ماذا يعني عدّ أزمة المناخ والطبيعة «حالة طوارئ عالمية»؟

بعد مطالبة أكثر من 200 «مجلة صحية»

تغير المناخ مرتبط بشكل مباشر بفقدان التنوع البيولوجي (بابليك دومين)
تغير المناخ مرتبط بشكل مباشر بفقدان التنوع البيولوجي (بابليك دومين)
TT

ماذا يعني عدّ أزمة المناخ والطبيعة «حالة طوارئ عالمية»؟

تغير المناخ مرتبط بشكل مباشر بفقدان التنوع البيولوجي (بابليك دومين)
تغير المناخ مرتبط بشكل مباشر بفقدان التنوع البيولوجي (بابليك دومين)

في الوقت الذي ينصب فيه تركيز قادة العالم على مواجهة تداعيات تغير المناخ، هناك أزمة أخرى ترتبط به بشكل وثيق، لكنها لا تلقى الاهتمام ذاته وهي فقدان التنوع البيولوجي. وبينما تفاقمت ظاهرة تغير المناخ في السنوات الأخيرة، نتيجة الأنشطة البشرية التي تطلق غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والتي تتسبب في احتباس الحرارة، فإن أزمة فقدان التنوع البيولوجي التي أدت لتراجع تنوع الكائنات الحية والمجتمعات الحيوية على الأرض، تعود إلى العديد من العوامل، في مقدمتها: تغير المناخ، والصيد الجائر، وتدهور الموائل، والتلوث.

وفي محاولة لتسليط الضوء على هذه القضية، أطلقت أكثر من 200 مجلة صحية في جميع أنحاء العالم، دعوة لقادة العالم والمهنيين الصحيين تحثهم من خلالها على الاعتراف بأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يمثلان أزمة واحدة لا تتجزأ، ويجب معالجتها معاً للحفاظ على الصحة وتجنب الكوارث.

وقال الباحثون في مقال افتتاحي نشر بمجلات أبرزها المجلة الطبية البريطانية، ودورية «ذا لانسيت»، والمجلة الطبية الأسترالية، ومجلة شرق أفريقيا الطبية، والمجلة الطبية الوطنية الهندية، إنه من «الخطأ الخطير» الاستجابة لأزمة المناخ وأزمة الطبيعة كما لو كانا تحديين منفصلين.

وأطلقوا عريضة تطالب منظمة الصحة العالمية بإعلان هذه الأزمة غير القابلة للتجزئة كحالة طوارئ صحية عالمية للصحة العامة في جمعية الصحة العالمية في مايو (أيار) 2024.

حالة طوارئ عالمية

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يقول كبير مستشاري التحالف الصحي في المملكة المتحدة المعني بتغير المناخ، وأحد المشاركين في الدعوة، كريس زيلينسكي: «كنا نهدر الوقت والطاقة والموارد في معالجة آثار تغير المناخ على الصحة وتلك الناجمة عن فقدان التنوع البيولوجي باعتبارها مشاكل منفصلة». ويضيف: «تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يمثلان مشكلة واحدة ومن الأفضل التعامل معها معاً. ويعني هذا أنه ينبغي دمج السلسلة المنفصلة من مؤتمرات الأمم المتحدة في مؤتمر واحد مشترك للأمم المتحدة».

وعن الشروط المحددة لاعتبار أزمة المناخ والطبيعة حالة طوارئ عالمية، أوضح زيلينسكي أن هناك 3 شروط لمنظمة الصحة العالمية لكي تعلن عن حالة ما باعتبارها حالة طوارئ صحية عمومية تثير قلقاً دولياً؛ أولها أن تكون الأزمة خطيرة أو مفاجئة أو غير عادية أو غير متوقعة، وثانيها أن تحمل آثاراً على الصحة العامة خارج الحدود الوطنية للدولة المتضررة، وأخيراً أنها قد تتطلب اتخاذ إجراءات دولية فورية.

وحول تحقق تلك الشروط فيما يتعلق بأزمة المناخ والطبيعة، قال: «هل تغير المناخ وخسارة التنوع البيولوجي أمر خطير؟ نعم، بالطبع. هل هو مفاجئ؟ حسناً، لقد أصبح الأمر في السنوات القليلة الماضية أسوأ فجأة. هل هو غير عادي/غير متوقع؟ نحن لا نتوقع عادة أن تنزلق الإنسانية إلى غياهب النسيان، وبالنسبة للأشخاص الذين ظلوا يشككون في حقيقة تغير المناخ، لا بد أن هذا الأمر غير عادي وغير متوقع على الإطلاق».

وأضاف أنه فيما يتعلق بالشرطين الثاني والثالث، فمن المؤكد أن تغير المناخ والتنوع البيولوجي يحملان آثاراً على الصحة العامة خارج الحدود الوطنية، ويتطلبان أيضاً اتخاذ إجراءات دولية فورية.

