تحوّلات السياسة الأوروبية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن

دراسة تتهم دول الاتحاد بالتناقض وعدم الحياد والاستغلال

تجاهل تقرير الخبراء الكثير من انتهاكات الجماعة الحوثية مثيراً ردود فعل غاضبة من الحكومة اليمنية والتحالف (رويترز)
تجاهل تقرير الخبراء الكثير من انتهاكات الجماعة الحوثية مثيراً ردود فعل غاضبة من الحكومة اليمنية والتحالف (رويترز)
TT

تحوّلات السياسة الأوروبية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن

تجاهل تقرير الخبراء الكثير من انتهاكات الجماعة الحوثية مثيراً ردود فعل غاضبة من الحكومة اليمنية والتحالف (رويترز)
تجاهل تقرير الخبراء الكثير من انتهاكات الجماعة الحوثية مثيراً ردود فعل غاضبة من الحكومة اليمنية والتحالف (رويترز)

رغم تمسك الاتحاد الأوروبي باعتماد المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية والتزامه بدعم الشرعية اليمنية، فإن تعاطيه مع الملف الحقوقي في اليمن شهد تحولات ارتبطت بابتزاز دول تحالف دعم الشرعية ومحاولات الحصول على مكاسب اقتصادية وأمنية كما تفيد به دراسة يمنية، إذ غلب على مواقف دول الاتحاد التناقض وعدم الحياد.

وخلصت الدراسة التي أعدها «مركز اليمن والخليج للدراسات» إلى أن السياسات الأوروبية المزدوجة تجاه انتهاكات القانون الدولي الحقوقي والقانون الدولي الإنساني، تتغير من بلد إلى آخر حسب طبيعة المصالح والمقاربات الاستراتيجية لدول الاتحاد الأوروبي، وليس لصالح الضحايا المدنيين.

تحظى تقارير اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان بإشادة أممية (إعلام حكومي)

وطبقاً لذلك جرى استخدام الملف الحقوقي لابتزاز السعودية والإمارات، قبل أن تجري المقايضة بملف الانتهاكات مقابل تحسين العلاقات مع دول الخليج لتأمين مصادر بديلة للطاقة الروسية.

وارتبط الموقف الأوروبي من الانتهاكات في اليمن بدرجة رئيسية بالموقف السياسي من الحرب الدائرة في البلاد والفاعلين المحليين والإقليميين فيها، فبينما أعلنت فرنسا، ومعها بريطانيا التي كانت لا تزال عضواً في الاتحاد حينها، تأييدهما لسلطة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، والعمليات العسكرية للتحالف في اليمن، وحق السعودية في الدفاع عن نفسها؛ كانت مواقف باقي دول الاتحاد مغايرة، وفق ما تقوله الدراسة.

وقالت الدراسة إن بقية دول الاتحاد الأوروبي استخدمت الملف الحقوقي استخداماً سياسياً بامتياز، حيث من النادر جداً المطالبة بلجان تحقيق دولية خلال الأيام الأولى لاندلاع الصراعات والحروب بشقيها الداخلي والدولي، إذ جرى لمرة واحدة فقط تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق في غزة عام 2000 رغم امتداد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لأكثر من 70 عاماً.

كما لم تدعُ اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، قبل تحولها إلى مجلس حقوق الإنسان، إلى اجتماع واحد في أثناء الغزو الأميركي البريطاني للعراق، ولم تشكل لجنة تحقيق على الرغم من مقتل أكثر من مليون عراقي، إلا أنه كان ثمة إصرار أوروبي على فرض الولاية الدولية للتحقيق في اليمن، مقابل انتهاج هذه الدول سياسة مغايرة كلياً في سوريا، ووضعت الأولوية للمخاوف الأمنية بدلاً من حقوق الإنسان.

توظيف سياسي وابتزاز

حيثيات دول المجموعة العربية الرافضة لتشكيل آلية تحقيق دولية استندت إلى أن المطالبة المستعجلة بالمساءلة في ظل استمرار الحرب هو نوع من الابتزاز، وأن تلك المساعي المحمومة أثارت التوجس من أن الهدف النهائي منها الضغط لإيقاف التدخل العربي المساند للشرعية وترك الحكومة اليمنية فريسة سهلة للحوثيين.

قاطعت الحكومة اليمنية فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين ومنعته من دخول البلاد (إكس)

أما اليمن الذي لا يملك مقعداً في مجلس حقوق الإنسان، فرفض القرار تمسكاً بالسيادة الوطنية، وبالآليات المحلية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، ومن ضمنها اللجنة الوطنية للتحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، والتي صدر قرار من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بتأسيسها، وتقدمت المجموعة العربية بمشروع قرار لإسنادها ودعمها فنياً ولوجيستياً لتتناسب أعمالها مع المعايير الدولية، بينما رفضت المجموعة الأوروبية ذلك، وادَّعت عدم حياد اللجنة الوطنية.

