مخاوف في دمشق من توسع حرب غزة نحو سوريا ولبنان

رسائل متبادلة بين إسرائيل وإيران وأميركا فوق السماء السورية

آثار الدمار بعد قصف إسرائيلي في 22 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار الدمار بعد قصف إسرائيلي في 22 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مخاوف في دمشق من توسع حرب غزة نحو سوريا ولبنان

آثار الدمار بعد قصف إسرائيلي في 22 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
آثار الدمار بعد قصف إسرائيلي في 22 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

يسود الحذر في دمشق مع تواصل التصعيد على الجبهة الجنوبية بمواجهة إسرائيل، بالتوازي مع تصعيد شرق البلاد حيث وجود قوات أميركية وميليشيات موالية لإيران.

ففي الوقت الذي ردت فيه إسرائيل على قذائف أطلقها «حزب الله» اللبناني، بقذائف صاروخية على أحراش بيت جن أقصى الريف الجنوبي الغربي في دمشق المتداخل مع ريف القنيطرة والحدود اللبنانية، شهدت مناطق شرق سوريا تصعيداً بإعلان ما يسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق، استهداف القاعدة الأميركية في منطقة (خراب الجير) شرق الحسكة برشقة صاروخية كبيرة وإصابة أهدافها بشكل مباشر.

وكانت وزارة الخارجية السورية، قد حذرت في بيان، السبت، من تمدد وتوسع حروب إسرائيل وحلفائها، وطالبت بوقف «مجازر الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، واعتداءاته الجبانة على سوريا ولبنان قبل أن تمتد وتتوسع حروب الصهاينة وحلفائهم إلى مناطق جديدة»، بحسب البيان الذي أكد على أن «حروب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي العنصري ضد الشعب الفلسطيني، ستقود إلى تقريب اليوم الذي يتطلع إليه كل من يضحي بحياته وعائلته من أجل التحرر والكرامة وهو يوم النصر».

وقالت الخارجية السورية: «آن لهذه المذبحة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أن تتوقف، وآن للاعتداءات الإسرائيلية الجبانة على سوريا وعلى جنوب لبنان أن تتوقف أيضاً، قبل أن تمتد وتتوسع حروب الصهاينة وحلفائهم إلى مناطق جديدة».

مصادر متابعة في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن دمشق وطهران تتوجسان من توسع الحرب نحو جنوب سوريا ولبنان، وليس في مصلحة أي من الأطراف الدولية توسع الحرب، لأنها ستسرع في تغيير المعادلات والتوازنات في ساحة الصراع، وما يجري الآن هو سعي إسرائيل إلى إضعاف الوجود العسكري الإيراني في سوريا ولبنان، وإبعادها عن حدودها.

وتابعت المصادر أنه مع استمرار المناوشات على الحدود يخشى من توسع الحرب، لافتة إلى أن الأمور «لا تزال ضمن إطار تبادل الرسائل»، فبينما تقصف إسرائيل مواقع لإيران داخل سوريا، ترد المقاومة العراقية بالقصف على مواقع أميركية في سوريا، على سبيل الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لردع إسرائيل، الأمر الذي يجعل احتمالات توسع المواجهات قائمة وربما قريبة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، قصف مواقع في سوريا بعد رصد إطلاق صاروخ منها باتجاه إسرائيل. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة «إكس»، أنه تم رصد إطلاق قذيفة صاروخية من سوريا نحو إسرائيل في وقت سابق، لم يتم اعتراضها وفق السياسة المتبعة، لأنها كانت في طريقها إلى منطقة مفتوحة دون وقوع أي خسائر.

وأضاف أن «الجيش الإسرائيلي رد بالمدفعية، على مصادر إطلاق القذيفة الصاروخية»، دون مزيد من التفاصيل. وذلك بعد ساعات من شن الطيران الإسرائيلي غارات على مواقع عدة في محيط العاصمة السورية، استهدفت مواقع «حزب الله» اللبناني في منطقة السيدة زينب وحجيرة بريف دمشق، وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص، في حين أعلن «الحرس الثوري» الإيراني، مقتل اثنين من مستشاريه بهجوم إسرائيلي في سوريا.

