حكومة الدبيبة تعلن توسيع حدود ليبيا البحرية

محللون عدوا القرار صفحة جديدة في السباق على مصادر الطاقة بحوض «المتوسط»

من اجتماع سابق لحكومة الدبيبة في طرابلس (الحكومة)
من اجتماع سابق لحكومة الدبيبة في طرابلس (الحكومة)
TT

حكومة الدبيبة تعلن توسيع حدود ليبيا البحرية

من اجتماع سابق لحكومة الدبيبة في طرابلس (الحكومة)
من اجتماع سابق لحكومة الدبيبة في طرابلس (الحكومة)

وسط انشغال إقليمي ودولي بالحرب المستعرة في غزة، أعلنت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إنشاء منطقة بحرية جديدة، في خطوة عدّها محللون صفحة من فصل جديد في مضمار السباق المحتدم على مصادر الطاقة في حوض البحر المتوسط.

وعلاوة على تباين المواقف بين معسكري شرق ليبيا وغربها بشأن ترسيم الحدود البحرية، فإن هذا الملف لا يزال يشكل نقطة خلاف إقليمي جوهري بين تركيا من جانب، وبين اليونان وقبرص ومصر من جانب آخر، وهو ما ظهرت بوادره منذ توقيع اتفاق حدودي بحري بين حكومة طرابلس وتركيا عام 2019.

ويبدو أن هذا المسار سيبقى متواصلاً، وفق تقدير مراقبين، خصوصاً بعدما قررت حكومة «الوحدة» (غرب ليبيا) نهاية الأسبوع الماضي إنشاء منطقة بحرية متاخمة لحدودها في البحر المتوسط، ما يعيد التساؤل حول دلالة هذا الإجراء، ويفتح الجدل مجدداً حول قانونية هذا القرار.

ويوسع القرار الليبي الجديد سلطة الحدود البحرية من 12 إلى 24 ميلاً بحرياً، وقد بررت وزارة الخارجية بحكومة الدبيبة ذلك بأن المنطقة تقع «ضمن الحقوق السيادية لليبيا على المنطقة المتاخمة لمياهها الإقليمية، ولا تخالف القانون الدولي، أو تعتدي على الحدود البحرية للدول الأخرى»، وفق محمد الحراري، رئيس لجنة الحدود البرية والبحرية بالوزارة في اجتماع حكومي الخميس الماضي.

لقطة من تسجيل مصور لخريطة إحداثيات المنطقة البحرية الليبية الجديدة

وفي مقابل تأكيده على أن مشروع القرار الليبي يؤيد دولة تونس في حدودها البحرية الشرقية، قال الحراري أمام الاجتماع الوزاري إن «الرسم الموجود في الخريطة المرفقة بمشروع القانون يؤيد موقف بلاده ضد قرار مصر (595) بتحديد حدودها البحرية الغربية في البحر المتوسط».

وعلى الرغم من نفي الحراري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وجود «أي تأثير لهذه المنطقة على دول الجوار والدول المقابلة بأي شكل»، فقد توقع أستاذ القانون الدولي محمد الزبيدي أن يغذي مشروع القرار الليبي «صراع نفوذ في منطقة شرق المتوسط».

ويعتقد الزبيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأتراك يلحون على تنفيذ الاتفاقية وتفعيلها في التشريعات المحلية الليبية، بحيث يصبح لديهم المسوغ القانوني لاستكمال الترتيبات الحدودية في حوض المتوسط، حتى وإن رحلت حكومة الدبيبة بعد الانتخابات المنتظرة».

ووفق بعض المحللين، فإن المشروع الليبي هو خطوة متقدمة في مسار تفعيل مذكرة التفاهم، الموقعة بين حكومة فائز السراج السابقة في غرب ليبيا، وبين تركيا في عام 2019 بشأن تحديد مناطق الصلاحية في البحر المتوسط، وهي المذكرة التي لاقت رفضاً من مصر واليونان.

ووفق الحراري، فإن المنطقة البحرية، التي تحدث عنها وتمتد على طول الساحل الليبي، موازية لخطوط الأساس التي تقاس منها المناطق البحرية كافة، وقال موضحاً: «هي منطقة ملاصقة ومجاورة للبحر الإقليمي، وهي ذات منشأ عرفي دونتها ونصت عليها المادة (33) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، وقد أعطت الدولة الساحلية الحق في إعلانها بما لا يتجاوز الحد الأقصى المقرر، وهو 24 ميلاً بحرياً».

