الصومال ينتظر «التحرّر» من حركة «الشباب»

بعد قرار مجلس الأمن إلغاء حظر التسلح المفروض منذ 1992

صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)
صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)
TT

الصومال ينتظر «التحرّر» من حركة «الشباب»

صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)
صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)

بعد مرور نحو 31 سنة، جاء قرار مجلس الأمن الدولي برفع حظر التسلح عن الصومال ليعيد للبلد القابع في القرن الأفريقي «حريته» في تعزيز قدرات جيشه، أملاً بأن يسهم ذلك في «دحر الإرهاب»، وربما تحرير البلاد من قبضة «حركة الشباب» المتطرفة الموالية لتنظيم «القاعدة»، التي ما زالت تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي. القرار الذي أعلنه مجلس الأمن، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة نص على «رفع حظر الأسلحة المنصوص عليه في القرار 733 الصادر عام 1992، بصيغته المعدلة». ودعا حكومة الصومال إلى «اتخاذ تدابير عدة. بينها؛ تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة الأسلحة والذخائر، وتعزيز مزيد من التأهيل المهني والتدريب، وبناء القدرات لجميع مؤسسات الأمن والشرطة الصومالية». كذلك دعا مجلس الأمن «الحكومة الصومالية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان منع إعادة بيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المستوردة لتستخدمها قوات معينة، وكذلك شركات الأمن الخاصة المرخصة، أو نقلها أو إتاحتها للاستخدام لأي جهة».

فور إعلان القرار الأممي الذي سعى الصومال طويلاً لتحقيقه، توالت بيانات الترحيب المحلي والدولي. وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن «مقديشو أصبحت الآن حرة في شراء أي نوع من الأسلحة»، وأكد أن «الأسلحة الموجودة بحوزة الحكومة لن تشكل تهديداً لشعبنا وللعالم». وأشارت وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية إلى أن القرار «جاء في لحظة حاسمة، خصوصاً مع حرب الحكومة للقضاء على (حركة الشباب) التي تحاربها منذ 16 سنة». ووصفت الحكومة الصومالية القرار بأنه «خطوة مهمة إلى الأمام».

أما على الصعيد الدولي فاعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة أن «القرار سيؤثر إيجابياً على مستقبل البلاد»، كما رحّبت الخارجية التركية بالقرار الذي وصفته بـ«التاريخي»، ورحّب أيضاً البرلمان العربي بالقرار، معرباً عن أمله أن «يساعد في دحر الإرهاب». وكانت الأمم المتحدة قد فرضت حظراً على توريد الأسلحة للصومال إبان الحرب الأهلية عام 1992، بهدف وقف تدفق الأسلحة إلى الفصائل المتحاربة في أعقاب سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991. ومنذ عام 2012، يسعى الصومال لرفع حظر الأسلحة.

جهد سياسي كبير

وفي إطار المساعي الرامية إلى رفع الحظر، وصلت إلى العاصمة مقديشو عام 2022 لجنة من مجلس الأمن لمناقشة معوّقات رفع حظر الأسلحة، وتم الاتفاق على إنشاء عملية من 10 خطوات للتوصل إلى رفع كامل لحظر الأسلحة. وكانت الحكومة الصومالية قد بذلت جهداً سياسياً كبيراً لإقناع 15 عضواً في مجلس الأمن بأهمية القرار. وبدأت هذه الجهود تحقق تغييراً في الموقف الدولي، ففي مارس (آذار) الماضي، أشادت الولايات المتحدة الأميركية بما وصفته «خطوات مهمة» من جانب الرئيس الصومالي للوفاء بمعايير رفع حظر الأسلحة المفروض على بلاده. وأشار السفير الأميركي لدى الصومال، لاري أندريه، إلى أن «الحد من التسلح يساعد الصومال على تسهيل متطلبات مجلس الأمن الدولي برفع العقوبات عنه».

