رحيل كيسنجر مهندس «الدبلوماسية»... و«الخراب»

قال إن «حماس» تستحق «بعض العقوبة»... وروسيا «تهاجم» النظام الدولي

TT

رحيل كيسنجر مهندس «الدبلوماسية»... و«الخراب»

دونالد ترمب مستقبلاً هنري كيسنجر في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض عام 2017 (رويترز)
دونالد ترمب مستقبلاً هنري كيسنجر في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض عام 2017 (رويترز)

لم يترك هنري كيسنجر حجراً لم يقلبه في الدبلوماسية الناجحة عالمياً. لكنه واجه طيلة عمره المديد تهمة «هندسة الخراب» في العديد من بلدان العالم، بما في ذلك لبنان عربياً، وتشيلي والأرجنتين في أميركا الجنوبية، وفيتنام وكمبوديا في آسيا، وصولاً إلى بلدان عدة في أفريقيا.

ولولا هذه وتلك، ما كان نجم كيسنجر ليلمع منذ أكثر من نصف قرن، ثم يطبع اسمه على السياسة الخارجية الأميركية، وربما الغربية عموماً. ظلّ مهندسو الدبلوماسية الأميركية عبر الحزبين الجمهوري والديمقراطي يعودون إليه حتى أيامه الأخيرة. يقول كثيرون إنه ترك أثراً عميقاً لا يزال حيّاً حتى في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.

كيسنجر لدى حضوره فعالية أكاديمية في برلين عام 2010 (د.ب.أ)

بقي كيسنجر، الذي تمم عمره بمائة عام في 27 مايو (أيار) الماضي، مرجعاً دولياً كبيراً - على غرار كتابه «الدبلوماسية» لعام 1994 - في القضايا الكبرى حتى أيامه الأخيرة. في عمره المائة، سافر إلى الصين حيث صنع أحد اختراقاته التاريخية قبل نصف قرن. تحدث كثيراً عن غزو روسيا لأوكرانيا ومستقبل أوروبا. كان له رأي مسموع في أثر الذكاء الاصطناعي على العلاقات الدولية.

صنع كيسنجر «أيقونة» نفسه أيضاً في الشرق الأوسط، حيث كانت «الدبلوماسية المكوكية» التي اعتمدها كوزير للخارجية الأميركية خلال الحرب العربية - الإسرائيلية لعام 1973 بمثابة الحجر الأساس ليس فقط لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، بل أيضاً لاحتكار الولايات المتحدة رعاية ما صار الآن عملية السلام المترنحة بين الفلسطينيين والعرب من جهة، والإسرائيليين من الجهة الأخرى.

كيسنجر رفقة الرئيس الأميركي جو بايدن عام 2007 وكان بايدن حينها رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ (أ.ب)

على أثر هجمات «حماس» الصاعقة ضد المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة، قال كيسنجر إن هذا «العمل العدواني الصريح» يجب أن يقابل بـ«بعض العقوبة»، محذراً من احتمال حدوث تصعيد خطير في المنطقة. وأضاف أن «الصراع في الشرق الأوسط ينطوي على خطر التصعيد وإدخال دول عربية أخرى تحت ضغط الرأي العام»، مشيراً إلى العبر من «حرب يوم الغفران»، التسمية الإسرائيلية لـ«حرب أكتوبر (تشرين الأول)» العربية عام 1973. رأى أن الهدف الحقيقي لـ«حماس» ومؤيديها «لا يمكن إلا أن يكون تعبئة العالم العربي ضد إسرائيل والخروج عن مسار المفاوضات السلمية»، من دون أن يستبعد أن تتخذ إسرائيل «إجراءات» ضد إيران، إذا تأكدت أن لها يداً في الهجوم. واعتبر أن غزو روسيا لأوكرانيا وهجوم «حماس» ضد إسرائيل يمثلان «هجوماً أساسياً على النظام الدولي».

