الحياة تحت حكم «داعش».. الغنائم للحكام والرعب للمحكومين

مطابخ جماعية لطهي وجبات العشاء للمقاتلين الأجانب.. وحياة الناس مليئة بالخوف والحرمان

الحياة تحت حكم «داعش».. الغنائم للحكام والرعب للمحكومين
TT

الحياة تحت حكم «داعش».. الغنائم للحكام والرعب للمحكومين

الحياة تحت حكم «داعش».. الغنائم للحكام والرعب للمحكومين

تخرج الشاحنات البيضاء في وقت العشاء حاملة الوجبات الساخنة إلى مقاتلي «داعش» العزاب في مدينة هيت غرب العراق. وتعمل مجموعة من النساء الأجنبيات، اللائي قدمن من أوروبا ومختلف أنحاء العالم العربي للانضمام إلى «داعش»، في مطابخ جماعية لطهي وجبات العشاء للمقاتلين، والتي يجري توصيلها إلى منازل صودرت من أناس فروا من منازلهم أو لقوا حتفهم، حسبما يكشف عمدة المدينة السابق.
لقد اجتذب «داعش» عشرات الآلاف من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم بعد أن وعدهم بالجنة في وطن أقامه على أراض احتلها في سوريا والعراق.
لكن في حقيقة الأمر، لقد خلق المسلحون المتشددون مجتمعًا وحشيًا من طبقتين، تختلف فيه الحياة اليومية التي يعيشها المحتلون عن حياة رعاياهم اختلافًا صارخًا، كما تكشف المقابلات التي أجريت مع أكثر من 12 شخصًا يعيشون حاليًا، أو فروا مؤخرًا، من «داعش».

يحصل المقاتلون الأجانب وعائلاتهم على مساكن مجانية، ورعاية صحية، وتعليم ديني، بل ويتمتعون بخدمة توصيل الوجبات للمنازل، حسبما يقول الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات. كما يتحصل هؤلاء المقاتلون على رواتب يتم جمع معظمها من الضرائب والرسوم المفروضة على ملايين البشر الخاضعين لسيطرتهم في مساحة من الأرض لا تقل عن مساحة المملكة المتحدة.
ويقول أبناء المدن والبلدات التي سيطر عليها «داعش» إنهم لا يواجهون فحسب الوحشية المعتادة من هؤلاء المتشددين الذين يقطعون رؤوس أعدائهم ويتخذون من نساء بعض الأقليات إماء، ولكنهم يعانون أيضًا من نقص حاد في أساسيات الحياة اليومية.
ولا تصل الكهرباء إلى الكثير من هؤلاء السكان سوى ساعة واحدة أو ساعتين في اليوم، بينما تمر أيام كاملة على بعض المنازل من دون مياه جارية. الوظائف نادرة، لذا لا يتمكن الكثيرون من توفير ثمن الغذاء الذي تضاعف 3 مرات أو أكثر. كما أن الرعاية الطبية سيئة، ومعظم المدارس أغلقت أبوابها، والسفر خارج مناطق «داعش» محظور بقوة السلاح.
وعلى مدار العامين الماضيين، أنتج المسلحون المتشددون سيلاً من المواد الدعائية على الإنترنت اتسمت بتطور لافت ساعد على إقناع ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل أجنبي، كثيرون منهم جاءوا مع عائلاتهم، بالقدوم من أماكن بعيدة مثل أستراليا. وتصور تلك الحملة الدعائية، التي يبث أغلبها عبر «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي، مكانًا مليئا بعجلات الملاهي الدوارة وحلوى غزل البنات، حيث تختلط العائلات المحلية في بهجة مع أجانب مدججين بالسلاح.
لكن السكان المحليين قالوا في المقابلات إن حياتهم اليومية زاخرة بالخوف والحرمان في ظل «خلافة داعش» التي تدير الشؤون بالعنف.
ويقول محمد أحمد، 43 عامًا، وهو موظف سابق في جامعة الدول العربية من دير الزور، وهي بلدة بالقرب من الرقة، عاصمة «داعش» المزعومة في شمال سوريا «لقد عدنا إلى العصر الحجري».