رئيس لجنة ترسيم الحدود البحرية الليبية محمد الحراري (حكومة الوحدة)

ويصف الزبيدي حديث حكومة الدبيبة عن المنطقة البحرية بأنه امتداد طبيعي لـ«صفقة السراج وإردوغان بشأن الحدود البحرية في عام 2019، التي تغيرت على أثرها موازين القوى في حرب العاصمة طرابلس، وذلك بفضل الدعم العسكري التركي لقوات السراج». وشكك الزبيدي في شرعية هذه الخطوة، قائلا إن «مشروع قرار إنشاء منطقة بحرية جديدة عمل مخالف للاتفاقية الدولية لقانون البحار الصادرة 1982، واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969».

ولم تنضم ليبيا إلى اتفاقية قانون البحار المذكورة، لكن الحراري قال إن ترسيم الحدود في المنطقة المتاخمة للمياه الإقليمية في ليبيا يأتي «وفق أعراف سائدة في القانون الدولي».

ويوسع ترسيم الحدود الليبية في شرق المتوسط دائرة الجدل حول الصراع على مصادر الطاقة في منطقة تزخر بوجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط، وفق تقديرات سابقة صدرت عن هيئة المسح الجيولوجية الأميركية.

توقع وزير النفط محمد عون ارتفاع الإنتاج إلى مليوني برميل يومياً خلال فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات (الوحدة)

يقول المحلل السياسي والأستاذ بجامعة درنة، يوسف الفارسي لـ«الشرق الأوسط» إن منطقة شرق المتوسط «ملغومة بالطموحات، ومن حق ليبيا أن تدخل سوق الطاقة العالمية، وتطور إنتاجها، وتمد ممرات اقتصادية جديدة»، مبرزا أن «المنطقة البحرية من سرت، حيث توجد الموانئ النفطية، وصولاً إلى الحدود مع مصر، تقع في نطاق الحدود الليبية، وتزخر باكتشافات نفط وغاز ضخمة، لم يجر تطويرها بواسطة شركات أجنبية بسبب الأوضاع في البلاد». لكنه استبعد وقوع أضرار على مصر ودول الجوار، إذ إن «مشروع الترسيم الحدودي يندرج تحت أعمال الحق السيادي وليس السيادة».

وتشير أحدث أرقام رسمية إلى أن إنتاج النفط الخام الليبي بلغ 1.2 مليون برميل يومياً، ووفق تقديرات البنك الدولي، في حين توقع وزير النفط بحكومة الدبيبة، محمد عون، ارتفاع الإنتاج إلى مليوني برميل يومياً خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.

ووفق تقديرات البنك الدولي تمتلك ليبيا 3 في المائة من احتياطيات النفط والغاز المؤكدة عالمياً، لتكون المخزونات الليبية هي الأكبر من بين 10 دول على مستوى العالم.


مقالات ذات صلة

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

شمال افريقيا السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

يقبع السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، التي سمحت بنقله إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

وسط صمت رسمي من السلطة التنفيذية بطرابلس، دخل ديوان المحاسبة في ليبيا دائرة الصراع على رئاسته بين رئيسه خالد شكشك، ووكيله الموقوف عطية الله السعيطي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عمليات شفط مياه الأمطار في بنغازي (وسائل إعلام ليبية)

سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في شرق ليبيا

أدّت التقلبات الجوية العنيفة التي شهدتها معظم مناطق شرق ليبيا إلى تعليق الدراسة في مدن عدة، بناءً على توجيه من السلطات المحلية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)
السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)
TT

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)
السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

يوشك عبد الله السنوسي، رئيس جهاز الاستخبارات الليبية في نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، أن يودّع حياة السجن بمفهومه العام، لينتقل إلى مقر آخر أكثر خصوصية خارج أسواره، لكنه يظل تحت رقابة سجانيه.

واطمأن وفد من قبيلة المقارحة، التي ينتمي إليها السنوسي، على صحته خلال أول لقاء جمعهم به مساء الأربعاء منذ اعتقاله، ووضعه في سجن معيتيقة بطرابلس، لكنهم طالبوا بسرعة إطلاق سراحه.

السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

والسنوسي (73 عاماً) واحد من أقوى رجال النظام السابق، وقد حكم عليه بالإعدام عام 2015 لاتهامه بقمع «ثورة 17 فبراير (شباط)» 2011. وفي نهاية عام 2019 برأته محكمة في العاصمة طرابلس مع آخرين من حكم مماثل في قضية «سجن أبو سليم»، غير أن المحكمة العليا نقضت الحكم قبل نحو عام، وأعادت المحاكمة بإسنادها لدائرة جنايات جديدة.

