تهديد سفن إسرائيل... مغامرة حوثية جديدة أم تطور في الضجيج الإعلامي؟

باحثون: الجماعة تستثمر أحداث «غزة» لتحقيق مكاسب داخلية

توجد السفن الحربية الإسرائيلية منذ زمن بعيد في البحر الأحمر (غيتي)
توجد السفن الحربية الإسرائيلية منذ زمن بعيد في البحر الأحمر (غيتي)
TT

تهديد سفن إسرائيل... مغامرة حوثية جديدة أم تطور في الضجيج الإعلامي؟

توجد السفن الحربية الإسرائيلية منذ زمن بعيد في البحر الأحمر (غيتي)
توجد السفن الحربية الإسرائيلية منذ زمن بعيد في البحر الأحمر (غيتي)

للوهلة الأولى يبدو الخطاب الأخير لزعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي تصعيدياً وجريئاً تجاه إسرائيل أكثر من سابقيه، خصوصاً بعد انتقاله إلى التهديد باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، لكن الوقائع تشير إلى أن التصعيد نحو الداخل أكثر منه نحو إسرائيل، دون أن يخلو الأمر من مخاطر على المحيط الإقليمي.

فبعد أن واجهت صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة الموجهة إلى إسرائيل حملة سخرية وتهكم واسعين من عدم جدواها أو فاعليتها، لم يحدث أي رد فعل إسرائيلي يوحي بأنها مثلت خطراً كافياً يمكن الجزم معه بأن الجماعة أصبحت جزءاً حقيقياً من المعركة.

أطلق زعيم الجماعة الحوثية في خطابه الأخير تهديدات باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر (إعلام حوثي)

ويبدو أن التصعيد الخطابي الأخير للحوثي لم يكن في جزء كبير منه سوى ردة فعل على تساؤلات متهكمة وجادة تداولها الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام، حول تجاهل الجماعة الحوثية لوجود السفن والزوارق الإسرائيلية في البحر الأحمر، ما يجعل منها أهدافاً أقرب إلى أسلحتها التي لم تفلح في تغيير قناعات اليمنيين أن الجماعة تتخذ من مساندة الفلسطينيين غطاء لتبرير انتهاكاتها في حقهم.

فتهديد السفن والزوارق الإسرائيلية في البحر الأحمر يمكن أن يعطي المواجهات بعداً جديداً، خصوصاً أن محور إيران في المنطقة اعترف على لسان حسن نصر الله، زعيم «حزب الله» في لبنان، بأن الصواريخ والمسيرات الحوثية لا تصل إلى إسرائيل، وإن كان حاول الإيحاء بقدرتها على التأثير في المعركة، فإن زعيم الجماعة الحوثية أوجد لنفسه وجماعته مبررات لعدم الإقدام على خوض مثل هذه المغامرة.

لكن هذه المبررات تبدو واهية حين يطلقها زعيم جماعة تدعي باستمرار تطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية، وتقف من خلفها دولة مثل إيران التي تمدها بالسلاح النوعي والتكنولوجيا والخبراء وتدعمها مخابراتياً، بافتراض صحة مزاعم الحوثي بأن السفن الإسرائيلية تموه وجودها وتتعمد التهريب وإغلاق أجهزة التعارف، وعدم رفع العلم الإسرائيلي، وكأنه يتحدث عن سفن تجارية وليست قطع بحرية عسكرية.

انكشاف زيف الشعارات

منذ فترة أعلنت إيران أن الحديدة اليمنية أصبحت حارسة البحر الأحمر، ما يفيد بأن وجودها على الساحل الغربي لليمن أصبح حقيقة ينبغي التعاطي معها وعدم إغفالها، إلا أنها وذراعها العسكرية لم تقدم على الدخول في مواجهة حقيقية في البحر الأحمر مع أي طرف، سوى بأعمال القرصنة وزراعة الألغام، وأخيراً، إسقاط طائرة من دون طيار تابعة للبحرية الأميركية.