معرفة كيسنجر بالسعودية والخليج

في حوار طويل أجراه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز مع كيسنجر، خلال إعداد الأول لأطروحة الدكتوراه في جامعة أكسفورد بعنوان «إيران والسعودية والخليج 1968 - 1971»، أظهر الدبلوماسي الأميركي أن معرفته بالسعودية والخليج «كانت غير مؤثرة في سياسات مجلس الأمن القومي في الخليج». بل إنه اعترف بعدم اطلاعه ومعرفته بالتفاصيل المتعلقة بهذه المنطقة ومعرفته بـ«مسار العلاقات السعودية الإيرانية في حقبة الشاه».

وذكر الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة الحالي، في كتابه: «يعتبر كثر أن سياسة مجلس الأمن القومي في الخليج تأثرت بكيسنجر إلى حد كبير». ولكن «تبدو هذه النظرة غير دقيقة، إذ إن كيسنجر نفسه أجاب عند سؤاله عن التصور الذي يملكه حول الخليج عام 1969: ليس لدي تصور، مضيفاً: أجهل مسار العلاقات السعودية - الإيرانية، الأولوية بالنسبة إلي هي إخراج السوفيات من الشرق الأوسط».

السياسة الواقعية

في عيد ميلاده المائة في مايو (أيار) الماضي، سألت «الشرق الأوسط» عدداً من الأكاديميين والدبلوماسيين الذين أعادوا إليه الفضل في إنشاء العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، بثمن ابتعاد الأخيرة عن المنظومة الشيوعية التي تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، مؤسساً مع ذلك لعقيدة التوازن بين القوى الدولية.

الرئيس الصيني شي جينبينغ يستقبل كيسنجر في بكين خلال زيارته للصين في 20 يوليو 2023 (أ.ب)

كما في عمله الأكاديمي من جامعة هارفرد التي تخرج فيها عام 1954 بشهادة الدكتوراه، اعتنق كيسنجر مذهب «السياسة الواقعية» الذي ابتكره الكاتب الألماني لودفيك فون روشو في القرن التاسع عشر لتقديم الاعتبارات والظروف المعينة في العمل السياسي والدبلوماسي، مقدماً إياه على اتباع نهج آيديولوجي ومفاهيم أخلاقية. واستطاع كيسنجر، المولود يهودياً في ألمانيا، قبل أن يلجأ مع عائلته إلى الولايات المتحدة عام 1938 هرباً من حكم النازيين بقيادة أدولف هتلر، ليس فقط أن يدخل عالم السياسة الأميركية، بل أيضاً أن يصير أولاً مستشاراً للأمن القومي عام 1969، ثم وزيراً للخارجية عام 1973 في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وبقي في منصبه الأخير حتى مطلع عام 1977، في عهد الرئيس جيرالد فورد الذي خلف نيكسون عام 1974 على أثر فضيحة «ووترغيت».

على رغم كل المآخذ، تقدم هنري كيسنجر إلى صفوف أنصار «السياسة الواقعية» البارزين خلال القرن العشرين، مثل مهندس الحرب الباردة جورج كينان، ومهندس إعادة توحيد ألمانيا هانس ديتريش غينشر، بالإضافة إلى سياسيين مثل الرئيس الفرنسي شارل ديغول.

كان لديه الكثير ليحتفل به في عيد ميلاده المائة.

اختراق تاريخي

غاب كيسنجر، وبقي كتابه «الدبلوماسية» مرجعاً رئيسياً. لكن الدبلوماسي الذي أحدث عام 1973 زلزالاً جيوسياسياً في العلاقات الدولية عندما نجحت جهوده لعقد قمة بين الرئيس نيكسون والزعيم الصيني ماو تسي تونغ، لا يزال الرجل المحبوب عند الزعماء الصينيين الحاليين، وبينهم الرئيس شي جينبينغ. كما لا يزال أثره باقياً في الشرق الأوسط لدوره في الوساطة من أجل وقف النار بين مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من الجهة الأخرى، مما أتاح لاحقاً عقد اتفاقات كامب ديفيد للسلام بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن.

