التداعيات العسكرية والسياسية لتدمير جسر شمبات السوداني

معلومات متضاربة حول تأثيراته العسكرية

مشهد لأحد الجسور في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
مشهد لأحد الجسور في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

التداعيات العسكرية والسياسية لتدمير جسر شمبات السوداني

مشهد لأحد الجسور في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
مشهد لأحد الجسور في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

أجمع خبراء عسكريون وسياسيون على الأهمية الاستراتيجية و«العسكرية» لجسر «شمبات»، الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، الذي تم تدميره السبت... ومثلما تبادل الطرفان الجيش و«الدعم السريع» الاتهامات بتدميره، فإن الآراء تضاربت بشأن تأثيراته العسكرية على طرفي الحرب، باعتباره يربط بين منطقة بحري، التي يسيطر عليها «الدعم» بشكل شبه كامل، ومدينة أم درمان التي يسيطر على أجزاء واسعة منها، بينما هلل موالون للجيش بتدميره واعتبروه استجابة لمطالباتهم المبكرة بذلك.

حرائق جرَّاء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

ورأى خبراء، أن تدمير الجسر قد يدفع قوات «الدعم السريع» للبحث عن خطوط إمداد جديدة لمنطقة الخرطوم بحري، بينما يقول آخرون إن «الدعم» بمقدره توفير الإمداد عبر الجسور الأخرى، التي يسيطر عليها، ويستغل خطوط الإمداد المفتوحة بالنسبة له من الجهة الغربية، ويستهدف بكثافة معسكرات الجيش في سلاح المهندسين ومنطقة كرري العسكرية في أم درمان.

وقال الخبير الأمني اللواء المتقاعد معتصم عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» إن جسر شمبات يعد من الكباري الحيوية، بل أهم جسر في ولاية الخرطوم، لأنه يربط مدن الخرطوم وبحري وأم درمان، لقربه من جسر المك نمر، ولسهولة الذهاب منه لكوبري المنشية.

وأوضح، أن ولاية الخرطوم تربطها خمسة جسور بغرب السودان، وتربط بدورها شرق البلاد بغرب السودان، وهي جسور «خزان جبل أولياء، والفتيحاب، والنيل الأبيض، وشمبات، والحلفايا»، وإن هذه الجسور كلها بعد تدمير جسر شمبات، تصبح تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.

وقال الخبير الأمني، إن القوات المسلحة أصبحت تسيطر على الحركة بين شرق وغرب السودان، بعد تدمير الجسر المهم، وتبعاً لذلك فإنها أصبحت على جسور ولايات شمال الخرطوم وجنوبه، وتابع: «يعني هذا العزل التام لقوات وإمداد وحركة الدعم السريع».

عناصر من قوات «الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

وأكد اللواء المعتصم، أن قوات الدعم السريع وقعت في مصيدة جغرافية ليس بإمكانها الخروج منها إلا بالاستسلام وإلقاء السلاح والهرب كمدنيين، أو مواجهة القوات المسلحة في صراع غير متكافئ.

أما المستشار الإعلامي لرئيس «حركة تمازج» عثمان عبد الرحمن سليمان (وهي حركة مسلحة موقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، واختارت القتال إلى جانب قوات الدعم السريع)، فقال إن تدمير جسر شمبات «لن يؤثر على الموقف العملياتي لقوات الدعم السريع، إنما سيضيق الخناق على الجيش»، واعتبر تدمير الجسر «خطوة تفتح النار عليه في مناطق أخرى من البلاد»، وتابع: «إن انتصارات قوات الدعم السريع ظلت تسير بوتيرة ثابتة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان)، وهي انتصارات وسيطرة، كلها لصالحها».

ورأى سليمان، أن استهداف البنية التحتية «هو دليل قاطع على ارتباك في صفوف الجيش، من سيطرة الدعم السريع على مناطق استراتيجية داخل وخارج الخرطوم، فضلاً عن انضمام الكثير من الكيانات له».