قالت البحرية الأميركية أواخر الشهر الماضي إنها أسقطت صواريخ وطائرات مسيرة في البحر الأحمر أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل (أ.ف.ب)

في هذا الاتجاه، يصف اللواء المصري بخيت حمدي الأحداث التي يمر بها قطاع غزة وتداعياتها في المنطقة بالكاشفة التي فضحت مواقف الكثير من الأطراف والقوى، والتي تنصلت من مزاعمها وشعاراتها، وذهبت إلى الاستعراض في مناطق وأماكن بعيدة.

فالهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي - برأيه - غير مجدية، خصوصاً أن هناك أهدافاً إسرائيلية قريبة من اليمن مثل القاعدة الإسرائيلية في إريتريا أو التجمع العسكري البحري الدولي في بحر العرب لحماية باب المندب.

وتبدو التهديدات الحوثية مجرد استهلاك إعلامي وفقاً للواء حمدي، فجماعة الحوثي تستطيع بالتأكيد تقدير حسابات أي عمل تقدم عليه وردود الفعل المتوقعة، فحجم القوات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة يمنع الحوثي من التفكير بتوجيه ضربات حقيقية ومؤثرة، وقد اتضح جلياً أن أدوار إيران وأذرعها في المنطقة محددة، ولا يمكنها تجاوزها.

غير أن التصعيد الحقيقي الذي نفذته الجماعة الحوثية عسكرياً، كان داخلياً، حيث استهدفت محافظة الضالع، خلال الأيام الماضية، مطلقة سلسلة من الهجمات ومحاولات تسلل إلى المناطق المحررة، دافعة بتعزيزات بشرية كبيرة من محافظة إب المجاورة، واستهداف تلك المناطق بالمدفعية والطائرات المسيرة، بالتزامن مع أعمال مشابهة في محافظات مأرب وتعز والحديدة، بحسب بيانات الجيش اليمني.

تصعيد نحو الداخل

واصلت الجماعة الحوثية انتهاكاتها وأعمالها العدائية ضد المدنيين في اليمن، إلى جانب تصعيدها العسكري في عدد من الجبهات في محافظات تعز والضالع ومأرب، رغم الهدنة والجهود الإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى السلام في اليمن، وراح ضحية تلك الأعمال عدد من المدنيين.

تعزيزات حوثية سابقة باتجاه مدينة تعز المحاصرة (فيسبوك)

وبينما تعرض رئيس هيئة أركان الجيش الفريق الركن صغير بن عزيز، لمحاولة اغتيال شرقي مأرب، يرجح وقوف خلايا حوثية خلفها، حذر رئيس أركان محور تعز العميد عبد العزيز المجيدي من أن الجماعة تتربص بالمحافظة من خلال استقدام الحشود العسكرية بشكل مستمر، ومواصلتها الهجوم على مواقع الجيش وقصف الأحياء السكنية، وتعزيز مواقعها في خطوط المواجهة في المحافظة.

ويخلص الباحث المصري في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بشير عبد الفتاح، إلى أن المخطط الإيراني للاستفادة من الحرب الإسرائيلية في غزة، من خلال فرض أجواء جيوسياسية محددة في المنطقة، يصطدم بالوعي الأميركي بهذه المخططات، والذي يتضح من خلال حرص واشنطن على عدم فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل بتوزيع عدد من قواتها في المنطقة، والإعلان عن استعدادها للتصدي بنفسها لتلك الجبهات في حال اشتعالها، ونصائحها لإسرائيل بعدم التورط في مواجهة مع «حزب الله».

فإيران تهدف إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة عبر «حزب الله» و«حماس» والميليشيات في سوريا والعراق، وانضمت إليها ميليشيات الحوثي في اليمن، وذلك في سياق استراتيجيتها للهيمنة الواسعة في الشرق الأوسط، وفقاً لعبد الفتاح. وتراهن في ذلك على حماقة الإدارة الإسرائيلية التي تمضي في أعمال القتل والإبادة والعقاب الجماعي للفلسطينيين، ولا تميل إلى السلام أو تمكين إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين لإنهاء الصراع.

