عبد الفتاح كيليطو وسؤال الكتابة الروائية

حار القراء والنقاد والباحثون في تصنيف أعماله

عبد الفتاح كيليطو
عبد الفتاح كيليطو
TT

عبد الفتاح كيليطو وسؤال الكتابة الروائية

عبد الفتاح كيليطو
عبد الفتاح كيليطو

لم يكن كيليطو يهدف إلى كتابة الرواية مع علمه الحصيف ودرايته الثاقبة بعوالمها، وإنما قصد تقريب النص/النصوص الكلاسيكية وفق الصيغة السردية الحكائية

تثير كتابات عبد الفتاح كيليطو الإبداعية، بخاصة الحاملة لتحديد جنس الرواية، إشكالاً كبيراً. إذ السؤال الذي يطرح، يرتبط بالتحديد: رواية أم العكس؟ فالقارئ الذي درج على قراءة الرواية العالمية والعربية مما يرد بعضه أمثلة وشواهد ضمن منجز كيليطو، يتمثل بالمقارنة المتداول وما يعمل على قراءته ودراسته كرواية. والواقع أن الأمر لا ينحصر في قارئ الرواية العادي، وإنما يشمل الباحث، الدارس والمهتم. لكن أي جدوى للسؤال لما يكون المؤلف أو غيره - كما سنرى - صنف إبداعه في رواية. بمعنى آخر لما يتعاقد والقارئ على أن ما ستتم قراءته رواية، وليس دراسة. وهنا يفترض القبول بالواقع والتعامل في ضوئه.

ثلاثة آراء وثلاث وجهات للنظر

أسوق ثلاثة آراء وثلاث وجهات للنظر. الأول عام لعبد الفتاح كيليطو. والثاني أشبه بالخاص ويتداخل فيه صوتان: المؤلف، وصوت مترجمه بخصوص نص/ رواية «أنبئوني بالرؤيا» (دار الآداب. بيروت/ 2011). وأما الثالث فللكاتب والمترجم عبد السلام بنعبد العالي، وبالاعتماد على عبد الفتاح كيليطو.

يرد في الرأي الأول:

«.. ولا يخفى أن العديد من الجامعيين يطمحون إلى قرض الشعر أو كتابة نص روائي. أشير أنني ركبت الموجة نفسها في (أنبئوني بالرؤيا)، وربما في سائر محاولاتي السردية. هكذا بعد لف ودوران عدت إلى المقامات» («في جو من الندم الفكري» ص/ 11).

وفي الثاني:

«شخصياً، أنا لم أحدد نوعه. فلا وجود على الغلاف لما من شأنه أن يبين النوع. لكن الكتاب ظهر ضمن مجموعة (محاولات نقدية). لكن في الترجمة العربية يصنف كرواية، والمترجم عبد الكبير الشرقاوي هو الذي قدمه كذلك. كان هذا اختياره، وواقت عليه». (كيليطو.. «موضع أسئلة» ص:93).

وأما في الثالث فنقرأ ما عبر عنه عبد السلام بنعبد العالي:

«.. وفي هذا الصدد لاحظ عبد السلام بنعبد العالي أن أسلوب (أنبئوني بالرؤيا) يذكر بأسلوب ألبير كامو في (الغريب). ينبني هذا الرأي على عدة اعتبارات، ومن ضمنها ربما قصر الجمل، وأيضا كون البطل غريباً على محيطه، بل حتى عن نفسه، أينما حل وارتحل يحس باختلافه، بعدم قدرته على الاندماج» («مسار». ص/133).

تفضي الآراء الثلاثة إلى كون كيليطو، الباحث والدارس، يستهدف من منجزه النقدي الجواب عن السؤال «من نحن؟»، إذ لم ينخرط في الممارسة الروائية عن قناعة واقتناع بهدف كتابة الرواية، وإنما اختار السرد لإنتاج المعنى النقدي المتعلق بكلاسيكيات التراث العربي القديم. وهنا أشير إلى موضوعين وردا في كتابين:

أ/ «دراسة الأدب الكلاسيكي» («الأدب والغرابة»/ 1982).

ب/ «لهذا نقرأ الأدب الكلاسيكي» («في جو من الندم الفكري»/ 2020).