حقل «كونيكو» النفطي شرق سوريا (أرشيفية)

خط القرى السبع

جاءت تلك التطورات مع قيام القوات الأميركية بإرسال قوات عسكرية من قاعدتي حقلي «العمر» النفطي و«كونيكو» للغاز من ريف محافظة الحسكة الشرقي إلى المنطقة القريبة من خط المواجهة على طول القرى السبع الوحيدة الواقعة تحت سيطرة دمشق بريف دير الزور الشرقي. وتعد منطقة نفوذ للقوات الروسية التي تتقاسم مناطق النفوذ مع القوات الأميركية شمال وشمال شرقي البلاد، وفق صحيفة «الوطن» المحلية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر في ريف دير الزور الشرقي عبرت بدورها عن القلق من احتمال حدوث صدام عسكري بين قوات الحكومة السورية والقوات الروسية من طرف، وقوات «التحالف الدولي»، في الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث القرى السبع، التي ترتبط منذ يناير (كانون الثاني) 2022، عبر بلدة الحسينية، بجسر مع بلدة الحويقة في الضفة الغربية للنهر، التي تسيطر عليها الحكومة السورية وتضم مدينة دير الزور.

هذا وكثفت إسرائيل غاراتها على سوريا منذ اندلاع الحرب في غزة، ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، 24 استهدافاً قامت بها إسرائيل في الأراضي السورية، بينها 7 استهدافات برية بقذائف صاروخية، و17 جوية. فيما أحصى المرصد 56 مرة، قامت بها إسرائيل باستهداف الأراضي السورية منذ مطلع العام الجاري. وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 116 هدفاً، ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات. وتوزعت الاستهدافات جغرافياً كالتالي: 21 لدمشق وريفها، و8 للقنيطرة و2 لحماة، و3 لطرطوس، و8 لحلب، و4 للسويداء، و11 لدرعا، و4 لحمص، و2 لدير الزور.

في المقابل، تشهد مناطق تواجد القوات الأميركية شرق سوريا تصعيداً غير مسبوق.

وأحصى المرصد السوري 42 هجوماً برياً وجوياً نفذته ميليشيات مدعومة من إيران في مقدمتها المقاومة الإسلامية في العراق، على قواعد التحالف الدولي خلال الشهر الماضي في إطار «حملة الانتقام لغزة»، فيما ردت قوات التحالف بجولتي قصف على مواقع الميليشيات داخل سوريا محدثة أضراراً بالغة.



«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
TT

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

في مسعى جديد لإقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، وإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، يلتقي الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة)، في اجتماع رباعي، الأحد، بروما بمشاركة إسرائيلية، وسط مخاوف من «تجدد العراقيل الإسرائيلية». وأعد لـ«اجتماع روما الرباعي» خبراء ضمن زخم يتصاعد وحراك مكثف في مسار المفاوضات يشي بإمكانية أن يكون هناك جديد في مستقبل مفاوضات الهدنة.

ويتوقع الخبراء أن يكون اجتماع روما «إجرائياً» ويناقش «الخلافات» التي من بينها كيفية عودة النازحين وفتح معبر رفح الحدودي؛ لتنفيذ المرحلة الأولى من الهدنة الممتدة إلى 42 يوماً، من بين 3 مراحل تضمنها مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، في مايو (أيار) الماضي، لوقف إطلاق النار في غزة.

ويجتمع الأحد مسؤولون من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل في روما، في «إطار استمرار جهود الوسطاء للوصول لاتفاق هدنة بقطاع غزة»، حسب ما نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر مصري وصفته بـ«رفيع المستوى». ويبحث الوفد الأمني المصري تطورات مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، وفق المصدر ذاته، الذي أكد تمسك مصر بضرورة الوصول لصيغة تحمل 4 بنود؛ هي: «وقف فوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حرية حركة المواطنين في القطاع، والانسحاب الكامل من منفذ رفح».

مشيعون يُصلّون على أشخاص قتلوا في غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

بلينكن والحراك المكثف

ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن «اجتماع روما» سيكون بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير الموساد، ديفيد بارنياع.

تلك التطورات تشي بـ«حراك مكثف» في طريق المفاوضات قد يؤدي إلى نتيجة، أو يعود إلى سلسلة جديدة من الجولات من دون الوصول لاتفاق، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وفق ما قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط».