تجند الجماعة الحوثية المقاتلين وتستغل الحرب الإسرائيلية في غزة مبرراً لذلك (إعلام حوثي)

وبدورها، تصعِّد ميليشيات الحوثي خطابياً تجاه أهداف أميركية وإسرائيلية في البحر الأحمر؛ بهدف إعادة التموضع والتغطية على جرائمها في اليمن، وهو ما لن يكتب له النجاح؛ لأن خطايا الميليشيات الحوثية بحق اليمنيين وخطرها على المنطقة أكبر من أن يتم محوها، كما ينتهي عبد الفتاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

تنصل من الاستحقاقات المحلية

لكن هذه التحركات الحوثية تأتي ضمن مساعي إيران لاستغلال مناخ المعركة لتمكين أذرعها في عدد من دول المنطقة من التنصل من الالتزامات والاستحقاقات الداخلية، من خلال هذه الأعمال الاستعراضية، وإثبات أنها ومحورها الجهة الوحيدة التي تقف في صف الشعب والمقاومة الفلسطينيين، حسبما يرى الباحث المصري المختص بالشؤون الإيرانية إسلام المنسي في حديث لـ«الشرق الأوسط».

ولم تيأس إيران من فشل وانكشاف مصداقية وجدية شعاراتها حول وحدة الساحات المزعومة، وفقاً للمنسي، ولذلك كان دخول الميليشيات الحوثية على خط المواجهة في توقيت التوغلات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، لإضفاء مزيد من الاستعراض الدعائي الذي يوحي بأن هناك تصعيداً ينفذه المحور الإيراني بشكل منظم ومنسق، خصوصاً أن هذا المحور أعلن أن تدخله سيأتي حين يحدث التوغل البري والتدخل الأميركي.

فإيران، وفقاً للمنسي، تسعى إلى استغلال مناخ المعركة لتمكين أذرعها في عدد من دول المنطقة من التنصل من الالتزامات والاستحقاقات الداخلية من خلال هذه الأعمال الاستعراضية، وإثبات أنها ومحورها الجهة الوحيدة التي تقف في صف الشعب والمقاومة الفلسطينيين.

تسعى الجماعة الحوثية لتحقيق مكاسب داخلية مستفيدة من الحرب في غزة (إ.ب.أ)

غير أن باحثاً يمنياً يرى أن التصعيد الحوثي تجاه إسرائيل، سواء أكان جاداً أو للاستهلاك الإعلامي والتغطية على ممارسات الجماعة داخلياً، قد يأتي بنتائج وخيمة على البلاد.

فنحن، طبقاً للباحث الذي طلب حجب بياناته لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، أمام ميليشيات رعناء، وإن كانت تمارس انتهازية ومتاجرة بالقضايا والمآسي الإنسانية، فإن طبيعة تكوينها المتطرفة تكفي لتدفعها نحو مغامرات غير محسوبة تدخل البلاد في جحيم جديد.

ونبه الباحث اليمني إلى أن هذه الميليشيات تمتلك أسلحة نوعية وخطيرة على الداخل والمحيط الإقليمي والعالم، ولا يمكن التعويل على أن هناك تفاهمات بينها والقوى الدولية؛ لأنها في المحصلة مجرد عصابات قد يتم التغاضي عن ممارستها حيناً من الزمن، ثم يأتي الوقت للتخلص منها بأساليب تأتي بالكوارث على كل ما تسيطر عليه من جغرافيا وبشر.


