ترميم بقايا الكارثة

عن معرض المغربية زينب بشرى

ترميم بقايا الكارثة
TT

ترميم بقايا الكارثة

ترميم بقايا الكارثة

تشكل صدف اللقاء بين التفكير في وقائع منتهية، وبين أحداث مطابقة لها في السياق الراهن، من منظور إعادة الصوغ الفني، عامل نكوص وتحول في الآن ذاته، أولاً بالنظر لما يمثله الحدث المستجد من امتحان لعمق الفكرة ودلالتها، وتوليدها أبعاداً مفارقة لحقيقتها، وثانياً باعتبار أن الزمن يمتحن صدق الرؤى ونفاذها، ومن ثم يختبر الجدوى من نقل مكابدات الحياة إلى التخاييل والصور والأساليب، بقصد تأبيدها، وأخذها من حيز العابر إلى المقيم.

في هذا السياق يندرج اشتغال الفنانة التشكيلية زينب بشرى على «تراث الكارثة» (غاليري كانت بطنجة) وهي المنتمية إلى الجيل الأحدث من الفنانين المغاربة، ممن زاوجوا بين مهارات فن القواعد (في اللوحة أساساً)، والولع بالعمق المفهومي للموضوعات؛ بما تقتضيه المزاوجة من عمل بحثي، تتقاطع امتداداته عبر معارف شتى. من هذا المنطلق يبدو عملها (مع الكثير من فناني جيلها) منحازاً في ظاهره للتاريخ وللذاكرة، وللسرديات المتصلة بها، الموزعة بين أنوية مجتمعية صغرى. بقدر ما يتجلى مُنْجَدِلاً بهواجس الذات الفردية المتشظية، في مواجهتها للتحولات المتسارعة للعالم، وللهويات والجغرافيات والقيم. جيل عاصر في وقت وجيز ما كان يتخلل قروناً من الزمن، عبر محطات متباعدة، من حروب وأوبئة، وزلازل وتغيرات مناخية، منذرة بنهايات مرحلة من تاريخ الكون.

ينهض عمل زينب بشرى على قاعدة الاستعادة التخييلية لحدث مُدمّر، وفاجعة إنسانية، تعود إلى ما قبل خمسة عقود، هو زلزال مدينة أغادير المغربية، في ستينيات القرن الماضي. وينطلق الاستحضار البصري، من سردية عائلية، مدعومة بألبوم صور قديمة توثق اللحظة، ومستندة إلى أرشيف عمومي عن الكارثة، نفذت الفنانة إلى مضامينه عبر رحلة بحث ممتد في الزمن عن بقايا أثرها في الذاكرة الجماعية للمحيط المديني. يُوفَّق البحث الوثائقي في لملمة ملامح الخراب المتصل بمسار خاص، لكن الرحلة في حد ذاتها تجعل انتشار البقايا عبر فراغات الماضي، والسعي إلى تصفيتها من اختراقات المتخيل، تصل إلى تقديم محكية بصرية، بديلة، تؤرخ للحدث، ولا تؤرخ له، أي إنها في النهاية لن تكون إلا ذاتها، تحكي عن علاقة عين وذهن، ووجدان بشيء غائب لا وجود له إلا من حيث هو حقيقة رخوة شديدة العطب.

تنمو مفردات أعمال زينب بشرى، عبر متوالية متباينة الصيغ، في رصدها لهيئة الركام المتآكل، والمختزل إلى أشكال متمردة على الطرز الهندسية المكتملة. يخترقها، في كل مرة، تَعْقِيفٌ وتَقْعِيرٌ لحواف الدوائر والمكعبات والمستطيلات، كيما توحي باقتلاعها من جذر أصلي، لأبنية وعمائر، لم يعد لها أثر، وبقائها في وضع الشاهد على التفكك والزوال... لا تتخايل الكتل الملونة، بصباغة الأكريليك على الورق أو القماش، بدرجات الأحمر والقرمزي والأصفر والأخضر والبُنّي، في وضع متشابه، إذ تراوح بين التضَامّ والتنَائِي، أفقياً ودائرياً، مع تدرُّجٍ في جعل التداخل يكتنز بالسواد؛ كأنما البؤرة المتبقية تتخطى الشظايا الفاقدة لحَدِّيَتِهَا، لتكتسي بالسواد الجهنمي، المختصر لسردية الزلزال في ترحُّلها عبر الذاكرات والأخيلة.

وتتخلل أغلب اللوحات كتلة متكررة للبنة من آجُرّ، سليمة أحياناً، إنما مكسوّة الظاهر أو مبتورة الأطراف أحياناً أخرى؛ وحدها تلك القطعة، تَهدي الناظر إلى خريطة الأصل، حيث يتبدى تدريجياً أن الأمر يتعلق بلملمة ما يفضل على شاشة الذهن، من متناثرات بناء مهدم، يختلط فيه الثوب بالمعدن بقطع الخرسانة الرمادية، بالحجر، بمتلاشيات أغراض شخصية من ملابس ولعب أطفال وأوانٍ منزلية وأدوات مدرسية. تعيد رسمها ذاكرة اليد على مساحة الأبيض أو الرمادي، مصطنعةً لها هالات تحتضن اللون المخضب بالجروح السوداء.

