مصر تُشدد على رفض «مشاريع» إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين في سيناء

مدبولي من العريش: لن نسمح بتصفية قضايا إقليمية على حسابنا

مدبولي خلال زيارته لشمال سيناء (الحكومة المصرية)
مدبولي خلال زيارته لشمال سيناء (الحكومة المصرية)
TT

مصر تُشدد على رفض «مشاريع» إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين في سيناء

مدبولي خلال زيارته لشمال سيناء (الحكومة المصرية)
مدبولي خلال زيارته لشمال سيناء (الحكومة المصرية)

جدّدت مصر تمسكها برفض أية خطط لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء. وشدّدت على رفضها «تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار»، الموقف المصري جاء عبر تصريحات وتحركات عملية على الأرض خلال زيارة موسعة لرئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي إلى شمال سيناء، يوم (الثلاثاء)، رافقه خلالها برلمانيون وسياسيون ورؤساء أحزاب معارضة، إضافة إلى مجموعة من الإعلاميين والفنانين في زيارة لم تخل من دلالات واضحة.

وتزامنت الزيارة مع الذكرى 55 لمؤتمر الحسنة الذي مثل «صفعة» لإسرائيل لتدويل سيناء عام 1968، كما التقى مدبولي شيوخ القبائل السيناوية في مقر الكتيبة 101، التي كان لها دور فاعل في مكافحة الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية.

وجدّد رئيس الوزراء التأكيد على الرفض المصري لأي أفكار أو مخططات بشأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مشدداً خلال لقائه شيوخ سيناء بمقر الكتيبة 101 بالعريش، أن سيناء «ستبقى بقعة غالية في قلب كل مواطن»، معرباً عن «استعداد الشعب المصري لبذل ملايين الأرواح لحماية سيناء».

وأكد مدبولي أن مصر «لن تسمح بأن تتم تصفية قضايا إقليمية على حساب أرضها»، مشيراً إلى نجاح الدولة المصرية في الاستثمار والعمل في تنمية سيناء، بالتوازي مع محاربة الإرهاب، كما أعلن إطلاق المرحلة الثانية من خطة تنمية سيناء، التي تتضمن إنشاء مشروعات بتكلفة استثمارية تقدر بـ363 مليار جنيه خلال السنوات الخمس المقبلة.

جانب من لقاء مدبولي مع القبائل السيناوية (الحكومة المصرية)

موقف ثابت

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد في مناسبات عدة، موقف مصر الثابت بـ«رفض سياسات العقاب الجماعي والتهجير»، مشدداً على أن مصر «لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية».

ووضع رئيس الوزراء المصري يوم (الثلاثاء) حجر الأساس لمجموعة من المشروعات التنموية الجديدة في سيناء، كما تفقد معبر رفح، حيث تابع عملية تنظيم دخول المساعدات إلى غزة، مؤكداً «ضرورة وقف العمليات الإسرائيلية ضد السكان المدنيين في القطاع». وشدد على أن مصر تحملت العبء الأكبر للقضية الفلسطينية منذ عام 1948.

من جانبه، قال قائد الجيش الثاني الميداني في مصر، محمد ربيع، إن جنود الجيش «مرابطون لحماية أمن مصر القومي». وشدّد خلال زيارة رئيس الوزراء على أنهم «لا يدخرون جهداً للحفاظ على أعلى درجات الاستعداد والجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي».

في السياق جدد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، التأكيد على رفض مصر لـ«ترحيل أي شقيق فلسطيني إلى الأراضي المصرية، ولا تقبل أن تُصفى القضية الفلسطينية»، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي بمعبر رفح بحضور مجموعة من المراسلين الأجانب في مصر، أن «مصر تؤكد انحيازها التام للقانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة الخاصة بعدم ترحيل النازحين بالقوة».