كيسنجر (وسط) يناقش دينغ تشياو بينغ (يمين) خلال عشاء عام 1974 (غيتي)

رداً على سؤال من «الشرق الأوسط»، أجاب أستاذ التاريخ في جامعة «فاندربيلت» البروفسور توماس شوارتز بأن «كيسنجر كان مؤثراً بشكل غير عادي على السياسة الخارجية الأميركية»، إذ إن كثيرين ممن عملوا معه أو رافقوه، مثل برنت سكوكروفت الذي عمل مستشاراً للأمن القومي في عهدي الرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الأب، ووزير الخارجية سابقاً لورانس إيغلبرغر (في عهد جورج بوش الأب أيضاً)، ووزيرة الخارجية سابقاً كوندوليزا رايس (خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن)، وغيرهم «صاغوا مكانة أميركا في العالم بعد فترة طويلة من تولي (كيسنجر) منصب وزير الخارجية».

ولا يزال من اللافت أن كيسنجر بمقاربته «الواقعية» التي «لا تحظى دائماً بشعبية»، دفعت حتى الرئيس السابق باراك أوباما إلى الادعاء بأنه تعامل مع القضايا الدولية على هذا المنوال.

«سيد اللعبة»

في الوقت ذاته، رأى الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى لبنان سابقاً، تيري رود لارسن، أن كيسنجر شخصية «فريدة تماماً في عالم الدبلوماسية المعاصرة» لأنه يعد «أحد أبرز الباحثين عالمياً في العلاقات الدولية والدبلوماسية»، مضيفاً أن «أعماله في هذا المجال كأكاديمي رائعة للغاية»، فضلاً عن أنه «الرقم واحد بصفته دبلوماسياً عاملاً في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية». وقال لارسن لـ«الشرق الأوسط» إن كيسنجر «حقق إنجازاً هائلاً»، مشيراً أولاً إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، وثانياً إلى دبلوماسيته في الشرق الأوسط. وأكد أن «أوراق اعتماد (كيسنجر) الأكاديمية، وأوراق اعتماده بوصفه دبلوماسياً عاملاً جعلته (يجمع مزيجاً لا يوجد عند أي شخص آخر، كونه الأفضل في المجالين)». واغتنم مناسبة بلوغ كيسنجر مائة عام ليشيد به وبخدمته «طوال حياته من أجل السلام والأمن الدوليين».

«الإنجاز الحاسم» عربياً

يتفق رود لارسن، الذي كان الوسيط الرئيسي في اتفاقات أوسلو لعام 1993 بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تماماً مع وكيل وزارة الخارجية الأميركية سابقاً مارتن إنديك الذي عمل مبعوثاً أميركياً للسلام في الشرق الأوسط، وألف أخيراً كتاباً بعنوان «هنري كيسنجر، سيد اللعبة وفن دبلوماسية الشرق الأوسط».

كيسنجر والسادات في القاهرة في 16 يناير 1974 (أ.ب)

ويعرض إنديك في كتابه بشكل شامل ومفصل لما يعتبره البعض «الإنجاز الأكثر حسماً وأهمية» لكيسنجر، الذي انخرط في «دبلوماسية مكوكية» إثر «حرب أكتوبر» عام 1973، فتوصل إلى ترتيب ثلاث اتفاقيات لفك ارتباط بين إسرائيل ومصر من جهة، وإسرائيل وسوريا من جهة ثانية، كما ساعد ثالثاً في وضع الأساس لـ«السلام في الشرق الأوسط». وكرس إنديك كتابه لدور كيسنجر الحاسم في الشرق الأوسط، واصفاً إياه بأنه «مفاوض لامع لا يكل»، كان «هدفه إقامة توازن ثابت للقوى» في الشرق الأوسط من خلال «التلاعب الماهر بخصومات القوى المتنافسة».