جنود من الجيش السوداني (أ.ف.ب)

وقال الجودة قادم، في تحليل على صفحته على منصة «فيسبوك»، إن ضباط الجيش فقدوا خلال الثلاثين عاماً من الحكم والعزلة، فرصة التحديث ومتابعة جديد الأبحاث في التكنولوجيا العسكرية على مستوى العالم. وتابع: «أكاد أجزم أن ضباط الجيش السوداني لم يكونوا يقرأون المجلات العسكرية العالمية، أو الإقليمية التي تصدر شهرياً أو ربع سنوياً مثل مجلة الجندي، وأسبوع الطيران وتقنية الفضاء، ومجلة الجو الدولية، ويونيباث الأميركية... إلخ».

وأوضح: «إنهم لو كانوا يتابعون لعرفوا أن قصف وتدمير جسر ليس أمراً سهلاً»، وتابع: «حسابات ذلك ليست قطع الإمداد والتواصل بين القوات، وإنما يمتد أثره إلى تعديل الاستراتيجيات وتكتيكات الطرف الآخر»، واستطرد: «قبل هدم الجسر لحرمان العدو من طريق الإمداد، يجب السؤال عن كيف سيتصرف العدو بعد هدم الجسر، فربما كان ترك الجسر أفضل من هدمه».

وقطع بأن التداعيات العسكرية لهدم جسر شمبات، «ستضع قوات الدعم السريع أمام مهمة ضرورية، وهي السيطرة على سلاح المهندسين لتأمين جسري الفتيحاب وجسر الحديد»، وتابع: «سوف تبدأ بجسر جبل أولياء وستضع جسر كوستي - بولاية النيل الأزرق - في قمة الأولويات».

ورأى الجودة، أن تدمير الجسر «حفز مقاتلي قوات الدعم السريع ورفع معنوياتهم العسكرية لشن هجمات غير مسبوقة، لتأمين الجسور».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب) play-circle

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

خاص كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

يواجه مشروع الجزيرة في السودان أكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة (2.2 مليون فدان) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة، والحرب التي دمّرت بنيته التحتية.

بهرام عبد المنعم (الخرطوم)
شمال افريقيا سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

الأمم المتحدة: نقدم مساعدات للفارين من الفاشر بالسودان رغم التحديات

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه يقدم مساعدات للفارين من العنف في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور في السودان «رغم التحديات الهائلة».

«الشرق الأوسط» (دارفور)
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))

الرئاسة المصرية: السيسي يبحث مع حفتر التطورات في ليبيا والسودان

جانب من مباحثات السيسي مع المشير حفتر في القاهرة 18 يناير 2025 (الرئاسة المصرية)
جانب من مباحثات السيسي مع المشير حفتر في القاهرة 18 يناير 2025 (الرئاسة المصرية)
TT

الرئاسة المصرية: السيسي يبحث مع حفتر التطورات في ليبيا والسودان

جانب من مباحثات السيسي مع المشير حفتر في القاهرة 18 يناير 2025 (الرئاسة المصرية)
جانب من مباحثات السيسي مع المشير حفتر في القاهرة 18 يناير 2025 (الرئاسة المصرية)

قالت الرئاسة المصرية، في بيان، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي بحث في لقاء مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، اليوم (الاثنين)، الأوضاع الإقليمية لا سيما التطورات في ليبيا والسودان.

وقال المتحدث باسم الرئاسة، السفير محمد الشناوي، إنه «تم التوافق على أهمية تكثيف الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى تسوية سلمية تحفظ استقرار السودان وسيادته ووحدة أراضيه».

وتابع: «وتم التأكيد في هذا الصدد على أن استقرار السودان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي لكل من مصر وليبيا».

وفي الشأن الليبي، جدد الرئيس المصري تأكيده دعم مصر لجميع المبادرات والجهود الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية، لا سيما تلك التي تستهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن.

وشدد السيسي على دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها، مؤكداً: «ضرورة التصدي لأي تدخلات خارجية والعمل على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا».