يتأكد هذا في الرأي الأول الذي أدعوه بـ«الحذو على النهج». فالجامعيون الذين انخرطوا في الكتابة السردية صنفان: صنف وازى بين الإبداعي/الفكري، ونمثل بعبد الله العروي، ومحمد زنيبر، ومحمد عزيز الحبابي وعبد الكبير الخطيبي، علماً بالتباين والتقاطع بين التجارب، إذا ما ألمحت لكون الأستاذ العروي يجسد نموذجاً من حيث كتابة الرواية، إلى التصور المرتبط ككل بجنس الرواية، حيث يحضر التمثيل بالتجارب العالمية على مستوى الفكري أيضاً، وهو الدليل على موسوعية الثقافة. وصنف عكست الرواية بالنسبة له نقلة قد تكون لغاية إرضاء ذاتي، أو نزوع موضوعي لتأكيد الكفاءة السردية وتخليد الاسم العلم. ويحق التمثيل ببنسالم حميش، وسعيد بنسعيد العلوي، وأحمد التوفيق، وعلي أومليل، الذي اكتفى - وإلى حد كتابة هذه السطور - بنص بمثابة سيرة ذاتية. فالأستاذ كيليطو يدرج ذاته في الصنف الثاني، أي من يطمحون لقرض الشعر وكتابة الرواية. من هنا سر عودته - كما جاء في الرأي الأول - إلى المقامات.

وأستحضر في السياق نفسه ما جاء به كيليطو بصدد الفرق بين الرواية والمقامة:

«إذا كان الوعظ يحتل مكانة مهمة في المقامات، فليس له موقع في الرواية حيث لا تكون العلاقة إلا أفقية، وهي ليست علاقة للإنسان بالإله، وإنما علاقة الإنسان بالإنسان، بالمجتمع، مع ما قد يطبع ذلك من صراع بين الثقافات» («أتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية» ص/58).

على أن ما يستوقف في الرأي الثاني، التباين بين ثلاث وجهات للنظر بخصوص «أنبئوني بالرؤيا». فالمؤلف لم ينزع إلى تحديد «هوية» المكتوب وهو القارئ العليم بالرواية، إذ ترك النص غفلاً عن ضبط نوعه، في غياب قناعة اعتباره رواية. هذه الوجهة ذاتها، أثبتها الناشر الفرنسي بالإشارة إلى أن النص ينضوي تحت «محاولات نقدية». وأما المترجم عبد الكبير الشرقاوي، فاختار تصنيف النص في رواية.

وبالتالي وافقه المؤلف على الاختيار دون تعليلات مقنعة. وهنا يصبح المترجم بمثابة مؤلف.

وتحضرني في وجهة النظر الثالثة خاصة المقارنة. إذ يعدُّ الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي - وفق رواية كيليطو - أسلوب «أنبئوني بالرؤيا» يماثل أسلوب ألبير كامو في رائعته «الغريب». ويبرر الأستاذ عبد الفتاح ذلك بقصر الجمل، وغربة البطل عن محيطه ونفسه وعدم القدرة على الاندماج.

تقود الآراء الثلاثة إلى تأكيد ما جئنا عليه سابقاً، والمتمثل في كون عبد الفتاح كيليطو لم ينخرط في الممارسة الروائية عن قناعة واقتناع. بمعنى، لم يكن يهدف لكتابة الرواية مع علمه الحصيف ودرايته الثاقبة بعوالمها كما سلف، وإنما قصد تقريب النص/النصوص الكلاسيكية وفق الصيغة السردية الحكائية، وهو النحو الذي اختطه وسار عليه خورخي لويس بورخيس. فالمتلقي يجد نفسه أمام كتابة وتأويل للكتابة. ينجز الكتابة المؤلف عبد الفتاح كيليطو، ويسهم في تأويلها وتصنيفها ومقارنتها على سبيل المثال: المترجم عبد الكبير الشرقاوي ورجل الفلسفة والمترجم عبد السلام بنعبد العالي وغيرهما. وبالرغم، يظل نص «أنبئوني بالرؤيا» النص «المحير» و«الملتبس». ولعل في تعدد ما كتب عنه الدليل على هذه الحيرة والالتباس، أقول على ثراء التأويل وغنى النص.