مطالب بسرعة الإفراج عن السنوسي

يقبع السنوسي في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، برئاسة عبد الرؤوف كاره، التي منعته من المثول أمام القضاء 13 مرة متتالية، لكنها سمحت بمثوله مطلع العام الجاري أمام محكمة استئناف طرابلس، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، بعد سلسلة طويلة من تأجيل القضية.

وقال الشيخ هارون أرحومة، أحد أعيان قبيلة المقارحة، لـ«الشرق الأوسط»، اليوم (الخميس)، إن وفداً من القبيلة اطمأن على السنوسي، الذي يعاني من مرضي القلب وسرطان الكبد، مشيراً إلى أنه «تمت الموافقة على نقله من السجن إلى فيلا بسوق الجمعة بطرابلس، ونطالب بالإفراج عنه لأنه لم يرتكب جرماً».

المنفي مستقبلا وفد من قبيلة المقارحة (المجلس الرئاسي الليبي)

وأوضح الشيخ هارون أن الوفد الذي ضمّ 22 شخصاً من مشايخ ووجهاء المقارحة، التقى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الأربعاء، وجددوا مطلبهم بـ«ضرورة الإسراع بالإفراج عن ولدنا عبد الله». وقال بهذا الخصوص: «هذا رابع اجتماع بالمنفي، وقد سبق أن رفعنا إليه جميع التقارير الطبية، التي تؤكد اعتلال صحة السنوسي». مبرزاً أن الوفد الذي التقى أيضاً مشايخ من سوق الجمعة «حصل على وعد من المنفي بإطلاق سراح السنوسي. ونتمنى تحقق ذلك في القريب العاجل»، وأضاف موضحاً: «لقد سمحوا بنقله إلى (حوش) فيلا في سوق الجمعة رهن الإقامة الجبرية، كي تتمكن ابنته سارة وأولادها وباقي الأسرة من الدرجة الأولى، بالإضافة إلى الأطباء، من زيارته».

وخلال مثوله أول مرة أمام محكمة استئناف طرابلس، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وجهت له أكثر من 25 تهمة، من بينها قتل المتظاهرين خلال «ثورة 17 فبراير» عام 2011، بحسب محاميه أحمد نشاد، لكنه «نفاها جميعاً».

وأوضح المجلس الاجتماعي بـ«سوق الجمعة والنواحي الأربعة» أنه عقب الانتهاء من لقائه بوفد قبيلة المقارحة، تم التنسيق مع «جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة»، ونظمت زيارة للسنوسي بالتنسيق مع المجلس الرئاسي.

وكان المنفي قد التقى وفداً من أعيان وحكماء قبيلة المقارحة بمقر المجلس في العاصمة طرابلس، وأوضح المجلس أن الوفد أكد «الدور الكبير»، الذي يضطلع به المنفي تجاه ملف المصالحة، وأهميته للاستقرار على المستويات كافة، كما تطرق اللقاء للخطوات العملية المتخذة من قبل المجلس الرئاسي حول ملف السجناء السياسيين.

استهداف السنوسي

العقيد السنوسي هو زوج شقيقة صفية فركاش، الزوجة الثانية للقذافي، وكان ضمن الدائرة المقربة جداً منه طوال فترة حكمه، التي جاوزت 42 عاماً. ويدافع أنصار السنوسي عنه في مواجهة أي اتهامات توجه إليه، مشيرين إلى أنه «مستهدف لكونه شخصية مؤثرة في ليبيا سابقاً وراهناً».

السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

وعلى مدار العام الماضي، أرجأت محكمة استئناف طرابلس محاكمة السنوسي ومنصور ضو، رئيس الحرس الخاص للقذافي، 13 مرة، إلى موعد آخر بسبب رفض ميليشيا «قوة الردع الخاصة»، التي تحتجز السنوسي في سجن معيتيقة بالعاصمة، مثوله أمام المحكمة.

وكانت وزيرة العدل بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، حليمة عبد الرحمن، قد أمرت في نهاية عام 2022 بالإفراج الصحي عن منصور ضو، لكن لم يُسمح له بمغادرة سجنه.

وضو، المودع بسجن مصراتة العسكري غرب ليبيا، كان آمراً لحرس القذافي برتبة عميد، وظل إلى جواره حتى اعتقل معه في 20 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، لكنه نجا من القتل، ومنذ ذلك التاريخ وهو ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بتهمة التنكيل بمتظاهري «ثورة 17 فبراير».

سيف الإسلام القذافي (أ.ب)

وكان الفريق الممثل لسيف الإسلام، نجل القذافي، انسحب من اجتماع «المصالحة الوطنية»، وأرجع ذلك لأسباب عدة، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق الذين لا يزالون بالسجن.