ويضيف أحمد، الذي فرّ من منزله في شهر يونيو (حزيران) الماضي ويعيش الآن مع 20 ألف سوري آخر في مخيم الأزرق في الأردن: «كان لدينا منزل جميل مكسو بأرضيات من الرخام والسيراميك... كان لدينا كل ما نحتاجه طيلة حياتنا، وعندما جاءوا، أصبحنا نطهو الطعام على النار في الخارج ونغسل ملابسنا في دلو».
ويقول الكثير من الذين أجريت معهم المقابلات إن «داعش» في واقع الأمر، أقل فسادًا من الحكومات السورية والعراقية السابقة، ويقدم خدمات حكومية أكثر كفاءة منها، مثل شق الطرق وجمع القمامة. وفي العراق قال البعض إن مسلحي «داعش» السنة عاملوهم على نحو أفضل من الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد. لكن لم يعرب أي من الذين شاركوا في تلك المقابلات عن دعمهم لهؤلاء المتشددين، وقالوا جميعًا إن الإدارة الكفؤة لا تبرر مسلك «داعش» الوحشي والمتعصب.
«إننا نكرههم»، هكذا أكد عمدة الهيت السابق حكمت الغود، 41 عامًا، الذي فر في أبريل (نيسان) الماضي، ويقسم وقته الآن بين بغداد والعاصمة الأردنية عمان.
لقد وصل «داعش» إلى السلطة في أعقاب سنوات من القتال في سوريا والعراق أدت إلى تدمير الكثير من المؤسسات العامة في البلدين. لكن المشاركين في المقابلات قالوا: إن «داعش» فاقم هذا الدمار، وعلى نحو ستمتد آثاره لعقود مقبلة - حيث قضى على المكاسب التي تحققت في التعليم العام، ودمر البنية التحتية الطبية، وأسس لنظام قضائي يقوم على الرعب، وعرض جيلاً من الأطفال إلى أعمال عنف بشعة ومدمرة نفسيًا.
الحياة في أرض «داعش» بالنسبة إلى النساء تعني عادة الخضوع إلى نظام أشبه بخطوط التجميع، لكن هذه المرة لتزويد المقاتلين بالعرائس، أو التعرض أحيانًا للخطف والإجبار على زيجات قسرية.
واكتفى الكثير ممن أجريت معهم المقابلات بالكشف عن اسمهم الأول أو رفضوا الإفصاح عن هوياتهم بالكامل، حرصًا على سلامتهم وسلامة أفراد عائلاتهم الذين ما زالوا يعيشون تحت حكم «داعش». وجرت المقابلات معهم عبر «سكايب» أو مكالمات هاتفية من سوريا والعراق، أو بصفة شخصية في العراق وتركيا والأردن.
وتعرض الأشخاص الذين تحدثوا من داخل مناطق خاضعة لـ«داعش» إلى خطر كبير، حيث قالوا: إن المتشددين المسلحين يراقبون عن كثب الاتصالات عبر الإنترنت. ووافق هؤلاء على الحديث لكي يتمكنوا من رواية قصة حياتهم في ظل «خلافة داعش».
وأكد جميع الذين أجريت معهم المقابلات تقريبًا أنهم شهدوا عملية قطع رأس واحدة على الأقل أو عقوبة وحشية أخرى. يذكر أنه من المستحيل فعليًا التحقق من صحة هذه الروايات من مصادر مستقلة، كما يستحيل التحقق من المزاعم التي وردت في الكثير من المواد الدعائية التي نشرها «داعش». ولم تعتمد «واشنطن بوست» على منظمات ناشطة في استقدام الشخصيات التي جرت معها المقابلات. وراجع مراسلو الصحيفة سجلات الوصول، وسعوا إلى لقاء الأشخاص الذين قدموا حديثًا من مناطق خاضعة لسيطرة «داعش». واستمرت الكثير من المقابلات لمدة ساعتين أو أكثر.
ويسيطر المتشددون على مجتمعات زراعية صغيرة علاوة على مناطق حضرية واسعة، ومن بينها الموصل، وهي مدينة عراقية يسكنها أكثر من مليون نسمة. وتختلف سياسات «داعش» من منطقة إلى أخرى على نحو ما، لذلك لا يوجد أسلوب حياة موحد ومتفرد داخل مناطق حكمه، لكن ظهرت في المقابلات أنماط متكررة فيما يتعلق بالنساء والصحة والتعليم والقضاء والاقتصاد في المناطق الخاضعة لـ«داعش».
