوسط)

وعلى مدى 9 سنوات، قدَّمت الفرقة أكثر من 800 حفل، وتعاونت مع أشهر المنشدين في مصر والدول العربية، منهم محمود التهامي، ووائل الفشني، وعلي الهلباوي، والشيخ إيهاب يونس، ومصطفى عاطف، وفرقة «أبو شعر»، والمنشد السوري منصور زعيتر، وعدد من المنشدين من دول أخرى.

تمزج «الحضرة» في حفلاتها بين الموسيقى والإنشاد، وهو ما تتفرّد به الفرقة على المستوى الإقليمي، وفق ناجح.

وتدخل الفرقة عامها العاشر بطموحات كبيرة، ويرى مؤسِّسها أنّ أهم ما حقّقته خلال السنوات الماضية هو تقديمها لـ«قماشة الصوفية المصرية كاملة عبر أعمالها»، مضيفاً: «جمعنا الصوفية في النوبة والصعيد والريف».

كما شاركت في مهرجانات الصوفية الدولية، وأطلقت مشروعات فنية، منها التعاون مع فرقة «شارموفرز»، التي تستهدف المراهقين عبر موسيقى «الأندرغراوند»، ومشروع المزج بين الموسيقى الكلاسيكية والصوفية مع عازفي الكمان والتشيلو والفيولا. وقدَّمت «ديو» مع فرق مختلفة على غرار «وسط البلد» بهدف جذب فئات جديدة لها.

يأمل نور ناجح، مع استقبال العام العاشر، في إصدار ألبومات جديدة للفرقة، وإنشاء مركز ثقافي للإنشاد الديني، وإطلاق علامة تجارية للأزياء الصوفية باسم «الحضرة».