والظاهر أن التكوين البصري للأشياء على الحامل، يعارك رهبة تسطيح الهشاشة، في الخطوط والسمات، لإنفاذ كناية عن تساوي جوهر العمائر خارج أحوالها العادية، حين تخرج منها الحركة والأنفاس، فتتحول إلى مجرد سقط متاع. وعندما تلتمع الكتل اللونية مستكينة إلى فراغها، ولاجداوها، وإلى إشراقتها المجتثة من امتدادها، فلبيان مفارقة الواقعة المرعبة لأثرها المحايد، واكتفائها بهيكلها الصلب والوظيفي، وبنائها لماهية مغتربة عن أصولها. لذا تَبرزُ مفردات الركام الملوّن، بما هي تمثيل لالتباس المأوى، في نهوضه وانهياره، وما يتخلل الحالين معاً من تشوهات.

وتصل ذروة الاستعادة البصرية لواقعة الزلزال في أعمال تتلاشى فيها تدريجياً تقاسيم الكتل، في إيقاع تصاعديّ، تتغلغل داخله قطع الهشيم في الحلكة، وتلوّح بما هي مجرد سديم مظلم، تتخلله تدرجات زرقة مموهة، أو فيما يشبه قطع بيضاوية قُدَّت من فحم، يجلل سوادَها لمعانٌ معدنيٌّ. هل هي الانكفاءة النهائية للشظايا في خلايا الذهن؟ حيث تفقد ظاهرها وحسيتها ولونها وترابطاتها، لتكون فقط ما توحي به من إحساس بالفناء؟ هو احتمال من احتمالات شتى، لعل من أقربها أيضاً أن الصلابة خدعة مرهونة بالوقت، وأن هشاشة الأشياء جزء من جبلَّتِها، يتساوى في ذلك الحجر والشجر والجسد والماء؛ الماهيات التي تستوطن قشرة الأرض، قبل أن تغور في عمقها، بفعل الزلازل والحروب والإرادة العبثية للبشر.

في الأيام الأخيرة من عمل زينب بشرى على لوحات معرضها، المستوحى من ذاكرة الزلزال التاريخي لأكادير، وقع الزلزال المدمر لمساحات شاسعة من منطقة الحوز بالمغرب، قبل أن يستيقظ العالم على وقع «طوفان الأقصى»، وما تلاه من عدوان إسرائيلي مدمِّر على قطاع غزة، ليَلْتَهِمَ الخَطْبَانِ الجَلَلَانِ المحكية العائلية القديمة من جذورها. لحسن الحظ أن الأعمال كانت شبه جاهزة للعرض، لكن ما جرى، من دمار في مئات القرى، وما تلاه من تدفق صور تُطل كل ثانية من الإعلام ووسائط التواصل، للمدفونين تحت الأنقاض، وللخراب القيامي، جعل المحكية تَسْطَعُ عبر امتدادات رؤيوية مختلفة، واحتمالات تأويلية مضافة، لتتلوها عشرات الأسئلة التي تحاصر الاشتغال: هل ما يرى الآن بكثافته الفجائية وحِدَّتِه وطغيان تفاصيله، يفكك السردية الشفوية القادمة من أرشيف عائلي؟ أيفقدها طزاجتها، وقدرتها على الاستثارة الفنية للغامض الثاوي في الذاكرة عن العطب القديم؟ لا يمكن الركون إلى قناعة نهائية، بصدد وضع شديد الإلغاز من هذا النوع، بيد أن الشيء الأكيد أن الزمن مرة أخرى، سيضع النوازل الكارثية المستحدثة، في تجاور مع سالفاتها، في أثناء الاسترسال في الاشتغال الفني، كما أن المتلقي لن يكون في معزل عن إيحاءات الماضي القريب والبعيد معاً، لحظة تمثل تحولات التجاور والجدل والانمحاء في الكتل اللونية المطروحة للنظر.

في النهاية يمكن اعتبار المعرض سيرة ذهنية لصاحبته في علاقتها بهروب الوقائع من خاناتها ومراتبها، وقوقعاتها الصورية الثابتة، كما يمكن النظر إليه بما هو عينة عن تعلق الأعمال الفنية بقَدَرِ الاستئناف، في التقنية والأسلوب، واكتساب المرئي أبعاداً غير متوقعة، ومفارقة لسياقاتها الأصلية، تتجلى من حيث هي دليل على هشاشة العالم والفكر والنظر، وسرعة عطب لحظات الاكتمال في الأعمال الفنية.


مقالات ذات صلة

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.