مقالات ذات صلة

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

العالم العربي خلال سنوات التمرد الحوثية اكتشف الجيش اليمني شبكة أنفاق في محافظة صعدة (إعلام محلي)

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مع تصاعد تهديد إسرائيل للحوثيين فرَّ قادة الجماعة إلى كهوف صعدة شمالاً وتحصّن آخرون في حي الجراف شمال صنعاء، واستنفروا قطاع الصحة، وسط مخاوف السكان من التداعيات

محمد ناصر (تعز)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)
رياضة عربية فرحة عبد الله الحمدان بهدفه القاتل في شباك اليمن (تصوير: سعد العنزي)

خليجي 26: رغم الفوز... الأخضر باهت

حقق المنتخب السعودي الفوز على منتخب اليمن 3-2، الأربعاء، ليحصد أول ثلاث نقاط له في المجموعة الثانية بكأس الخليج لكرة القدم (خليجي 26) التي تستضيفها الكويت

«الشرق الأوسط» (الكويت)
العالم العربي عناصر حوثيون يحملون مجسماً لصاروخ وهمي خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

إسرائيل تستقبل خامس هجوم حوثي خلال أسبوع

نفّذ الحوثيون خامس هجماتهم هذا الأسبوع باتجاه إسرائيل على الرغم من الردود الانتقامية المتوقعة من جانب تل أبيب والمخاوف التي تسيطر على الشارع اليمني.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يستنفرون استعداداً لضربات إسرائيلية أشدّ

الحوثيون يستنفرون استعداداً لضربات إسرائيلية أشدّ

رفع الحوثيون حالة الجاهزية القتالية إلى أعلى مستوياتها، ودفعوا بأغلب قواتهم إلى مناطق خطوط التماس مع القوات الحكومية تحسباً لضربات إسرائيلية أكثر شدة.

محمد ناصر (تعز)

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)
مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)
TT

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)
مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)

مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن، وإعلان الجماعة المدعومة من إيران حالة الطوارئ القتالية والطبية، بات السكان في صنعاء والحديدة يخشون مصيراً مماثلاً لما حدث في لبنان، خصوصاً أن قادة الجماعة فروا وتحصنوا في كهوف صعدة، في حين تحول حي الجراف شمال العاصمة المختطَفة إلى نسخة من الضاحية الجنوبية في بيروت.

وبينما كرَّر المسؤولون الإسرائيليون تهديداتهم بتوجيه ضربات مماثلة لتلك التي استهدفت «حزب الله»، وحددوا أهدافهم في مدينتي صنعاء والحديدة، أبدى سكان في المدينتين مخاوفهم من مصير مجهول، إذا مضت تل أبيب في تنفيذ تهديدها.

واتهم السكان الحوثيين بتركيز اهتمامهم على تأمين قادتهم ومخازن أسلحتهم وترك المدنيين يواجهون مصيراً مجهولاً في ظل انعدام الأمن الغذائي؛ حيث يحتاج 80 في المائة من السكان إلى المساعدات الغذائية.

وتقول إسرائيل إن الحوثيين أطلقوا، منذ أكتوبر (تشرين الأول)، عام 2023، المئات من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة والصواريخ على أراضيها، مستهدفين مدناً ومدارس ورياض أطفال، كما شنوا اعتداءات على نحو 100 سفينة كانت تبحر في مضيق باب المندب.

وبحسب وزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، فإن الحوثيين يشكلون تهديداً؛ ليس فقط على إسرائيل بل على المنطقة والعالم برمته، وأن تهديدهم المباشر لحرية الملاحة في أحد مسارات الإبحار الأكثر اكتظاظاً يُعد تحدياً للمجتمع الدولي والنظام العالمي، وأن أول ما يجب عمله هو الإعلان عن هذه الحركة منظمة إرهابية، وفق تعبيره.

وترى تل أبيب أن الحوثيين يشكلون ذراعاً لإيران التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ حيث تقوم طهران بتمويل وتزويد هذا النظام بالأسلحة وتساعده من الناحية العملياتية.

