مأخذ على نصر الله: غيّب الحكومة والشركاء

مع أنه تعامل بواقعية في طمأنته اللبنانيين

امرأة تبكي خلال تشييع مقاتل من «حزب الله» سقط في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (إ.ب.أ)
امرأة تبكي خلال تشييع مقاتل من «حزب الله» سقط في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (إ.ب.أ)
TT

مأخذ على نصر الله: غيّب الحكومة والشركاء

امرأة تبكي خلال تشييع مقاتل من «حزب الله» سقط في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (إ.ب.أ)
امرأة تبكي خلال تشييع مقاتل من «حزب الله» سقط في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (إ.ب.أ)

في قراءة متأنية للمضامين السياسية التي أوردها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مخاطبته جمهوره، مع تصاعد وتيرة الحرب الدائرة بين «حماس» وإسرائيل، لا بد من التوقف أمام الأسباب التي تكمن وراء إغفاله الحديث عن دور الدولة اللبنانية، وعدم إشارته لا من قريب أو بعيد لمروحة الاتصالات الدولية والعربية التي يتولاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لتوفير الحماية للبنان ومنع تدحرج الحرب إلى الجبهة الشمالية، التي ما زالت تشهد مواجهة غير مسبوقة قياساً على ما كانت عليه قبل اجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة.

فخطاب نصر الله، وإن كان اتسم بالواقعية والعقلانية، وأرخى حالة من الاطمئنان على اللبنانيين، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، فإنه في المقابل توخّى منه التوجّه بالدرجة الأولى إلى محازبيه، وأولهم ذوو الذين سقطوا في المواجهة المشتعلة مع إسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية.

مسؤولون من «حزب الله» ومدعوون يتابعون خطاب نصر الله عبر شاشة كبيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة (أ.ف.ب)

ويسأل المصدر السياسي عن تغييبه لثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، التي يصر الحزب على إدراجها في صلب البيانات الوزارية للحكومة اللبنانية، وأيضاً عن إغفاله القرار 1701 وضرورة تطبيقه، خصوصاً وأنه كان وراء إرساء معادلة توازن الرعب في المواجهة مع إسرائيل المحكومة بعدم الإخلال بقواعد الاشتباك، وإن كانت تعرضت للإخلال بها من دون خروجها عن السيطرة، كما هو حاصل اليوم على طول الجبهة الشمالية.

ويلفت إلى أن نصر الله أراد أن يتوجّه إلى «ذوي الشهداء» الذين سقطوا في المواجهة مع إسرائيل، بقوله لهم بأنهم كانوا وراء إشغال العدو واضطراره إلى سحب أفواج من جيشه إلى الجبهة الشمالية، للتخفيف عن الحرب التي تستهدف قطاع غزة، ويقول إن الحزب دخل المعركة منذ اليوم الأول لاجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة، وهو يخوض الآن معارك تأتي في سياق مساندته لـ«حماس»، مع إبقائه على كل الاحتمالات مفتوحة والخيارات مطروحة، ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات في ضوء ما ستؤول إليه مجريات الحرب التي تحشد لها إسرائيل ضد غزة.

مقاتلون من «حزب الله» خلال تشييع رفيق لهم سقط في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (أ.ف.ب)

ويؤكد المصدر نفسه أن الحزب يخوض معركة مفتوحة ضد إسرائيل، وإن كانت أقل من انخراطه في حرب بلا ضوابط، ويرى أن نصر الله حرص على طمأنة اللبنانيين، في مقابل الإبقاء على إسرائيل في دائرة القلق معطوفة على مجريات الوضع الميداني في غزة.

ويضيف أن خطاب نصر الله اتسم بواقعية، آخذاً في الاعتبار المزاج الشعبي الذي لا يحبّذ استدراج البلد إلى حرب يعرف من أين تبدأ لكنه لا يستطيع أن يتكهّن إلى أين ستنتهي، ويقول إنه يدرك كسواه من القوى السياسية أن لبنان في ظل الأزمات التي تحاصره ليس مؤهلاً للانجرار إلى حرب على غرار حرب يوليو (تموز) 2006.

ويعد المصدر السياسي أن لبنان، بإمكاناته الراهنة، يفتقد إلى مقومات الصمود التي كانت قائمة إبان «حرب تموز»، وهذا ما ظهر للعيان من خلال الصعوبات التي تعترض الحكومة في تأمين الأكلاف المالية المترتبة على وضع خطة الطوارئ التي أعدّتها لاستيعاب ما يترتب على قيام إسرائيل بش عدوان واسع على لبنان.

ويرى أن هناك أكثر من ضرورة لاستحضار الدولة اللبنانية والوقوف خلفها، أو إلى جانبها، لاستيعاب التداعيات المترتبة على لجوء إسرائيل إلى توسيع رقعة النزاع لتشمل الجبهة الشمالية، ويقول إنه لا يكفي تبرئة الحزب وإيران بعدم معرفتهما المسبقة باجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية، بقول نصر الله: «أخذنا علماً بحصوله مثل كل العالم».