«الدعم السريع» تسيطر على أكبر حقل نفطي في السودان

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم الأفاد للنازحين بمدينة الدبة شمالي السودان (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم الأفاد للنازحين بمدينة الدبة شمالي السودان (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على أكبر حقل نفطي في السودان

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم الأفاد للنازحين بمدينة الدبة شمالي السودان (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم الأفاد للنازحين بمدينة الدبة شمالي السودان (أ.ف.ب)

سيطرت «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش السوداني، اليوم (الاثنين)، على أكبر حقل نفطي في البلاد يقع في إقليم كردفان، على الحدود مع جنوب السودان، وفق ما أفاد مهندس في الموقع لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال المهندس العامل في حقل «هجليج» لإنتاج النفط، في اتصال هاتفي مع الوكالة: «فجر اليوم الاثنين 8 ديسمبر (كانون الأول)، سيطرت (الدعم السريع) على الحقل، وقامت الفرق الفنية العاملة بالحقل بإغلاقه ووفف الإنتاج، وتم سحب العاملين بالحقل إلى داخل دولة جنوب السودان»، علماً أن المصدر انتقل بدوره إلى البلد المذكور.

وأضاف: «تم كذلك إغلاق محطة المعالجة الواقعة قرب الحقل والتي يمر عليها بترول جنوب السودان المنتج في مناطق شرق مدينة بانتيو الجنوب سودانية».

واتصلت الوكالة بوزارة الطاقة والنفط السودانية، فلم تشأ التعليق على هذه المعلومات.

وحقل «هجليج» هو الأكبر في السودان والمنشأة الرئيسية لمعالجة صادرات النفط نحو جنوب السودان التي تشكل القسم الأكبر من العائدات بالنسبة إلى حكومة جوبا.

يقع الحقل في أقصى جنوب إقليم كردفان الذي يضم مناجم ذهب ومنشآت نفطية حيوية تستخدم عائداتها في الجهد الحربي بالسودان.

وشهدت هذه المنطقة الاستراتيجية في الأسابيع الأخيرة معارك دامية بعدما سيطرت «قوات الدعم السريع» نهاية أكتوبر (تشرين الأول) على كل إقليم دارفور في غرب البلاد.

 

منظمة الصحة العالمية

في موازاة ذلك، أعلن المدير العام لـ«منظمة الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس، اليوم، أنّ 114 شخصاً بينهم 63 طفلاً، قُتلوا في ضربات «عبثية» على مستشفى في جنوب كردفان في السودان الخميس الماضي، داعياً إلى وقف لإطلاق النار.

وقال في منشور على منصة «إكس»، نقلاً عن نظام المنظمة لمراقبة الهجمات على الرعاية الصحية، إنّ «الضربات المتكرّرة في ولاية جنوب كردفان السودانية أصابت روضة أطفال، وثلاث مرات على الأقل مستشفى كلوقي الريفي القريب، مما أسفر عن مقتل 114 شخصاً، بينهم 63 طفلاً، وإصابة 35 شخصاً».

ومنذ أبريل (نيسان) 2023، تسبّب النزاع في السودان بين «قوات الدعم السريع» والجيش في مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 12 مليوناً، وفي «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، وفق الأمم المتحدة.

واتهم الجيش مراراً «قوات الدعم السريع» بشن هجمات بمسيَّرات على حقل «هجليج»، مما تسبب في أغسطس (آب) الفائت، في تعليق العمل فيه.


ناجون من الفاشر: رأينا جثثاً تتدلى من الأشجار


صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)
صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)
TT

ناجون من الفاشر: رأينا جثثاً تتدلى من الأشجار


صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)
صورة التقطت في 15 نوفمبر الماضي لسودانية بمخيم الطويلة الذي أقيم للنازحين الفارين بعد هجوم «الدعم السريع» (رويترز)

قدّم ناجون روايات مُروّعة عن الانتهاكات التي حلّت بهم أو شَهدوها منذ سقوط مدينة الفاشر عاصمة شمال إقليم دارفور في السودان، بأيدي «قوات الدعم السريع» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال أحمد جبريل، الذي فر مع 7 من أفراد أسرته المقربين ولا يعرف مصيرهم إلى الآن: «خرجنا في تلك الليلة حفاة بملابس البيت، وفي الطريق تعرضنا لإطلاق نار كثيف من مقاتلي (قوات الدعم السريع)... كثيرون سقطوا قتلى وجرحى». وأضاف أنه رأى عشرات الأشخاص يموتون جوعاً وعطشاً، وآخرين متأثرين بجراحهم الخطيرة في رحلة فرارهم إلى مخيم طويلة للنازحين الذي يبعد نحو 60 كيلومتراً عن الفاشر.