من ناحية ثانية، كان رئيس وزراء الصومال، حمزة بري، قد طالب في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» في أبريل (نيسان) الماضي برفع حظر التسلح لمواجهة «الإرهاب»، معتبراً الإبقاء عليه «مسألة غريبة»، بجانب كونه «عقبة أمام تسلم القوات الوطنية المسؤولية الأمنية، حتى يتمكن الصومال من استعادة استقراره».

وحقاً، يشير قرار رفع حظر التسلح إلى «الثقة الدولية في الحكومة الصومالية، بينما تواصل ترسيخ وجودها في البلاد»، وفق عمر محمود، الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية». لكن محمود، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، يرجح أن «يكون تأثير قرار رفع حظر التسلح رمزياً أكثر من كونه عملياً، ولا سيما أن الصومال كان قادراً على استيراد معظم الأسلحة من قبل من خلال عملية الإخطار... إضافة إلى أن الصومال لا يزال يفتقر إلى التمويل اللازم لإجراء صفقات شراء كبيرة للأسلحة».

في الواقع، نجحت مساعي الصومال طوال السنوات الماضية في تخفيف القيود المفروضة على الحكومة الصومالية طوال سنوات الحظر، إذ لم يطبق القرار بشكل كامل على شحنات الأسلحة المخصصة لتطوير قوات الأمن الصومالية، وظل باستطاعة الحكومة شراء السلاح بعد إخطار اللجنة الأممية المشرفة على تنفيذ العقوبات، وإن كانت الأخيرة عادة ما تعترض على صفقات الأسلحة الثقيلة.

الرئيس حسن شيخ محمود (رويترز)

الحرب على الإرهاب

للعلم، لا يتعلق الأمر بتنفيذ صفقات أسلحة فقط، إذ أرجعت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشؤون الأفريقية والمنسّقة العامة لمركز «فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية» خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، صدور القرار في هذا التوقيت إلى قرب مغادرة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أتميس) الصومال. إذ من المقرر أن تغادر البلاد العام المقبل، «ما يستدعي تعزيز بنية الجيش الصومالي، ولا سيما أنه سيكون المسؤول عن حفظ الأمن في البلاد»، على حد قولها.

وتشير توفيق إلى أن «الجيش الصومالي ظل لفترة طويلة محدود القدرات، وقرار التسليح مرتبط بلا شك بقرب مغادرة قوات أتميس (الأفريقية لحفظ السلام)». وتلفت إلى أن «قرار حظر التسلح عام 1992 كان مع بداية الحرب الأهلية في الصومال، وسعى أكثر من تيار سياسي للسيطرة على البلاد، مع وجود ما كان يسمى بأمراء الحرب، إضافة إلى تصنيف الصومال من قبل الولايات المتحدة عام 2001 كدولة راعية للإرهاب».

ما يستحق الذكر أنه دعماً لجهود الصومال في استعادة الأمن والاستقرار، ومحاربة «الإرهاب»، تنتشر على أرضه قوات «أتميس»، لكن على هذه القوات الانسحاب تدريجياً، ونقل أنشطتها إلى القوات الصومالية بنهاية عام 2024. وهذا أمر تحاول الحكومة الصومالية تأجيله، ولقد ناشدت في سبتمبر (أيلول) الماضي مجلس الأمن الدولي إرجاء سحب قوة الاتحاد الأفريقي لمدة 3 أشهر، بعد تعرضها لما وصفته الحكومة بـ«نكسات كبيرة» خلال الحرب على «حركة الشباب» المتطرفة.

أيضاً من المقرر أن تقلص «أتميس» عدد أفرادها من 17626 إلى 14626 عنصراً بحلول نهاية العام الحالي. وما يذكر أن «أتميس» تضم نحو 20 ألف جندي، وهي ذات تفويض معزز لمحاربة «حركة الشباب» المتطرفة. وكانت هذه القوات قد حلّت محل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) التي شكّلت عام 2007، بموجب قرار من مجلس الأمن صدر في أبريل (نيسان) 2022. وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت «أتميس» استكمال المرحلة الأولى من خفض قواتها في الصومال.