غير أن السرديات التأريخية التي اعتمدها مارتن إنديك اعتمدت إلى حد كبير على الأرشيفين الأميركي والإسرائيلي، بالإضافة إلى المقابلات المباشرة له مع كيسنجر وآخرين من أصحاب الشأن. لم تتح له فرصة الوصول إلى الأرشيفين المصري والسوري وغيرهما في المنطقة العربية. وعلى رغم أنه عمل مع الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، وكان ينتقد سياسة الرئيس السابق دونالد ترمب في الشرق الأوسط، قارن إنديك «اتفاقات إبراهيم» للتطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل بنجاح كيسنجر في التعامل مع الرئيس السوري حافظ الأسد، مقابل فشل إدارة كلينتون في التوصل إلى معاهدة سلام سورية - إسرائيلية، وكذلك إنجاز كيسنجر في مفاوضات سيناء الثانية التي أدت إلى أول انسحاب إسرائيلي كبير من الأراضي العربية المحتلة، وعزز العلاقات الجديدة للولايات المتحدة مع مصر، مقابل إخفاق إدارة أوباما في تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.

وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر ورئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير يتحدثان بعد عشاء للأعضاء اليهود في الكونغرس، ليلة الأحد 4 نوفمبر، 1977، في نيويورك (أ.ب)

بدوره، يؤكد البروفسور شوارتز لـ«الشرق الأوسط» أن «دور كيسنجر في الشرق الأوسط كان حاسماً للغاية»، معتبراً أن «أحد أهم موروثاته (يتمثل) في وضع الأساس» لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، مما «أزال التهديد الأكبر لوجود إسرائيل وأقام تحالفاً أقوى بكثير (للولايات المتحدة) مع إسرائيل». وذهب أيضاً إلى اعتبار أن «اتفاقات إبراهيم هي أيضاً إرث من نهج كيسنجر».

ومع ذلك يعتقد إنديك أن كيسنجر «أضاع فرصة» في أوائل عام 1974 لمشاركة العاهل الأردني الملك حسين في عملية السلام بطريقة تسمح للأردن (بدلاً من منظمة التحرير الفلسطينية) بتمثيل الفلسطينيين. وهو انتقد تردد كيسنجر إلى حدٍّ سمح لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بالحصول على «دعم عربي رئيسي تمثل بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد» للشعب الفلسطيني، خلال قمة الرباط لعام 1974.

«الواقعية تتلاشى»

يبدو مدير الأمم المتحدة لدى معهد الأزمات الدولية، ريتشارد غاون، أكثر تشكيكاً بما صنعه كيسنجر، معتبراً أن «العالم الذي حاول صوغه في السبعينات من القرن الماضي ينهار». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مشاريع الاستراتيجية الكبرى لكيسنجر كانت الانفراجة مع روسيا، والانفتاح على الصين»، مضيفاً أن «الولايات المتحدة عالقة الآن في مواجهة مع القوتين». وقال إنه «بمعنى ما، كان هدف كيسنجر هو استبدال المواجهة الآيديولوجية بسياسة واقعية بين القوى العظمى»، لأنه «رأى أن السياسة الواقعية أكثر استقراراً». لكن «نحن الآن في عالم تتلاشى فيه روح الواقعية». واعتبر أيضاً أن «العديدين من منتقدي كيسنجر سيتذكرون دوره في أزمات مثل حرب بنغلاديش، عندما غضت واشنطن الطرف عن الفظائع» التي ارتكبت هناك. ومع ذلك عبر غاون عن اعتقاده بأنه «لا يزال في إمكاننا التعلم من إحساسه بالواقعية».