وأفاد ناجون، خلال اتصالات أجرتها معهم «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، بأن «قوات الدعم السريع» لا تزال تحتجز قسراً مئات من العائلات في المعتقلات ودور الإيواء، وكثيرون ماتوا جوعاً أو بالرصاص.

وقال أحد الناجين: «رأينا جثث نساء ورجال تتدلى من الأشجار، لا أحد يستطيع الاقتراب منها».

وقال المحامي آدم إدريس الذي خرج بعد أيام من سقوط الفاشر: «إن (قوات الدعم السريع) كانت تُجبرنا على الذهاب إلى المساجد، وتُصوِّرنا هناك، ثم تنشر مقاطع فيديو لتقول إن الأوضاع تسير بشكل طبيعي، بينما في حقيقة الأمر كانت تحتجز المواطنين العُزل، وتطلب أموالاً طائلة مقابل إطلاق سراحهم».

بدورها، روت «أ. م.» - وهي أم لطفلين - قائلة: «أوقفوا النساء صفاً واحداً، وصوَّبوا أسلحتهم نحونا، ثم بدأوا التفتيش داخل ملابسنا بحثاً عن الأموال والذهب (...) تعرضنا لعنف جنسي ومعاملة مهينة غير إنسانية من أفراد (الدعم السريع). كانوا يصفوننا بعبارات عنصرية».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) عام 2023، وسط مساع لدمج جميع القوات في جيش واحد، ما أسفر عن خلاف بين الطرفين ونزاع مسلح. (تفاصيل ص 9)

تعيش دمشق، في الذكرى الأولى لـ«التحرير» التي تصادف اليوم، لحظات احتفاء بعودة السوريين إلى بلادهم، وانهيار النظام السابق وهروب رئيسه بشار الأسد.

في العاصمة التي بدت كأنها في «وقفة عيد»، تتداخل بهجة بـ«حق العودة» مع ثقل الذاكرة، فيما تعكس الشوارع ملامح هوية جديدة حلّت محل رموز «الحقبة السوداء»، وصهرت مقاتلي الفصائل في أجهزة الدولة الناشئة، وامتصت جانباً من قلق الدمشقيين تجاه مستقبلهم.

وخلف الزينة والزحام والفنادق المكتظة والعائدين بعد سنوات منفى، ثمة غصة حاضرة لدى أهالي المغيبين وسكان المناطق المدمرة. رغم ذلك، استعاد الناس جرأة النقاش العلني، كأن «الجدران لم تعد لها آذان»، في تعبير عن شعور عام باسترداد القرار الفردي والحق في العودة.

هذا التحول لم يلغِ ذكرى الليلة العصيبة التي أعقبت هروب الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، حين وقفت دمشق على حافة الفوضى؛ فقد انهارت المؤسسات الأمنية، واندفعت مجموعات مسلحة لنهب مقرات حساسة، بينما ترك عناصر النظام بزاتهم في الشوارع.

ومع ذلك، نجحت أحياء مثل الجسر الأبيض وباب توما والقصاع في حماية نفسها عبر لجان أهلية ارتجالية ضمت أطباء وطلاباً وتجاراً. وبفضل هذه المبادرات، أوقف أكثر من 200 لص، وأحبطت محاولات اعتداء ذات طابع طائفي، في لحظة كشفت قدرة الناس على منع الانزلاق.

وفي طهران، تبرز اليوم روايات متناقضة حول انهيار «خيمة المقاومة»، وفقدان إيران عمودها السوري بين خطاب المرشد عن «مؤامرة خارجية»، ورؤية «الحرس الثوري» لسوريا بوصفها «المحافظة الخامسة والثلاثين»، ودفاع الدبلوماسية، واتهامات برلمانيين بهدر عشرات المليارات. وتتوالى الأسئلة حول التكلفة والخسارة، وفيما إذا تستطيع طهران خوض مغامرة جديدة في سوريا بعدما انهار الرهان السابق.