مواجهة «حركة الشباب»

قرار رفع حظر التسلح عن الصومال تزامن مع قرار ثانٍ بـ«فرض حظر على الأسلحة الموجهة لحركة (الشباب)، يمنع الجماعات المتطرفة التي تستهدف تقويض الأمن والسلم في الصومال من شراء أسلحة ومعدات عسكرية». وكان القضاء على «حركة الشباب» هو التعهد الذي قطعه على نفسه الرئيس حسن شيخ محمود مع بداية ولايته الأولى عام 2012، لكنه لم يستطع الوفاء بتعهداته في فترة الرئاسة الأولى.

مع هذا، عاد شيخ محمود وجدد التعهد ذاته مع عودته للحكم مجدداً في مايو (أيار) 2022، حين أعلن في سبتمبر من العام نفسه عن استراتيجية للقضاء على الحركة «المتطرفة» تعتمد 4 محاور، من بينها العمليات العسكرية. إلا أن خبراء يرون أن حملة الحكومة الصومالية ضد «الشباب» تباطأت في الأشهر الأخيرة، ما يثير تساؤلات بشأن قدرة الصومال على الحد من تمدد الحركات المتطرفة. ومنذ أغسطس (آب) 2022، يخوض الجيش الصومالي، مدعوماً بقوات من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، حرباً ضد «حركة الشباب»، لكن الحكومة الصومالية قالت إنها «واجهت انتكاسات عدة في الحرب، خصوصاً بعد هجوم شنته «الشباب» على الجيش بمنطقة غلغدود.

وحسب تقرير، نشره معهد الأبحاث الأمني «هيرال» خلال فبراير (شباط) الماضي، فإن «حظر الأسلحة فشل في منع (حركة الشباب) من استيراد أسلحة لا يسمح للحكومة الصومالية بشرائها». وأشار التقرير إلى «محدودية قدرات الصومال، وحاجته إلى موافقة الأمم المتحدة لشراء أسلحة ضرورية من أجل كسر شوكة الإرهاب، في حين تشتري (حركة الشباب) السلاح بشكل غير قانوني، ما يشكل عقبة أمام جهود الحكومة لاجتثاث الإرهاب».

رئيس الوزراء حمزة بري (رويترز)

نجحت مساعي الصومال في تخفيف القيود المفروضة على الحكومة طوال سنوات الحظر الماضية

لا حل سحرياً

الباحث عمر محمود يرفض اعتبار قرار رفع حظر التسلح «حلاً سحرياً». ويقول إن «حرب الحكومة الصومالية ضد (حركة الشباب) توقفت لأسباب عدة، ليس من بينها الأسلحة»، ويوضح أن «بعض تلك الأسباب والديناميكيات الأساسية المرتبطة بالمظالم المحلية والنزاعات السياسية ستستمر في الصومال، بغضّ النظر عن استيراد مزيد من الأسلحة من عدمه». وتتفق معه الباحثة نرمين توفيق، فتقول إن مواجهة حركة «الشباب» الإرهابية «ليست بالمهمة السهلة». وتضيف أنه «رغم أن الحركة لم تنفذ عمليات إرهابية كبيرة كتلك التي وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، فإن عملياتها لا تزال مستمرة، وسط استمرار جهود الدولة لمواجهتها والحد من قدراتها».

تاريخياً، أسست «حركة الشباب» في الصومال عام 2006. ويعود أصلها إلى «الاتحاد الإسلامي»، وهو جماعة متشددة بلغت ذروتها في التسعينات من القرن الماضي، بعد سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991، وكانت تمول جزئياً من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن. وإثر غزو إثيوبيا للصومال عام 2006 تشكلت الحركة، ويذكر تقرير نشره «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» عام 2011 أن «تدخل إثيوبيا الذي جاء بناء على طلب من الحكومة الصومالية الانتقالية كان السبب وراء تطرف (حركة الشباب)، وتحوّلها إلى أقوى فصيل مسلح راديكالي في البلاد».