وأشار إلى أن منظمة الصحة العالمية قد ترغب في إنشاء قواعد منفصلة تحكم حالات الطوارئ الناجمة عن تفشي الأمراض والأوبئة من ناحية، وتغير المناخ والتنوع البيولوجي من ناحية أخرى، ونحن ندعو إلى مناقشة هذا الأمر في الدورة المقبلة لجمعية الصحة العالمية في مايو 2024، منوهاً بأنه «تم نشر عريضة عامة بهذا المعنى على موقع التحالف الصحي في المملكة المتحدة بشأن تغير المناخ، والتي ندعو الجميع للتوقيع عليها».

ويقول كامران عباسي، رئيس تحرير المجلة الطبية البريطانية، إن أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يضران بصحة الإنسان، وهما مترابطان. لهذا السبب يجب علينا أن ننظر فيهما معاً ونعلن حالة الطوارئ الصحية العالمية. وليس من المنطقي أن ينظر علماء المناخ والطبيعة والسياسيون إلى أزمتي الصحة والطبيعة في صوامع منفصلة.

ويضيف: «يحظى العاملون في مجال الصحة بثقة كبيرة من قبل الجمهور، ولديهم دور مركزي يلعبونه في توضيح هذه الرسالة المهمة، ودعوة السياسيين إلى الاعتراف بحالة الطوارئ الصحية العالمية، واتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لها».

تأثيرات مباشرة

وفي المقال الافتتاحي، كتب الباحثون أن صحة الإنسان تتضرر بشكل مباشر بسبب أزمتي المناخ والطبيعة، حيث تتحمل المجتمعات الأكثر فقراً وضعفاً العبء الأكبر في كثير من الأحيان.

ويعد ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة وتلوث الهواء وانتشار الأمراض المعدية من بين التهديدات الصحية الرئيسية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ.

على سبيل المثال، يعد الحصول على المياه النظيفة أمراً أساسياً لصحة الإنسان، إلا أن التلوث أضر بنوعية المياه، ما أدى إلى ارتفاع الأمراض التي تنقلها المياه، كما أدى تحمض المحيطات إلى انخفاض جودة وكمية المأكولات البحرية التي يعتمد عليها مليارات الأشخاص في الغذاء وسبل عيشهم. كما يؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى تقويض التغذية الجيدة وتقييد اكتشاف أدوية جديدة مستمدة من الطبيعة.

ونوه الباحثون بأن المجتمعات تتمتع بصحة أفضل إذا أتيحت لها إمكانية الوصول إلى المساحات الخضراء عالية الجودة التي تساعد على خفض تلوث الهواء، وتراجع درجات حرارة الهواء والأرض، وتوفير الفرص لممارسة النشاط البدني، كما أن التواصل مع الطبيعة يقلل من التوتر والوحدة والاكتئاب بينما يعزز التفاعل الاجتماعي.

ويقول زيلينسكي: «كان لأزمة المناخ تأثير على المحددات البيئية والاجتماعية للصحة في جميع أنحاء أفريقيا، ما أدى إلى آثار صحية مدمرة. ويمكن أن تنتج التأثيرات على الصحة بشكل مباشر من الصدمات البيئية، وبشكل غير مباشر من خلال التأثيرات الاجتماعية».

وتشمل المخاطر المرتبطة بتغير المناخ في أفريقيا الفيضانات والجفاف وموجات الحر وانخفاض إنتاج الغذاء وانخفاض إنتاجية العمل.

طرق للتخفيف من الآثار

ويرى زيلينسكي أن السبل الأكثر فاعلية للتخفيف من هذه الأزمات، تتلخص في العمل على ضمان تباطؤ ارتفاع درجات الحرارة. يتضمن ذلك تقليلاً جذرياً للغازات الدفيئة التي نطلقها في الغلاف الجوي. إننا نتجه إلى ما هو أبعد من هدف اتفاق باريس المتمثل في إبقاء ارتفاع درجة الحرارة عند مستوى 1.5 درجة مئوية.

ويضيف: «سيتعين علينا حماية الناس وضمان الوصول بشكل أكبر إلى أنظمة التبريد والمياه الصالحة للشرب وغيرها من الآليات للهروب من الحرارة. وهناك خطر من أن تصبح هذه مشكلة جغرافية، حيث تصبح أجزاء من العالم غير صالحة للسكن.