حتى القضايا المعاصرة

يعتقد البعض أنه ما كان لهنري كيسنجر أن يمنح جائزة نوبل للسلام عام 1973، إلا لأنه أراد استخدام ما يسمى «ورقة الصين»، لموازنة قوة الاتحاد السوفياتي، وفقاً لما قاله شوارتز، الذي لاحظ أيضاً أن ذلك حصل «في وقت كانت فيه القوة النسبية لكل منهما مختلفة تماماً عما هي اليوم»، مضيفاً أن «كيسنجر أدرك أن الصين ستضطلع بدور مهم في النظام الدولي».

كيسنجر ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك في 21 سبتمبر 2023 (د.ب.أ)

وعلى رغم أن كثيرين اعتقدوا أن «التكامل الاقتصادي للصين سيؤدي إلى ديمقراطية سياسية»، رأى أن كيسنجر «ظل مقتنعاً بأن الولايات المتحدة والصين يمكنهما الوصول إلى نوع من التوازن» بين قوتيهما.

وكان كيسنجر علامة فارقة في الشؤون الدولية المعاصرة، مستنداً إلى نشأة الدبلوماسية الأوروبية في القرن التاسع عشر، ولاعباً كبيراً في القرن العشرين، ومؤسساً لنهج لا يزال باقياً في القرن الحادي والعشرين.

 



ترمب: لن يتولى رئاسة البنك المركزي أي شخص يخالفني الرأي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
TT

ترمب: لن يتولى رئاسة البنك المركزي أي شخص يخالفني الرأي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

​قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، إنه يريد ‌من الرئيس التالي لمجلس ‌الاحتياطي ⁠الفيدرالي (​البنك ‌المركزي) أن يخفض أسعار الفائدة إذا كانت الأسواق في ⁠وضع جيد. وأضاف: «‌أي شخص يختلف معي لن يكون رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أبداً».

واختلف ترمب ​مراراً مع رئيس البنك الحالي، ⁠جيروم باول، بشأن خفض أسعار الفائدة ووتيرته. وتنتهي ولاية باول في مايو (أيار) المقبل.


مادورو يطالب ترمب بالاهتمام بأميركا بدل التركيز على فنزويلا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مارالاغو بفلوريدا (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مارالاغو بفلوريدا (أ.ب)
TT

مادورو يطالب ترمب بالاهتمام بأميركا بدل التركيز على فنزويلا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مارالاغو بفلوريدا (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مارالاغو بفلوريدا (أ.ب)

وجّه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، تحذيراً جديداً للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، مطالباً إياه بالتنحي، في تصريحات أثارت مزيداً من التوتر بين البلدين، في وقت ضرب فيه الجيش الأميركي قارباً آخر، شرق المحيط الهادئ، يشتبه في تهريبه المخدرات إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى مقتل شخص واحد.

وكان ترمب محاطاً بكبار مساعديه في مجلس الأمن القومي، وأبرزهم وزيرا الخارجية ماركو روبيو والدفاع بيت هيغسيث، حين أعلن في فلوريدا خططاً لبناء سفينة حربية كبيرة جديدة. ولمح إلى أنه مستعد لتصعيد حملة الضغط التي بدأها منذ 4 أشهر ضد حكومة مادورو، التي بدأت بهدف مُعلن، هو وقف تدفق المخدرات غير المشروعة من فنزويلا، لكن أهدافها الحقيقية لا تزال غامضة.

ورداً على سؤال عما إذا ‌كان الهدف هو ‌إجبار مادورو على التنحي، أجاب ترمب: «حسناً، أعتقد أن ذلك على الأرجح... الأمر متروك له في ما يريد أن يفعله. أعتقد أنه سيكون من الحكمة منه أن يفعل ذلك. ولكن مرة أخرى، سنكتشف ذلك». وأضاف أنه «إذا أراد أن يفعل شيئاً، أو أن يبدي شجاعة في المواجهة، فستكون هذه هي المرة الأخيرة التي يستطيع فيها القيام بذلك».