وبالفعل، نمت الحركة وصنفتها واشنطن كتنظيم إرهابي عام 2008. وعام 2011، طُرد مقاتلو «الشباب» من مقديشو، لكنهم ظلوا منتشرين في مناطق ريفية واسعة، ومنها كانوا يشنون هجمات على أهداف مدنية وأمنية. وعام 2012، أعلنت الحركة الولاء رسمياً لتنظيم «القاعدة»، ومن ثم نفذت هجمات عدة في الصومال، ومارست القرصنة والخطف وابتزاز المزارعين، إضافة إلى التهريب.

ولكن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دعا مبعوث الاتحاد الأفريقي في الصومال محمد الأمين سويف إلى تقديم الدعم الدولي لقوات الحكومة الصومالية في حربها ضد «حركة الشباب» على جبهات عدة في البلاد. وقال إن «الجيش الصومالي لا يحتاج إلى التدريب فحسب، بل يحتاج إلى الأسلحة والمعدات والمهارات للضباط».

مخاوف «الأفغنة»

وحول ما إذا كانت الحلول العسكرية قادرة على مواجهة التنظيمات «الإرهابية»، ومن بينها «حركة الشباب»، يرى الباحث محمود أن «الجيش وتسليحه هو جزء من الحل، ولكنه جزء فقط... ومن أجل إضعاف (حركة الشباب) يتعين على الحكومة الصومالية معالجة الأسباب الكامنة التي أدت لظهورها من الأساس، إضافة إلى أن تظهر للشعب الصومالي أنها الرهان الأفضل على المدى الطويل مقارنة بالجماعات المسلحة الأخرى، وهو أمر كافح الصومال سنوات طويلة لتحقيقه».

ويؤكد الباحث في «مجموعة الأزمات الدولية» أن «مواجهة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية نوع من الصراعات عادة ما لا يُحسَم عن طريق القتال فحسب... وفي مرحلة ما سيتوجب على الحكومة الصومالية إشراك تلك التنظيمات (مثل الحركة) في الحوار بهدف وضع حد للعنف».

من جانبها، تخشى الدكتورة توفيق مما وصفته بـ«أفغنة الصومال» مع خروج قوات الاتحاد الأفريقي من البلاد، على غرار ما حدث بعد خروج القوات الأميركية من أفغانستان، وما تبعه من عودة حركة «طالبان» للسيطرة على البلاد، متسائلة عن «قدرات الجيش على حفظ الأمن في البلاد». ووسط التفاؤل بما قد يحدثه قرار رفع حظر التسلح من تأثير على القدرات العسكرية للصومال، يظل مستقبل البلاد محفوفاً بالمخاطر، وتختتم توفيق بأنه «لا يمكن لأحد التنبؤ بمستقبل الصومال عقب انسحاب قوات (أتميس)، ولا أحد يعرف شكل المشهد عام 2024، وهل سيقع الصومال فريسة في يد التنظيمات الإرهابية، أم أن الجيش والحكومة الحالية سيكونان قادرين على حفظ الأمن والاستقرار في البلاد». نجحت مساعي الصومال في تخفيف القيود المفروضة على الحكومة طوال سنوات الحظر الماضية

 

حول الدعم العسكري الدولي للصومال في حربه ضد «الإرهاب»

آثار إحدى هجمات "حركة الشباب" الأرهابية (رويترز)