* كاتب مغربي


مقالات ذات صلة

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)
ثقافة وفنون سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)

سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

ذكر رئيس لجنة التحكيم، الفنان والمؤلف إدموند دي وال، بأن رواية سامانثا هارفي تستحق الفوز لـ«جمالها وطموحها»

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون سانت إكزوبيري

أي دور للكتاب والمبدعين في زمن الحرب؟

لم يكف البشر منذ وجودهم على هذه الأرض عن التقاتل والتذابح، وفرض سيطرة بعضهم على البعض الآخر، عبر أكثر الوسائل دمويةً وفتكاً.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

يحتل الفن الجنائزي حيزاً واسعاً من ميراث أقاليم شبه الجزيرة العربية، وتتميّز جزيرة البحرين في هذا الميدان بنتاج نحتي تصويري يعود إلى القرون الميلادية الأولى

محمود الزيباوي

لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم
TT

لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم

في مقالةٍ نُشرت الأسبوع الماضي، كتب الزميل ميرزا الخويلدي عمّا سمّاها «ظاهرة» أسامة المسلّم الأديب النجم، غير المسبوق أدبياً بشهرته محلياً وعربياً؛ القادر على جذب حشود من المعجبين والمعجبات، ممن قرأوا له وممن لم يقرأوا بعد، إلى معارض الكتب التي يوجد فيها.

بدون أدنى شك، يجسّد المسلم ظاهرة الروائي النجم. ومحاولة التقليل من شأن نجوميته والاستهزاء بها ضرب من العبث، والساخر منها والمستهزئ بها «كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل». المسلم جاء، أو ظهر، ليبقى، والنظر إلى تجربته ومنجزه الإبداعي باستعلاء ونفور لن يكون له أي تأثير في الواقع وعليه. وسيستمر الإقبال على مؤلفاته، والتزاحم حوله إلى حد إغماء البعض، أو التسبب في إلغاء فعاليات توقيع رواياته - حقيقةٌ تؤكد حقيقةً أخرى: تداعي أو انهيار صروح الوصاية على الإبداع الأدبي، وتقلص سلطة من يُنَصِّبُون أنفسهم أوصياء وحكام ذوق، يحلمون، رغم تغير الظروف والأحوال، في الاستمرار في توزيع صكوك الاعتراف والتزكية ممهورة بإمضاءاتهم.

جي كي رولنغ

«المُسَلَّمُون» قادمون

وسيأتي «مُسَلَّمُون» (من مُسَلّم) آخرون، مُقَلِّدُون ومتأثرون به، يحاكون أسلوبه في الكتابة، وفي ترويج كتبهم وذواتهم؛ وآخرون تغريهم جوائز «القلم الذهبي» بالمال وبأضواء الشهرة، وبوصول أعمالهم السردية أفلاماً إلى صالات السينما. وسنشهد، محلياً على نحو خاص، ظاهرة الإقبال على كتابة القص الشعبي (popular fiction): الفانتازيا والرعب والإثارة والتشويق والجريمة والرومانس، أو ما يسمى «الأدب الأكثر تأثيراً». وسيوازي ذلك الانتشارُ الفطري - المشرومي لدورات وورش كتابة «الأدب الأكثر تأثيراً». وليس على «المشهد الثقافي» سوى تحمل الظاهرة بإيجابياتها وسلبياتها، حتى وإن كان يوجد من يرفض وجودها. «المُسَلَّمُون» قادمون، فعلى الرحب والسعة، ففي المشهد متسع للجميع. ستجد مؤلفاتهم من يقرأها، ومن يمتنع، وله الحرية والحق في ذلك. لكن ثمة حقيقة أنه لا أحد يملك، أو له الحق في امتلاك، مفاتيح بوابات المشهد الثقافي، يفتحها أمام من يحب، ويقفلها في وجوه من لا يستطيع معهم صبراً.

ستيفن كنغ

البناء الذاتي للشهرة

حقيقة أخرى ذكرها الزميل الخويلدي في مقالته، وهي أن المسلم صنع شهرته بنفسه دون أي نوع من أنواع الدعم والرعاية من المؤسسات الثقافية بنوعيها الرسمي والأهلي. كما لم يكن للنقاد والصحافة فضل عليه، أو إسهام في صنع نجوميته. أضيف إلى ما ذكره الخويلدي، الحقيقة الأخرى: رفض 20 ناشراً لروايته «خوف»، ما اضطره إلى بيع سيارته لينشرها على حسابه.