طائرة حربية أميركية تقلع من قاعدة في بورتوريكو (رويترز)

واستهدف ترمب في تصريحاته أيضاً الرئيس الكولومبي غوستافو ‌بيترو، معتبراً أنه «ليس صديقاً للولايات المتحدة. إنه سيئ جداً. رجل سيئ للغاية. عليه أن يحذر لأنه يصنع الكوكايين ويرسلونه إلى الولايات المتحدة».

وتزامن هذا التهديد مع مواصلة خفر السواحل الأميركي مطاردة ناقلة نفط خاضعة للعقوبات، وتصفها إدارة ترمب بأنها جزء من «أسطول ظل» تستخدمه فنزويلا للالتفاف على العقوبات الأميركية. وحتى الثلاثاء، لم تسيطر القوات الأميركية على الناقلة التي «ترفع علماً مزيفاً». بيد أن ترمب قال: «سنحصل عليها في النهاية».

وهذه الناقلة هي الثالثة التي يطاردها خفر السواحل الأميركي، علماً أنه صادر سفينة باسم «سنتشاريز»، السبت الماضي، وقبلها الناقلة «سكيبر» في 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وبعد عملية الاستيلاء الأولى، أعلن ترمب فرض «حصار» على فنزويلا، مؤكداً أن أيام مادورو في السلطة «معدودة».

وعندما سئل عما سيحدث للنفط المصادر، قال ترمب: «ربما سنبيعه، وربما سنحتفظ به»، مضيفاً أنه قد يستخدم أيضاً لسدّ النقص في الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة.

«قرصان الكاريبي»

مؤيدون لحكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في كراكاس (أ.ب)

ومن دون أن يشير مباشرة إلى هذه التصريحات من ترمب، رأى مادورو أن على كل زعيم أن يهتم بالشؤون الداخلية لبلده. وقال: «إذا تحدثت معه مرة أخرى، سأقول له إن على كل بلد أن يهتم بشؤونه الداخلية»، في ‌إشارة إلى مكالمة هاتفية بينهما في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ورأى أنه «من غير المعقول أن يخصص (ترمب) 70 في المائة من خطاباته ومن تصريحاته ومن وقته، لفنزويلا. ماذا عن الولايات المتحدة؟ الولايات المتحدة المسكينة التي تحتاج إلى مساكن ووظائف يجب توفيرها! فليهتم كل ببلده».

والاثنين، تنكر عشرات راكبي الدراجات النارية في زي قراصنة، وجابوا شوارع كراكاس احتجاجاً على مطاردة الولايات المتحدة السفن التي تحمل النفط الفنزويلي. وقال أحدهم: «خرجنا للتنديد بأكبر قرصان في منطقة الكاريبي».

وقالت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، التي تشرف وكالتها على خفر السواحل، عبر شبكة «فوكس نيوز» الأميركية للتلفزيون، إن استهداف ناقلات النفط يهدف إلى توجيه «رسالة إلى العالم، مفادها أن النشاط غير القانوني الذي يمارسه مادورو لا يمكن السكوت عنه»، مضيفة أنه «يجب أن يرحل، وأننا سندافع عن شعبنا».

وفي غضون ذلك، كشف مسؤول استخباري أوروبي، طلب عدم نشر اسمه، أن وزارة الخارجية الروسية بدأت بإجلاء عائلات الدبلوماسيين من كراكاس، موضحاً أن عمليات الإجلاء، التي بدأت الجمعة الماضي، تشمل النساء والأطفال. وأضاف أن مسؤولي وزارة الخارجية الروسية يُقيّمون الوضع في فنزويلا بنبرة «قاتمة للغاية».

استهداف جديد

صورة بالأقمار الاصطناعية للناقلة «سكيبر» التي صادرتها القوات الأميركية (رويترز)

في غضون ذلك أيضاً، واصلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بأوامر من الرئيس ترمب، حملتها لشنّ هجمات على قوارب صغيرة في منطقة البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ.