> بصفته من دول القرن الأفريقي، اكتسب الصومال أهمية لدى قوى دولية عدة دفعت إلى دعم مقديشو عسكرياً، سواء في حربها ضد التنظيمات المتطرفة، أم حتى ضد القراصنة في البحر الأحمر. اليوم، يوجد في الصومال، وفق دراسة نشرها «معهد بروكينغز» الأميركي في مايو (أيار) 2022، نحو 3 قواعد عسكرية أميركية وإماراتية وتركية. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، عقدت «المجموعة الخماسية» بشأن الصومال - التي تضم قطر وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة، أربعة اجتماعات؛ كان آخِرها في أنقرة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي كل اجتماع جدَّد مسؤولو الدول الخمس دعمهم للصومال وحربه على «حركة الشباب»، وناقشوا سبل تعزيز المساعدات الأمنية لاستعادة الاستقرار في البلاد، واستعداد الصومال لسحب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية «أتميس». أما «أتميس»، التي يشكل «الاتحاد الأوروبي» أكبر مانحيها، فقوام عسكريّيها من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، وفق «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، الذي يشير، في تقرير نشره في يونيو (حزيران) الماضي، إلى أن «أتميس لعبت دوراً أساسياً في ضمان أمن مقديشو والمدن الأخرى». وقبل «أتميس»، لعبت بعثة «أميصوم» أيضاً دوراً بارزاً في الصومال، و«قادت القتال ضد حركة الشباب، في الوقت الذي عجز فيه الجيش الصومالي عن تأدية هذا الدور، ولا سيما مع تورطه في فترة سابقة في نزاعات بين العشائر المختلفة»، وفق المعهد الأميركي. من جهة أخرى، فإن الدعم الدولي، وتحديداً الأميركي، أسهم في إنشاء وتدريب وتمويل «لواء دنب»، الذي تحمّل العبء الأكبر في محاربة «حركة الشباب». وشُكّل «لواء دنب» للاستفادة من نجاحات «أميصوم»، ودرّبته واشنطن وشركة «بانكروفت غلوبال» للتدريب العسكري عام 2012. إلا أن الدور الأميركي لا يقتصر على تدريب «لواء دنب»، ففي عام 2022 قدّمت واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 9 ملايين دولار للجيش الصومالي؛ لدعمه في الحرب ضد «حركة الشباب»، وتراوحت، من ثم، علاقة واشنطن بمقديشو بين البعد والتوغل. وبعد التدخل العسكري الأميركي في الصومال، إبان الحرب الأهلية في الفترة بين عاميْ 1992 و1993، وحادثة «سقوط طائرة بلاك هوك» التي خلفت 18 قتيلاً أميركياً ومئات الصوماليين، ابتعدت واشنطن بعض الشيء عن الصومال، لكن هذا التحفظ في العلاقات تغيَّر مع بداية الألفية الثانية، وأصبحت واشنطن من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الدولية للصومال، وإن ظلت المساعدات العسكرية عنصراً رئيساً. ووفقاً لتقرير من «خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي»، فإن واشنطن قدَّمت مساعدات أمنية مباشرة للصومال بأكثر من 500 مليون دولار، خلال الفترة بين 2010 و2020، كما أنفقت نحو 2.5 مليار دولار على المساعدة لبعثة الاتحاد الأفريقي «أميصوم»، وخليفتها «أتميس». وبعدها، عام 2017، علّقت واشنطن دعمها للجيش الصومالي قبل أن تستأنفه جزئياً عام 2019، لكن الرئيس السابق دونالد ترمب سحب كل القوات الأميركية من الصومال عام 2020، قبل أن يعيدها الرئيس الحالي جو بايدن عام 2022، عقب عملية كبيرة نفّذتها «حركة الشباب».


مقالات ذات صلة

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

حصاد الأسبوع مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية

كمال المدّوري... رئيس حكومة تونس الجديد أكاديمي مستقل أولويته «الأمن الاجتماعي»

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد المراقبين السياسيين داخل البلاد وخارجها، الذين كانوا يتابعون «مستجدات ملفات الانتخابات الرئاسية»، فأعلن قبل أسابيع من الموعد

حصاد الأسبوع الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

يتحدّر أغلب رؤساء الحكومات في تونس منذ أواسط خمسينات القرن الماضي من منطقة «الساحل» (وسط الشاطئ الشرقي لتونس)، موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة

«الشرق الأوسط» (تونس)
حصاد الأسبوع مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

هل يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للجلوس على طاولة المباحثات؟ بعد الزيارة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
TT