أعتقد أن رفض نشر روايته علامةٌ على أنه كائن محظوظ، جعله الرفض ينضم بدون اختيار وقرار منه لقائمة الذين رُفِضتْ مؤلفاتهم وانتهى بهم المطاف كُتّاباً وأدباء مشهورين. يبدو أنه ما من شخص تعرضت كتاباته للرفض، إلا وأصبح مشهوراً، يضاف اسمه لقائمة الأسماء التالية على سبيل المثال لا الحصر: إرنست هيمنغوي، ف. سكوت فيتزجيرالد، سيلفيا بلاث، مايا أنجيلو، باربرا كنغسولفر. ومن كُتّاب القص الشعبي: أغاثا كريستي، ج. ك. رولينغ، ستيفن كينغ. سأسقط بعض الضوء على تجربتي ج. ك. رولينغ، وستيفن كينغ مع النشر.

رفض «هاري بوتر» و«كاري»

رفضت 12 دار نشر مخطوطةَ رواية رولينغ «هاري بوتر»، ليس هذا فحسب، بل حذرها أحد الوكلاء الأدبيين بأنها لن تحقق ثروة بتأليفها كتباً للأطفال. ربما شعر، أو لا يزال يشعر، ذلك الوكيل بوخزات الندم على تحذيره رولينغ، وهو يراها الآن تشغل المركز الأول في قائمة أكثر الكاتبات والكُتّاب ثراءً بثروة تقدر بمليار دولار. تحقق لها الثراء من كتاباتها للأطفال، وللكبار، خصوصاً الذين لم تنطفئ دهشة الطفولة فيهم.

أما كينغ، فقد رُفِضَتْ مخطوطةُ روايته «كاري» من قبل 30 ناشراً. وقد أوضح أحد الناشرين في خطاب الرفض إليه أنهم لا يهتمون بروايات الخيال العلمي التي تصور يوتوبيات سلبية (ربما يقصد ديستوبيات) لأنها «لا تبيع»، أي لا تحقق أرقام مبيعات مرتفعة. لكن «كاري» نُشِرَت أخيراً في 1974. ولما أُطْلِقَتْ نسخةُ الغلاف الورقي بعد عام من نشرها، 1975، بِيْعَ منها ما يزيد على مليون نسخة خلال 12 شهراً. والآن كينغ واحد من الكُتّاب الأثرياء، بثروة تقدر بــ500 مليون دولار.

مثلهما واجه المسلم رفض الناشرين. وستصبح سيرته الأدبية أقوى شبهاً بسيرتيهما، خصوصاً سيرة كاتبه المفضل كينغ، عندما تعرض الترجمات السينمائية لرواياته على الشاشتين الكبيرة والصغيرة في القريب العاجل كما يُفهم من كلامه عن ذلك.

تيري وودز وفيكي سترينغر

وللروائتين الأميركيتين تيري وودز وفيكي سترينغر، أعود من كتابة سابقة. فلوودز وسترينغر قصتان طويلتان مع الرفض المتكرر من الناشرين، ولكنهما وضعتا لهما نهايتين مختلفتين عن نهاية قصص الكاتبات والكُتّاب المذكورين أعلاه. يتجلى في قصتيهما الصبر والإصرار على تحقيق الهدف. كان النشر الذاتي نهاية قصة كل منهما، لينتهي بدوره بتأسيس كل منهما دار نشر، شقت الطريق أمامها إلى الثراء.

في المتبقي من وقتها الموزع بين واجبات الأمومة وعملها سكرتيرة في شركة قانونية، فتحت تيري وودز من فيلادلفيا، التي ستصبح فيما بعد رائدة القص المديني - قص المدينة، أو أدب الشارع، أو أدب العصابات، فتحت لنفسها باباً تدلف من خلاله إلى عالم الكتابة، لتشرع في تأليف روايتها الأولى «True to the Game». وبعد فراغها من الكتابة، راحت تطرق أبواب الناشرين. وعلى مدى 6 سنوات، من 1992 إلى 1998، كانت تتلقى الرفض تلو الآخر. ولمّا نفد صبرها، قررت طباعة وتغليف روايتها بنفسها وبيعها مباشرةً لباعة الكتب وللناس في الشوارع. كانت تطوف بالمدن. تنام في سيارتها في مواقف السيارات، وعلى الأريكات في بيوت معارفها، وتقضي ساعات في شوارع نيويورك. ثم انتقلت الى الخطوة التالية: تأسيس دار للنشر. بعد مضي ثلاث سنوات، أصبحت وودز الكاتبةَ المليونيرة. وكان عام 2007 عام خير عليها، وقَّعَت خلاله صفقةَ خمس كتب مع «غراند سنترال بَبلِشينغ»، وظهر الجزء الثاني من روايتها «True to the Game II» على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، وفي العام التالي (2008)، كان الجزء الثالث على قائمة «نيويورك تايمز» أيضاً.

