بطل «مندوب الليل» لـ«الشرق الأوسط»: الرياض هي القصة ولست أنا

شارك الفيلم في 5 مهرجانات عالمية ووصل لـ«البحر الأحمر».. القرعاوي: هو رسالة حب لعاصمتنا

يستعد الفيلم لعرضه في أوروبا مطلع العام الجديد (الشرق الأوسط)
يستعد الفيلم لعرضه في أوروبا مطلع العام الجديد (الشرق الأوسط)
TT

بطل «مندوب الليل» لـ«الشرق الأوسط»: الرياض هي القصة ولست أنا

يستعد الفيلم لعرضه في أوروبا مطلع العام الجديد (الشرق الأوسط)
يستعد الفيلم لعرضه في أوروبا مطلع العام الجديد (الشرق الأوسط)

من لم يحالفه الحظ بزيارة الرياض قد لا يدرك كم هي مدينة نابضة بالحياة، وسريعة النمو ومزدحمة معظم الوقت، ولها وجه ساحر ومختلف يفهمه أهلها جيداً. هذا ما حاول إظهاره الفيلم السعودي «مندوب الليل»، الذي شهد عرضه الأول في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» بجدة، حضوراً كبيراً من الجمهور المتعطش لمشاهدة الفيلم، بعد أن حقَّق أصداء عالمية جيدة في مهرجانات عدة شارك بها مؤخراً.

يلعب الفيلم بذكاء على تناقضات مدينة الرياض، ما بين الأبراج الشاهقة والمطاعم الفاخرة والسيارات الفارهة، وما بين الأحياء الشعبية والبيوت البسيطة والسيارات قديمة الطراز، بما يجعل المتفرج يدرك أن الرياض عامرة بالحياة والتنوّع، وذلك بتلقائية عالية اشتغل عليها المخرج علي الكلثمي، وأظهرت صخب المدينة في أثناء فعاليات موسم الرياض، وكذلك هدوءها في لحظات ما قبل الفجر، وكل ذلك يحدث بعيون مندوب توصيل، يطرق أبواب عدة لإتمام عمله.

الممثل السعودي محمد الدوخي (من المهرجان)

شخصية فهد القضعاني

يتحدث بطل الفيلم الممثل السعودي محمد الدوخي لـ«الشرق الأوسط» عن خبايا تجسيده شخصية الشاب الثلاثيني الأعزب والمضطرب (فهد القضعاني)، حين انقطع الدوخي عن معارفه لفترة، واشتغل مندوب توصيل حقيقياً، واستخرج رقم جوال جديداً، وصار يستخدم سيارات الأجرة، وكان يبدأ عمله في توصيل الطلبات بعد منتصف الليل، تماماً كما جاء في قصة الفيلم، ليتقمّص دوره في شخصية فهد، قبل بدء التصوير.

ويشير الدوخي إلى أن الفيلم حاول إظهار سحر الرياض وجمالها في ساعات الليل الحالك، فصُوّرت جميع مشاهده ليلاً، واثنان فقط في أثناء النهار. ويتابع: «صُوّر الفيلم في فصل الشتاء، وتزامن أحياناً مع هطول الأمطار، حين تكون درجات الحرارة منخفضة جداً في العاصمة السعودية». ويستطرد: «في مشهد تصوير خارجي كان عليّ أن أغطس في حوض ماء، ودرجات الحرارة حينها لامست الصفر، كان المشهد صعباً جداً... إلا أن الرياض جميلة صيفاً وشتاءً».

وبسؤال الدوخي عن مدى التقارب بينه وبين فهد القضعاني يجيب: «لا يشبهني أبداً، ولم يكن التحضير للشخصية سهلاً على الإطلاق، فهو إنسان مختلف ولديه مشكلات مع أهله وعمله ومع الحياة ككل». ويؤكّد أن فهد شاب كغيره من شباب جيله، وشخصيته موجودة في المجتمع.