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص الصدّيق الكبير، رئيس المصرف المركزي. إذ أطاح «المجلس الرئاسي» (الغرب) الكبير، فأغلقت حكومة أسامة حماد (الشرق) حقول النفط رداً على قرار «الرئاسي» الذي اتُخذ بمعزل عن «مجلس النواب»، وعلى غير رغبته. هكذا، أصبح «المركزي»، القابع في مبنى تاريخي إيطالي التصميم يقع على الواجهة البحرية للعاصمة طرابلس، وكان يُعرف بـ«قصر الحكم» إبّان الحقبة الاستعمارية الإيطالية، رمزاً لتفاقم الانقسام بين المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي» في الشرق، ومحمد المنفّي رئيس «المجلس الرئاسي» في الغرب، وهذه معركة قد تلعب «الأوزان النسبية» للطرفين دوراً في حسمها. ومعها يشتعل الصراع بين الساسة على التحكّم بمصادر التمويل التي يشكّل المصرف المركزي «قلبها النابض». ويرى مراقبون الآن أن النزاع الحالي «قد يصبّ في مصلحة أطراف دولية تلعب أدواراً حالية في البلاد»، أو ربما يدفع أطرافاً أخرى إلى التدخل ومحاولة حلحلة الأزمة السياسية المستمرة منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، لا سيما بعدما مسّت الأزمة مصالح الدول الكبرى في النفط الليبي.

المنفي مع الدبيبة (المجلس الرئاسي)

اندلعت المعركة عقب إعلان «المجلس الرئاسي»، يوم 20 أغسطس (آب) الحالي، تعيين محمد الشكري محافظاً للمصرف المركزي، وهو قرار رفض الصدّيق الكبير تنفيذه. ومن ثم، تنحى الشكري عازفاً عن قبول المنصب، في خطوة عدّتها مجلة «فورين بوليسي» الأميركية «انعكاساً لرغبة الشكري في ألا يكون محور صراع دموي بين سلطات ليبيا المتنازعة».

بعدها، لم تتوقف محاولات «الرئاسي» إقالة الكبير رغم تذكير الأخير بأن «تعيين محافظ المصرف المركزي، وفقاً للاتفاق السياسي والقانون رقم (1) لسنة 2005، يتبع السلطة التشريعية»، الأمر الذي أكّده مجلسا «النواب» و«الدولة». لكن في تحدٍ لـ«النواب» أعلن «الرئاسي» تعيين محافظ ومجلس إدارة جديد لـ«المركزي» وتكليف عبد الفتاح عبد الغفار رئاسته، رداً على إنهاء برلمان الشرق ولاية «الرئاسي» و«حكومة الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة في الغرب. وبسرعة، سيطرت «لجنة تسليم واستلام الصلاحيات» المعيّنة من قِبل «الرئاسي» على مقرّ المصرف المركزي لتثبيت مجلس الإدارة الجديد برئاسة. ولقد ذكر عبد الغفار في أول تصريحاته الصحافية الأسبوع الماضي، أن «المصرف يعمل حالياً وفق المعايير الدولية، وعبر مجلس إدارة متكامل من ذوي الخبرات».

بالطبع، لم يلق هذا التصرف قبولاً لدى حكومة أسامة حماد (مقرها بنغازي) التي أعلنت حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ النفطية، ووقف إنتاج النفط وتصديره حتى إشعار آخر. كذلك اشترط عقيلة صالح، رئيس «النواب»، عودة الكبير إلى عمله مقابل إعادة فتح حقول النفط واستئناف التصدير.

الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب «ليبيا الكرامة»، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأزمة الحالية كما يبدو «ترجع إلى سياسة التقشف التي فرضها الكبير تجاه (الرئاسي) وحكومة (الوحدة)، مع تقنين الصرف لمواجهة عجز الموازنة. هذا ضيق الخناق عليهما، ليصدر قرار الإقالة الذي لا يعدّ من صلاحيات (الرئاسي)... إنها أزمة متوقعة في ظل وضع صعب تعيشه ليبيا وصراع مستمر بين الكيانات المختلفة».