وأعلنت القيادة الجنوبية الأميركية توجيه ضربة جديدة لقارب في المحيط الهادئ. ونشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أن «المعلومات الاستخبارية أكدت أن القارب، الذي كان يسير في منطقة هادئة، كان يعبر طرق تهريب مخدرات معروفة في شرق المحيط الهادئ، وكان يُشارك في عمليات تهريب مخدرات». وأكدت مقتل شخص كان على متن القارب.

ويُظهر مقطع فيديو، نشرته القيادة الجنوبية، تناثر الماء قرب أحد جوانب القارب. وبعد وابل ثانٍ من الصواريخ، اشتعلت النيران فيه. ثم اجتاح مزيد من الصواريخ القارب، وازدادت النيران اشتعالاً. وفي الثانية الأخيرة من الفيديو، يُمكن رؤية القارب ينجرف في الماء، وبجانبه كتلة كبيرة من اللهب.

وحتى الآن، قُتل ما لا يقل عن 105 أشخاص في 29 غارة معروفة منذ 2 سبتمبر (أيلول) الماضي. وواجهت هذه الضربات تدقيقاً من المشرعين الأميركيين ونشطاء حقوق الإنسان، الذين يؤكدون أن الإدارة لم تقدم سوى أدلة ضئيلة على أن أهدافها هم بالفعل مهربو مخدرات، وأن الضربات المميتة ترقى إلى عمليات قتل خارج نطاق القضاء.


«فئة ترمب»... الرئيس الأميركي يكشف عن السفينة الحربية «الأقوى»

ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
TT

«فئة ترمب»... الرئيس الأميركي يكشف عن السفينة الحربية «الأقوى»

ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)

في خطوة تجمع بين الطموح العسكري والعلامة التجارية الشخصية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الاثنين، عن خطط لإنشاء فئة جديدة من السفن الحربية تحمل اسمه، «فئة ترمب»، كجزء من مبادرة أوسع يطلق عليها «الأسطول الذهبي» بهدف الحفاظ على التفوق العسكري الأميركي وبث الخوف في أعداء أميركا في جميع أنحاء العالم.

وقال ترمب إن السفن الجديدة ستكون «أكبر وأسرع وأقوى بمائة مرة» من أي سفن حربية سابقة، مع حمولة تتجاوز 30 ألف طن – أكبر من المدمرات الحالية مثل فئة أرلي بورك التي لا تتجاوز حمولتها 9 آلاف طن. ستشمل التجهيزات أحدث التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي للتحكم، وأسلحة ليزر ذات طاقة موجهة، وصواريخ فرط صوتية، وصواريخ كروز برؤوس نووية.

ترمب يتحدث خلال الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (رويترز)

ويبدأ البرنامج ببناء سفينتين، مع خطط لتوسعة إلى 20-25 سفينة، وستحمل الأولى اسم «يو إس إس ديفاينت» (USS Defiant) وستكون أطول وأكبر من السفن من فئة آيوا التي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية.

وأعلن ترمب أيضاً مشاركته الشخصية في تصميم هذه السفن، مشدداً على أن السفن ستكون «أجمل» لأنه شخص يمتلك ذوقاً رفيعاً، وانتقد مظهر السفن الحالية الذي وصفه بأنه «قديم ومتعب وعفى عليه الزمن».

وتمتلك البحرية الأميركية 290 سفينة معظمها مدمرات وفرقاطات وحاملات طائرات وسفن برمائية وغواصات. وتعزز السفن الجديدة أسطول البحرية الحالي الذي يضم أكثر من خمسين مدمرة من طراز أرلي بيرك التي وصفها ترمب بأنها غير قادرة على منافسة سفن الأساطيل الأجنبية.

الإعلان، الذي جاء خلال مؤتمر صحافي في مقر إقامته في مارالاغو بفلوريدا، يمثل محاولة لإعادة تشكيل البحرية الأميركية في مواجهة التحديات الإقليمية، خاصة مع الصين التي تفوق الولايات المتحدة في عدد السفن الحربية. ومع ذلك، يثير الإعلان تساؤلات حول جدواه العسكرية، وتكاليفه الاقتصادية، ودلالاته السياسية، وسط تقارير استخباراتية وتحليلات عسكرية تبرز المخاطر والفرص.