لاحقاً جرى التوافق على مشروع قرار موحد تضمّن الغايتين النهائيتين لمضمون المشروعين، إذ جرى التوافق على تشكيل فريق للخبراء بدلاً من لجنة للتحقيق، وعلى أن يبدأ التحقيق من عام 2014، أي منذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء، على أن يدرَج القرار تحت البند العاشر المخصص لدعم الدول تقنياً بدلاً من البند الثاني المخصص للتحقيق في انتهاكات الدول.

إلا أن الإصرار الأوروبي على التوظيف السياسي لملف الانتهاكات حال دون نشوء تعاون بنّاء بين فريق الخبراء البارزين واللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات، بدءاً من اختيار الفريق للعاصمة اللبنانية بيروت مقراً لأعماله لكونها تقع تحت هيمنة «حزب الله» وإيران، وهو ما يعني إمكانية التأثير في عمل الفريق، حسب اعتراض اليمن ودول التحالف.

الأمم المتحدة في جنيف حيث مقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (رويترز)

وتلا ذلك صدور تقرير ردّت عليه الحكومة اليمنية بتجاوز الفريق الولاية القانونية الممنوحة له من مجلس حقوق الإنسان، قبل أن تعلن مقاطعته ومنعه من دخول أراضيها، في حين اتهمه تحالف دعم الشرعية بتضمين مغالطات وتجاهل أسباب النزاع والتغاضي عن ممارسات الجماعة الحوثية ودور إيران في دعمها.

نجاح الآلية الوطنية

ويرى وزير حقوق الإنسان اليمني السابق محمد عسكر، أنه في ظل النزاعات المسلحة يجري تسييس كل شيء، وفي اليمن جرى تسييس الملف الحقوقي، الأمر الذي حاولت معه الحكومة اليمنية بمعية كل من نعتتهم بالشرفاء، سواء في المجتمع المدني أو الحكومة أو الأطراف الخارجية النأي بهذا الملف عن الاستقطابات، والتركيز على الاعتبارات الإنسانية لكل يمني من أي مكان كان، وبغضّ النظر عن مصدر الانتهاك والطرف الذي ارتكبه.

ويقول عسكر لـ«الشرق الأوسط» إنه، وخلال فترة ولايته، جرى دعم وتعزيز الآلية الوطنية ودعم استقلالها بعد أن فشلت الأطراف السياسية قبل الحرب في إنجاز هذه اللجنة رغم وجود قرار الإنشاء السابق للحرب، متأسفاً لتأخر تشكيلها لترى النور خلال الحرب، لتصبح تجربة قوية جداً فريدة في الإقليم بشكل عام.

ونوّه عسكر إلى أن النزاع المسلح في اليمن كان من النزاعات التي تم فيها تدمير مؤسسات الدولة بشكل كبير من خلال الاستيلاء عليها من التمرد الحوثي، ما يعني أن الحكومة كانت لديها مؤسسات ضعيفة للغاية لا تقوى على أن تقوم بعمليات الحماية لحقوق الإنسان.

سعت المجموعة الأوروبية في مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء آلية دولية للتحقيق في الانتهاكات في اليمن بصورة عاجلة (أ.ب)

من جهته يرى المستشار القانوني هاني الأسودي أن المجموعة الأوروبية تفتقر إلى التأثير في باقي المجموعات الجغرافية في مجلس حقوق الإنسان، إذ تحتل المجموعة الأوروبية بقسميها الشرقي والغربي 13 مقعداً فقط من إجمالي مقاعد مجلس حقوق الإنسان البالغ 47 مقعداً، وهي تواجه اختلافات عميقة مع باقي المجموعات خصوصاً منذ الحرب الروسية - الأوكرانية.

ويؤكد الأسودي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ضعف ثقة الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان في جدوى إنشاء آلية دولية في اليمن بخاصة في ظل وجود آلية وطنية قادرة على الوصول إلى الضحايا بشكل أفضل ومستمر، خصوصاً أنها تعرض تقاريرها بشكل سنوي على المفوضية السامية لحقوق الإنسان التي بدورها تقوم بتلخيصه للدول أعضاء المجلس.

وحسب الأسودي، وهو رئيس مركز «حقي» لدعم الحقوق والحريات في جنيف، تحظى تلك التقارير التي تشهد تطوراً سنوياً ملحوظاً في المنهجية وآليات الوصول؛ بإشادة من المفوضية ذاتها ومن أعضاء المجلس، وهو ما افتقرت إليه الآلية الدولية السابقة المتمثلة في فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، والذي لم يستطع دخول اليمن واكتفى بجمع تقارير منظمات المجتمع المدني واجتزائها، وإجراء بعض اللقاءات عن طريق الاتصالات المسموعة والمرئية مع عدد محدود من الضحايا والشهود.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».