لكن الصراع الحالي غير محصور بالمصرف المركزي، بحسب الخبير الاقتصادي الليبي وحيد الجبو، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمتد أيضاً إلى المؤسسات الاقتصادية الكبرى كالمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار... إنه صراع بين القوى السياسية المتنازعة على السلطة، لا سيما أن النفط والمال من أهم مراكز القوة، التي يحاول كل طرف أن ينتزعها لنفسه». وبينما يؤكد الجبر «بطلان» قرار الرئاسي بإقالة الكبير، فهو لا يمانع في تغيير محافظ المصرف؛ لأن «التغيير مطلوب، ولكن بموجب إجراء قانوني صحيح».

الحرب الروسية - الأوكرانية

استخدام سلاح النفط في الصراع ليس جديداً، فبعد شهرين من الحرب الروسية - الأوكرانية أُعلن عن حصار نفطي ليبي بسبب مطالبة الدبيبة بالاستقالة لصالح فتحي باشاغا، رئيس الوزراء المنافس في الشرق آنذاك. يومذاك، بدا أن الكبير والدبيبة حليفان، اتُهم رئيس حكومة «الوحدة» بـ«إساءة استخدام أموال الدولة بمساعدة المركزي»، وفق «فورين بوليسي» التي أشارت إلى «انتهاء الحصار في يوليو (تموز) 2022 من دون أن يحقق أي طرف هدفه».

وهو ما يوضحه عبد الهادي ربيع، الباحث المصري المتخصص في الشأن الليبي، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأزمة ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها لفترات سابقة حاولت خلالها سلطات شرق ليبيا تغيير محافظ المصرف المركزي بوجه رفض حكومة الغرب، قبل أن تنعكس الصورة أخيراً ويغدو الشرق متمسكاً بالكبير المرفوض من الغرب». وأرجع ربيع الأزمة الأخيرة إلى «نزع مجلس النواب صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة عن المجلس الرئاسي، بالتزامن مع صرف الكبير ميزانية ضخمة لحكومة حماد في الشرق؛ ما أغضب حكومة الدبيبة في الغرب وجعلها تنقلب عليه».

عقيلة صالح (الشرق الاوسط)

من «معسكر القذافي» إلى قلب «الثورة»

الكبير، الذي عُيّن محافظاً لـ«المركزي» عام 2011، صار بالفعل، محور صراع بين السلطتين التنفيذيتين في البلاد. وهو خريج جامعة هارتفورد الأميركية، وكان محسوباً على نظام معمّر القذافي، قبل أن يصبح من أوائل «الثوار» ضد حكمه. فقد انضم إلى المجلس الانتقالي الليبي إثر نشاطه على الأرض، ومنه إلى المصرف المركزي. وطوال 13 سنة لعب الكبير دوراً محورياً في الإدارة السياسية - النقدية في البلاد.

مراقبون يرون أن الكبير دائماً يراهن على «الحصان الرابح»، ويوصف بأنه «آخر من تبقى من الثوار» و«القذافي الجديد»، وهو اتهام بين اتهامات وانتقادات عدة وُجّهت إليه، وبلغت حد التشكيك في جنسيته من قِبل «ثوار الزاوية» عام 2013. أيضاً تعرّض الرجل لاتهامات عدة إبّان عهد القذافي، وتجدّدت مع تعيينه محافظاً، لكنه تخطى الأزمة بمهاراته المعتادة التي أتاحت له في وقت سابق الانتقال من معسكر المحسوبين على نظام القذافي إلى معسكر «الثوار».

واشنطن على خط الأزمة

من جهة ثانية، يُلقب البعض الكبير بأنه «حليف واشنطن»، وربما كان هذا سبب دخول واشنطن على خط الأزمة الحالية، حين أعلنت سفارتها في ليبيا، الأسبوع الماضي، عن لقاء جمع ، الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، جيريمي بيرنت القائم بالأعمال، مع حفتر. ولقد حثّت واشنطن جميع الأطراف الليبية على «المشاركة بشكل بنَّاء في الحوار بدعم من بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا». كذلك، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في اليوم نفسه، عزمها عقد اجتماع طارئ لحل أزمة المصرف المركزي؛ بهدف «التوصل إلى توافق يستند إلى الاتفاقيات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمة».