ويتعين على النساء ارتداء النقاب، كما يمكن أن يتعرضن للجلد في حال خرجن من منازلهن دون مرافقة أحد أقاربهن الذكور. وتلازم نساء كثيرات بيوتهن خشية أن يختطفن ويجبرن على الزواج من مقاتل أجنبي.
العلاج في المستشفيات، التي يعمل بها أطباء قدموا من بريطانيا وماليزيا، قاصر في العادة على المقاتلين الأجانب. بينما يضطر السكان المحليون إلى طلب الرعاية الصحية في عيادات سيئة التجهيز وعلاجاتها منتهية الصلاحية ويعمل بها أفراد غير مؤهلين.
وأغلق «داعش» في بعض المناطق خدمات المحمول والاتصال بالإنترنت. وفي الأماكن التي لا تزال بها هذه الخدمات قائمة، يحاول المتشددون السيطرة عليها عن كثب. وقد أنشأوا مقاهي للإنترنت تحولت إلى مراكز للدعاية، حيث يعكف المجندون على استقطاب الشباب من مختلف أنحاء العالم لكي يتركوا أوطانهم وينضموا إلى «داعش». ولقد تمكنوا بالفعل من إقناع نحو 200 أميركي - بعضهم ما زال في سن المراهقة - من شيكاغو ودنفر ومينيبوليس ومدن أميركية أخرى - بالمجيء إلى سوريا. وتعرض غالبيتهم للاعتقال قبل أن يصلوا لمقصدهم، حسبما يفيد مسؤولون في الشرطة الأميركية.
المدارس مغلقة بصفة عامة، فيما عدا المدارس الدينية لأبناء المقاتلين الأجانب. وكان المتشددون قد جمعوا الشهادات الدراسية وأحرقوها علانية.
وتقول معلمة رياضيات تعيش في الموصل «الحياة تحت حكم داعش هي بمثابة كابوس كل يوم».
وقالت بعدما طلبت عدم الكشف عن اسمها «لدينا مستقبل مجهول... ربما يقتلنا داعش أو ربما نموت في الحرب، أو ربما بعدها. ما نعيشه الآن هو موت بطيء».
المقاتلون المتشددون أنشأوا أيضًا نقاط تفتيش لمنع الناس من الهروب. لكن الذين أجريت معهم المقابلات قالوا: إن شبكة متنامية من المهربين تساعد الناس الآن على الفرار، وإن أعدادًا متزايدة منهم تدخل الأردن وتركيا ولبنان ومناطق عراقية لا تخضع لسيطرة «داعش». وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إن 60 في المائة من اللاجئين الذين عبروا الحدود السورية - الأردنية مؤخرًا كانوا من الفارين من مناطق خاضعة لحكم «داعش».
وتصور الدعاية الداعشية عناصرها على أنهم محررون، وأظهر مقطع مصور بث مؤخرًا مقاتلين مسلحين يوصلون الحلوى إلى دار للمسنين. لكن بحسب الذين أجريت معهم المقابلات، ترى غالبية السكان المحليين أن هؤلاء المتشددين ليسوا إلا قوة محتلة عديمة الرحمة، وينأون بأنفسهم عنهم بأقصى ما في استطاعتهم.
وقال ناشط يطلق على نفسه اسم أبو إبراهيم الرقاوي، وهو أحد سكان مدينة الرقة ويدير موقعا على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل اسم «الرقة تذبح بصمت»: «إننا حتى لو رأيناهم في الشوارع أو المتاجر، فإننا لا نخالطهم».
ويضيف أن الناس في الرقة «يشعرون كالغرباء في مدينتهم».
داعش أدرك بعض النجاح في تجنيد عدد من السكان المحليين. وقال مشاركون في المقابلات إن الكثير من أصدقائهم وجيرانهم في سوريا والعراق اختاروا الانضمام إلى «داعش»، ليصبحوا مقاتلين، أو مدرسين أو موظفين في هيئاته الحكومية.
ويقدم البعض على هذه الخطوة إيمانًا منهم بهدف المتشددين الأسمى في توحيد العالم تحت مظلة حكمهم القائم على تفسير انتهاج خط متشدد.