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، السبت، خلال اجتماع رابطة «آسيان» في فينتيان، إن واشنطن «تعمل يومياً بشكل حثيث» للوصول إلى اتفاق هدنة، بعد مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لواشنطن، تنفيذ الاتفاق في أقرب وقت ممكن ووقف الحرب، وذلك قبيل الإعلان عن عقد اجتماع بروما.

شكوك في النجاح

وإزاء توالي المواقف الأميركية الضاغطة بشكل أكبر، سواء من بايدن أو هاريس ثم اجتماع روما، يأمل الكثيرون أن يقود هذا الزخم الكبير، إلى اتفاق هدنة جديدة، شريطة أن تكون هناك رغبة إسرائيلية حقيقة في التوصل إلى اتفاق، وفق الخبير في العلاقات الدولية عمرو الشوبكي.

ولا يُتوقع أن يتضمن اجتماع روما «مفاوضات مفصلة حول الفجوات المتبقية، لكنه سيركز بشكل أساسي على الاستراتيجية للمضي قدمًا»، وفقاً لما نقله موقع «أكسيوس» عن مصدر مطلع. وقال المصدر «لم يكن المفاوضون الإسرائيليون متفائلين بأن الاجتماع في روما سيؤدي إلى انفراجة، وشككوا في أن ضغوط بايدن على نتنياهو قد أقنعته بتخفيف بعض مطالبه الصعبة الجديدة في الاقتراح الإسرائيلي المحدث»، في إشارة لما ذكره، الجمعة، مسؤول غربي ومصدر فلسطيني ومصدران مصريان لـ«رويترز» عن سعي إسرائيل إلى «إدخال تعديلات قد تعقّد التوصل إلى اتفاق».

وكانت أهم التعديلات، وفق حديث المصادر الأربعة، بند يتمثل في «مطالبة إسرائيلية بفحص النازحين الفلسطينيين لدى عودتهم إلى شمال القطاع، خشية أن يكون من بينهم مسلحون من حماس أو متعاطفون مع الحركة»، وهو ما ترفضه حماس. وبند آخر تمثل في «احتفاظ الجانب الإسرائيلي بالسيطرة على حدود غزة مع مصر»، وهو ما ترفضه القاهرة بوصفه «يتجاوز أي إطار لاتفاق نهائي ترضى به الأطراف».

فلسطينيون يجلسون بجوار مبنى دمره القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في وقت سابق (أ.ب)

الانسحاب الكامل من غزة

ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصدر قيادي فلسطيني لم تسمه، السبت، أن «حماس» لا تزال على موقفها بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، بما فيه ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، وعدم قبول أي صيغة جديدة لا تتضمن نصاً واضحاً على وقف إطلاق النار.

وإذا لم يتجاوز اجتماع روما عقبات الحكومة الإسرائيلية وشروطها الجديدة، فإن عملية تفاوض ستكون صعبة جداً، وفق تقدير رخا أحمد حسن، متوقعاً ألا يتجاوب نتنياهو مع الموقف المصري - الذي سيضع مطالب القاهرة الـ4 على الطاولة في اجتماع روما - أملاً في إطالة أمد التفاوض لما بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية، رغم أن إسرائيل حققت قدراً من أهدافها العسكرية، لكنها تريد المزيد على صعيد الجانب السياسي.

كما يتوقع أن يبحث اجتماع روما نقاط الخلاف في الاتفاق، مثل الانسحاب الإسرائيلي من داخل المدن، واستمرار إسرائيل في السيطرة على معبر رفح وتفتيش النازحين، ودور «حماس» بعد الحرب، بجانب نقاط فرعية مثل أعداد الأسرى.

نصب فلسطينيون خيماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة في غزة (د.ب.أ)

ويعتقد عمرو الشوبكي أن «المطالب المصرية سوف تنفذ حال الوصول إلى اتفاق، كونها بعضا من كل، ودون ذلك سيماطل نتنياهو ويواصل كسب الوقت». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هذه المرة الزخم كبير» نحو إقرار هدنة في غزة، وبالتالي فرصة إبرام اتفاق وتحقيق انفراجة قائمة، لكن «نتعامل معها بحذر» في ضوء تكرر تلك المؤشرات مع مسارات تفاوضية سابقة دون الوصول إلى صفقة جادة وحقيقية.