خلال تشييع مقاتل من «حزب الله» سقط في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت (أ.ف.ب)

ويتوقف أمام ضرورة التناغم بين الحزب والدولة اللبنانية، ممثلة بحكومة تصريف الأعمال، وصولاً إلى توحيد الرؤية لتأمين شبكة أمان سياسية تحظى بدعم عربي ودولي، ويقول إن لا مصلحة للحزب بتغييبها في المطلق كونها تتمتع بمروحة واسعة من الاتصالات ليست في متناوله، في ضوء الانحياز الأوروبي لإسرائيل والتأييد المطلق لها من الولايات المتحدة الأميركية، وإلا لماذا حمّل نصر الله واشنطن المسؤولية الكاملة في منعها إدانتها من جهة، وفي ممارستها حق النقض، الذي حال دون توصل مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار يقضي بوقف إطلاق النار؟

ولا يكفي، كما يقول المصدر السياسي، بأن يسجّل الثنائي الشيعي عتبه الشديد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على خلفية انحيازه بلا شروط لإسرائيل، وهذا ما ظهر جليّاً من خلال توالي الإنذارات الفرنسية للبنان، بأنه لن تكون هناك منطقة لبنانية آمنة في حال قرر «حزب الله» الانخراط في الحرب.

يسأل المصدر السياسي: ما الذي يمنع «حزب الله» من الالتفات إلى الجبهة الداخلية والعمل من أجل تحصينها، بدلاً من أن يخوض منفرداً معركته ضد إسرائيل، ويتصرف وكأنه الآمر الناهي، ويحصر بنفسه قرار السلم والحرب، فلا يتواصل مع رئيس الحكومة للتفاهم على كيفية إدارة المعركة محلياً ودولياً وعربياً، خصوصاً أن الحزب على خلاف مع عدد من الدول ولا يقيم معها أي علاقة، فيما يشتبك سياسياً مع قوى محلية وازنة من غير الجائز تجاهلها؟

ويبقى السؤال: هل يراهن الحزب على تبدُّل في المواقف العربية والدولية، على الرغم من أن واشنطن، كما تقول مصادر أميركية في بيروت، تواجه مشكلة في إقناع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بوجوب الموافقة على هدنة إنسانية تسمح بإيصال المساعدات الضرورية إلى غزة، مع أنها سعت للوقوف إلى جانبه بلا شروط؟ وأين تقف إيران؟ وهل سيكون لها موطئ قدم في الوساطات الجارية لإطلاق المحتجزين لدى «حماس»؟

وعليه يأخذ المصدر السياسي على نصر الله عدم شموليته في خطابه السواد الأعظم من اللبنانيين، بدلاً من أن يحصره بجمهوره ومحازبيه، مع أن لا شيء يمنعه من الدخول في ربط نزاع مع خصومه من موقع الاختلاف، لأن لبنان ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) هو غيره اليوم، وبالتالي فإن الضرورات تبيح المحظورات وتفتح الباب أمام التوجُّه إلى اللبنانيين بخطاب شامل، لأن الأولوية الوحيدة على جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة تبقى محصورة بتحصين الجبهة الداخلية، والنأي بها، ولو مؤقتاً، عن «الحرتقات السياسية» لإخراج البلد من الغيبوبة المفروضة عليه. فهل يبادر الحزب قبل فوات الأوان للانفتاح على خصومه لئلا تبقى المواجهة على الأقل بشقها السياسي في عهدته، وكأن لا شركاء له في الوطن.


مقالات ذات صلة

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت... وتجدد الغارات على الضاحية الجنوبية

المشرق العربي نقل جثمان أحد ضحايا القصف الإسرائيلي اليلي على منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:39

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت... وتجدد الغارات على الضاحية الجنوبية

سُمع دوي انفجارات عدة في العاصمة اللبنانية، فجر اليوم، مع دخول الحرب المفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» شهرها الثالث.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدفاع الجوي الإسرائيلي يعترض هدفاً جوياً تم إطلاقه من لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله» يشن أكبر هجوم بالمسيّرات ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان

ذكرت قناة تلفزيونية تابعة لـ«حزب الله»، الجمعة، أن الجماعة اللبنانية شنّت أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان منذ بداية المواجهات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ انبعثت أعمدة الدخان والنيران من مبنى في اللحظة التي أصاب فيها صاروخ إسرائيلي منطقة الشياح (د.ب.أ)

تقرير أميركي: ملامح اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل بدأت تتشكل

نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين إقليميين وأميركيين قولهم اليوم (الجمعة)، إن ملامح اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بدأت تتشكل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)
جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)
TT

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)
جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

قالت وزارة الخارجية العراقية اليوم (السبت) إن بغداد وجهت رسائل لمجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بشأن «التهديدات» الإسرائيلية.

وأضافت الخارجية العراقية في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية، أن بغداد طالبت في رسائلها بإلزام إسرائيل بوقف «العنف المستمر في المنطقة والكف عن إطلاق التهديدات».

وأوضح البيان أن إسرائيل «تخلق مزاعم وذرائع في المنطقة بهدف توسيع رقعة الصراع»، مؤكداً أن لجوء العراق إلى مجلس الأمن «يأتي انطلاقاً من حرصه على أداء المجلس لدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين».

كما شدد البيان على أن العراق كان «حريصاً على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام أجوائه لاستهداف إحدى دول الجوار».

وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أعلن أمس، أنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل، وأكد حسين، في كلمة خلال «منتدى الجامعة الأميركية» بدهوك في إقليم كردستان، أنَّ «القوات المسلحة تلقّت أوامر من رئيس الحكومة بمنع أي هجمات تنطلق من الأراضي العراقية»، وشدد على أن بلاده «لا تريد الحرب، وتسعى لإبعاد خطرها»، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد ذكر، في وقت سابق، أنه بعث برسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.