اختباء القادة

على غرار الضاحية الجنوبية في بيروت، يذكر سكان ومصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين حوَّلوا حي الجراف القريب من مطار المدينة إلى منطقة مغلقة على قادتهم وأنصارهم، مستنسخين تجربة «حزب الله» اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبينت المصادر أنه وإلى ما قبل اجتياح صنعاء كانت عائلات تنتمي لسلالة الحوثي قد حولت الحي إلى مكان شبه مغلَق عليها حيث كانت تمتلك مساحات من الأرض هناك منذ عهد حكم أسلافهم قبل 1962. وبعد ذلك عمدت هذه الأسر إلى شراء مساحات إضافية حتى أصبحت تهيمن على الحي.

خلال سنوات التمرد الحوثية اكتشف الجيش اليمني شبكة أنفاق في محافظة صعدة (إعلام محلي)

ووفق هذه المصادر، فإن الحوثيين، وعند اجتياحهم صنعاء، كانوا ينظمون مظاهراتهم في شارع المطار المقابل لذلك الحي الذي يتمركز فيه قياداتهم وأنصارهم، لتوافر ما يعدونها الحاضنة الشعبية، خلافاً لبقية أحياء المدينة. ومع الأيام، أصبح مقرهم المركزي في هذا الحي الذي يسكنه أيضاً أبرز قادتهم السياسيين؛ حيث فرضت الجماعة قبضة أمنية مشددة عليه ترصد تحركات سكانه والداخلين إليه.

من جهتها، رجحت مصادر أمنية يمنية، بينها مسؤولون أمنيون سابقون في محافظة صعدة، حيث المعقل الرئيسي للجماعة الحوثية (شمال) وجود عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة ومكتبه في الكهوف الجبلية في منطقة مطرة التابعة لمديرية مجز في صعدة.

وبينت المصادر أن الجماعة عملت طوال سنوات التمرد على الحكومة المركزية، منذ عام 2004، وبمساعدة من خبراء إيرانيين وآخرين من «حزب الله»، على بناء مراكز للقيادة والسيطرة في الكهوف الجبلية الحصينة في تلك المنطقة.

وبحسب هذه المصادر، فإنه، وعقب مقتل حسين الحوثي مؤسس الجماعة، قرَّر والده، بدر الدين الحوثي، الانتقال، برفقة نجله عبد الملك، الذي عيَّنه خلفاً لأخيه في قيادة الجماعة إلى منطقة مطرة الجبلية، والإقامة فيها مستفيداً من تضاريسها الحصينة.

وخلال إقامة الجماعة هناك، تحصَّنوا في كهوفها من ضربات القوات الحكومية، قبل أن يستعينوا بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني وآخرين من «حزب الله» لتوسعة هذه الكهوف وتهيئتها لتكون ملائمة للإقامة والعمل؛ حيث لم تتمكن القوات الحكومية خلال 5 سنوات من المواجهات من اقتحام المنطقة.

مخابرات الحوثيين واصلت تحذير السكان من الحديث عن المواقع المستهدفة بالضربات (إعلام حوثي)

المصادر ذكرت أن عبد الملك الحوثي حافظ على بقائه في تلك المنطقة، وأنه كان ينتقل في بعض الأوقات إلى صنعاء، لكنه مستمرّ في مقابلة زائريه بمنطقة ضحيان التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن مدينة صعدة، وهذه المنطقة تتبع أيضاً مديرية مجز.

أما بخصوص القادة العسكريين للجماعة الانقلابية، فتذكر المصادر أن هؤلاء اعتادوا على استخدام الفنادق أو المباني الجامعية أو مرافق ملحقة بالمستشفيات كمقار للاختباء وقيادة العمليات العسكرية. وكانت القوات الحكومية تتجنَّب ضرب هذه المواقع خشية وقوع ضحايا في أوساط المدنيين.

مخاوف السكان

أبدى سكان في مناطق سيطرة الحوثيين خشيتهم من أن يكونوا ضحايا لأي عملية عسكرية إسرائيلية جديدة. ويقول عبد الله يحيى، وهو أحد سكان صنعاء، إنهم «سلموا أمرهم لله؛ فلم يعد لديهم إمكانية لشراء المواد الغذائية لمواجهة أي طارئ»، كما أنه وأسرته المكونة من 8 أفراد لا يستطيعون مغادرة المدينة إلى مكان آخر، لأنهم لا يمتلكون تكاليف السفر ولا أقرباء يهربون إليهم.