سفن عملاقة بتقنيات مستقبلية

ويأتي إعلان ترمب في سياق تقارير عسكرية أميركية تشير إلى تراجع الولايات المتحدة خلف الصين في عدد السفن (290 مقابل 340، مع توقعات تصل إلى 400 بحلول 2030). ففي تقرير قدم إلى الكونغرس في وقت سابق هذا العام، عبر المسؤولون العسكريون عن قلقهم من وتيرة بناء السفن الصينية، مما يجعل «الأسطول الذهبي» جزءاً من استراتيجية لاستعادة الهيمنة البحرية. كما تشمل الخطة زيادة في سفن أخرى مثل فرقاطات أصغر، واستثمارات في ناقلات وأساطيل دعم لوجيستي.

من الناحية العسكرية، يُنظر إلى الإعلان كخطوة نحو تعزيز «الجودة على الكمية». السفن الجديدة، المصممة لتكون متعددة المهام، يمكن أن تواجه تهديدات حديثة مثل أسراب الطائرات المسيّرة (بفضل الليزر الرخيص التكلفة) والصواريخ فرط الصوتية. وتقول تقارير وزارة الدفاع الأميركية إن هذه التقنيات – مثل المدافع الكهرومغناطيسية (railguns) التي تطلق قذائف بسرعة ماخ 7 بتكلفة 25 ألف دولار فقط – يمكن أن تغير قواعد الاشتباك البحري، خاصة في مواجهة الصين في المحيط الهادئ.

عرض تصوّري للسفينة «يو إس إس ديفاينت» المقترحة من «فئة ترمب» خلال إعلان الرئيس الأميركي مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية (رويترز)

مع ذلك، يحذر محللون عسكريون من مخاطر «تركيز القوة» في سفن كبيرة، مما يجعلها أهدافاً مغرية للهجمات المشبعة أو الهجمات الإلكترونية. تقرير أمني أميركي (مستمد من تحليلات لأحداث مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر) يشير إلى أن السفن الكبيرة قد تكون عرضة للإعاقة دون إغراقها، مما يعرض الاستراتيجية للخطر في عصر الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. بالإضافة إلى ذلك، لم تُبنَ سفن حربية كبيرة منذ 1994، والبحرية الأميركية تركز تقليدياً على حاملات الطائرات، مما يثير تساؤلات حول جاهزية الصناعة لإنتاج سريع. من الناحية الاقتصادية أشار الأدميرال المتقاعد مارك مونتغمري المدير بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن كل سفينة حربية جديدة ستتكلف ما لا يقل عن 5 مليارات دولار، في وقت يركز فيه الرئيس على ضبط التكاليف وخفض الدين العام الأميركي.

ترمب يعلن عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية وإلى يساره وزيرا الدفاع بيت هيغسيث ووزير البحرية جون فيلان الاثنين (أ.ف.ب)

ويقول المحللون إن الإعلان يعكس نمط ترمب في وضع بصمته على المؤسسات الفيدرالية، مثلما قام بإعادة تسمية مؤسسات مثل مركز كيندي للفنون، ليضع اسمه، وعلى المعهد الأميركي للسلام ليصبح معهد ترمب للسلام، ويضع أيضاً اسمه على هذا الأسطول في تكريم ذاتي غير مسبوق ومخالف للتقاليد البحرية الراسخة، حيث يتم تسمية الفئات العسكرية للرؤساء السابقين. ومع ذلك، يدعمه وزراؤه مثل بيت هيغسيث وزير الحرب وماركو روبيو وزير الخارجية، اللذين حضرا الإعلان، وشددا على أهمية الأسطول الجديد في مواجهة التهديدات العالمية.