مقالات ذات صلة

هل يمكن لباريس 2024 أن تصبح الأولمبياد الأكثر صداقة للبيئة؟

رياضة عالمية أولمبياد باريس سيكون الأكثر صداقة للبيئة (رويترز)

هل يمكن لباريس 2024 أن تصبح الأولمبياد الأكثر صداقة للبيئة؟

بميداليات مصنوعة من الحديد الذي جُمع من أعمال تجديد برج إيفل... تهدف دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 لأن تكون الأولمبياد الأكثر صداقة للبيئة على الإطلاق.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة الميكروبات الموجودة داخل لحاء الأشجار أو في الخشب نفسه تزيل غاز الميثان وكذلك ثاني أكسيد الكربون (أ.ف.ب)

دراسة: لحاء الشجر يمكنه إزالة غاز الميثان من الغلاف الجوي

وجدت دراسة حديثة أن لحاء الأشجار يمكن أن يزيل غاز الميثان من الغلاف الجوي، مما يوفر فائدة إضافية في معالجة تغيُّر المناخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)

مروحة تحاكي «جلد الدلفين» تعمل على خفض انبعاثات سفن الشحن

تحمل مروحة جديدة ابتكرها معهد نينغبو لتكنولوجيا وهندسة المواد (NIMTE) مطلية بمادة تحاكي جلد الدلفين، وعداً بالحد بشكل كبير من استهلاك الوقود والانبعاثات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد عُمّال في موقع بناء بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)

تقييم «البناء المستدام» بالسعودية ينمو 254 % في النصف الأول من 2024

سجل برنامج «البناء المستدام» في السعودية نمواً بنسبة 254 في المائة لمساحات المشاريع المستفيدة من نظام تقييم الاستدامة خلال النصف الأول للعام الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق برانيغان تعرض بعض الأعمال الفنية لشجرة الجميز (ناشيونال ترست)

عرض نسخ فنية من جذع شجرة «الجميز» العتيقة تخليداً لذكراها

من المقرر أن يُعرض بعض الأعمال الفنية للفنانة شونا برانيغان في 4 مواقع مختلفة بالقرب من جدار «هادريان» التاريخي، حسب هيئة التراث القومي البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

روبوت «ناسا» يأخذ عيّنة من صخرة مريخية قد تدل على وجود جراثيم قديمة

صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)
صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)
TT

روبوت «ناسا» يأخذ عيّنة من صخرة مريخية قد تدل على وجود جراثيم قديمة

صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)
صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)

حقق الروبوت الجوال «برسفيرنس» التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنجازاً مهماً بأَخْذِه عيّنات من صخرة مريخية قد تكون محتوية على جراثيم متحجرة، وهي خطوة كبيرة جديدة في مهمته المتمثلة بالبحث عن آثار حياة جرثومية قديمة على الكوكب الأحمر، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأخذ هذا الروبوت المستكشف في 21 يوليو (تموز) من على سطح المريخ عيّنة من صخرة تُسمى «شلالات تشيافا» (Cheyava Falls) على شكل رأس سهم، قد تحتوي على ميكروبات متحجرة يعود تاريخها إلى مليارات السنوات، عندما كان الماء موجوداً على الكوكب.

وكان الكوكب الأحمر القاحل جداً راهناً يضم قبل مليارات السنوات أنهاراً وبحيرات وفيرة، تبخرت ولم تعد موجودة.

وعُثِر على هذه الصخرة الغامضة في وادي نيريتفا الذي كان في السابق موطناً لنهر، وسرعان ما أثارت اهتماماً واسعاً من العلماء.

ويعود هذا الاهتمام إلى رصد ثلاثة أدلة على احتمال وجود حياة جرثومية قديمة على هذه الصخرة. فمن جهة أولى، تمتد الأوردة البيضاء التي شكّلتها كبريتات الكالسيوم على طول الصخرة بأكملها، بحسب ما شرحت «ناسا»، وهي علامة على أن الماء كان يمر عبر الصخرة في مرحلة ما.

كذلك توجد بين هذه الأوردة منطقة مركزية مائلة إلى الاحمرار مليئة بالمركّبات العضوية، وفق ما تبيّن بواسطة أداة «شرلوك» التي تحملها المركبة الجوّالة والمستخدمة لتحديد التوقيعات الحيوية على الصخور.

أما المؤشر الثالث، فهو أن بقعاً ضوئية صغيرة محاطة باللون الأسود، كتلك الموجودة على جلد نمر، لوحظت على الصخرة. وهذه البقع تشبه تلك المرتبطة بوجود الميكروبات المتحجرة، بحسب التحليلات التي أجراها جهاز «بيكسل» الذي يدرس التركيب الكيميائي.

وأوضح عالِم الأحياء الفلكية عضو فريق «برسفيرنس» العلمي ديفيد فلانيري أن «هذا النوع من السمات الموجودة على الصخور، غالباً ما يرتبط على كوكب الأرض بآثار متحجرة لميكروبات كانت تعيش تحت التربة».

وللتأكد من أنها تشكل دليلاً على حياة جرثومية قديمة، ينبغي تحليل هذه العيّنات في مختبر على كوكب الأرض. وتعتزم «ناسا» نقلها بواسطة مركبة أخرى من المقرر إرسالها في ثلاثينات القرن الجاري.