جنود مصريون ينفذون عملية تمشيط في شمال سيناء (أرشيفية)

وثيقة إسرائيلية

وكانت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية اقترحت في وثيقة رسمية «نقل سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى شبه جزيرة سيناء»، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء «أسوشييتد برس». وتضمنت الوثيقة التي اعترفت السلطات الإسرائيلية، يوم (الاثنين)، بصحتها، بعد نشرها لأول مرة بواسطة موقع إخباري إسرائيلي محلي يدعى «سيشا ميكوميت Sicha Mekomit» نقل السكان المدنيين في غزة إلى «مدن خيام في شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة لهم وإنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع النازحين الفلسطينيين من الدخول».

ورغم أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قلل من شأن هذا التقرير، ووصفه بأنه مجرد «ورقة افتراضية»، فإنه عزز المخاوف المصرية من دفع القوات الإسرائيلية لسكان قطاع غزة إلى النزوح صوب الحدود المصرية، لا سيما بعد إطلاق جيش الاحتلال تحذيرات متكررة لسكان شمال غزة بضرورة إخلاء منازلهم والاتجاه جنوباً (باتجاه الحدود المصرية).

وتزامنت الزيارة الموسعة لرئيس الوزراء المصري إلى سيناء مع الذكرى الـ55 لمؤتمر الحسنة، وهو مؤتمر أقامته السلطات الإسرائيلية في مدينة الحسنة بشمال سيناء في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1968 عقب احتلالها سيناء، إذ حاول الإسرائيليون «تحريض أهالي سيناء على الاستقلال بها وإعلانها دولة مستقلة للقضاء على تبعيتها لمصر وإثبات عدم أحقيتها في استرداد سيناء مرة أخرى». إلا أن شيخ مشايخ قبائل سيناء آنذاك سالم الهرش، أحرج السلطات الإسرائيلية عندما تحدث أمام وسائل الإعلام العالمية التي حشدتها السلطات الإسرائيلية، مؤكداً «تمسك جميع القبائل بمصرية سيناء، واعتبار الإسرائيليين سلطة احتلال».

واتخذت السلطات الإسرائيلية حينها إجراءات عنيفة ضد السكان واعتقلت 120 من مشايخ سيناء والمواطنين، فيما تم تهريب الشيخ الهرش عبر الأردن، ومنها إلى مصر، وأهداه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لاحقاً نوط الامتياز من الطبقة الأولى.

مدبولي خلال المؤتمر الحاشد الذي عقد في سيناء (الحكومة المصرية)

تنمية سيناء

وعدّ عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان المصري) عن شمال سيناء، فايز أبو حرب، زيارة رئيس الوزراء المصري لسيناء في ظل الأجواء «الصعبة» التي يعيشها قطاع غزة، وفي ذكرى مؤتمر الحسنة «رسالة واضحة الدلالة»، مؤكداً أن «مصر كلها رسمياً وشعبياً ترفض أي تهجير للأشقاء الفلسطينيين، وتتمسك بدعمهم للصمود على أرضهم، وعدم منح سلطات الاحتلال الإسرائيلية الفرصة لتنفيذ مخططاتها الإجرامية وارتكاب نكبة جديدة بحق الشعب الفلسطيني».

وأضاف أبو حرب أن إصرار الدولة المصرية على استكمال مشروعات تنمية سيناء وتخصيص 363 مليار جنيه (الدولار يعادل 30.9 جنيها) يمثل أيضاً «دليلاً عملياً» على تمسك مصر بسيناء ومستقبلها، ونفياً واقعياً لأي محاولات للإشارة إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية لتمرير مشروعات التهجير، مؤكداً أن أبناء سيناء «يقفون على قلب رجل واحد لدعم موقف الدولة الرافض لأي تهجير للفلسطينيين».

ونفذت مصر المرحلة الأولى من خطة التنمية الاقتصادية لسيناء منذ 2014 حتى 2023، وأنفقت ما يزيد على 600 مليار جنيه مصري على مشروعات التنمية فيها، كما أنشأت شبكة من الأنفاق والجسور التي تربط سيناء بوادي النيل.


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث إسرائيلي عن «إدارة عسكرية» لغزة يعقّد جهود «الهدنة»

الحديث الإسرائيلي عن خطط لإدارة غزة يراه خبراء، تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، بمثابة «تعقيد خطير لجهود التهدئة المتواصلة بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.