خليفة حفتر (روبترز)

تكمن أهمية المصرف المركزي الليبي في كونه يشرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة

«سلاح المعركة»

تكمن أهمية المصرف المركزي في كونه يشرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة، قبل إعادة توزيعها بين المناطق الليبية المختلفة، وكانت فترة الهدوء أخيراً ساهمت في رفع إنتاجه إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً. لكن إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة «القوة القاهرة» في حقل الشرارة، أحد أكبر حقول النفط الليبية بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف برميل يومياً، أثار مخاوف دولية بشأن خفض الإنتاج، وارتفاع أسعار الخام عالمياً.

وهكذا، بات النفط سلاحاً رئيسياً في معركة «فرض النفوذ» و«لي الذراع» بين شرق ليبيا وغربها، «يفرض استخدامه خسائر على الاقتصاد الليبي الذي يعاني عجزاً في الميزانية العامة وميزان المدفوعات»، بحسب الجبو، الذي قال إن «خزينة ليبيا ستواجه صعوبات في تسديد المتطلبات من مرتبات ودعم للوقود والكهرباء». أما الفارسي، فيرى أن استخدام سلاح النفط داخلياً قد يُثير «موجة غلاء مع تراجع سعر العملة المحلية مقابل الدولار، كما قد يضرّ بالاستثمارات، ويوثر على التعامل مع المصارف الأجنبية».

للعلم، تقع غالبية حقول النفط تحت سيطرة «الجيش الوطني الليبي»، الذي حذَّر قائده حفتر خلال الأسبوع الماضي، من «المساس بالمصرف المركزي»، بينما تُعدّ منطقة الواحات (بجنوب غربي ليبيا) من أبرز المناطق الغنية بالحقول النفطية في البلاد. ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، فالمصرف المركزي هو الجهاز الوحيد المسؤول عن عائدات النفط، التي تشكل 95 في المائة من ميزانية ليبيا، وبالتالي مَن يتحكّم بالعائدات يتحكّم بالاقتصاد الليبي.

«لعبة شطرنج»

على صعيد متصل، وخلف الكواليس، يُعد المصرف «جزءاً من لعبة شطرنج جيوسياسية روسية»، وفقاً لجايسون باك، مؤسس «ليبيا أناليسيس»، الذي يرى في حديثه لـ«فورين بوليسي» أن إغلاق حقول النفط لن يغير طريقة عمل المصرف، بل يسمح لروسيا بتعزيز مصالحها في ليبيا. وعدّ باك «الأزمة مصطنعة ولا علاقة لها بقضايا المصرف الرئيسية». كذلك، ورد في المجلة عينها تحذير من أنه «إذا تجاهلت الجهات الدولية الرئيسية الفاعلة هذه الأزمة، فهي تترك بذلك ليبيا تحت رحمة روسيا».من جانبه، يرجح الجبو أن «يأتي حل الأزمة عبر ضغط المجتمع الدولي لعودة الكبير إلى منصبه، ومن ثم إجراء اتصالات ومباحثات بين مجلسي النواب و(الدولة) لاختيار محافظ جديد». مذكّراً في هذا الصدد بأن بيان السفارة الأميركية «ندد بإبعاد المحافظ وطالب بإرجاعه». وأيضاً، يرى الفارسي أن «أي حل للأزمة لن يتحقق بمعزل عن جهود المجتمع الدولي وضغوطه، لا سيما مع وجود أطراف دولية فاعلة في الأزمة». وهو يتوقع «حلّ الأزمة سريعاً، مع تشكيل لجنة حوار جديدة تدفع نحو الاستقرار وإجراء الانتخابات، بعدما طال الأمر وتعقد، وبات يمسّ قوت الليبيين ومصالح القوى الدولية في النفط والاستثمارات».