لكن معظم الذين يعملون لصالح «داعش» يفعلون ذلك بدافع الاحتياج المادي، بحسب المشاركين في المقابلات. وفي بعض الأماكن التي شهدت ارتفاعًا هائلاً في أسعار المواد الغذائية، وحيث يقتات الناس على الخبز والأرز فحسب تقريبًا، خلص بعض الرجال إلى أن التحول إلى مقاتلين في «داعش» هو السبيل الوحيد لإعالة أسرهم.
ويقول ياسين الجاسم، 52 عامًا، الذي فر من منزله في الرقة شهر يونيو الماضي: «لا يوجد عمل، لذا يتعين عليك الانضمام إليهم لكي تعيش... كثير من السكان المحليين انضموا إليهم. دفعهم الجوع إلى الالتحاق بداعش».
وقال بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التشدد والعنف السياسي في كينغز كوليدج في لندن، إنه برغم الدفعة التي قدمها المقاتلون الأجانب لـ«داعش»، فإنهم «على المدى الطويل، سيشكلون عبئًا» عليه. وقال: إن أحد الأسباب التي حدت بالعشائر المحلية إلى الانتفاض ضد «القاعدة» في العراق في منتصف العقد الماضي هو النظرة إلى الجماعة على أنها منظمة أجنبية. ويضيف أن الرعايا الخاضعين الآن لحكم «داعش» يمكن أن يقدموا على ذات الخطوة - لا سيما في العراق.
لكن الأشخاص الذين عاشوا تحت حكم «داعش» ممن شملتهم المقابلات يقولون: إنه اتخذ إجراءات فائقة التشدد لكبح أي انتفاضات محتملة، حيث يقتل كل من يشك في ولائهم.
وتقول فاتن حميدة، 70 عامًا، وهي جدة فرت من بلدتها بالقرب من الرقة في مايو (أيار) الماضي وتعيش الآن في مخيم الأزرق، إن العنف يزيد غضب السكان المحليين من المسلحين، لكنه أيضًا يخلق ريبة فيما بينهم. ويصعب تشكيل أي حركة مقاومة عندما يفكر الناس في أن أصدقاءهم وجيرانهم ربما يكونون جواسيس يعملون لمصلحة المسلحين. وقالت: «لقد قلبونا على بعضنا البعض».
وقال أحمد الذي فر من بلدته بالقرب من الرقة في يونيو إن بعض المقاتلين العرب يحاولون الاختلاط بالسكان المحليين، لكن الأوروبيين وغير العرب لا يحاولون ذلك على الإطلاق. وأضاف أنه رغم مزاعم مقاتلي «داعش» بأنهم قدموا إلى هنا لكي يوفروا حياة أفضل للمسلمين، فإنهم منشغلون بالأحرى بقتال الجماعات المتمردة الأخرى والقوات الحكومية.
وقال: «إنهم عدائيون جدًا على الدوام، ويبدون غاضبين.. إنهم هنا من أجل القتال، وليس من أجل الحكم».
ويحكي الجاسم خلال المقابلة، التي جرت في كوخه المعدني الحار في مخيم الأزرق، عن الفترة التي عاشها تحت حكم «داعش» ويتذكر عندما أصيب حفيده البالغ من العمر عامين بورم في المخ وطالبه الأطباء بـ800 دولار لاستئصاله.
الجاسم وهو عامل زراعي لم يستأجره أحد منذ استولى «داعش» على بلدته، توجه في يأسه إلى المسلحين في مايو لكي يتوسل إليهم من أجل حياة حفيده، وقد قدموا إليه خيارًا.
ويسترسل «قالوا لي لو منحتنا ولدك لكي يحارب معنا، سندفع كلفة علاج حفيدك». لكن فكرة أن يصبح أحد أولاده مقاتلاً في «داعش» أثارت اشمئزازه، بينما فطر قلبه التفكير في فقدان حفيده. وهكذا أخذ الجاسم عائلته وهرب على متن شاحنة أحد المهربين. وقال: إن ولده يطلب الآن من السلطات الأردنية تقديم المساعدة الطبية للصبي الصغير.
ويقول الجاسم بينما يتطلع من كوخه الضيق إلى فضاء الصحراء الأردنية «لن أعود مطلقًا إلى سوريا... لم تعد سوريا التي أعرفها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.