نجوم «مندوب الليل» على السجادة الحمراء مع جُمانا الراشد ومحمد التركي (من المهرجان)

رسالة حب للرياض

يصف محمد القرعاوي، الذي شارك في كتابة النص، الفيلم بقوله: «هو رسالة حب للرياض، المدينة التي تربينا ونشأنا بها، وفي كل شارع بها لنا قصص كثيرة».

بسؤال القرعاوي إن كان «مندوب الليل» فيلماً نخبوياً، يجيب: «بل هو شعبي من قلب الشارع، وحتى في كتابتنا كنا نقترب من المساحات المفهومة من حيث تشكيل دوافع الشخصية والأحداث التي مرت بها، كما حاولنا إظهار مدينة الرياض بكل طبقاتها واتجاهاتها، بالطريقة التي نرى فيها أنفسنا، ولا أعتقد أن هناك أفضل من مندوب التوصيل ليكون المنظور من خلاله».

⁨محمد القرعاوي في مشهد المدير (الشرق الأوسط)⁩

لماذا مندوب التوصيل؟

يؤكّد القرعاوي ضرورة أن يحمل أي عمل رسالة ما، وغالباً ما تكون إنسانية بالدرجة الأولى. ويشير إلى تأثره بكتاب «معجم الأحزان الخفية» (The Dictionary of Obscure Sorrows)، الذي كان عبارة عن قناة «يوتيوب» أنشأها جون كوينغ، لتسمية المشاعر التي ليس لها مصطلح وصفي في اللغة بلفظة جديدة.

ويوضح: «الخلاصة هي أنك لست الشخصية الرئيسية في هذا الوجود، بل أنت شخص إضافي في قصة شخص آخر»، وتجسد ذلك في موقف عاشه القرعاوي، حين كان في اجتماع مع عدد كبير من المشاهير، حينها أطلّ مندوب التوصيل لتسليم طلبية ما، وشد انتباهه أن هذا الرجل البسيط تجمّد في مكانه، قد يكون فوجئ بوجوده في مكان يجمع كل هؤلاء المشاهير، ويضيف: «من هنا أدركنا أنه ليس هناك أفضل من مندوب التوصيل لنحكي القصة من خلاله».

بطل العمل محمد الدوخي مع المخرج علي الكلثمي (الشرق الأوسط)

سينما الواقع

«مندوب الليل» قد ينتمي لسينما الواقع، إلى درجة تُشعر المشاهد بالالتصاق بالشاب فهد القضعاني، الذي يجد نفسه عالقاً في زحمة سير خانقة بشوارع الرياض، ويعاني تأنيب مديره، ويبحث عن علاج لوالده المريض، وهي مشكلات معتادة تواجه معظم الناس، مما يعني أن المشاهد يتابع فيلماً يشبه حياته اليومية ولم يأته من وحي الخيال.

في حين قدم محمد القرعاوي شخصية المدير الشرير في «مندوب الليل»، وظهر في مشهدين مؤثرين في سياق الفيلم. عن هذه التجربة، يقول: «تعاطفت مع المدير، فهناك دوافع كثيرة جعلته يبدو على هذه الصورة. وهو أيضاً يشبه كثيرين من المديرين من حولنا». مشيراً إلى أن نقاط قوة العمل تكمن في اقترابه الشديد من المشاهد، لدرجه تجعله يندمج سريعاً مع الفيلم.

ومن الجدير بالذكر أن الفيلم المنتظر عرضه في صالات السينما بدءاً من 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، شارك حتى الآن في نحو 5 مهرجانات سينمائية من حول العالم، ومن المقرر أن يُعرض في الصالات الأوروبية بداية العام المقبل 2024، وفق ما كشف عنه صُناعه لـ«الشرق الأوسط». والفيلم من إنتاج «استوديوهات تلفاز 11»، بدعم من «مؤسسة مهرجان البحر السينمائي»، (صندوق دعم الإنتاج).


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.