أما فيكي سترينغر، فقد أتاحت لها الكتابة مفراً من ضيق الزنزانة إلى رحابة العالم المتخيل في روايتها «Let That Be the Reason»، التي كتبتها في السجن. غادرت فيكي سترينغر ولاية ميشيغان إلى مدينة كولومبس للدراسة في جامعة ولاية أوهايو. وهناك التقت بمن أصبح صديقاً لها. وكان يتعاطى ويروج المخدرات، فاستدرجها إلى الانزلاق إلى هاوية المخدرات وتعاطيها وترويجها، حيث توجّت بلقب «ملكة الكوكايين في كولومبوس». وحين ألقي القبض عليها كان في حوزتها كمية كبيرة من المخدرات ومئات آلاف الدولارات.

في السجن وبعد الخروج منه، كانت الكتابة «خيط أريادني» الذي اهتدت به للخروج من متاهة التعثرات والتيه في الماضي. فعلى الفور، راحت تبحث عمن ينشر مخطوطة روايتها الأولى، لتُمَنى برفضها 26 مرة، ما اضطرها إلى نشرها ذاتياً، وتأسيس دارها للنشر. وتوالى نشر الأجزاء الأخرى من الرواية، ورواياتها الأخرى. أطلقت مجلة «بَبليشرز ويكلي» على سترينغر لقب «ملكة أدب المدينة الحاكمة». وفي 2005، شهدت طوكيو، نشر ترجمات رواياتها إلى اليابانية.

إغراء الناس بدخول المكتبات

تقول الكاتبة آن بارنارد في مقالتها «من الشوارع إلى المكتبات»، المنشورة في «نيويورك تايمز» (23-10-2008)، إن المكتبات في «كوينز»، ونظام المكتبات المنتشرة في البلاد، إلى مقاطعة يورك في بنسلفانيا، تحرص على اقتناء روايات (القص المديني - أدب الشارع - أدب العصابات) كطريقة مثيرة، وإن تكن خِلافيَّةً أحياناً، لجذب أشخاص جدد إلى قاعات القراءة، ولنشر محو الأمية والتفكير واستكشاف ميول واهتمامات الجمهور الذي يخدمونه.

جوهرياً، لا يختلف ما تقوله بارنارد عن روايات وودز وسترينغر وغيرهما من كُتّاب أدب الشارع، عمّا يقال عن روايات المسلم، وجذبها آلاف من الشباب إلى الكتاب والقراءة، وإلى معارض الكتب، وإثارتها الاختلاف والجدل، والانقسام ما بين مادحٍ وقادح.

لكن رغم التشابه بين تجارب وودز وسترينغر والمسلم، يتميز الأخير بأن في وطنه جائزة (جائزة القلم الذهبي) خصصت ستةُ من مساراتها الثمانية للقص الشعبي. قد لا يفوز في الدورة الأولى، ولا في الثانية، ولا الثالثة، ولا الرابعة. وقد لا يفوز بها أبداً. لكنه سيظل الكاتب مثير الجدل، وجاذب الحشود لمعارض الكتب.

ترُى هل سيعزز المسلم التشابه بينه والروائيتين الأميركيتين من ناحية رفض الناشرين في البدايات وجاذبية أعمالهم السردية بتأسيس دار لنشر القص الشعبي، أو هل أقول «الأدب الأكثر تأثيراً»، إذا كان بالإمكان اكتشاف مدى قدرة كتاب على التأثير قبل النشر، وبعده بدون أجهزة وآليات رصد خاصة ومعايير؟

ناقد وكاتب سعودي