المخاوف ذاتها تحدث عنها عبد الله طاهر، أحد سكان الحديدة، متمنياً احتواء الموقف وتجنيب البلاد حرباً جديدة. ويقول إن الناس لم يعد بمقدورها تحمل أي حرب، لأن غالبيتهم عاجزون عن توفير لقمة العيش.

ويتهم طاهر الحوثيين بالانشغال بتأمين قيادتهم وأتباعهم وترك ملايين السكان في مناطق سيطرتهم يواجهون قدرهم وحيدين. وقال إن الوضع سيكون أكثر مأساوية، في حال نفَّذت تل أبيب تهديدها.

استنفار صحي

وجَّهت وزارة الصحة في الحكومة الحوثية غير المعترَف بها جميع مكاتب الصحة في مناطق سيطرتها برفع حالة الاستعداد في جميع الأقسام وبنوك الدم وخدمات الإسعاف في كل المحافظات لمواجهة حالات الطوارئ، بسبب ما سمته «العدوان الإسرائيلي».

كما منحت الجماعة شركات توريد الأدوية والأدوات الجراحية تسهيلات غير مسبوقة سُمِح لهم بموجبها بإدخال شحنات الأدوات والأدوية من دون قيود.

وذكرت مصادر عاملة في قطاع الصحة لـ«الشرق الأوسط» أن وزارة صحة الحوثيين أمرت بإلغاء الإجازات للأطباء، وطلبت تقارير يومية عن أوضاع المستشفيات وبنوك الدم وجاهزية سيارات الإسعاف، بسبب ما سمتها «الظروف الاستثنائية المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي».

كما وجهت الجماعة الهيئة العليا للأدوية الخاضعة لها في صنعاء بإلغاء القيود التي كانت مفروضة على الأدوات وأدوات العمليات الجراحية، وبما يساعد على دخول أكبر كمية منها خلال هذه الفترة، تحسباً لذلك الهجوم.

الحوثيون أخرجوا العاملين في مستشفيات الحديدة للتظاهر دعماً لهم (إعلام حوثي)

ووفقاً لما ذكره اثنان من العاملين في توريد الأدوية والأدوات الطبية لـ«الشرق الأوسط»، فإنه، وبعد 4 أشهر، من رفض الهيئة العليا للأدوية في مناطق سيطرة الحوثيين دخول شحنات من هذه الأدوات والأدوية، أبلغوا أخيراً بإمكانية دخول ما بحوزتهم والسماح لهم باستيراد كميات أخرى تقديراً للظرف الاستثنائي. وأوضح المصدران أن الهيئة الحوثية كانت في السابق تتعنَّت في منحهم التراخيص المطلوبة، وتفرض اشتراطات معقدة وجبايات غير مسبوقة.

وفي حين شكا طلاب في الجامعات من الضغط الذي يُمارَس عليهم من قبل المشرفين الحوثيين لإرغامهم على الالتحاق بدورات عسكرية استعداداً للقتال، ذكرت 3 مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط» أن مشرفي الجماعة يفرضون على طالبات المدارس الخضوع لدورات تدريبية في الإسعافات الأولية ضمن الاستعدادات لضربات إسرائيلية جديدة.

ووفق هذه المصادر، فإن الحوثيين يساومون الطالبات بالحصول على 5 درجات في نهاية الاختبارات في كل مادة إذا حضرت أمهاتهن دورات تدريبية في الإسعافات الأولية بدلاً عن بناتهن.

كما ذكرت المصادر أن قادة الجماعة الحوثية فرضوا على طلاب المرحلة الثانوية حضور دورات طائفية والتدريب على استخدام الأسلحة ضمن الإجراءات لحشد المزيد من المقاتلين، استعداداً لما تزعمه الجماعة من الاستعداد للحرب مع إسرائيل.